ملخص
لا شك في أن مقاطع الفيديو التي أظهرت طفلة تتعرض لملاحقة حيوان عدائي ستترك انطباعاً مؤلماً لدى الأهالي إلى الأبد. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: أين كان مالك الكلب؟ وهنا يكمن الجزء الأساسي المفقود في هذا النقاش
قلة من الأشخاص الذين شاهدوا الهجوم المرعب في مدينة برمنغهام البريطانية على فتاة تبلغ 11 سنة سيعترضون على الرأي القائل بوجوب اتخاذ خطوات في ما يتعلق بالكلاب في هذه البلاد. ولا عجب أن تقوم وزيرة الداخلية سويلا برافرمان بالدعوة إلى حظر هذا النوع من الكلاب الذي يطلق عليه اسم "أكس أل بولي" XL bully.
لا شك في أن مقاطع الفيديو التي أظهرت طفلة تتعرض لملاحقة حيوان عدائي ستترك انطباعاً مؤلماً لدى الأهالي إلى الأبد. كان الهجوم مرعباً لدرجة أن آلاف الأشخاص يطالبون الآن بحظر فوري لهذه الفصيلة من الكلاب. ولكن إن كان هذا أول ما يتوارد إلى ذهنكم، فيجب أن يكون السؤال التالي الذي يطرح نفسه: أين كان مالك الكلب؟ وهنا يكمن الجزء الأساسي المفقود في هذا النقاش.
نحن من نقوم بجعل الكلاب تتكاثر ثم نقوم بتربيتها. كلب "أكس أل بولي" هذا لم يخلق نفسه بنفسه أو يطعم نفسه أو يتدرب بمفرده. إن شخصاً بشرياً كان مسؤولاً عن كل ذلك، ومن دون معالجة مسألة الذكورية السامة التي تقود النزعة المتزايدة لإنتاج "كلب قوي"، من شأن أي حظر أن يكون إخفاقاً. وفي هذا السياق، تعتبر جمعيات على غرار الجمعية الملكية لمنع القسوة على الحيوانات RSPCA ونادي مربي كلاب بولي في المملكة المتحدة UK Bully Kennel Club بأن "اعتماد مقاربة ترتكز على الصنف هو أمر خاطئ".
في المملكة المتحدة، كثير من أصناف الكلاب القوية. كانت سلالة روديسيا ريدج باك Rhodesian ridgeback في الأساس عبارة عن كلاب تستخدم لاصطياد الأسود، وكان الكلب الدنماركي الضخم يملك العضلات والوزن المناسب لاصطياد الخنازير البرية والغزلان، فيما درب كلب أكيتا الياباني akita في الأساس لكي يستعان به للقتال والصيد. كل تلك الكلاب صممت على يد الإنسان للقيام بوظائف قوية مع أوزان بوسعها أن تتسبب بسهولة في إصابة شخص أو طفل. فلماذا لا تتصدر تلك الأصناف عناوين الصحف ووسائل الإعلام؟ ببساطة لأن الأشخاص الذين يربون كلاب "أكس أل بولي" والبيت بول والبوكيت بولي ليسوا مهتمين بتلك الأصناف، أقله حتى الآن.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لا بد من الإشارة إلى أن أصناف كلاب "بول" bull هي من الكلاب المفضلة بالنسبة إلي، فهي محبة ومرحة وتحب اللعب، ولكنها تتعرض لتربية سيئة مما يترك أثراً مدمراً.
انطلاقاً من تجربتي، هؤلاء الأشخاص بمعظمهم من الرجال. إنه نوع محدد من الرجال الذين يملكون مفهوماً ساماً للذكورية إضافة إلى الحاجة لتقديم أنفسهم للعالم بأنهم يتولون مسؤولية كلب قوي ويتحكمون به. كلب يعتمد "التمزيق" و"التقطيع" كما يحبون هم أو بالأحرى يحل مكانهم في هذا الفعل.
في الواقع، تم التطرق إلى الذكورية السامة toxic masculinity بتفاصيل دقيقة في العلاقة مع المرأة والضرر الذي يلحقه هذا المفهوم بالمجتمع. ولكنني كنت أنتظر أن يكشف عنه في عالم الكلاب منذ سنوات. تصفحوا تطبيق "إنستغرام" وسرعان ما ستجدون أمثلة عن رجال يستعرضون كلابهم ويستخدمون مصطلحات على غرار "هايدس Hades في إشارة إلى إله العالم السفلي في الاساطير الإغريقية - انظروا إلى جسم هذا الوحش المشدود" أو عبارات على غرار "عظام صدر هذا الكلب وحجمه الإجمالي هو أمر جنوني". سيتم "شده للأعلى لكي يطلق العنان لقوته" (وهي طريقة لوصف طية الأنف فوق الأنف نفسه) فضلاً عن القيام بقص الأذنين لإظهار صورة "الكلب الصلب والقوي" علماً أن قص الأذنين هو أمر غير قانوني في المملكة المتحدة، ولكنه ما زال يحصل.
تظهر صفحات أولئك الرجال على مواقع التواصل الاجتماعي كلاباً تقفز وتسحب الرسن إلى الأمام – كلها لقطات وصور تظهر أشخاصاً يرتدون كنزة هودي أو مع دراجات نارية وسيارات فارهة في الخلفية. ويستخدم هؤلاء مجموعة من رموز الإيموجي كالغوريلا وشعلة النار وسيارة السباق ولكمة اليد والصاروخ لتسليط الضوء على مدى قوة وصلابة وفرادة ووحشية وضخامة الكلب الذي قاموا بتربيته. يذكرنا هؤلاء بأن الكلاب التي يصنعونها تتمتع بعضلات قوية وبنية ضخمة وعملاقة وعادة ما يرفقون منشوراتهم بلغة تظهر مدى منحهم الأولوية للترهيب: "بنية هذه الكلبة وسلالتها فريدة ومختلفة، يضم كثيراً من سلالة البولي الأميركية مع بعض أنواع كليك غانغستر".
نشأت عقيدة متعلقة بسلالة كلاب البول دوغ، فامتلاك "كلب قوي" يعكس قوة مالكه وسلطته. فما بالك إذا قام بتكاثرها وتربيتها، في هذه الحالة سينال مزيداً من الإشادة والثناء لأن ذلك سيشكل مؤشراً حقيقياً على قوتك وسيستوجب حتماً تقديم الاحترام لك.
ولكن الذكورية السامة تترك أثراً مدمراً في كلابنا، من الرجال الذين ينشئون ويديرون مزارع جراء الكلاب إلى تجار المخدرات الذين تحولوا إلى تجار كلاب وصولاً إلى عمليات التكاثر والتربية ضمن ظروف غير مواتية. أصبح هؤلاء الكلاب مؤشراً على مكانة مالكيهم الذين لا يهتمون بالأخلاقيات والتوجيهات المناسبة لتربية الكلاب وتأمين رفاهها.
في هذا الصدد، أبلغت لجنة العموم أخيراً عن المسائل المرتبطة "بعيادات الخصوبة" التي أنشئت وهي تعمل بشكل قانوني في أنحاء المملكة المتحدة وحيث بوسع أي شخص القيام بعمليات تكاثر وتلقيح أي كلب أو كلبة يرغبون في الحصول عليه أو عليها. وهذا ما يقومون به. ولهذا السبب نرى تسميات غريبة تطلق على لون الفراء على غرار "لون شوكولاته وأزرق بثلاثة تدرجات وأسمر"، "لون الشوكولاته بالكامل" وهي أمور لا تخدم صحة الكلب، بل تشكل طريقة لتسويقه وإظهار تفوق الذين يعملون على تكاثره.
من المفهوم لماذا يشكل حظر نوع "أكس ال بولي" الخطوة التالية. فهو يبدو أمراً منطقياً وضرورياً. ولكن من دون الوصول إلى الأعماق القذرة لعالم تناسل الكلاب وتفكيكها، فلن نصل إلى خواتيم مناسبة لهذه المسألة. وانطلاقاً من هذا، تعتبر مجموعة "بوليس هاف ماي دوغ" Police Have My Dog وهو فريق قانوني يدعم الكلاب التي احتجزت أو التي تجري الشرطة تحقيقاً في شأنها، أن "إضافة صنف آخر من الكلاب على لائحة الكلاب المحظورة هو بمثابة وضع ضمادة على مشكلة أكبر بكثير".
لقد سمحت الحكومة لوقت طويل بتربية الكلاب بطريقة مروعة من خلال مزارع الجراء وبالتالي توليد كلاب ليست ملائمة لتعيش في منازل العائلات التي غالباً ما تترافق بمجموعة من المشكلات السلوكية والطبية. صدقوني، أنا أتعرف على تلك الكلاب من النظرة الأولى. تستمر السلطات في غض النظر عن مربي الكلاب الذين يكسبون الأموال من الكلاب مع قيام بعض المجالس البلدية بإصدار تراخيص زيادة نسل وتربية كلاب لأشخاص يملكون أكثر من 50 كلباً يمكنهم العمل على تكاثر الكلاب من خلالها.
عوضاً عن فرض حظر متسرع وغير مدروس، يجب أن يشكل هذا وقتاً للقيام بالتزام مناسب وتغيير الطريقة التي تتم فيها عمليات تكاثر الكلاب وتربيتها. ويسري هذا الأمر على كل الكلاب وأصنافها وليس على أنواع "أكس أل بولي" وحسب. إن لم نعالج هذه المشكلة بطريقة ملائمة، سينتقل الرجال السيئون إلى صنف قوي آخر وسنعود لنقطة الصفر من جديد.
لويز غلايزبروك هي عالمة في سلوكيات الكلاب ومدربة كلاب ومؤلفة كتاب The Book Your Dog Wishes You Would Read. موقعها الإلكتروني www.louiseglazebrook.com
© The Independent