ملخص
لم يحسم التيار "الوطني الحر" بشكل واضح رفضه الجلوس إلى طاولة الرئيس نبيه بري الحوارية
منذ ما يقارب العام والأزمة الرئاسية في لبنان لا تزال تراوح مكانها من دون إحراز أي تقدم نحو انتخاب رئيس للبلاد خلفاً للرئيس السابق ميشال عون الذي أنهى ولايته في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، إذ عطل "الثنائي الشيعي" (حركة أمل وحزب الله) 12 جلسة نيابية، عبر إفقاد النصاب الدستوري للجلسات ومنع انعقاد الدورة الثانية التي تتيح فوز مرشح بـ65 صوتاً بدل 86 صوتاً التي يتطلبها فوز مرشح من الدورة الأولى.
وبعد تلك الجلسات وما أنتجته من توازن في البرلمان بين فريقي "الممانعة" و"المعارضة"، توقف رئيس مجلس النواب نبيه بري عن الدعوة إلى جلسات برلمانية لانتخاب رئيس، مشترطاً إجراء حوار بين القوى السياسية كممر إلزامي للدعوة بعدها إلى جلسة جديدة، علماً أن التوازن السلبي للفريقين كان سيرجح كفة أحد المرشحين لو لم يعطل نصاب إحدى تلك الجلسات، إذ سيضطر النواب "الرماديون" إلى حسم موقفهم في الدورة الثانية.
وحتى الساعة، لا تزال قوى المعارضة تؤكد ترشيحها الوزير السابق جهاد أزعور، والأمر نفسه بالنسبة إلى التيار "الوطني الحر"، في مقابل استمرار "الثنائي الشيعي" تأكيد رفض سحب رئيس تيار المردة سليمان فرنجية من السباق الرئاسي.
مقايضة فرنجية
وبات واضحاً أن دعوة بري للحوار تصطدم بشبه إجماع القوى المسيحية إذ تتطابق مواقف كل من حزبي "القوات اللبنانية" و"الكتائب" ونواب مستقلين، مع موقف البطريرك الماروني بشارة الراعي باشتراطه تطبيق الدستور واحترام المؤسسات، إضافة إلى موقف التيار "الوطني الحر" برئاسة النائب جبران باسيل (صهر رئيس الجمهورية السابق ميشال عون) الذي يتقاطع أيضاً مع رافضي الحوار بصيغته المطروحة.
ووفق المعلومات، فإن تشدد المعارضة ولا سيما القوى المسيحية في رفض الحوار هو، إضافة إلى أنها تعتبره تجاوزاً للدستور، يكمن في تجارب "الحوارات" السابقة التي لم يلتزم "حزب الله" نتائجها ولا سيما في ملفي السلاح والنأي عن التدخل في الصراعات الإقليمية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبرأي تلك القوى فإن "الثنائي الشيعي" الذي فشل بإيصال فرنجية عبر المسار الدستوري يحاول استخدام طاولة الحوار لفتح "بازار" مقايضة، سواء لتمريره وفق معادلات محاصصة على مناصب أخرى، أو التخلي عن ترشيحه مقابل فرض أجندة مسبقة على رئيس الجمهورية الذي يتم التوافق عليه، تصل إلى توزيع الحصص الوزارية والمناصب القضائية والأمنية، ومن ثم تكرار المسار الذي اعتمد منذ عهد الوصاية السورية الذي أدى إلى الأزمة التي تشهدها البلاد.
ممر إلزامي
وفي السياق، كشف رئيس جهاز الإعلام والتواصل في حزب "القوات اللبنانية" شارل جبور عن أن "القوات" لن تلبي دعوات حوار تكرس أعراف مخالفة للدستور، مطالباً رئيس مجلس النواب بالتوجه فوراً للدعوة إلى الدورات الانتخابية المتتالية. وقال "إذا شاركنا في تلك الدعوة سيتحول الحوار إلى ممر إلزامي للانتخابات الرئاسية في المستقبل". وأكد مشاركة "القوات" في الجلسات الانتخابية المتتالية، "لكننا لن نلبي أي حوار"، موضحاً أن "الانتخابات، وفق الدستور، إما تحصل وفق نموذج عام 1970 حين فاز الرئيس الأسبق إلياس سركيس بفارق صوت واحد على سليمان فرنجية الجد (جد المرشح سليمان فرنجية)، وإما من طريق إنضاج تقاطعات على غرار تقاطع أنتج تسمية المرشح للرئاسة جهاد أزعور".
مشاركة نصر الله
ولم يحسم التيار "الوطني الحر" بشكل واضح رفضه الجلوس إلى طاولة الرئيس نبيه بري الحوارية، إلا أن مصادره تتحدث عن شروط قد تكون صعبة التنفيذ، منها رفض ترؤس بري الحوار ومشاركة كل من الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله بشكل شخصي وليس عبر رئيس تكتله النيابي، كذلك بما يتعلق بالحزب "التقدمي الاشتراكي" إذ يطالب التيار بمشاركة رئيسه السابق وليد جنبلاط.
وبرأيها، فإن تلك المطالب ليست بهدف تعقيد الحوار، إنما بهدف تأكيد نجاحه عبر وجود أصحاب القرار أنفسهم وليس عبر وكلائهم، إذ تؤدي هذه الآلية إلى التزام الجميع أي اتفاق تخرج به الطاولة ويضمن عدم التنصل من بعض البنود في وقت لاحق.
تعهد مسبق
وسجل عضو تكتل "لبنان القوي" (التيار الوطني الحر) النائب جورج عطا الله ملاحظات عدة تشكك في الحوار الذي يدعو إليه بري، إذ هناك غموض من قبل رئيس مجلس النواب حول إذا ما ستكون هناك جلسات مفتوحة متتالية تعقب الحوار، إضافة إلى الجهة التي ستوجه الدعوات ومن سيرؤس الحوار ومكان حصوله، وإذا ما سيكون محصوراً بملف الرئاسة أم مواضيع أخرى، رافضاً أي "حوار" هدفه تمرير الوقت. وأكد أن شرط مشاركة "التيار" في أي حوار التأكد من جديته وتضمنه تعهداً مسبقاً من رئيس مجلس النواب بأنه سيدعو إلى جلسة مفتوحة لانتخاب رئيس للجمهورية، كاشفاً عن أنه تم إبلاغ ذلك أيضاً للموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، ولافتاً إلى أن "بعض الكتل يرفض الحوار تحت أي ذريعة، ولكن بالنسبة إلينا إن حصلنا على الضمانات التي نطلبها سنحل هذا الملف وننجز الانتخابات الرئاسية".
توسل الحوار
في المقابل لا تتوقف مواقف قيادات في "حزب الله" عن توجيه التهديدات بأن "الذين يرفضون الحوار هم من المراهنين على الاستقواء بالخارج للي ذراع الحزب"، مؤكدين التمسك بدعم ترشيح فرنجية كونه يشكل ضمانة لـ"المقاومة" ولا يطعنها في الظهر.
وفي هذا الإطار أسف رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" (حزب الله) النائب محمد رعد لعدم استجابة بعض القوى السياسية للحوار، متوعداً الذين "يرفضون اليوم الحوار، سيتوسلونه في يوم من الأيام". ولفت إلى أن "البعض يتوهم أنه يملك الأكثرية التي تأتي له بالرئيس الذي يرغب به على حساب شراكته معنا". واعتبر أن المعارضة تسعى إلى انتخاب رئيس يراعي مصالحها على حساب مصالح الآخرين، مشدداً على ضرورة "انتخاب رئيس يرضى به جميع اللبنانيين، ويؤتمن على سيادة الوطن وعلى كرامة اللبنانيين"، داعياً إلى العودة إلى "الحوار" والتفاهم وتجنب نزاعات الفيدرالية والتقسيم والتقوقع والانعزال.
مؤامرة دولية
بدوره حذر عضو كتلة "التحرير والتنمية" (حركة أمل) النائب علي خريس من التمادي وإضاعة الوقت والتلهي بخطابات ومواقف طائفية، معتبراً أن "كل من لا يريد الحوار الذي يؤكده الرئيس بري يريد أن يبقى البلد معطلاً يتخبط بأزماته المتلاحقة"، وبرأيه، هناك مؤامرة على لبنان لاستمرار الأزمة الاقتصادية وتفاقم الوضع الأمني، إضافة إلى أزمة النزوح السوري، إذ تصل أعداد إضافية إلى لبنان، ومن ثم "تكبر المؤامرة علينا وعلى سوريا معاً".
طاولة لودريان
وعلى رغم محاولات "حزب الله" الضغط باتجاه تغيير مواقف المعارضة والقوى المسيحية، عبر جولة الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، الذي حاول استبدال مصطلح "الحوار" بـ"طاولة عمل"، استمر التشدد بالرفض والدعوة إلى الذهاب مباشرة إلى المجلس النيابي لحسم الأمر. وكشف مصدر مسؤول في حزب "الكتائب" (برئاسة النائب سامي الجميل) (طلب عدم كشف اسمه)، عن أن "الاجتماع مع لودريان كان صاخباً بعد أن بدا الموقف الفرنسي متماهياً مع موقف (الثنائي الشيعي) بشكل مثير للاستغراب، لدرجة أنه حمل لهجة تهديد مبطنة". وأكد أن "رئيس الحزب سامي الجميل كان واضحاً في تأكيد الرفض المطلق للأنواع المتعددة للحوار التي تصب في السياق نفسه".