ملخص
هكذا بدأ الضجيج والسجال يصل إلى ذروته على منصات التواصل بين أنصار مرشحي الرئاسة المحتملين، تزامناً مع فتح أبواب مكاتب التوثيق أمام المواطنين لتحرير توكيلات.
مع إعلان الهيئة الوطنية للانتخابات في مصر الجدول الزمني للماراثون الرئاسي 2024، الإثنين الماضي، وتحديد موعد تلقي طلبات المرشحين لهذا الاستحقاق الدستوري ما بين الخامس والـ14 من أكتوبر (تشرين الأول)، بدأ الضجيج والسجال يصل إلى ذروته على منصات التواصل بين أنصار مرشحي الرئاسة المحتملين، تزامناً مع فتح أبواب مكاتب التوثيق التابعة للشهر العقاري في القاهرة والمحافظات الأخرى أمام المواطنين لتحرير توكيلات المرشحين في الـ25 من سبتمبر (أيلول) الماضي.
سريعاً، أبدت "الحركة المدنية الديمقراطية"، وهي تجمع معارض يضم 12 حزباً وشخصيات عامة، اعتراضها على الجدول الزمني المعد للانتخابات الرئاسية، معتبرة أن المدة الممنوحة لجمع التوكيلات "قصيرة للغاية"، و"خطوة تعجيزية" أمام المرشحين المحتملين.
ووفق الدستور المصري يشترط للترشح للانتخابات الرئاسية حصول المرشح على تزكية 20 عضواً في الأقل داخل مجلس النواب أو جمع توكيلات شعبية من 25 ألف مواطن ممن لهم حق الانتخاب في 15 محافظة في الأقل، على أن يكون الحد الأدنى في كل محافظة 1000 مؤيد.
ومع توافد المواطنين أمام مكاتب توثيق الشهر العقاري، ظهر التفوق الواضح لأنصار الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي (تولى الحكم 2014) الذي لم يعلن عزمه خوض الانتخابات المقبلة، وسط اتهامات من أنصار بعض المرشحين المحتملين أمثال أحمد الطنطاوي وجميلة إسماعيل بتعرضهم لاعتداءات و"محاولات لعرقلة إتمام عملية التسجيل وتحرير التوكيلات". وانتشرت مقاطع فيديو وصور على منصات التواصل تظهر عملية توجيه بعض المواطنين لتحرير توكيلات لمرشح بعينه، وتعرض أنصار مرشحين محتملين آخرين لاعتداءات واستجوابات، وكذلك انتشرت صور لدعوة الموظفين في المصالح الحكومية إلى تسليم بطاقاتهم الشخصية من أجل تحرير توكيلات للرئيس، لكن "اندبندنت عربية" لم تتحقق من صدقيتها.
أمام مكاتب التوثيق
وأمام تلك الشهادات انتقدت المرشحة المحتملة لانتخابات الرئاسة المصرية جميلة إسماعيل موقف الهيئة الوطنية للانتخابات، مشيرة إلى أن معظم المرشحين المحتملين اشتكوا من عمليات مماطلة وتحرش وعراقيل خارج اللجان وتهديد وترويع داخلها لمن يختار تحرير التوكيلات لغير رئيس الدولة.
وطالبت الهيئة باستمرار التحقيق في الشكاوى والمشاهدات بشكل أكثر جدية، والعمل على تسهيل الإجراءات، وضمان حق أي مواطن في تحرير توكيل لمن يختار بلا عراقيل أو تهديد أو تحرش من قبل أي فرد أو جهة داخل أو خارج مقار الشهر العقاري.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بحسب شهادة أمين صندوق محافظة القليوبية (حزب الدستور) رشا عبدالرحمن، وهي صاحبة أول توكيل للمرشحة المحتملة جميلة إسماعيل، لـ"اندبندنت عربية"، فإن العملية لم تستغرق معها أكثر من نصف ساعة، مرجعة أسباب عدم تعرضها لمضايقات إلى صفتها الحزبية.
وشرحت عبدالرحمن أنها وجدت تعاوناً من جانب موظفي الشهر العقاري، لكن على الجانب الآخر، فإن عديداً من الراغبين في تحرير توكيلات لجميلة إسماعيل تعرضوا لانتهاكات، داعية إلى ضرورة تعامل مصلحة الشهر العقاري مع كل المرشحين ومندوبيهم على مسافة واحدة، ومنتقدة ما سمته "عملية الحشد الممنهج من أنصار المرشح المحسوب على الدولة، لأن مثل تلك التجاوزات ليست في صالح أحد".
بحثاً عن توكيل
على جانب الآخر، لم يستطع حسام العربي، المنتمي إلى حزب "الدستور" تحرير توكيل لدعم جميلة إسماعيل. يقول لـ"اندبندنت عربية" إنه توجه إلى مكتب التوثيق بمنطقة قصر العيني بالقاهرة في تمام التاسعة والنصف صباحاً، لكنه فوجئ بأنه حصل على الدور رقم 944، مشيراً إلى أن معظم المحتشدين كانوا من أنصار السيسي، والآخرين من مؤيدي المرشح المحتمل أحمد الطنطاوي.
وبحسب شهادة العربي فإن المناوشات دفعته إلى الابتعاد عن المنطقة التي تشهد ازدحاماً، مشيراً إلى أنه لاحظ عدم وجود تنظيم كافٍ أمام مكاتب التوثيق، فضلاً عن توجيه أسئلة له من قبل الموظفين الذين تجمعوا أمام البوابة عن هوية المرشح الذي سيحرر له التوكيل.
ويؤكد العربي أنه لم يستطع تحمل عملية الانتظار والتكدس، مقرراً الانسحاب من الطابور على أن يعاود المحاولة في وقت لاحق. ووفق العربي فإن "فرص جميلة إسماعيل ضئيلة لجمع التوكيلات أو المنافسة في الانتخابات الرئاسية"، مشيراً إلى أن السبب في دعمه إياها أن أفكارها تتماشى مع قناعته وانتمائه لحزب "الدستور" وعدم اقتناعه بخطاب الطنطاوي. ويتابع "نحن نبني قواعدنا، وبخاصة أن عودتنا إلى الحياة السياسية كانت قريبة، وإذا كان المشهد مسرحية كما يرى بعض الناس، فإننا نستطيع أن نغير أجزاء منه عبر التعبير السلمي عن مواقفنا، ومشاركتنا محاولة لتحريك المياه الراكدة".
على النهج نفسه سار المرشح المحتمل لانتخابات الرئاسة أحمد الطنطاوي، بإصدار قرار بتعليق حملته الانتخابية بصورة موقتة لمدة 48 ساعة بسبب ما وصفه بـ"عمليات تضييق أمني على أفراد الحملة"، و"حرب التوكيلات" التي بدأت مع الإعلان عن تاريخ إجراء الانتخابات، لكنه عاد مرة أخرى ليجدد دعوته لأنصاره من أجل تحرير التوكيلات بداية من الجمعة، مؤكداً أنه سيراقب المشهد بنفسه.
وأظهرت مقاطع فيديو تجول الطنطاوي أمام عدد من مكاتب التوثيق وإجراء نقاشات مع موظفين بها بغرض تسهيل عملية تحرير التوكيلات لأنصاره، إضافة إلى توجيه رسائل تحفيزية لمؤيديه.
وعلى رغم متابعة الطنطاوي الإجراءات المتبعة من أمام مقار مكاتب التوثيق المصرية، فإن الناشط السياسي كريم الشاعر يقول لـ"اندبندنت عربية"، إنه وصل إلى المقر في الـ11 صباحاً، وظل منتظراً حتى الرابعة والنصف من دون أن يتمكن من تحرير توكيل للطنطاوي، مشيراً إلى أنها المرة الثانية التي حاول أن يمارس فيها حقه في التعبير عن موقفه السياسي بدعم المرشح المحتمل الذي يريده، لكن من دون جدوى، بحسب تعبيره.
وحول ملاحظاته عن المشهد قال الشاعر، إن "تجمعات أنصار السيسي كانت حاشدة، وكانت المنطقة المحيطة بالمكتب مزدحمة للغاية"، متهماً إياهم بأنهم "حاولوا افتعال مشكلات مع المحسوبين على الطنطاوي، وكانت الأمور تدار بعشوائية، وبين وقت وآخر يخبرنا الموظفون بتعطل (السيستم)، وكان عدد التوكيلات التي تمكنا من الحصول عليها ضئيلاً جداً مقارنة بأعدادنا أمام المكتب توثيق الشهر العقاري".
مشكلة تعطل "السيستم"
تكشف رئيسة إحدى مأموريات الشهر العقار، اشترطت عدم الكشف عن هويتها، لـ"اندبندنت عربية" أنهم خضعوا لتدريبات لمدة شهرين قبل فتح الباب أمام المواطنين لتحرير التوكيلات للمرشحين المحتملين، وذلك من أجل تدريب الموظفين على إنهاء الإجراءات بشكل سريع، والتعامل مع "التابلت"، ومواجهة المشكلات الطارئة.
وأوضحت أن من الطبيعي أن يتعطل "السيستم" بعض الوقت، وهو أمر لا علاقة له بمحاولة مضايقة أحد، مرجعة السبب إلى الضغط الكبير على "الشبكة"، حيث يدخل جميع الموظفين على "السيستم" في وقت واحد بكل أرجاء الجمهورية، وعملية تحرير التوكيلات تمثل ضغطاً كبيراً على إجراءات العمل الأخرى مثل تسجيل الأراضي والتوكيلات العادية والإقرارات، لذلك فإن بعض مأموريات الشهر العقاري لم تكلف تحرير توكيلات لمرشحي الرئاسة.
وأشارت إلى أنها "عملية مرهقة للغاية، ولا يمكن لنا أن نمنع مواطناً من تحرير توكيل مهما كانت توجهاته وأفكاره، مشيرة إلى أنها وجدت أعداداً ضئيلة تحرر توكيلات للمرشح المحتمل أحمد الطنطاوي من دون أن يتعرضوا لمضايقات". وأكدت أنها تعمل مثل غيرها على إرسال إحصاءات إلى الجهات المعنية طوال ساعات العمل من أجل مواجهة التكدس إن وجد، أو لاحتواء مشكلات مثل انقطاع الكهرباء، وهو أمر وارد يحدث معنا أثناء إنهاء الإجراءات الأخرى، ولكننا نبلغ بها حتى لا نتهم بأننا من قمنا بفصل الكهرباء، موضحة أنه "في بعض الأوقات يكون الإنترنت ضعيفاً، أو تحدث أخطاء من الموظفين كالخروج من (السيستم) من دون قصد".
دعم مطلق للسيسي
يشكك زين الورداني الذي شكل "غروب" باسم "دعم الدولة المصرية" يضم المئات من أنصار السيسي بإحدى قرى محافظة الشرقية، بمقاطع الفيديو المتداولة التي تظهر عمليات الحشد للرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي، وتوزيع وجبات على المواطنين أمام مكاتب التوثيق بالشهر العقاري. ويقول لـ"اندبندنت عربية"، "جهزنا لعملية تحرير التوكيلات مبكراً، وعقدنا مؤتمراً حاشداً في قريتنا ضم معظم العائلات من أجل الاستعداد والحشد للسيسي".
وبحسب الورداني، فإنه دفع من جيبه الشخصي 1000 جنيه (32.29 دولار) لنقل 200 شخص من أجل تحرير توكيلات للسيسي، ولم يتلق أحد منهم وجبات أو دعماً من أية جهة، مشيراً إلى أن هناك حلقة من التواصل بين العائلات لتخصيص مشرف يذهب بمجموعة يحدد لها يوم معين للنزول وتحرير التوكيلات.
وحول الأسباب التي تدفعه للقيام بهذا الدور يقول إنه كمواطن لديه مسؤولية في إظهار أن الرئيس يقف خلفه دعم شعبي كبير "مثل صورة أردوغان"، بحسبه، مشيراً إلى أن "عملية الحشد الحقيقية ستكون أيام الانتخابات الرئاسية".
وأوضح أنه يعيش في بلدة المرشح الرئاسي المحتمل حازم عمر، معلقاً "كان جميع أفراد عائلته بجانبنا لتحرير توكيلات للسيسي، ولم يدعموه".
واعتمد المرشح المحتمل حازم عمر، رئيس حزب "الشعب الجمهوري"، على دعم أعضاء مجلس النواب له لخوض المنافسة على مقعد الرئاسة 2024. ووفق آخر الإحصاءات المعلنة، فإن حملته تمكنت من تجميع 44 تأييداً من البرلمان ليستوفي بذلك أولى خطوات الترشح.
وعلى النهج نفسه قرر المرشح المحتمل عبدالسند يمامة الاعتماد بشكل رئيس على جمع توكيلات من أعضاء مجلس النواب، وبحسب المتحدث باسم حملته ياسر الهضيبي، فإنه نجح في جمع توكيلات نواب حزب "الوفد"، وأن الوفديين حريصون على جمع توكيلات شعبية لدعم مرشحهم.
وأشار في تصريحات متلفزة إلى أن المرشح المحتمل عن "الوفد" سيقدم برنامجه الانتخابي للهيئة العليا للحزب، وسيكون مفاجأة للمصريين، نظراً إلى إعداده من قبل مجموعة من المتخصصين.
وأعلنت أحزاب ونقابات مهنية مصرية تأييدها ودعمها للرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي، داعية إلى ضرورة بقائه حتى تحقيق "رؤية مصر 2030".
تخوفات من المشاركة
وفي ظل الاتهامات المتبادلة والتراشق بين أنصار المرشحين المحتملين للرئاسة يقف الناشط السياسي عمر قناوي متردداً من دون أن يحسم أمره بالتوجه إلى مكتب التوثيق لتحرير توكيل للمرشح الذي يؤيده. ويشرح موقفه لـ"اندبندنت عربية" قائلاً "قررت إعطاء فرصة لنفسي ومهلة قبل تحرير توكيل للمرشح المحتمل أحمد الطنطاوي، مشيراً إلى أن التسرع في مثل هذه الخطوة من جانب بعض مؤيديه لا يعكس حكمة سياسية.
وبحسب قناوي فإنه كان من الأفضل ترك أنصار السيسي في الأيام الأولى ليحرروا توكيلاتهم في الشهر العقاري لتجنب وقوع أية احتكاكات أو مناوشات، كما حصل، موضحاً أنه يدرس النزول لتحرير توكيل للطنطاوي في الأيام الأخيرة، فـ"تجربته تستحق الدعم لأن برنامجه يقف على أرضية يسارية، ويتماشى مع أفكاري".
ويقول قناوي إنه على رغم وجود بعض القلق والمخاوف الأمنية، فإن ذلك الأمر لن يمنعني من التعبير عن موقفي، ولا أخفي أنني خضت صراعاً موقتاً حول المشاركة في هذه العملية من عدمه، لكنني حسمت أمري بضرورة تحرير التوكيل، بخاصة أنه سبق أن واجهت مواقف مشابهة".
وحول مخاوفه بسبب ما هو متداول عبر منصات التواصل الاجتماعي من تعرض البعض لانتهاكات أمام مكاتب التوثيق يشير إلى أنه سيبلغ دائرة معارفه قبل التوجه إلى الشهر العقاري بالزيتون، متوقعاً جميع الاحتمالات من الضرب إلى الحبس، لكنه في الوقت نفسه يؤكد أنه بحكم ممارسته السياسية، فإن الأمور تسير في اتجاه التهدئة خلال الأيام المقبلة.