Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مصادر قوة المرشد والنظام في إيران (4)

لم يتردد "حرس الثورة" في التصدي لكل التحركات المعارضة وممارسة أعلى درجات القمع والعنف بحق مصادر الخطر

جانب من التظاهرة الشعبية التي خرجت للقاء رونالدو أمام الفندق الذي أقام فيه فريق النصر بطهران، في 18 سبتمبر الحالي (أ ف ب) 

ملخص

لعل ما شهدته طهران خلال استقبال فريق نادي النصر السعودي ونجمه كريستيانو رونالدو والتظاهرة الشعبية التي خرجت، تشكل تعبيراً اعتراضياً على منظومة السلطة

يمكن القول، إن التعاطي والتعامل الدموي والقمعي الذي مارسه النظام وأجهزته الأمنية في التعامل مع كل حركات الاحتجاج، اعتمد على مسوغات دينية أيديولوجية من ناحية، وعلى اتهام أي حركات بتنفيذ أجندات لأجهزة استخبارات دولية أميركية وإسرائيلية وبريطانية بالدرجة الأولى، في إطار ما يعتبره حرباً مفتوحة بين النظام وهذه الدول وأجهزتها، نتيجة الدور والنفوذ الإيراني في الإقليم وأيضاً لتمسكها بما تعتبره حقاً طبيعياً بامتلاك برنامج نووي "سلمي". وبالتالي فإن الدفاع عن النظام واستقراره يُعتبر تكليفاً إلهياً ودينياً، وفره الغطاء الذي قدمه المرشد الأعلى باعتباره ولياً للفقيه وامتداداً لسلطة الرسول الأكرم وأئمة أهل البيت الشيعة الإثني عشر، وهنا يبرز دور مؤسسة "حرس الثورة" ومهمتها الأساس وهي الدفاع عن موقع ولاية الفقيه والحفاظ على النظام بوجه التهديدات الداخلية والخارجية. ولم يتردد "الحرس" في التصدي لكل هذه التحركات وممارسة أعلى درجات القمع والعنف والقتل والاعتقال والملاحقة لمصادر الخطر أو الشخصيات التي تشكل علامات فارقة في معارضتها السلمية والفكرية للنظام ومنظومة السلطة والدولة العميقة.
هذا المسار الذي اتبعه النظام وقيادته، أوصل الأمور إلى ما كان يخشاه كثيرون من قادة التيار الإصلاحي وفي مقدمتهم الرئيس الأسبق محمد خاتمي، إذ زاد من مستوى عسكرة النظام أو وقوعه في قبضة مؤسسة "حرس الثورة" العسكرية وجنرالاتها على حساب الطموحات الديمقراطية التي جاء بها المشروع عند تأسيسه، وأسس لمسار مصادرة السلطة من طرف واحد يدين بالولاء للنظام وقائده والمؤسسة العسكرية على حساب التعددية الحزبية والشراكة الوطنية. وهو مسار وإن استطاع تحقيق ما يريد أو يرغب فيه من سيطرة على كل مواقع القرار في السلطات الدستورية إلى جانب إمساكه بعصب النظام ومنظومة السلطة والدولة العميق، إلا أنه لم يفلح في منع تراكم النقمة والغضب الشعبي الذي بات جاهزاً للانفجار عند أي انعطافة أو أزمة.

الانتقال من التأييد الشعبي الواسع الذي شكل المظلة لشرعية النظام بحسب تعبير المؤسس الخميني، إلى حكم الأقلية العقائدية المؤدلجة، قد يؤدي مرحلياً إلى تجميع السلطة والقرار لدى جهة أو طرف واحد على حساب الأطراف الأخرى، إلا أنه أسس ويؤسس لمستويات من الانفجارات الاجتماعية الكامنة التي تنتظر الفرصة للتعبير عن نفسها، ولعل ما شهدته العاصمة الإيرانية طهران خلال استقبال فريق نادي النصر السعودي ونجمه البرتغالي كريستيانو رونالدو والتظاهرة الشعبية التي خرجت واجتاحت مقر إقامة الفريق، تشكل تعبيراً اعتراضياً على منظومة السلطة وإيصال رسالة إلى المسؤولين مفاده أن المثال الذي يريدونه ويرغبون فيه يتمثل في هذا الانفتاح وهذا النمط من النشاطات والعلاقات، وهذه الظاهرة العفوية وغير الموجهة من المفترض أن تدفع النظام إلى إعادة التفكير في آليات علاقاته مع المجتمع الإيراني وحساسياته الفكرية والثقافية وحتى اهتماماته اليومية. بخاصة وأن المشاهد المصورة لهذه الحركة العفوية تكشف عن وجود محجبات ملتزمات بالزي الرسمي "التشادور" بين الجموع التي كانت في استقبال الفريق السعودي وحتى في اقتحام مقر إقامته.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


حكم الأقلية الذي أنتجته ثنائية "المرشد – الحرس" وأداتهما المتمثلة بقاعدة التيار المحافظ، والانفصال الحاصل بين السلطة والاجتماع الإيراني بكل حساسياته ومستوياته، هي التي حولت حادثة مقتل الفتاة مهسا أميني على يد شرطة الأخلاق إلى موجة اعتراض واحتجاج عارمة، وسمحت لكل القوى والأطراف المعارضة بالخوض واستنفار كل طاقاتها وعلاقاتها الدولية من أجل العمل على الإطاحة بالنظام. في المقابل فإن النظام شعر لأول مرة بجدية الخطر الذي يشكله هذا الحراك، لجهة أن محركه لا علاقة له بالموقف السياسي أو الأزمة الاقتصادية، وإن كانا حاضرين في بعض المواقف والتحركات، إلا أن البعد الأساس له والمحرك الرئيس كان ذا طابع ثقافي وموقف سلبي من المؤسسة الدينية وما تحاول فرضه من قراءتها الخاصة للدين على المجتمع من دون الاعتراف بالتنوع والاختلاف والتعدديات الفكرية والقومية والدينية من بوابة إلزامية الحجاب، الأمر الذي وضع وما زال يضع النظام والمؤسسة الدينية في موقف حرج ودقيق يتراوح ما بين الاستمرار في التمسك بموفقها وقراءتها الدينية وإعادة النظر فيها وتوسيع مساحة الحوار والحريات، بخاصة وأن الجيل الذي شكل المحرك الفاعل في هذه الاحتجاجات غير معني بالنظام وعقيدته وأيديولوجيته، ولا يهتم سوى بما يوفر له حقوقه الأساسية في الحرية والتعبير الحر عن مواقفه وآرائه وحتى تصرفاته وملبسه.
أمام هذا التحدي، لم يجد النظام بقيادته ومؤسساته الأمنية والعسكرية سوى خيار التراجع التكتيكي من أجل استيعاب هذا المتحول وقراءته ووضع الخطط لمواجهته وإفراغه من الخطر الذي يحمله أو يكمن فيه، ولم يمر النظام في حالة إرباك كالتي حصلت مع الاحتجاجات الأخيرة، إلا أن رهانه على الوقت، ورفع مستوى عسكرة جزء من الاحتجاجات بخاصة تلك التي حصلت في محافظات الأطراف، موطن الأقليات العرقية والقومية، الكردية والبلوشية، واتهامها بتنفيذ أجندة تستهدف وحدة البلاد وتقسيمها، سمحت له باستعادة جزء من توازنه، بخاصة وأنه ذهب إلى خيار الانفتاح على المحيطين الإقليمي والدولي لتخفيف الضغوط عليه اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً. وبالتالي تسمح له باستعادة استقراره وفرض سيطرته من جديد التي استخدم فيها كثيراً مما في جعبته من وسائل قمع وملاحقة. إلا أن هذا الاستقرار بمثابة النار تحت الرماد، وقد يكون جاهزاً للانفجار عند أي منعطف يظهر فيه النظام بموقف الضعف، ما لم يلجأ إلى آليات جديدة في التعامل مع التنوع والتعدد في المجتمع الإيراني، مختلفة عما اعتاد عليه في العقود الماضية.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل