روبرت فيكو واحتمالات العودة للحكم في سلوفاكيا

يكاد نموذج العلاقات مع أوكرانيا أن يصبح معياراً للحكم على مدى موضوعية سياسات أي من بلدان الاتحاد الأوروبي، ومن هذا المنطلق فثمة من ينظر إلى الانتخابات البرلمانية المرتقبة في سلوفاكيا وما يمكن أن تسفر عنه من نتائج، بوصفها المؤشر الذي سيقاس عليه منطق الأشياء. كما أن هناك من يحاول تكرار ما هرعت إليه الإدارة الأميركية في اتهامها للكرملين بالتدخل في الانتخابات الأميركية عام 2016، إذ أشار رئيس جهاز المخابرات الخارجية الروسية سيرغي ناريشكين إلى تدخل متزايد من جانب إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في الشؤون السياسية والداخلية لسلوفاكيا قبيل الانتخابات البرلمانية المرتقبة في الـ 30 من سبتمبر (أيلول) الجاري.

وكان ناريشكين كشف في بيانه الصادر عن جهاز المخابرات الخارجية الروسية عن أن إدارة جو بايدن "زادت أخيراً من تدخلها في الوضع السياسي الداخلي في سلوفاكيا، بينما أرسلت وزارة الخارجية الأميركية تعليماتها إلى الحلفاء الأوروبيين للعمل مع الدوائر السياسية والتجارية المحلية لضمان نتائج التصويت التي يطالب بها الأميركيون".

استطلاعات الرأي

وبعد اشتعال أزمة الحبوب وتصاعد تأثيرها في الأزمة الأوكرانية وظهور ما هو أقرب إلى تحالف بلدان شرق أوروبا الذي يضم المجر وبولندا وسلوفاكيا ورومانيا، المناهض لأوكرانيا، تنذر الانتخابات البرلمانية المقبلة في سلوفاكيا بنتيجة يقولون إنها ستؤثر في الدعم الغربي لأوكرانيا بسبب تزايد احتمالات صعود الأحزاب الموالية لروسيا إلى السلطة في براتيسلافا، وها هي الصحف الغربية تقول إن عدداً من الأحزاب الشعبوية واليمينية في سلوفاكيا التي تتعاطف بدرجات متفاوتة مع موسكو، لديها فرصة جيدة للانضمام إلى الحكومة التي سيتم تشكيلها نتيجة للانتخابات الباكرة التي ستجري هناك.

وننقل عن مجلة "بوليتيكو" ما قالته رئيسة سلوفاكيا سوزان تشابوتوفا حول أن الانتخابات البرلمانية في بلادها قد تقوض دعم البلاد لأوكرانيا إذا وصلت أحزاب المعارضة إلى السلطة، مشيرة إلى أنه إذا فازت الأحزاب الشعبية بحق تشكيل حكومة سلوفاكيا خريف هذا العام، فإن سياسة براتيسلافا الخارجية ستكون مماثلة لسياسة رئيس الحكومة المجرية فيكتور أوربان، مما يعني أن "سلوفاكيا يمكن أن تتبع المجر وتصبح طفلاً صعباً للاتحاد الأوروبي"، على حد قول تشاباتوفا، التي سرعان ما تداركت الموقف لتقول "إن سلوفاكيا كانت حليفاً قوياً لأوكرانيا، ومع ذلك فقد تغير الحكومة الجديدة رأيها في شأن هذه المسألة، لأن نفوذ روسيا ينتشر في جميع أنحاء أوروبا".
أما صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية فنشرت نتائج استطلاع الرأي التي أظهرت أن رئيس الوزراء السابق زعيم حزب "الديمقراطية الاجتماعية" (Smer-SD) المعارض روبرت فيكو (فيتسو)، الذي استقال عام 2018 بسبب احتجاجات مكافحة الفساد، يمكن أن يحصل على 20 في المئة من الأصوات خلال الانتخابات، مما يوفر له فرصة تشكيل الائتلاف الحكومي"، وهذا ما خلصت إليه صحف غربية عدة وبدا ما يشبه الإجماع في تقديراتها حول أن سياسات روبرت فيكو شديدة الشبه والتقارب مع سياسات جاره المجري فيكتور أوربان، مما قد يؤثر بصورة كبيرة في وحدة الاتحاد الأوروبي وحلف الـ "ناتو" في دعم أوكرانيا، وذلك ما أكدته أيضا رئيسة سلوفاكيا سوزان تشيبوتوفا التي قالت في حديثها إلى مجلة "بوليتيكو" في ما يتعلق بالفوز المحتمل لروبرت فيكو خلال الانتخابات المرتقبة، "إن موقف سلوفاكيا قد يصبح أكثر تشابهاً مع سياسة فيكتور أوربان الخارجية"، فيما حذرت بشدة من احتمالات تغيير اتجاه سلوفاكيا بعيداً من الغرب ونحو موسكو.
وكانت سلوفاكيا قبل موقفها من مسألة الحبوب الأوكرانية واحدة من أكثر دول الاتحاد الأوروبي تأييداً لأوكرانيا، بل وكانت من أوائل دول حلف الـ "ناتو" التي زودت أوكرانيا بنظام الدفاع الجوي السوفياتي "أس-300" العام الماضي، وكذلك سلمت أيضاً كييف ربيع هذا العام أسطولاً جوياً بكامل مقاتلاته وعددها 13 طائرة من طراز "ميغ-29"، وأوكلت حماية مجالها الجوي لجمهوريتي تشيكيا وبولندا إلى جانب توفير الدفاع الصاروخي بمنظومة باتريوت من جانب حلف الـ "ناتو".

غير أنه وإذا كانت الحكومات الأربع التي تولت السلطة خلال الأعوام الماضية أغرقت في دعم أوكرانيا بصورة واضحة، وأرسلت كثيراً من الأسلحة والعتاد العسكري إلى كييف، واستضافت أكثر من 100 ألف لاجئ أوكراني، ودعمت كل العقوبات المفروضة على روسيا على رغم أن هذه الخطوة أثرت بصورة مباشرة في وارداتها من الطاقة، فإن مزاج المجتمع السلوفاكي تغير بصورة كبيرة لمصلحة روسيا خلال العام الماضي. ووفقاً لأحدث استطلاع للرأي العام أجرته "غلوبسك" في ثمان من بلدان الاتحاد الأوروبي شرق ووسط أوروبا، فإن السلوفاكيين لديهم أكثر المشاعر تأييداً لروسيا وعداء للغرب في المنطقة، وتقول نتائج قياس الرأي العام إن 40 في المئة فقط من السلوفاك يعتبرون أن روسيا تتحمل مسؤولية الحرب ضد أوكرانيا، في وقت يقول 34 في المئة إن الغرب هو المسؤول عن إثارة العدوان الروسي، وكذلك 76 في المئة من المشاركين في استطلاع الرأي يعارضون العقوبات المفروضة على موسكو، فيما يعترض 69 في المئة على تقديم المساعدات العسكرية إلى أوكرانيا.

وتقول يكاترينا كلينغوفا من مركز "غلوبسك للديمقراطية والاستدامة" التي قدمت دراستها نهاية مايو (أيار) الماضي، "تظهر سلوفاكيا ما يشير إلى عوامل عدة، انعدام الثقة بالمؤسسات وظهور بوادر مجتمع يميل إلى تصديق التضليل، فضلاً عن القوى السياسية المؤثرة التي يمكن أن تستخدم إحباطات ومخاوف المجتمع لمصلحتها"، وذلك ما يشي ضمناً بأن الانتخابات المرتقبة ستؤثر بصورة كبير في وحدة الاتحاد الأوروبي وحلف الـ "ناتو" في دعم أوكرانيا.

فيكو و24 حزباً وائتلافاً

وتلفت صحيفتا "غارديان" البريطانية و"نيويورك تايمز" الأميركية الانتباه إلى حقيقة أن روبرت فيكو يحظى بشعبية تؤكدها معظم نتائج استطلاعات الرأي، ومن المقرر إجراء الانتخابات البرلمانية الباكرة في سلوفاكيا في الـ 30 من سبتمبر الجاري بمشاركة 24 حزباً وائتلافاً.

ووفقاً لصحيفة "الغارديان" فإن روبرت فيكو يقدم نفسه على نحو يماثل رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، وفي حال فوزه "قد يظهر مشاعر جديدة تجاه الاتحاد الأوروبي وحلف الـ ’ناتو‘"، وكذلك فإن هناك خطراً من احتمالات تغير المسار السياسي لسلوفاكيا، إذ من الممكن أن تبدأ البلاد بإبداء مشاعر الدعم والتأييد للرئيس فلاديمير بوتين، كما أن روبرت فيكو، وبحسب ما أشار سلفاً، سيوقف توريد الأسلحة إلى أوكرانيا بعد أن دان العقوبات المفروضة على روسيا وكشف عن موقف معارض لحلف الـ "ناتو"، بحسب ما أشارت صحيفة "نيويورك تايمز".

وكتبت الصحيفة تقول إن نجاحه في الانتخابات "سيحول على الأرجح سلوفاكيا من أحد أكثر مؤيدي أوكرانيا ثباتاً إلى انتهاج موقف أقرب إلى الحياد، وربما يبدو أكثر تعاطفاً مع موسكو"، كما أنه "سيضع حداً لعزلة رئيس الحكومة المجرية فيكتور أوربان"، بوصفه حتى الآن الزعيم الأوروبي الوحيد شديد المعارضة لتقديم المساعدة إلى أوكرانيا. وكانت سلوفاكيا أكثر البلدان الغربية دعماً لأوكرانيا بعد توقيعها في الـ 18 من مارس (آذار) الماضي اتفاقاً معها في شأن تسليمها 13 مقاتلة من طراز "ميغ-29" ونظامي دفاع جوي مضادين للطائرات كما أشرنا أعلاه.

ورصد جهاز التعاون العسكري التقني لروسيا الاتحادية مؤشرات إلى انتهاك سلوفاكيا قواعد إعادة التصدير، وزادت شعبية "الجمعيات السياسية الشعبوية" واليمين "المتطرف" بصورة ملحوظة. وثمة من يقول إن هذه الأحزاب تملك في حقيقة الأمر فرصاً جيدة للحصول على الغالبية البرلمانية في الانتخابات، وذلك يمكن أن يعني أنه وفي حال فوز حزب يمثل المشاعر اليمينية المتطرفة في المجتمع خلال الانتخابات المقبلة فإن قيادة سلوفاكيا، ومن أجل الحفاظ على الاستقرار السياسي الداخلي، قد ترفض الإفراط بالدعم الكامل لكييف.

"عندما تتم مطاردتك فإنك تتغير"

وقال أحد الخبراء السياسيين نقلاً عن وكالة "ريا نوفوستي"، "إن فوز عضو آخر في الاتحاد الأوروبي وحلف الـ ’ناتو‘ ودعمه لكييف على نحو أقل من ذي قبل، يمكن أن يثير موجة جديدة من المخاوف لدى أنصار أوكرانيا وحلفائها في صفوف الاتحاد الأوروبي وحلف الـ ’ناتو‘"، وفي الوقت نفسه ثمة من يقول إن الرئيس السابق للحكومة روبرت فيكو يمثل أحد الأحزاب الرئيسة في سلوفاكيا خلال الوقت الحالي، وأن حزبه هو الذي لا يؤيد وقف إمداد القوات الأوكرانية بالأسلحة والمعدات العسكرية وحسب، بل ويؤيد أيضاً سرعة العمل من أجل عقد اتفاق سلام بين موسكو وكييف، وعندما وصلت شعبية فيكو إلى أدنى مستوياتها قرر التغيير وبدأ بانتقاد كل شيء، بدءاً من عمليات الإغلاق واللقاحات أثناء تفشي وباء "كوفيد-19"، وحتى سياسات الهجرة غير الشرعية.

ومثل أوربان يتخذ فيكو موقفاً انتقادياً من الاتحاد الأوروبي، لكنه يظل منشقاً داخل الكتلة ولم يقم بأية محاولة لتتخلى بلاده عن عضويتها في هذا الاتحاد، وتظهر نتائج الاستطلاع أن تأييد السلوفاكيين لعضوية الاتحاد الأوروبي وحلف الـ "ناتو" يتراجع يوما بعد يوم، مثلما أن هناك من يعرب في براتيسلافا عن انتقاده لحزب "الديمقراطية الاجتماعية" لنشره معلومات مضللة حول "العملية العسكرية الروسية الخاصة" في أوكرانيا.

وكشأن أوربان فكثيراً ما يكرر روبرت فيكو ما يقال حول أن الملياردير الأميركي المجري الأصل جورج سوروس يتدخل في السياسة السلوفاكية، وأن المعارضة الليبرالية تخدم المصالح الأجنبية، وينقلون عنه أيضاً ما قاله حول إنه "لا يريد إرسال أسلحة فتاكة إلى أوكرانيا فقط من أجل الحصول على صورة جيدة بين الدول الغربية، وأنه من غير المعقول الاعتقاد بأن روسيا يمكن أن تنسحب من شبه جزيرة القرم إلى جانب أن السير في ركاب النهج الغربي سيكون سبباً في دمار أوكرانيا يوماً ما".
على أن ذلك ليس القول الفصل، "فقد تغير روبرت فيكو بالتأكيد"، وذلك ما قاله زعيم الائتلاف السابق بيلا بوغار الذي كان جزءاً من حكومة الائتلاف الحزبي ما بين عامي 2016 و 2020، "فعندما تتم مطاردتك فإنك تتغير".

لقد أصبح الدعم الذي تقدمه سلوفاكيا لأوكرانيا في حربها ضد روسيا الموضوع الأكثر جدوى سياسياً لروبرت فيكو، وقد وعد فيكو بوقف تقديم المساعدة العسكرية لكييف، ووصف رئيسة سلوفاكيا بأنها "عميلة أميركية"، وعارض انضمام أوكرانيا إلى حلف الـ "ناتو"، وبما أن سلوفاكيا جزء من الاتحاد الأوروبي وحلف الـ "ناتو" فهي تلعب دوراً مهماً من الناحية السياسية، كما أنها تقع بين المجر بقيادة فيكتور أوربان وبولندا، إذ يهدف حزب "القانون والعدالة" الحاكم إلى الفوز بالانتخابات الثالثة على التوالي في الـ 15 من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.