انخفضت أسعار النفط في الأسواق العالمية بأكثر من ثلاثة دولارات للبرميل بنسبة 3.63 في المئة، على رغم اتفاق الدول الأعضاء في تحالف "أوبك+" على إبقاء سقف الإنتاج الحالي المتضمن خفوضات سابقة إضافة إلى إعلان السعودية وروسيا الاستمرار في الخفض الطوعي للإنتاج إلى نهاية العام.
ووصل سعر برميل خام برنت إلى 87.62 دولار، بينما هبط سعر الخام الأميركي الخفيف (مزيج غرب تكساس) إلى 85.94 دولار للبرميل، ليسجل برنت أدنى مستوى له منذ بداية شهر سبتمبر (أيلول) الماضي.
إلى ذلك، اتفق وزراء دول "أوبك" وشركائها من خارج المنظمة ضمن تحالف "أوبك+" في اجتماعهم عبر الفيديو على عدم تغيير سقف الإنتاج الحالي كما كان متوقعاً.
في الوقت نفسه، أعلنت السعودية مواصلة خفض إنتاجها بشكل طوعي بمقدار مليون برميل يومياً حتى نهاية العام الحالي، كذلك أعلنت روسيا استمرار خفض إنتاجها طواعية بمعدل 300 ألف برميل يومياً حتى نهاية 2023.
وتعقد دول "أوبك+" اجتماعها الوزاري المقبل، في 26 نوفمبر (تشرين الثاني)، إذ يقدر محللون ألا يشهد هذا الاجتماع أيضاً أي تغيير في سياسة الإنتاج الحالية.
وذكر بيان لـ"أوبك" عقب اجتماع أن "اللجنة الوزارية ستراقب أوضاع السوق عن كثب" في إشارة إلى إمكان تغيير السياسة الإنتاجية في حال حدوث أي أمر مفاجئ يؤثر في أسواق الطاقة.
توقعات متضاربة
لكن حتى من دون حدوث مفاجآت مؤثرة، لا يتفق المحللون في أسواق الطاقة حول أوضاع سوق النفط المتوقعة خلال الأشهر المتبقية من العام الحالي والأشهر الأولى من العام المقبل 2024 لأن التقديرات المستقبلية تعتمد على استمرار النمط الحالي مع الأخذ في الاعتبار تغيرات سلبية أو إيجابية تعززه أو تضعفه، وهكذا تجعل تقلبات أسعار النفط خلال الأشهر الأخيرة وتذبذب البيانات لأداء الاقتصاد العالمي توقعات أسواق الطاقة متباينة بين متفائلة بارتفاع الأسعار لما فوق حاجز 100 دولار للبرميل ومتشائمة تقدر استمرارها حول حاجز 80 دولاراً للبرميل وربما تنخفض عنه.
في غضون ذلك، عزز تقرير لمجلة "إيكونوميست" نشر أخيراً، أي عندما عقد تحالف "أوبك+" اجتماعه وأعد قبله، رجح عدم تغيير السياسة الإنتاجية لأعضاء التحالف، توقعات المتفائلين والمتشائمين في شأن أسعار النفط خلال الأشهر المقبلة.
وتستند تلك التقديرات إلى حركة الأسعار التي وصلت في يونيو (حزيران) 2022 إلى مستوى 125 دولاراً للبرميل لتتراجع أخيراً إلى مستوى 85 دولاراً للبرميل، مما دفع الدول المنتجة في تحالف "أوبك+" إلى تمديد العمل بخفوضات الإنتاج المتفق عليها في أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي، لكن الأسعار هوت إلى مستوى قرب 70 دولاراً للبرميل في يونيو 2023.
وفي الشهر التالي، قررت السعودية، أكبر منتج ومصدر للنفط في "أوبك"، خفض إنتاجها بشكل طوعي بمقدار مليون برميل يومياً بنسبة واحد في المئة تقريباً من الطلب العالمي على النفط، ثم مددت القرار حتى أغسطس (آب) الماضي.
كذلك قررت روسيا التي تقود المنتجين من خارج "أوبك" ضمن تحالف "أوبك+" خفضاً طوعياً لإنتاجها بنحو 300 ألف برميل يومياً للفترة ذاتها، تزامناً مع عودة تفاؤل الاقتصاديين والمحللين الذين كانوا يخشون دخول الاقتصاد العالمي في ركود، بالتالي هبوط الطلب على النفط وأصبحت التوقعات بأن الاقتصاد العالمي سيتفادى الركود وإن تباطأ النمو.
وهكذا ارتفعت أسعار النفط بنسبة 30 في المئة متجاوزة حاجز الـ90 دولاراً للبرميل ومقتربة من 100 دولار للبرميل.
مضاربات النفط
وتذبذبت أسعار النفط على مدى الأسبوع الماضي لتهبط من أكثر من 97 دولاراً للبرميل إلى أقل من 90 دولاراً للبرميل في ظل تقلبات سوق العقود الآجلة.
وعلى رغم أن قدراً كبيراً من التذبذب يعود لمضاربات المتعاملين وبيع العقود بكثافة لجني الأرباح، إلا أن توقعات المحلللين المتباينة في شأن مستقبل معادلة العرض والطلب اضطلعت بدور في ذلك التذبذب، إذ إن الاقتصاديين والمحللين ينقسمون الآن بين "متفائلين" يرون الأسعار متجاوزة حاجز 100 دولار للبرميل قبل أن تعاود التراجع و"متشائمين" يرون أن الأسعار ستظل أقل من ذلك الحاجز وربما تقترب من حاجز الـ70 دولاراً للبرميل أو أدنى.
ويستند المتفائلون إلى أن المخاوف من تردي الاقتصاد الصيني انتهت تقريباً والمؤشرات على ذلك أن الزيادة في أعداد االسياح ورجال الأعمال الصينيين الذين يقبلون على السفر في اطراد، مما زاد الطلب على وقود الطائرات، بالتالي على النفط الخام ومشتقاته، ثم إن موسم السفر الأميركي السنوي الذي يبلغ قمته في عيد العمال مطلع شهر سبتمبر الماضي كان قوياً.
هذه العوامل تدفع خورخيه ليون من شركة "رايستاد إنرجي" إلى توقع استمرار الطلب القوي على النفط وأنه لن يتراجع إلا بعد وصول الأسعار إلى نطاق 110 – 115 دولاراً للبرميل.
وترجح شركة الاستشارات في مجال الطاقة "إنرجي أسبكتس" أنه على رغم خفض الإنتاج ستزيد السعودية عائدات صادراتها النفطية في الربع الحالي من 2023 بنسبة ستة في المئة مقارنة بالربع السابق له، مما يعني إضافة 30 مليون دولار يومياً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كا تتوقع الشركة أيضاً أن تزيد عائدات روسيا من صادراتها النفطية في ما تبقى من أشهر هذا العام، مرجعة ذلك إلى أن خفوضات الإنتاج الحالية لن تنال منها زيادة إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة كما حدث قبل نحو عقد من الزمن.
فعلى رغم أن شركات النفط الصخري في أميركا الشمالية مستفيدة من ارتفاع الأسعار وتزيد إنتاجها قليلاً حالياً بالفعل، إلا أن زيادة كلفة الإنتاج جعلت تلك الشركات توقف بعض الآبار وتراجع عدد منصات الإنتاج حالياً بنسبة 20 في المئة عما كان عليه في شهر نوفمبر العام الماضي.
حتى إن زيادة الإنتاج من الدول خارج "أوبك" مثل البرازيل وغويانا وغيرهما لن تكون كافية لتعويض خفض الإنتاج في ظل نمو الطلب على النفط بالمعدل المتوقع.
الطلب الصيني
أما المتشائمون الذين يرجحون هبوط الأسعار، فيستندون في تقديراتهم إلى أن تعافي الطلب الصيني على النفط وصل إلى ذروته بالفعل، إذ يقدر بنك "جيه بي مورغان تشيس" الاستثماري الأميركي أن "الطلب الصيني على النفط سيظل كما هو حالياً ولن يشهد تغيراً حتى نهاية العام"، إضافة إلى أن الصين استوردت كميات كبيرة من النفط في الأشهر الثمانية الأولى من 2023 ذهب معظمها إلى التخزين لتكريره في ما بعد، وتشير التجربة تاريخياً إلى أن الصين تتوقف عن الشراء عند ارتفاع الأسعار العالمية بقوة.
كذلك هناك بعض المؤشرات في الولايات المتحدة التي تدل على أن ارتفاع أسعار الوقود بدأ يضغط صعوداً على معدلات التضخم التي أصبحت تتجاوز نسبة أربعة في المئة.
ويقدر كثيرون أن يظل معدل التضخم حول ثلاثة في المئة لفترة طويلة، مما قد يدفع الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي) الأميركي إلى رفع أسعار الفائدة مجدداً.
ويشار إلى أن أسعار الفائدة المرتفعة تشكل ضغطاً هبوطاً على الطلب في سوق الطاقة، بالتالي تنخفض أسعار النفط.
إلى ذلك، يقلل الاقتصاديون والمحللون من أهمية التراجع في المخزونات الأميركية التي يمكن أن تضيف إلى جانب الطلب على النفط وترفع الأسعار مع استمرار ثبات العرض، ويتوقع المتشائمون أن تقل فجوة المخزونات النفطية الأميركية مع الأشهر الأولى من العام المقبل مع الإنتاج من خليج المكسيك، إضافة إلى أن ارتفاع الأسعار يحد من الشراء لملء المخزونات، بالتالي يقلل من الطلب على النفط، بل إن شركة "كيبلر" لتحليل معلومات أسواق الطاقة تتوقع فائضاً في المخزونات عام 2024، ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى تخمة المعروض في السوق النفطية العالمية ربما تزيد على معدلات نمو الطلب المقدرة بما بين 1.5 ومليوني برميل يومياً، ولعل المخاوف من تخمة المعروض تلك هي التي تدفع السعودية وروسيا وتحالف "أوبك+" إلى الإبقاء على خفوضات الإنتاج وربما تمديدها لفترة أطول.