Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نساء شكسبير يقرأن شخصياته على طريقتهن في "هاملتهن"

مسرحية للكاتبة والمخرجة الكويتية سعاد الدعاس مع فريق عمل مصري

مشهد من مسرحية " هاملتهن" للمخرجة الكويتية سعاد الدعاس في القاهرة (خدمة العرض)

ملخص

مسرحية للكاتبة والمخرجة الكويتية سعاد الدعاس مع فريق عمل مصري

حظيت نساء شكسبير باهتمام عديد من النقاد والباحثين، وتناولتهن دراسات عدة. منها مثلا كتاب" خصائص نساء شكسبير" لمؤلفته أنا جيمسون، التي قدمت فيه خمساً وعشرين صورة تحليلية من صور النساء في مسرحيات الكاتب البريطاني الأشهر، منهن نساء الذكاء والفطنة، ونساء المطامع والمغامرات، ونساء العاطفة والحنان، والنساء المعروفات في التاريخ مثل كليوباترا وغيرها، وليس فيهن واحدة تشبه الأخرى في تركيبتها الشخصية.

هناك أيضاً كتاب "النساء في مسرح شكسبير" لمؤلفته جوديث كوك، ترجمة سامي عبدالحميد. وكذلك دراسة لويس ليويس عن "النساء في أعمال شكسبير" التي رأى فيها أن النساء يمثلن أكثر إبداعاته أصالة، فهن مختلفات للغاية، ككل، في الأفكار عن النوع النسائي السائدة في أدب عصره. ورأى أيضاً أن العصا السحرية لهذا الشاعر غاصت في أعماق طبيعة المرأة، فإلى جوار الحب والعاطفة الشديدة توجد عواطف رهيبة تلعب أدوارها الخطيرة والقاتلة.

قد تتجسد نزعات مثل الحب والعاطفة الشديدة والمشاعر الرهيبة التي تلعب أدواراً خطيرة وقاتلة، أكثر ما تتجسد في مسرحية "هاملت" وهو ما التفتت إليه الكاتبة والمخرجة الكويتية سعداء الدعاس، في صياغتها لنص" هاملتهن"المأخوذ عن النص الأصلي. وكذلك في الرؤية الإخراجية التي قدمتها في عرضها، الذي حمل العنوان نفسه، ونفذته مع فريق مصري في مركز الإبداع دار الأوبرا في القاهرة، تحت إشراف المخرج خالد جلال.

 

العرض تم تقديمه قبل سنوات، وأعيد تقديمه بموازاة مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، الذي انتهى أخيراً. ربما ثقة من صناعه في تجريبيته التي تتيح له التواجد إلى جوار المهرجان، حتى لو لم يكن مشاركاً في برنامجه الرسمي، ورغبة كذلك في أن يشاهده ضيوف المهرجان من العرب والأجانب. وهي ثقة ورغبة في محلهما على أية حال.

اختارت سعداء الدعاس شخصيتي الملكة الأم غيرترود، والحبيبة المغدورة أوفيليا. ابتعثتهما من موتهما لتقدما الحكاية من منظورهما، بل ولتقدما شخصيات النص الرجلية بحسب المنظور نفسه، في ما يمكن اعتباره ديو- دراما مسرحية تعيد رسم الشخصيات والأحداث من وجهة نظر نسائية. كيف تقرأ كل واحدة منهما الأحداث؟ الملكة الأم التي اقترنت بكلوديوس شقيق زوجها وقاتله، وأوفيليا التي أحبت هاملت وكانت تمثل الصفاء والمثالية، وانتهت حياتها بفاجعة غرقها في النهر؟

عناصر متضافرة

في العرض ممثلتان (أميرة عبدالرحمن في دور أوفيليا، ونورا عصمت في دور غيرترود)، وخلف ستار شفاف عازفة الكمان   (نجلاء يونس) فضلاً عن حضور بارز لمصممة الأزياء (مروة عودة). هذه العناصر الثلاثة اختارتها المخرجة بعناية، وضفرتها معاً، بذكاء ونعومة شديدين، ليسهم كل واحد منها في بناء العرض في شكل يستحيل أن تكتمل صورته وأثره في غياب عنصر منها، فكل عنصر هنا له دوره الأساسي والمركزي، الذي يكمل به الآخر ويدعمه.

لا ديكورات في العرض، مساحة فارغة إلا من كرسي وحيد يتحرك على عجل، ربما لجعل المشاهد منتبهاً أكثر إلى الأداء البليغ والمحكم للممثلتين، وتلك الطاقة التي بتثتاها في أرجاء القاعة، واستحوذتا بها على حواس الجمهور.

اجتهدت الممثلتان في أداء دوريهما والانتقال من شخصية إلى أخرى بشكل " حربائي" نسبة إلى الحرباء التي تتلون بحسب البيئة الموجودة فيها. فجأة تتحول غيرترود إلى كلوديوس، أوتتحول أوفيليا إلى هاملت، أو إلى شبح والده، أو إلى سواهم من شخصيات النص. التحول هنا لا يسعى إلى استنساخ الشخصية بقدر تقديم وجهة نظر غيرتورد أوأوفيليا في الشخصية التي تجسدها، وإظهار مشاعرها الداخلية تجاهها.

هي مباراة في التمثيل بين ممثلتين بذلتا جهداً كبيراً في قراءة شخصيات النص الأصلي وتحليلها، وليس نص العرض فقط، بل تصلان إلى هذه الحالة من الأداء المتقن، الذي يعكس ما بداخلهما من مشاعر تجاه الشخصيات المؤداة. وكذلك إلى تلك الحالة من التفاهم والتناغم التي تتيح سريان العرض من دون عوائق أو فجوات. أضف إلى ذلك سلامة اللغة ومخارج الحروف، ممايشير إلى الجدية التي تعاملتا بها مع العرض.

إننا أمام شخصيتين متصارعتين متنابذتين منذ البداية، لكن إعادة تجسيد الأحداث، من وجهتي نظرهما، وطرحهما لعديد الأسئلة، تفضي بهما إلى التوحد معاً في النهاية، بعد أن كشفت الأسئلة عن كثير مما حجب عنهما، فكلتاهما خدعهما الرجل، غيرتورد التي تكتشف أن كلوديوس هو من وضع لها السم في الكأس، وأوفيليا التي تكتشف أن هاملت لم يكن يحمل لها كل هذا الحب الذي توهمته.الرجل، في العرض، يبدو أنانياً وباحثاً عن ملذاته ومجده، غير عابئ بمشاعر المرأة، أو بتضحياتها من أجله، بينما المرأة هنا مجرد أداة لتحقيق ما يسعى إليه، وسيلة لا غاية. حتى إنهما في النهاية، وقد توصلتا إلى ما خفي عنهما، ترددان معاً: لقد خدعت... لقد خدعت. لتتعمق المأساة أكثر وأكثر.

قراءة أخرى

إذاً هي قراءة أخرى سعت فيها الكاتبة والمخرجة إلى النبش عميقاً في نص شكسبير لتعيد تشكيل الشخصيات، أو في الأقل سعت إلى اكتشاف المضمر في داخل تلك الشخصيات، لتصل في النهاية إلى فكرة " المظلومية" التي تثقل كاهل المرأة، وتجعلها الأكثر تأثراً بالصراعات وما تفضي إليه. وإذا كانت غالبية المعالجات ركزت أكثر على مأساة هاملت، فإن معالجة سعداء الدعاس جعلت من الرجل هامشاً، بينما احتلت المرأة المتن كله، كما لو أنها، بذلك، تستعيد الحق المهدور للمرأة، وتعيدها إلى الواجهة، وتجعل منها من يتحكم في خيوط اللعبة، حتى ولو رمزياً.

التحولات، والانتقالات بين شخصية وأخرى، جاءت مدعومة بعزف آلة الكمان، حدة وخفوتاً، صفاء ووحشية، بحيث تعكس ما بداخل الشخصية من مشاعر، وتعين الممثلتين على الوصول إلى أقصى حد يمكن الوصول إليه في توصيل وجهتي نظرهما في الشخصية المجسدة. كما لو أن عازفة الكمان تحولت إلى ممثلة ثالثة في العرض على طريقتها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لجأت مصممة الأزياء إلى حيلة بسيطة ورمزية لانتقال الممثلة من شخصية إلى أخرى وهي بالفستان النسائي الأسود نفسه الذي ترتديه. فعندما تنتقل غيرتورد إلى شخصية كلوديوس الملك، ماعليها إلا أن ترفع قطعة قماش حمراء مثبتة في فستانها لتضعها على كتفيها كوشاح للملك. الأمر نفسه بالنسبة إلى أوفيليا التي تقلب قطعة مثبتة في فستانها مرسوم عليها سيف، لتخبرنا أنها بصدد تجسيد شخصية هاملت. وهكذا، في سرعة وبساطة، ترمز كل قطعة يتم تغييرها إلى الشخصية المجسدة. حلول عملية وبسيطة كي تؤدي الملابس وظيفتها، عملياً وجمالياً، وتسهم كذلك في ضبط إيقاع العرض والإبقاء على حالته اللاهثة على مدى أربعين دقيقة، هي المدة التي استغرقها.

أربعون دقيقة فقط كانت كافية لوصول الرؤية كاملة غير منقوصة، وكافية كذلك لتحقيق المتعة البصرية والفكرية. مرت سريعاً وبشكل خاطف على الشخصيات، لكنها لم تنزلق إلى التسرع. تأملت الشخصيات عميقاً، وأعادت رسم ملامحها، وأصابت هدفها من أقصر الطرق.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة