Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تعافى كيفن كوستنر من فشل فيلمه "عالم الماء"؟

الممثل والمخرج البالغ من العمر 68 سنة الذي صدم معجبيه بقراره المفاجئ الانسحاب من مسلسل "يلوستون"، لا يزال شخصية غامضة ومحيرة في كثير من الأحيان.

تخلى كيفن كوستنر عن دوره في مسلسل "يلوستون" في شهر مايو الماضي مثيراً الجدل حول خياراته المهنية (باراماونت)

ملخص

سيبدو قرار انسحاب ممثل من مسلسل "يلوستون" Yellowstone بعدما أكسبه جائزة "غولدن غلوب" عن فئة أفضل ممثل قراراً جنونياً. لكن هذا حرفياً ما فعله كيفن كوستنر

بالنسبة إلى المراقب الخارجي، سيبدو قرار انسحاب ممثل من مسلسل "يلوستون" Yellowstone بعدما أكسبه جائزة "غولدن غلوب" عن فئة أفضل ممثل قراراً جنونياً. لكن هذا حرفياً ما فعله كيفن كوستنر. لا يمكن القول إن إنقاذ مسيرته المهنية يعود تماماً لدور المزارع من مونتانا جون داتون في المسلسل التلفزيوني الناجح للمؤلف تايلر شيريدان، لكن الشخصية أعادته إلى قائمة نجوم الصف الأول. الآن، غادر المسلسل وأثار استياء المعجبين.

تردد أن الأجر الذي عُرض على النجم الحائز على أوسكار أفضل ممثل وأفضل مخرج هو 12 مليون دولار (9.61 مليون جنيه استرليني) عن مشاركته في الموسم الخامس (الذي كان قد صور جزءاً منه بالفعل) إضافة إلى مبلغ مساو لموسمين تاليين. عندما قرر أخيراً الخروج عن صمته حيال رحيله الصادم عن العرض – على رغم التقييمات الحماسية التي يحصل عليها - لم تكن إجاباته التي قدمها في المحكمة خلال قضية طلاقه في وقت سابق من هذا الشهر، واضحة بشكل خاص، إذ أشار بشكل غير مباشر إلى "قضايا حول الإبداع" وتحدث عن "معوقات" - لكنه لم يبدِ أي استعداد للتراجع عن قراره.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من المؤكد أن الممثل العنيد الذي أصبح الآن ذا نفوذ بارز في هوليوود، تجاوز منذ زمن بعيد ذلك الموقف الحرج الذي مر به عام 1990، لما كان شخصاً يفتقر إلى النضج وحسن التصرف حينها، إذ ذهب إلى الكواليس لمقابلة نجمة البوب مادونا خلال جولتها الموسيقية العالمية آنذاك "بلوند أمبيشن" Blond Ambition. كان كوستنر يرتدي نظارات ولديه شعر طويل من الخلف وقصير على الجانبين، على غرار التسريحة التي اشتهر بها لاعب كرة القدم كريس وادل في تلك الفترة، على الأرجح لأنه كان يلعب دور البطولة في فيلم "روبن هود: أمير اللصوص"  Robin Hood: Prince of Thievesالصادر عام 1991. قال لمادونا التي كانت في ذروة شهرتها آنذاك إن أداءها كان "أنيقاً ... أنيقاً حقاً". وبمجرد أن دار ظهره، قامت مادونا بإيماءة وكأنها تريد التقيؤ، وتمتمت بازدراء بينما كان نجم أفلام رعاة البقر ينسحب: "أنيق، أي شخص يقول إن عرضي أنيق يجب أن يغرب عن وجهي".

كانت هذه واحدة من الحوادث التي عرضها الفيلم الوثائقي الصادر عام 1991 "مادونا: الحقيقة أو التحدي" Madonna: Truth or Dare (المعروف أيضاً بعنوان "مع مادونا في السرير" In Bed with Madonna). تأثرت سمعة كوستنر بشكل سيئ من الموقف. بحلول ذلك الوقت، كان حقق بالفعل سلسلة من النجاحات المهمة في شباك التذاكر في أفلام "الممنوع لمسهم"The Untouchables  عام 1987 و’"بول دارام" Bull Durham عام 1988 و"حقل الأحلام" Field of Dreams 1988 و"الرقص مع الذئاب" Dances with Wolves  عام 1990 الذي كسب سبع جوائز أوسكار. لكنه إلى جانب أيقونة البوب بدا ساذجاً وباهتاً ومتكبراً، ويفتقر إلى تلك الكاريزما التي يظهرها بأريحية في شخصية داتون في "يلوستون".

في تلك الفترة، كان كوستنر في عيون معجبيه يمثل العودة للماضي: رجل قيادي ذو مظهر حسن يمتلك صفات نجوم حقبة سابقة مثل غاري كوبر أو جيمس ستيوارت. كان شخصاً طبيعياً وقوياً ولا يظهر عواطفه بإفراط. أما بالنسبة إلى منتقديه، فكانت هذه هي المشكلة بالضبط، إذ بدا وكأنه شخص خاوٍ من المشاعر. لم يكن يظهر في أدائه أياً من الكثافة أو العمق العاطفي اللذين تجدهما لدى ممثلي الأداء مثل مارلون براندو أو آل باتشينو. لم يخض في تجسيد الشخصيات المعقدة أو التي تعاني اضطرابات نفسية. انتقدته إحدى الصحف البريطانية قائلة: "يبدو أنه يفضل دائماً البقاء في حدود العمل الفني العادي".

اليوم، يمكن القول إن شهرة كوستنر تجاوزت ما كانت عليه في أي وقت مضى، وصار ممثلاً يحظى باحترام أكبر وشخصية عامة تزداد تعقيداً. الجدل العميق الذي يتورط فيه حول خياراته المهنية طغى على أي إحراج متعلق بلقائه المنسي منذ زمن بعيد مع مادونا. منذ عام 2018 كان يشارك في بطولة "يلوستون"، أحد الأعمال الدرامية الأكثر شعبية في التلفزيون الأميركي، تشبه الجمع بين مسرحية "الملك لير" King Lear ومسلسل "دالاس" Dallas التلفزيوني الشهير. إنه عمل يجمع بين عناصر دراما رعاة البقر وخطوط الحبكة التي تنطوي على عداء عائلي وسياسات المدن الكبيرة واستغلال الأميركيين الأصليين والصفقات العقارية غير النزيهة. يقدم كوستنر فيه أداء رائعاً، فيستحضر الشفقة والمكر والقسوة وفي بعض الأحيان كرم الروح المفاجئ إلى شخصيته كمزارع قديم يكافح من أجل التكيف مع الأوقات المتغيرة.

وهذا ما زاد من فزع المعجبين عندما قرر الممثل مغادرة العمل في منتصف الموسم الخامس بعدما صدرت الحلقات الثماني الأولى بالفعل وكان من المقرر طرح ست أخرى هذا الخريف – لكنها لم تصور بعد. بدا رحيل كوستنر المفاجئ وكأنه خيانة، إذ إنه سرق من الجماهير فرصة اكتشاف كيف ستحل علاقة داتون المشحونة مع ابنه بالتبني جيمي (يؤديه ويس بنتلي). هل سيقوم بقتل جيمي؟ هل يمكن أن تكون هناك مصالحة؟ ماذا سيحدث لداتون نفسه - وماذا عن المزرعة التي قاتل بشدة لإبقاء ملكيتها للعائلة؟

بدلاً من الإجابة عن هذه الأسئلة، كان كوستنر يركز على إنهاء طلاقه المكلف والتحضير لمشروعه السينمائي الجديد الطموح للغاية "أفق: ملحمة أميركية" Horizon: An American Saga . يقوم بالبطولة والإخراج والإنتاج والمشاركة في كتابة هذا الامتياز الملحمي المكون من أربعة أفلام بتمويل من شركتي "وورنر بروس" و "نيو لاين". يشمل طاقم الممثلين الداعمين سام ورثينغتون وسيينا ميلر وداني هيوستن.

 

قال لموقع "إمباير" Empire ضمن لقاء في مدونة صوتية عام 2016: "إنها شخصية تتعمق حقاً في دراسة وتحليل كثير من الناس. إنه يغطي حقبة تمتد على مدى 30 عاماً تقريباً... تبدأ قبل الحرب الأهلية وتستمر خلالها". وقد وصف المشروع بأنه "يتعلق باستيطان أميركا للغرب وكل الجوانب التي انطوت عليها هذه العملية". بعبارة أخرى، إنه ملحمة ويسترن تشبه إلى حد كبير سلسلة "يلوستون" ومشتقاتها.

من نواحٍ كثيرة، تبدو رباعية "أفق" وكأنها أحد تلك المساعي الضخمة ذات الطموح الاستثنائي التي كان كوستنر يقوم بها بانتظام طوال مسيرته المهنية. لقد جرب حظه بطريقة مماثلة في "الرقص مع الذئاب". عندما لم تقبل أي جهة في هوليوود تمويل الفيلم لأنه عمل ويسترن مدته ثلاث ساعات، وكان كوستنر الذي يتولى دفة الإخراج للمرة الأولى حينها يطالب بأن يكون صاحب القرار النهائي، توجه ببساطة إلى أوروبا بدلاً من ذلك وحصل على المال المطلوب هناك. كان الفيلم انتصاراً.

راهن كوستنر مرة أخرى، لكنه خسر مع فيلم "عالم الماء" Waterworld الفاشل تجارياً الصادر عام 1995، إذ لعب دور متشرد في ملحمة تتناول ما بعد نهاية العالم من إخراج كيفن رينولدز. لا يزال هذا العمل يصنف كواحد من أغلى الأفلام التي أنتجت على الإطلاق، لكنه حظي بمراجعات متباينة للغاية وبالكاد استرد كلفه. وفي 1997 أتبع ذلك بفيلم آخر من النوع عينه هو "ساعي البريد" The Postman الذي أخرجه ولعب دور البطولة فيه كموظف شحن سابق تحول إلى قائد ذي رؤية لكنه يرتدي زي ساعي البريد. على كل حال، كل ما استلمه الفيلم حقاً كان مراجعات سيئة. اكتسح دورة ذلك العام من جوائز "التوت الذهبي" المناقضة لجوائز الأوسكار، فحصل على خمس جوائز من بينها أسوأ فيلم وأسوأ ممثل وأسوأ مخرج.

 

بفضل صلابته العاطفية المعتادة، تقبل كوستنر النكسة بثبات. بعد بضع سنوات، أخرج فيلم الويسترن "المدى المفتوح" Open Range عام 2003 الذي لاقى استحساناً كبيراً والذي ربما لم يحقق الأرباح التي كسبها "الرقص مع الذئاب" ولكنه أعاد إثبات مهاراته كمخرج وراوٍ لقصص الغرب الأميركي.

لا يزال الممثل والمخرج البالغ من العمر 68 سنة شخصية غامضة ومحيرة في كثير من الأحيان. لم يكن أبداً الشخصية الأميركية الخالصة التي رسمها الناس عنه بعد أدائه المذهل في دور إليوت نيس الذي يطارد رجل العصابات في شيكاغو آل كابونيه (روبرت دي نيرو) في فيلم "الممنوع لمسهم" للمخرج بريان دي بالما الصادر عام 1987. كانت لديه دائماً درجة عالية من العناد. في وقت مبكر من مسيرته المهنية، تعرض للسخرية بسبب "مشاركته في بطولة" فيلم "البرود المطلق" The Big Chill للمخرج لورانس كاسدان الصادر في 1983، وعدم ظهوره على الشاشة لاحقاً. يدور الفيلم حول لم شمل مجموعة من أصدقاء الجامعة في الـ30 من عمرهم بعد إقدام أحدهم (الشخصية التي جسدها كوستنر) على الانتحار. كان من المفترض أن تكون هذه انطلاقته الكبيرة، لكن حتى وجهه لم يظهر على الشاشة. حُذفت بالكامل مشاهد الـ"فلاش باك" التي تمتد على مدى 15 دقيقة ويظهر فيها.

ادعى كوستنر لاحقاً أن حذف مشاهده من الفيلم "كان تماماً ما يجب أن يحدث لي في تلك المرحلة... في اللحظة التي حصلت فيها على الدور عرفت أن حياتي قد تغيرت". إن إسناد دور له من قبل مخرج ذي شأن كبير في مثل هذا الفيلم المرموق يفوق ببساطة الظهور فعلياً في العمل. إلى جانب ذلك، عوضه كاسدان لاحقاً من خلال اختياره لدور لافت للنظر في فيلم "سيلفرادو" Silverado عام 1985.

 

على كل حال، اقترحت ميغ تيلي التي شاركته البطولة أن حذف حضوره من فيلم "البرود المطلق" أضر به أكثر بكثير مما عبر عنه. تتذكر أن كوستنر قال لزملائه "اللعنة عليكم! في يوم من الأيام سأكون أهم منكم جميعاً". كان "ودوداً للغاية ودمثاً ولطيفاً"، لكنها رأت جانباً آخر أكثر قسوة وطموحاً منه.

يمكن القول إن كوستنر يتقن لعب أدوار الحالمين والغرباء أكثر من الأبطال التقليديين الذين اشتهر بتجسيدهم. لقد صنع عدداً كبيراً من الأفلام الرياضية التي صُور فيها دائماً على أنه المستضعف. كان هناك "كراش ديفيس"، اللاعب الكبير في السن في دوري البيسبول الثانوي الذي يتنافس مع الشاب المبتدئ الموهوب ولكن متذبذب السلوك تيم روبنز على حب سوزان ساراندون في فيلم "بول دارام" للمخرج رون شيلتون الصادر عام 1988. وقدم أداء أفضل أيضاً في دور محترف الغولف الذي فقد مكانته والمدمن على الكحول روي ماكافوي في فيلم "كأس من قصدير" Tin Cup من إخراج شيلتون الصادر عام 1996.  روي، الشبيه بنجم الغولف الواقعي جون دالي كان "يشرب كثيراً من الخمر ولا يأكل ما يكفي من الخضراوات" ويعاني "عجزاً" في الملعب وخارجه: إنه ما يصفه بعدم قدرته على الأداء. يدخل بطولة الولايات المتحدة المفتوحة عن طريق التصفيات ليس لأنه يعتقد حقاً بأنه قادر على الفوز ولكن لأنه يريد أن يترك انطباعاً جيداً لدى عالمة النفس الساحرة (رينيه روسو) التي كان يعطيها دروساً في الغولف.

 

عند لعب مثل هذه الأدوار، اعتمد كوستنر على خلفيته الكادحة. نشأ في جنوب كاليفورنيا كابن لعامل كهربائي في شركة إديسون. قبل أن يصبح ممثلاً، قاد الشاحنات وتولى وظائف على قوارب الصيد التجارية. قال لمقدم البرامج التلفزيونية والمدونات الصوتية الكوميدي آدم كارولا في مقابلة عام 2013: "كنت أعرف كيف أعمل بجد واجتهاد بسبب البيئة التي نشأت فيها. كان والدي ذلك الرجل الذي واجه ظلف العيش".  

يتذكر بدايته المتعثرة في مسيرته السينمائية، عندما كان شاباً يريد أن يصبح ممثلاً لم يكن يعرف أي شخص في هوليوود. اعتاد أن يذهب إلى هناك في شاحنته، فقط ليكون في الجوار. قال: "لم أكن أعرف حتى بمن أتصل... تعرضت للإذلال أكثر من مرة. قيل لي ’لا‘ ألف مرة". استغرق الأمر منه سبعة أعوام للحصول على عضوية نقابة ممثلي الشاشة التي كان في أمس الحاجة إليها. قال في دورة تدريبية لمؤسسة نقابة ممثلي الشاشة قدمها في 2014: "لم تحدث الأمور بين عشية وضحاها بالنسبة لي. لقد كانت الطريق طويلة، ولم أكسب المال من عملي حقاً حتى صرت في الـ 27 أو الـ28 من عمري"، ووصف نفسه بالـ "كادح" المثابر.

كوستنر هو أيضاً متحدٍّ، يسبح باستمرار ضد التيار. كان يصنع أفلام الويسترن في فترة كان مخرجون آخرون، بمن فيهم كلينت إيستوود نفسه، يتخلون عنها على ما يبدو. إلى جانب شخصياته الأكثر لطفاً، لعب أدوار قتلة متسلسلين ومرضى نفسيين. بينما يدير ظهره لـ"يلوستون" يسلك النجم المخضرم مرة أخرى الدرب الذي اختاره بنفسه بغض النظر عن العواقب. بدأ الحديث للمرة الأولى عن صنع "أفق" عام 1988، أي قبل سنوات من صناعة "الرقص مع الذئاب". الآن، بعد 37 عاماً، لديه أخيراً فرصة لإنجاز المشروع.

قال كوستنر أخيراً لمجلة "بيبول": "في مسيرتي المهنية، حاولت الاختيار ليس بناء على ما كان رائجاً، بل صنعت الأفلام التي أردت صنعها". هذا رأي حتى مادونا نفسها قد تعتقد بأنه أنيق.

© The Independent

المزيد من سينما