ملخص
يوجد في فلسطين17 مسرحاً عاملاً، 14 منها في الضفة الغربية، عرضت 346 مسرحية في عام 2022، في حين لم تعرض المسارح الثلاثة المتبقية في قطاع غزة أية مسرحية خلال العام ذاته
بعد ليلة صعبة وطويلة من أصوات الانفجارات والاشتباكات المسلحة بين شبان فلسطينيين والجيش الإسرائيلي شهدها سكان مخيم جنين شمال الضفة الغربية، تصحب سهى الجابر (35 سنة) أطفالها وسط الزقاق وصولاً إلى "مسرح الحرية"، فتدريبات التمثيل والدراما والعروض الموسيقية والمسرحية والترفيهية التي يقدمها، إلى جانب الورشات التثقيفية والبرامج التدريبية للنساء والأطفال تخفف من حال التوتر والهلع التي تنتاب سكان المخيم مع كثرة الاقتحامات والمعارك. كيف لا وهو المكان الذي بات من أكثر المناطق الفلسطينية التي تشهد مواجهات شبه يومية بين الجانبيين، ودمرت غارة إسرائيلية استهدفت مدينة جنين في أوائل يوليو (تموز) الماضي مدخل المسرح وأسواره وألحقت دماراً بالبنية التحتية والشوارع وشبكات المياه والكهرباء، إلا أن ذلك لم يقف حائلاً أمام مرتاديه، الذين وجدوا فيه متنفساً أتاح لهم مساحة للتجربة والتعبير عن أنفسهم بحرية واستعادة الثقة، بحسب تعبيرهم.
ووفقاً للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني يوجد في فلسطين17 مسرحاً عاملاً، 14 منها في الضفة الغربية، عرضت 346 مسرحية في عام 2022، في حين لم تعرض المسارح الثلاثة المتبقية في قطاع غزة أية مسرحية خلال العام ذاته.
استهداف ثقافي
ومنذ تأسيسه في عام 1990 على يد ناشطة السلام الإسرائيلية آرنا مير خميس، وبمجهود محلي فلسطيني، قدم "مسرح الحرية" أكثر من 44 عملاً مسرحياً عرضت في دول عدة من بينها الولايات المتحدة ودول أوروبية، منها "مزرعة الحيوانات" لجورج أورويل و"أليس في بلاد العجائب" و"الحصار"، ومسرحيتا "عائد إلى حيفا" و"رجال تحت الشمس" للروائي الفلسطيني غسان كنفاني، ومسرحيتا "أثناء الانتظار" و"عائد إلى الوطن"، التي حملت في معظمها طابعاً سياسياً. ويرى القائمون على تلك الأعمال أن الفعل الثقافي المحلي المؤثر الذي يصدر الرواية الفلسطينية إلى مستويات عالمية، ويركز في مضمونه على حق الفلسطينيين في النضال، كان سبباً لاستهداف المسرح من الطائرات الإسرائيلية وتدميره بالكامل، مرة في عام 2002 إثر عملية السور الواقي وأعيد بناؤه في عام 2006، والثانية في يوليو (تموز) الماضي.
بالنسبة إلى مدير المسرح مصطفى شتى فإن "مسرح الحرية الذي ينبض في قلب مخيم جنين ليس مجرد خشبة عرض تقليدية، إنما هو أقرب إلى حركة ثقافية مجتمعية سياسية تسعى إلى بناء هوية وطنية ترفع شعار المقاومة الثقافية لمواجهة الاحتلال، وتعزيز وعي جيل الشباب بالمسرح والدراما وتزويدهم بأدوات مهمة للتعامل مع مصاعب الحياة اليومية". وأضاف في حديث لـ"اندبندنت عربية" أنه "رغم الصعوبات والتعقيدات بسبب موقع المسرح، إلا أننا سنبقى داخل المخيم لما يجسده المكان من دور مهم في توفير مساحات آمنة للسكان والأطفال". وأردف قائلاً "خلال الاجتياحات والاقتحامات الإسرائيلية للمخيم، نوظف أنفسنا كشهود عيان لتوثيق القصص الإنسانية، ويتحول المكان من مركز ثقافي إلى منصة معلومات باللغة الإنجليزية، يرسل كل ما يحدث من جرائم إسرائيلية في حق المخيم للعالم أجمع".
في المقابل نفى المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي أي استهداف لـ"مسرح الحرية" خلال العملية العسكرية التي شنتها القوات الإسرائيلية في مخيم جنين خلال يوليو الماضي، وقال في تغريدة عبر منصة "اكس" إنه "خلافاً لبعض التقارير الكاذبة في بعض وسائل الإعلام الفلسطينية، لم يستهدف مسرح الحرية في جنين"، وأضاف أن "جميع التقارير التي تزعم تعرض المسرح للهجوم عارية من الصحة تروجها المنظمات الإرهابية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
شروط قاسية
ولأن المسرح رفض الموافقة على إزالة الطابع السياسي من أعماله استجابة لسياسة "محاربة الإرهاب العالمية"، قلص الاتحاد الأوروبي تمويل المسرح بنسبة زادت عن 50 في المئة، واشترط إنكار العمل المسلح ضد إسرائيل لاستئناف التمويل، وهو ما رفضه القائمون على المسرح جملة وتفصيلاً، الأمر الذي عرض عدداً من الممثلين والمسرحيين والمخرجين للاعتقال والملاحقة على يد السلطات الإسرائيلية مرات عدة، ومع اشتداد الأزمة المالية والتضييق من المانحين واشتراطاتهم وغياب الدعم المحلي المتمثل بوزارة الثقافة الفلسطينية وغيرها بشكل كامل، اضطر المسرح إلى إنهاء خدمات ثلثي العاملين فيه، والإبقاء على ثلاثة فقط من أصل 12 موظفاً والتخلص من مرافق عدة، وعلى رغم اشتداد الأزمة، عمل المسرح على إبراز دور "الفن المقاوم" محلياً وعالمياً من خلال مشروع "وعد الثورة"، وركزوا من خلاله على طرح معاناة الفنانين الفلسطينيين الذين تعرضوا لمضايقات إسرائيلية.
وقال المدير الفني للمسرح وأحد الممثلين الرئيسين فيه أحمد الطوباسي إن "المسؤولية الاجتماعية التي تقع على عاتق المسرح تحتم عليه استخدام الفن كوسيلة مقاومة ثقافية للاحتلال الإسرائيلي"، وأضاف "إن رفضنا لشروط التمويل وتشبثنا بفكرة المسرح المقاوم، دفعنا إلى توجيه مناشدات حول العالم وإطلاق حملة تبرعات لإنقاذ العروض".
من جهته يرى رسام الكاريكاتير الفلسطيني محمد سباعنة ضرورة في "مساندة المسرح والدفاع عن وجوده وصموده في وجه آلة الحرب الإسرائيلية، لأنه وجه جميل آخر لما يحصل في المخيم". وأردف قائلاً إن "المسرح على رغم كل المعوقات بات منصة المضطهدين والمحاصرين في جنين، ونافذة لهم على العالم لإيصال صوت مأساتهم، وسفينة إنقاذ لكل من يملك موهبة"، وأردف "معظم الجمهور الفلسطيني يبحث عما يمثله وينقل قضاياه ومعاناته الإنسانية تحت الاحتلال، ولذلك فإن ممارسة الفنون المقاومة باحتراف وإنتاجها على مستويات عالمية مختلفة خارج السياق السياسي الفلسطيني، ينفي البروباغاندا الإسرائيلية التي تحاول نسج صورة شيطانية عن الفلسطيني حول العالم وتروج لنفسها بأنها دولة ديمقراطية".
الوضع ذاته
ولأن مؤسسات ثقافية فلسطينية كثيرة تواجه الوضع ذاته، يعاني المسرح الوطني الفلسطيني في القدس (الحكواتي) الذي تأسس في عام 1984 أزمة مالية خانقة أسوة بـ"مسرح الحرية"، ألغي بسببها مهرجان الطفل وعروض أخرى، وتعثر دفع رواتب موظفيه. ويقول مدير "الحكواتي" الممثل المسرحي عامر خليل إن "المسرح الوحيد في القدس تحول إلى استضافة العروض أكثر من كونه منتجاً فقط لتوفير الدعم الذاتي ومصاريف التشغيل وإنتاج بعض الأعمال، لا سيما وأننا نرفض أي تمويل إسرائيلي لأعمالنا"، مناشداً الجهات الرسمية الفلسطينية "الضغط على الأطراف الدولية لتغيير سياساتها على صعيد التمويل المشروط الذي يكبل المسرح والرؤية الخاصة به". وأشار خليل في الوقت ذاته إلى أن وجود مسرح فلسطيني في القدس "حاجة ثقافية ومجتمعية ملحة". وأكد لـ"اندبدنت عربية" أن "الحكومة الإسرائيلية عرقلت نشاطات المسرح وحدت من العروض الفنية والمسرحية فيه، بفرضها ضرائب طائلة ورقابة مشددة عليه، إضافة إلى فرض قيود صارمة على التراخيص التي تتعلق بالجمهور والمكان والعمل الفني وترخيص الفنان".
رموز الدولة
ولأن التمويل والترخيص يعتبران الشريان الرئيس لعمل كثير من المسارح الفلسطينية، هددت الحكومة الإسرائيلية بسحب التمويل عن مسرح السرايا في مدينة يافا، لعرضها الفيلم الأردني "فرحة" الذي يستعرض أحداث النكبة الفلسطينية. وقال وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير إن الفيلم عبارة عن "تحريض تجاه إسرائيل"، في حين قال عضو الكنيست الإسرائيلي هيلي تروبر إنه يصور "الأكاذيب والافتراءات"، وأن عرضه على مسرح إسرائيلي "وصمة عار". وخرج عضو الكنيست (وزير المالية السابق) أفيغدور ليبرمان قائلاً إنه "من الجنون أن ’نتفليكس‘ قررت بث فيلم هدفه اختلاق رواية كاذبة والتحريض ضد الجنود الإسرائيليين". وأشار متضامنون مع المسرح إلى أن "هذه ليست المرة الأولى التي يهدد فيها بقطع التمويل عن هذا المسرح أو ذاك، بدعوى المس برموز الدولة"، مؤكدين حدوث ذلك مع "مسرح الخشبة" و"مسرح الميدان" في مدينة حيفا.