ملخص
ما الذي خسره الفلسطينيون في حرب أكتوبر؟
بوضع البرنامج المرحلي (النقاط الـ10) والحصول على الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً ووحيداً للفلسطينيين، استعد الفلسطينيون قبل نصف قرن لحصد نتائج حرب أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973، لكنهم أخفقوا في الاستفادة منها لأسباب عدة تبدأ بعدم استعداد إسرائيل والفلسطينيين حينها للقبول بحدود 1967 وفق القرار الأممي 242، ولا تنتهي بالصراعات بين مصر من جهة وسوريا والعراق وليبيا من جهة أخرى، وانعكاسات ذلك على المناكفات المستحكمة بين حركة "فتح" والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
بحثاً عن السلام الضائع
شهدت القضية الفلسطينية محطات مهمة كسيطرة إسرائيل على ما تبقى من فلسطين بعد هزيمة العرب المدوية خلال حرب يونيو (حزيران) 1967، ومعركة الكرامة بعدها بعام واحد، إضافة إلى "استعادة كرامتهم" في حرب 1973. تلك التحولات فرضت نفسها على التفكير السياسي الفلسطيني وطريقة مقاربة الفلسطينيين لقضيتهم وسبل حلها.
ومع أن الفلسطينيين يتفقون على أن تداعيات حرب أكتوبر فتحت الأبواب واسعة لعملية سياسية بمشاركة أطراف الصراع العربي - الإسرائيلي، فإن الطريق أمام ذلك كان شديد الوعورة ومليئاً بالكمائن.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقوبلت زيارة الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات إلى القدس في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1977 برفض عربي واسع لها وصل إلى حد مقاطعة مصر، ونتج من تلك المباغتة مؤتمر "مينا هاوس" في الجيزة، ثم مفاوضات "كامب ديفيد" ومعاهدة السلام الإسرائيلية - المصرية.
حينها قاطع العرب القاهرة بسبب "خطوتها الانفرادية"، وهو ما أسهم في رفض الفلسطينيين الانخراط في تلك العملية التي وضع لها رئيس الوزراء الإسرائيلي سقفاً بإقامة حكم ذاتي للفلسطينيين من دون إقامة دولة مستقلة.
ومع أن البرنامج المرحلي الذي صاغته "الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين" بدعم من حركة "فتح" دعا إلى "إقامة سلطة الشعب الوطنية المستقلة المقاتلة على كل جزء من الأرض الفلسطينية يتم تحريرها"، فإنه رفض حدود عام 1967.
واعتبر عضو اللجنة التنفيذية لـ"منظمة التحرير" عن "الجبهة الديمقراطية" رمزي رباح أن المنظمة "حصلت على الاعتراف بها ممثلاً شرعياً ووحيداً للفلسطينيين، وأقرت البرنامج المرحلي عام 1974 حتى تكون حاضرة في أية مفاوضات في شأن تسوية القضية الفسطينية، وكي تسد أي فراغ قد تستغله بعض الدول العربية لتمثيل الفلسطينيين".
حين غادرت مصر الصراع
وعن رفض الفلسطينيين المشاركة في العملية السياسية التي انطلقت بعد زيارة السادات إلى القدس، أوضح رباح أن الرئيس المصري كان "يتبنى حينها اتجاهاً انفصالياً سبب الكوارث للفلسطينيين وأخرج مصر من الصراع".
وتابع رباح لـ"اندبندنت عربية" أنه لم تكن هناك "أية فرصة لاستعادة الحقوق الوطنية الفلسطينية"، مشيراً إلى أن المعروض حينها كان حكماً ذاتياً للفلسطينيين.
لكن السادات شدد في مقابلة تلفزيونية على أنه يقترح إقامة دولة فلسطينة على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة وبينهما ممر آمن، على أن تشكل تلك الدولة اتحاداً كونفيدرالياً مع الأردن.
يشير عضو اللجنة التنفيذية لـ"منظمة التحرير" أحمد مجدلاني إلى أن حرب أكتوبر ونتائجها وفرت حينها "فرصة مهمة لو أحسن الرئيس السادات استغلالها وتوظيفها"، مضيفاً "تلك الفرصة كانت ستتيح حلاً أفضل مما تم التوصل إليه بعد ذلك".
وتابع مجدلاني لـ"اندبندنت عربية" أن "السادات كان متعجلاً التوصل إلى حل مع الإسرائيليين عبر المفاوضات الثنائية بمعزل عن السوريين والفلسطينيين".
أما المحلل السياسي والأكاديمي أحمد جميل عزم فيقول إن "منظمة التحرير" توصلت إلى أنه لا بد من التعامل مع المرحلة بشكل مختلف عن السابق، وتبنت البرنامج المرحلي للاستعداد لدخول العملية السياسية.
لكن عزم شدد على أن "الفلسطييين بفصائلهم جميعها لم يكونوا جاهزين في سبعينيات القرن الماضي لتقديم تنازلات، ولم تكن فكرة حل الدولتين قائمة".
واعتبر أن فترة ما بعد حرب أكتوبر كانت الأفضل في تاريخ "منظمة التحرير" لأنها حققت الاعتراف العربي والدولي بها، وكانت البداية لعملية سياسية لم تكتمل.
عزم أشار إلى أن "السادات كان متعجلاً التوصل إلى اتفاق سلام مع إسرائيل في مقابل انسحابها من شبه جزيرة سيناء، وكان ذلك حلاً على حساب القضية الفلسطينية".
وتابع أن السادات "لو استطاع إدارة الملف مع الدول العربية بالعمل الجماعي في قضية المفاوضات لكان تم التوصل إلى شيء أفضل بكثير".
وأشار إلى أن حلفاء سوريا في "منظمة التحرير" منعوها من الانخراط في العملية السياسية حينها، إضافة إلى أن المنظمة رفعت شعار "الكفاح المسلح" باعتباره الحل الوحيد.
البندقة تزرع والسياسة تحصد
وتابع عزم أن لجوء الفلسطينيين في تسعينيات القرن الماضي إلى "مؤتمر مدريد" ثم "اتفاق أوسلو" جاء بعد تلقيهم سلسلة ضربات بدأت بإخراجهم من لبنان، ثم حرب الخليج الثانية، فانهيار الاتحاد السوفياتي.
وأكد أن عملية التحول من السلاح إلى المفاوضات كانت بحاجة إلى وقت أطول لإعداد الرأي العام الفلسطيني لقبولها، لكن جاء شعار "البندقة تزرع والسياسة تحصد".
الباحث في الشؤون الإسرائيلية أنطوان شلحت اعتبر أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق مناحم بيغن "لم يكن مستعداً حينها لتقديم أكثر من حكم ذاتي للفلسطينيين، من دون أية حقوق قومية لهم".
وأشار إلى أن حرب أكتوبر وضعت حداً لحكم حزب "مباي"، وسببت انقلاباً في تاريخ إسرائيل بوصول "الليكود" إلى الحكم في انتخابات عام 1976.
وأوضح شلحت أن "رفض الفلسطينيين المشاركة في المفاوضات حينها ساعد في عدم إثارة موضوع الحكم الذاتي كثيراً، كما لم يحصل ضغط من مصر، ولا تنازل إسرائيلي".
وتابع شلحت بأن حزب "الليكود" في عهد بيغن "كان أكثر ليونة مما عليه الآن، فاليمين الحالي يدفع إلى تأسيس نظام فصل عنصري ضد الفلسطينيين".