ملخص
تسعى الإدارة الأميركية جاهدة إلى عقد علاقات بين السعودية وإسرائيل، فما الفائدة المرجوة التي ينتظرها بايدن وفريقه من الديمقراطيين؟
تبذل الإدارة الأميركية قصارى جهدها لتحقق تقدماً واضحاً في ملف العلاقات السعودية – الإسرائيلية، قبل أن تغرق الإدارة الديمقراطية في تفاصيل الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، لتحسب في رصيد استحقاقاتها الرئاسية، خصوصاً مع تراجعه تحت وقع الانتقادات التي تقدم في شأن أداء بايدن الرئاسي.
أولوية سياسية
مساعدو الرئيس الأميركي وضعوا هذا المسعى الدبلوماسي أولوية في السياسة الخارجية للبلاد، رغم شكوك متفاوتة لدى المراقبين حول ما إذا كان التوقيت والظروف الراهنة والقيادة الحالية في المنطقة مناسبة لاتفاق له ثقل يعيد به تشكيل الوضع الجيوسياسي بمنطقة الشرق الأوسط الشائكة.
خطوة بايدن هذه تمثل تراجعاً كبيراً على طريقه الرئاسي الذي أمضى معظمه يحاول النأي بالولايات المتحدة عن التدخل في مشكلات المنطقة العربية، لكن مصالح واشنطن جعلت العودة للمنطقة أمراً ملحاً بعد دخول الصين على خط تفاصيل المنطقة، فهي جزء من المنافسة العالمية على النفوذ أمامها ولتعزيز جهودها في عزل روسيا.
أتي حديث الإعلام الأميركي اليوم عن مباحثات لتوقيع معاهدة دفاع مشترك بين الرياض وواشنطن لإقناع المملكة بإقامة علاقات مع تل أبيب.وكشفت صحيفة "نيويورك تايمز" في تقرير لها، أمس الثلاثاء، عن نوايا أميركية لتعزيز التعاون الدفاعي مع الرياض من خلال عقد اتفاقية دفاع مشترك مع الجانب السعودي تكون شبيهة باتفاقيات أبرمت بين الولايات المتحدة ودول مثل اليابان وكوريا الجنوبية.
ووفق ما صرح به عدد من المسؤولين الأميركيين السابقين والحاليين لـ"نيويورك تايمز"، فإن الولايات المتحدة ستلتزم وفق الاتفاقية تقديم الدعم العسكري إذا تعرضت الرياض لهجوم في المنطقة، أو على الأراضي السعودية.لكن السؤال الذي يطرح نفسه، ماذا وراء حرص إدارة بايدن على عقد العلاقات السعودية - الإسرائيلية الذي عده متخصصون هدفاً صعباً؟ وما الذي سيجنيه من هذه الخطوة؟
يروج مسؤولون أميركيون للمنافع المحتملة للمنطقة العربية من هذا الاتفاق، فهو سيسهم في التخلص من احتمال وصول الصراع العربي - الإسرائيلي إلى نقطة اشتعال وتعزيز تحصين المنطقة في مواجهة إيران ومواجهة نفوذ ونجاحات الصين في منطقة الخليج.
النائب السابق لمسؤول المخابرات الوطنية لشؤون الشرق الأوسط في الحكومة الأميركية جوناثان بانيكوف صرح لـ"رويترز" بالقول إنه "إذا تم الأمر، فقد يكون إنجازاً عظيماً لسياسة البلاد الخارجية".
ووفق "رويترز"، فإن من شأن إقامة العلاقات بين البلدين أن يستميل الناخبون المؤيدون لإسرائيل في الانتخابات، ويجعل من الصعب على الجمهوريين مهاجمة بايدن بسبب العلاقات المتوترة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، التي كان سببها تحذير بايدن لرئيس الحكومة الإسرائيلية خلال العام الحالي، من أنه لا يمكنه الاستمرار في طريق إصلاح النظام القضائي مما أثار رداً قاسياً.
بانيكوف أوضح أيضاً "أن إسرائيل دولة ذات سيادة تتخذ قراراتها بإرادة شعبها، ولا تستند إلى ضغوط الخارج، بما في ذلك من أفضل الأصدقاء"، واتهم الرئيس الأميركي بالتدخل في سياسات دولة أخرى.
بين تأكيد ونفي
على رغم ما يتردد بين الحين والآخر عن التقدم في العلاقات السعودية - الإيرانية، فإن الاتفاق المتداول الحديث عنه لم يبرح مكانه بين نفي سعودي وحديث على لسان مسؤول إسرائيلي وآخر أميركي يدور في فلك أن الأمر بات قريباً.
خلال اليوميين الماضيين تناولت مصادر إعلامية تقارير صحافية تفيد بانسحاب الرياض من المفاوضات القائمة، إلا أن وزارة الخارجية الأميركية نفت هذا، فيما أعلن مكتب شؤون الشرق الأدنى في وزارة الخارجية الأميركية عبر حسابه في منصة "إكس"، أن الولايات المتحدة تظل ملتزمة بتعزيز إسرائيل إقليمياً، بما في ذلك من خلال الدبلوماسية النشطة التي تهدف إلى العلاقات الإسرائيلية - السعودية". وأضاف "المحادثات مستمرة، ونتطلع إلى مزيد من المحادثات مع الجانبين".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
حل الدولتين
في الوقت ذاته الذي تسعى فيه واشنطن إلى التوصل إلى عقد علاقات بين الرياض وتل أبيب، دعا وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان إسرائيل إلى التعامل بجدية لتسوية الصراع مع الفلسطينيين.
وأوضح "لن يكون هناك حل للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي من دون دولة فلسطينية مستقلة". وأضاف في تصريحات لقناة "الإخبارية" السعودية أمس الإثنين "الناس بدأت تفقد الأمل في حل الدولتين (الإسرائيلية - الفلسطينية)، ونريد من خلال المجهودات إعادتها للواجهة".
يشار إلى أن الرياض قدمت مطالبات لإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل تلبي مصالحها الأمنية والجيوسياسية، مما عده مراقبون شروطاً تعجيزية تتلخص أولاً في ضمان الأمن القومي السعودي على غرار التزام الولايات المتحدة بحلف الناتو ودعم المشروع النووي السلمي السعودي، وكذلك الموافقة على شراء أنظمة الأسلحة الأميركية الأكثر تقدماً.
وعلى رغم تحفظ السعودية الرسمي على تقارب العلاقات المشتركة مع إسرائيل خلال العقود الماضية، فإن عام 2017 شهد تغيراً واضحاً وتصريحات علنية من البلدين، فمنذ أن أقامت الإمارات والبحرين علاقتهما مع إسرائيل قبل أربع سنوات فتحت الرياض مجالها الجوي في أكثر من مناسبة أمام الرحلات الإسرائيلية. كما استقبلت أخيراً موفدين من إسرائيل للمشاركة في اجتماع عقدته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" بالعاصمة بناء على دعوة وجهتها لهم المنظمة، كما استقبلت مشاركين إسرائيليين في مناسبات رياضية واقتصادية.
المسؤولون الأميركيون من جانبهم يعترفون بوجود عديد من العقبات التي تجعلهم لا يملكون أية ضمانة لنجاح المفاوضات حتى الآن، إذ أشار وزير الخارجية أنتوني بلينكن في تصريح سابق له مع نظيره الألماني إلى أن العلاقات بين إسرائيل والسعودية ليست أمراً مضموناً، وعندما سيتحقق سيكون برأيي حدثاً سيؤدي إلى تحول كبير في الشرق الأوسط وحتى أبعد منه، خارج المنطقة.
في السياق كان مسؤول أميركي أعلن لـ"رويترز"، طلب عدم الكشف عن هويته، "نتحدث بفعالية، ولكن لا توجد حتى مجموعة من المبادئ في الوقت الحاضر لما سيبدو عليه الاتفاق".
وبالنسبة إلى الرئيس الإسرائيلي نتنياهو فإن العلاقات الدبلوماسية مع الرياض ستكون جائزة طال انتظارها، ويمكن أن تشجع دولاً إسلامية أخرى على أن تحذو حذوها، وتمهد الطريق لتوسيع التكامل الاقتصادي لإسرائيل في منطقة الشرق الأوسط الأوسع، لكن نتنياهو لم يقم بأية خطوات حقيقية وملموسة لصالح الفلسطينيين تطالبه السعودية بها، وهو أمر يسعى بايدن أيضاً إلى تحقيقه.
ويذهب مراقبون إلى أنه إذا نفد الوقت فقد تلجأ الإدارة الحالية إلى القبول باتفاق محدود، أو محاولة الاتفاق على الخطوط العريضة لاتفاق مستقبلي، والفكرة من هذا هي تسوية التفاصيل لاحقاً إذا فاز بايدن بولاية ثانية.
دعم عملية السلام
وفي هذا الصدد قررت عدد من الدول العربية والاتحاد الأوروبي بدء إعداد مبادرة "حزمة دعم عملية السلام" بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لتنشيط عملية السلام المتوقفة منذ 2014 بين الطرفين، وذلك وفقاً لبيان مشترك صادر عن السعودية والجامعة العربية والاتحاد الأوروبي بالتعاون مع مصر والأردن أمس.
وذكر البيان أن هذه المبادرة، التي تم إطلاقها في مقر الأمم المتحدة تهدف إلى "إنشاء حزمة دعم السلام لتعظيم فوائد السلام للإسرائيليين والفلسطينيين بمجرد التوصل إلى اتفاق نهائي". وأضاف أن "الوضع في المنطقة لا يزال يمثل تحدياً" مشدداً على "الضرورة الملحة لتنشيط عملية السلام على أساس حل الدولتين".
جاء البيان عقب اجتماع وزاري بين الأطراف في نيويورك، الإثنين 18 سبتمبر (أيلول) بحسب وكالة الأنباء السعودية (واس).
ووفقاً للوكالة السعودية الرسمية تتركز الجهود الدولية على "الحفاظ على حل الدولتين، واحترام القانون الدولي، وقرارات الأمم المتحدة، والوضع الراهن للأماكن المقدسة في القدس، وتعتمد على مبادرة السلام العربية وعرض السلام الذي قدمه الاتحاد الأوروبي لعام 2013، مع التركيز على تحقيق مكاسب السلام الشامل".ويدعو المبادرون إلى "وضع حد للإجراءات الأحادية الجانب التي تقوض حل الدولتين، ويحثون على إجراء مفاوضات ذات مصداقية".