ملخص
يرى مراقبون أن العاصفة دانيال لم تدمر البنية المتهالكة لليبيا فحسب بل كشفت عن نوايا الأجسام التشريعية التي دخلت في حرب كلامية وقودها توظيف إعمار مدينة درنة لمصلحتها
عادت عقارب ساعة المشاورات السياسية إلى الدوران مجدداً في ليبيا بعد توقف دام لأسابيع بسبب عاصفة "دانيال" التي ضربت الشرق الليبي وخلفت آلاف القتلى والمفقودين، واستأنف المبعوث الأممي عبدالله باتيلي لقاءاته مع مختلف الأطراف السياسية المحلية والدولية للدفع نحو إجراء انتخابات وطنية تنهي المراحل الانتقالية التي تعصف بالبلاد منذ انهيار نظام معمر القذافي عام 2011.
انتخابات شاملة
ودعا باتيلي الاتحاد الأوروبي ومختلف الشركاء الدوليين إلى الحديث بـ "صوت واحد" لدعم العملية السياسية في ليبيا خلال لقائه أول من أمس الخميس مع الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل في العاصمة البلجيكية بروكسل.
وأكد المبعوث الأممي إلى ليبيا على حسابه الرسمي في منصة "إكس" أنه طالب "بإجراء انتخابات شاملة لاضفاء الشرعية على المؤسسات السياسية والعسكرية والأمنية وإعادة توحيدها، تماشياً مع تطلعات الشعب الليبي إلى السلام والاستقرار"، وعقد باتيلي الإثنين الماضي اجتماعاً مع أعضاء اللجنة العسكرية المشتركة" 5+5" عن المنطقة الغربية الذين عبروا عن تخوفهم "من استمرار الانسداد السياسي وتداعياته المحتملة على المسار الأمني، بخاصة في أعقاب مأساة درنة".
وفي الإطار نفسه، سبق وأعلن باتيلي أنه عقد لقاءات مع كل من رئيس مجلس النواب عقيلة صالح ورئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة لدفع العملية السياسية بهدف الوصول إلى الانتخابات وفق ما جاء في الموقع الرسمي للبعثة الأممية للدعم في ليبيا.
انسداد سياسي
ولم يخفِ عدد من الليبيين تخوفهم من دخول البلاد في انسداد سياسي بسبب الالتفات إلى كارثة درنة وتربص بعضهم بملف إعادة الإعمار هناك على حساب المسائل الأساسية الأخرى، في حين أكد آخرون أن كارثة درنة بإمكانها توحيد الجهود السياسية، خصوصاً أنها وفرت الأرضية الملائمة لتلاحم شعبي بين مختلف الأقطاب الليبية لم يسبق أن شهدته البلاد منذ اندلاع ثورة الـ17 من فبراير (شباط) 2011.
وأعربت الأمينة العامة السابقة لحزب الجبهة الوطنية (مستقل) فيروز النعاس عن قلقها من دخول البلد في أزمة طويلة المدى بسبب تواصل الانسداد السياسي، بخاصة أن المشاورات بين مجلسي النواب والدولة توقفت عند مشروع القوانين الانتخابية الذي توصلت إليه لجنة "6+6" في بوزنيقة المغربية خلال الفترة الماضية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقالت إنه "يخطئ من يظن أن كارثة درنة ستوحد جهود أطراف الصراع لإيجاد حل للإشكالية الليبية، فالواضح أن عاصفة دانيال لم تدمر البنية المتهالكة للبلد فحسب بل كشفت عن نوايا الأجسام التشريعية التي دخلت في حرب كلامية وقودها توظيف إعمار مدينة درنة لمصلحتها مقابل إهمال تام لمناقشة نقاط الخلاف حول القوانين الانتخابية"، وتابعت أن "الانتخابات لم تكن يوماً أولوية من أولويات المجلسين، فحتى الخلافات الظاهرة بينهما هي في الواقع اتفاقات ضمنية لكسب الوقت وضمان استمرار تربعهما على سدة المشهد السياسي".
تجميد المجلسين
ورأت النعاس أن "فرصة ذهاب ليبيا لإجراء انتخابات وطنية ضعيفة جداً بل معدومة طالما أن الأمر مرهون بيد مجلس النواب ومجلس الدولة، خصوصاً أن البعثة الأممية للدعم في ليبيا والمجتمع الدولي يختزلان الحل في البلاد بهذين المجلسين مقابل إهمال الخطط المقدمة من قبل الليبيين باعتبارهم أصحاب القرار، إذ سبق أن قُدمت مبادرات عدة للخروج من الجمود الحالي لكن لم يلتفت إليها أحد من الدول المتداخلة في الشأن الليبي".
وبخصوص الدفع نحو إجراء انتخابات شاملة، أبرزت النعاس أن "الحل يتمثل في تجميد مجلسي النواب والدولة مقابل تشكيل هيئة وطنية تتولى وضع خريطة طريق تؤدي إلى التوجه لانتخابات برلمانية فقط ومن ثم يتولى البرلمان الجديد تشكيل حكومة موحدة، إضافة إلى معالجته للمسار الدستوري بغية إصدار دستور يقره الشعب ومن ثم إجراء انتخابات وفق الدستور الجديد".
فرصة للتوحيد
من جهة أخرى، اعتبر المتخصص في الشأن الليبي أحمد التوهامي أن "إعصار دانيال دمر مدينة درنة ولكن في المقابل ولدت من رحمه وللمرة الأولى وحدة وطنية بين القطب الغربي والقطب الشرقي سياسيا وعسكرياً"، ورأى أنه "يجب استغلال هذه اللحمة الوطنية التي شتّتتها سابقاً الحرب في استعادة المبادرة السياسية وتحويل هذه المشاعر الموقتة الناجمة عن عاصفة دانيال إلى مشروع دائم للذهاب إلى انتخابات برلمانية ورئاسية سريعاً ومنع أي تأخير لهذه الانتخابات التي يجب أن يُسمح فيها بمشاركة أي مرشح من دون شروط مسبقة حتى نتجاوز مسألة غياب الدولة التي تعد المسؤول رقم واحد عن كارثة درنة، لذلك يجب تحويل ’رغاطة درنة‘ إلى سلوك سياسي فاعل ودائم".
وقال التوهامي إن "تعطيل قيام الدولة يعود للشروط التي يتبناها تيار الإسلام السياسي في ليبيا الذي يواصل رفض ترشح العسكريين على غرار (قائد الجيش الوطني الليبي) خليفة حفتر"، منبهاً من "سرقة شعارات قيادات الطبقة الوسطى التي ظهرت في فورة ثورة فبراير وفورة كارثة درنة".
وطالب "رموز درنة وثورة فبراير بالتكتل والاجتماع في تيار سياسي يقدم بديلاً موحداً لليبيين عبر ترشيح مرشح وحيد لكل الطبقات الوسطى مع فرض خريطة طريق سريعة لإقامة انتخابات، بحيث لا تمر كارثة درنة من دون أن تتحول إلى فرصة حقيقية لتوحيد المؤسسات السياسية والعسكرية في البلد، بخاصة أن القادة الأمنيين من المعسكر الغربي تحولوا إلى الشرق وعملوا جنباً إلى جنب مع رموز القطب العسكري الشرقي خلال كارثة درنة".