ملخص
من المحتمل ألا يتمكن الجمهوريون من الاتفاق على رئيس جديد لمجلس النواب
لا تعمل الإدارة الأميركية بشكل منفرد، فهي في حاجة دائمة إلى التمويل الذي يختص به الكونغرس وفقاً للدستور. وعندما يكون منصب رئيس مجلس النواب شاغراً كما هي الحال منذ إقالة كيفن مكارثي، الثلاثاء، يتعطل كل شيء. لهذا طالب الرئيس الأميركي جو بايدن بسرعة انتخاب شخص بديل، بينما كان السباق بين الجمهوريين لخلافة مكارثي قد بدأ بالفعل. فمن هم أبرز المرشحين، وما توجهاتهم، وكيف يمكن للفائز منهم تجاوز الانقسامات والمكائد الداخلية بين الجمهوريين، وهل يمكن له التعاون من الديمقراطيين أم إن التطرف على الجانبين سيظل يلقي بظلال من الشك على استقرار الحكم في أميركا؟
إنهاء الشلل
بعد تصويت مجلس النواب للمرة الأولى في التاريخ بعزل رئيسه كيفن مكارثي، ظل الجمهوريون منقسمين بشدة حول من يمكنه قيادة أغلبيتهم المنقسمة، فقد كان الرحيل المفاجئ والشلل الذي أصاب المجلس يعني أنه لا يمكن فعل الكثير في واشنطن حتى مع بدء العد التنازلي للحفاظ على تمويل الحكومة وتحديد مصير تشريعات الإنفاق، بما في ذلك تمويل أوكرانيا قبل منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، في الوقت الذي أبدى فيه الرئيس بايدن انزعاجه من الفوضى في مجلس النواب، ودعا المشرعين إلى تغيير ما وصفه بالأجواء السامة في واشنطن، بينما دق المشرعون في الكابيتول هيل ناقوس الخطر في شأن المأزق الذي وجد الكونغرس نفسه فيه.
غير أن قرار مكارثي بعدم الترشح للمنصب مرة أخرى بعد عزله على يد اليمين المتطرف في حزبه الجمهوري وعدم القدرة على القيام بأعمال تشريعية، أدى إلى إطلاق سباق تنافسي لخلافته.
أبرز المرشحين
أعلن كل من زعيم الغالبية ستيف سكاليس الذي يشغل ثاني أعلى منصب جمهوري في مجلس النواب، ورئيس اللجنة القضائية جيم جوردان، ترشحهما لمنصب رئيس مجلس النواب، مما مهد الطريق لصراع مرير بين أكثر القادة الجمهوريين المحافظين، وكان من بين الأسماء الجمهورية الأخرى التي ظهرت كمنافسين محتملين، النائبين توم كول، رئيس لجنة القواعد، وتوم إيمر الذي يشغل ثالث أعلى منصب جمهوري في المجلس على رغم أنه عبر عن دعمه سكاليس ورغبته في الترقي إلى منصب زعيم الغالبية.
كما أجرى النائب كيفن هيرن، رئيس لجنة الدراسة الجمهورية التي تعد أكبر تجمع للمحافظين، مكالمات هاتفية مع بعض النواب للتعبير عن اهتمامه بالمنصب، بينما يحاول بعض الجمهوريين الدفع برئيس مجلس النواب الموقت باتريك ماكهنري حليف مكارثي للترشح، فيما يفضل آخرون الانتظار لطرحه بديلاً نهائياً في حال عدم التوافق على المرشحين الحاليين.
اسم ترمب مطروح
ولم يكن من المستغرب أن يطرح بعض الجمهوريين اليمينيين الأكثر ولاء للرئيس السابق دونالد ترمب، اسم الرئيس السابق لمنصب رئيس مجلس النواب، حيث لا تمنع الإجراءات من الناحية الفنية ترشح غير أعضاء المجلس للمنصب، على رغم أنه لم يكن هناك مطلقاً رئيس لمجلس النواب لم يكن عضواً جالساً بالفعل.
غير أن ترمب رفض الترشح في الماضي، ويبدو أيضاً أنه محظور بموجب قواعد الجمهوريين في مجلس النواب، لأنه متهم بارتكاب جرائم تنطوي على عقوبات محتملة بالسجن لمدة عامين أو أكثر، بحسب موقع "فوربس"، ومع ذلك قد يكون بمقدور الجمهوريين تعديل تلك القواعد إذا وجدوا رغبة لدى ترمب، الذي لا يبدو أنه منشغل بهذا الترشيح من النواب الجمهوريين، ويتعامل معه كنوع من الولاء، نظراً لتركيزه على السباق الانتخابي للرئاسة الأميركية والقضايا الكثيرة التي تلاحقه.
جيم جوردان
ووفقاً لعديد من أعضاء مجلس النواب الجمهوريين، فإن التنافس الحقيقي ينحصر تقريباً بين ستيف سكاليس (57 سنة) وجيم جوردان (59 سنة) إذ يتمتع كلاهما بتأييد عدد واسع من النواب، وينتميان إلى التيار المحافظ الموالي للرئيس ترمب الذي امتنع عن تفضيل أي منهما على الآخر، مفضلاً ترك الخيار للجمهوريين في الأقل في العلن.
لكن بحسب بعض المراقبين، فإن جوردان قد يكون المرشح الأفضل لترمب الذي منحه وسام الحرية الرئاسي عقب أحداث العنف في الكابيتول، كونه كان ولا يزال أحد كبار حلفائه في الكونغرس، حيث دافع عنه عندما واجه تحقيقين لعزله في مجلس النواب، ويعمل الآن كأحد قادة الحزب الجمهوري في تحقيق عزل الرئيس جو بايدن، وعندما سيطر الديمقراطيون على مجلس النواب، رفض جوردان التعاون مع لجنة السادس من يناير (كانون الثاني) للتحقيق في أحداث اقتحام الكابيتول، على رغم تلقيه مذكرة استدعاء، وعلى طول الطريق، كان جوردان هو النائب المحافظ الأكثر ثباتاً في الكونغرس، حيث حقق الرقم القياسي على مدى 14 عاماً في الحصول على تصنيف مثالي بنسبة 100 في المئة لدى اتحاد المحافظين الأميركيين.
وإضافة إلى ذلك، يرأس جوردان أيضاً اللجنة الفرعية المختارة في شأن تسليح الحكومة الفيدرالية من قبل إدارة بايدن. وفي أغسطس (آب) الماضي، قاد جوردان تحقيقاً مع المدعية العامة في مقاطعة فولتون بولاية جورجيا، فاني ويليس، التي وجهت لائحة اتهام ضد ترمب بالتدخل في انتخابات عام 2020، حيث اتهمها باحتمال التنسيق مع مسؤولي وزارة العدل الفيدرالية في تحقيق حكومي وهو ما نفته ويليس، كما اتهم جوردان شركات التواصل الاجتماعي بالتآمر مع إدارة بايدن لفرض رقابة على الخطاب اليميني عبر الإنترنت.
وفي الأشهر الأخيرة، أصبح جوردان وهو بطل مصارعة سابق، حليفاً وثيقاً لمكارثي الذي دعمه بقوة للحصول على أعلى منصب في الحزب الجمهوري في لجنة الرقابة، وبعد ذلك في اللجنة القضائية القوية.
هل ينجح جوردان؟
لكن منافسي وخصوم جوردان يتهمونه بالتطرف، ويقولون إنه بدأ حياته المهنية في واشنطن كقاذف قنابل محافظ، إذ كان الرئيس المؤسس عام 2015 لتجمع الحرية اليميني المتطرف في مجلس النواب، الذي أجبر أعضاؤه رئيس مجلس النواب الجمهوري آنذاك جون بوينر، على الاستقالة بعدما هددوه بالإقالة في سيناريو مماثل لما حدث مع مكارثي.
وينظر الجمهوريون المعتدلون بعين الشك لجوردان ومواقفه التي قد لا تصل إلى أي شيء إذا فاز بالمنصب، ووصل إلى طريق مسدود مع الديمقراطيين في مجلس الشيوخ وإدارة بايدن، فقد صرح جوردان لشبكة "سي أن أن" بأنه سيعترض بصفته رئيساً للمجلس على المساعدات العسكرية لأوكرانيا، وهو مطلب رئيس للجمهوريين اليمينيين المتشددين الذين صوتوا للإطاحة بمكارثي، كما أن جوردان عارض عديداً من القوانين التي أكسبته سمعة تنذر برفض بعض الأعضاء المعتدلين في مؤتمر الحزب الجمهوري رئاسته للمجلس، وبسبب الغالبية الضئيلة للحزب الجمهوري، سيتطلب الأمر خمسة جمهوريين فقط لمنعه من تحقيق غايته.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ستيف سكاليس
في المقابل، يزعم ستيف سكاليس وهو الرئيس السابق للجنة الدراسة الجمهورية، أن لديه سجلاً حافلاً في جمع مجموعة متنوعة من وجهات النظر داخل الجمهوريين لبناء توافق في الآراء حينما يعتقد البعض أنه أمر مستحيل. وبصفته زعيم الغالبية في مجلس النواب، يعد سكاليس هو المرشح المفضل بين غالبية الجمهوريين لخلافة مكارثي بمن فيهم توم إيمر، الذي يشغل ثالث أعلى منصب في القيادة الجمهورية بمجلس النواب.
لكن سكاليس يقف أيضاً على يمين مكارثي الذي كانت تربطه به علاقة فاترة، وكان من بين النواب الذين اعترضوا على تنصيب بايدن رئيساً للولايات المتحدة بزعم تزوير الانتخابات الرئاسية عام 2020، التي روج لها ترمب.
هل يفوز سكاليس؟
وفي حين أن سكاليس وهو مهندس نظم كمبيوتر، يمتلك خبرة طويلة في الكونغرس تعود إلى عام 2008، إلا أنه يواجه بعض التحديات منها تشخيص إصابته بسرطان الدم خلال الصيف الماضي، وهو الآن يخضع لعلاج مكثف، مما دفعه إلى ارتداء قناع خلال عمليات التصويت في قاعة مجلس النواب وفي أثناء حضوره المؤتمرات الصحافية، كما أنه تعرض عام 2017، أثناء تدريب لمباراة بيسبول، لإطلاق النار من متطرف يساري مناهض لترمب مما أصابه بجروح خطرة جعلته يعرج نتيجة للحادثة.
كما اعتذر سكاليس عام 2014 عن حديثه في عام 2002 في تجمع للقوميين البيض، حينها قالت صحافية سياسية، إنه وصف نفسه ذات مرة بأنه مثل "ديفيد ديوك"، في إشارة واضحة إلى زعيم منظمة كو كلوكس كلان السابق، الذي كان عنصرياً متشدداً من لويزيانا وهي الولاية التي يمثلها في مجلس النواب.
ومع ذلك، لا يزال سكاليس يحظى بدعم بعض الجمهوريين المؤثرين في المجلس الذين يعتبرونه الرجل المناسب للقيادة، بمن فيهم النائب مات غيتز الذي طرح طلب التصويت للإطاحة بمكارثي، على رغم أن حلفاء مكارثي يحاولون نسف ترشيح سكاليس، ولا ينظرون إليه على أنه جامع تبرعات قوي وهو ضعف كبير قبل عام الانتخابات، وهذا من شأنه أن يفيد منافسه جوردان على هذا المنصب، الذي ينظر إليه على أنه جامع تبرعات قوي.
وبالنظر إلى أن الغالبية العظمى من الأعضاء الجمهوريين في الكونغرس يعتمدون على أموال الحملات الانتخابية من المانحين الجمهوريين وقادة الحزب، ويحتاجون إلى الفوز في الانتخابات التمهيدية للحزب، يبدو الخروج من هذا النظام البيئي أمراً صعباً ومحفوفاً بالمخاطر، وعادة ما يعني نهاية الحياة المهنية السياسية، مثلما اكتشفت النائبة السابقة ليز تشيني، ومن المرجح أن تكون الحوافز التي تدفع الساسة إلى البقاء داخل الفريق قوية للغاية بحيث لا يمكن التغلب عليها.
أزمات تلوح في الأفق
غير أن المهمة لا تزال تبدو عسيرة حيث يتعين على أي مرشح أن يفوز بغالبية أعضاء مجلس النواب، وهو أمر صعب بالنظر إلى غالبية الجمهوريين الضئيلة والخلاف بينهم الذي جعل من الصعب للغاية على مكارثي الفوز بالمنصب في المرة الأولى والقيام بالمهمة طوال الأشهر التسعة التي شغلها، بخاصة أن الجمهوريين اليمينيين أوضحوا أنهم لن يدعموا رئيساً من دون ضمانات بتنفيذ أولوياتهم، بما في ذلك سن تخفيضات كبيرة في الإنفاق وفرض قيود صارمة على الهجرة.
ولأنه يكاد يكون من المستحيل وعد التيار اليميني المتشدد بتنفيذ رغباتهم كاملة نظراً لأن الديمقراطيين يسيطرون على مجلسي الشيوخ والبيت الأبيض، قد يكون الوضع بمثابة وصفة لمزيد من الخلل الوظيفي في الكابيتول هيل، وبخاصة في المفاوضات في شأن الإنفاق الفيدرالي، حيث ينبغي أن يتفق مجلسا النواب والشيوخ بحلول منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) على 12 مشروع قانون للاعتمادات المالية السنوية لتمويل الحكومة في السنة المالية التي بدأت، الأحد الماضي.
وفي حال اختيار رئيس جمهوري جديد لمجلس النواب، سيكون الضغط هائلاً عليه من أجل مستويات إنفاق أقل بكثير مما وافق عليه مكارثي في صفقة الديون مع الرئيس بايدن في الربيع الماضي. ومن شأن تغيير شروط تلك الصفقة أن يؤدي إلى صدام مع مجلس الشيوخ الملتزم بالاتفاقية، ولهذا السبب من الصعب بحسب موقع "فوكس"، تحديد طريق واضح لأي من المرشحين لرئاسة مجلس النواب أو إمكانية تحقيق نجاح أكبر من مكارثي في التعامل مع كتلة حزبية منقسمة.
ولكن من المحتمل ألا يتمكن الجمهوريون في مجلس النواب من الاتفاق على رئيس جديد للمجلس، وهو الاحتمال الذي أثاره عديد من أنصار كيفن مكارثي في المناقشة التي سبقت الإطاحة به، محذرين من انتخاب رئيس لمجلس النواب يحظى بدعم كبير من الديمقراطيين، وهو ما سيأتي بشروط لن يحبها عديد من الجمهوريين.
ووفقاً للباحث في معهد بروكينغز ويليام غالستون، فإن عدم تمتع الجمهوريين بهامش ضئيل للغاية من الغالبية، يجعل بمقدور مجموعة هامشية صغيرة من الحزب تعطيل التشريعات التي لا تحبها، وإجبار بقية أعضاء الحزب على قبول تعديلات مريرة كثمن لدعمهم.
وفي ظل هذه الظروف، فإن النتيجة الأفضل هي انتخاب رئيس مجلس نواب ائتلافي بموجب صفقة رسمية بين الجمهوريين والديمقراطيين المستعدين لدعم مثل هذا الترتيب. ومن الممكن أن تتضمن الصفقة تغييرات في القواعد، والتحولات نحو التكافؤ الحزبي في تشكيل اللجان، حتى التوصل إلى اتفاق جوهري في شأن الإطار الذي ستسير ضمنه عملية المخصصات.
وعلى رغم صعوبة إجراء هذا الترتيب، فإن الأوقات العصيبة تتطلب الابتكار، وقد تجعل ذلك ممكناً لأن البديل هو استمرار الوضع الراهن الذي يمنع المجلس من القيام بواجباته الدستورية الأساسية.