ملخص
العاهل السعودي هدد واشنطن قبل أسبوعين من حظر النفط وقال إن "البركان الخامد في الشرق الأوسط سينشط من جديد"
أربك الحظر النفطي الذي تبناه العاهل السعودي الراحل الملك فيصل بن عبد العزيز الولايات المتحدة وحلفائها في الغرب والشرق وجاء كمفاجأة استراتيجية لا يقل وقعها عن "حرب أكتوبر" التي اندلعت في مثل هذا اليوم عام 1973 على غفلة من الاستخبارات الأميركية.
وبحلول الذكرى الـ 50 لحرب أكتوبر، تنشر "اندبندنت عربية" وثائق أميركية رفع عنها السرية، تحتوي مراسلات الملك فيصل والرئيس الأميركي الراحل ريتشارد نيكسون ووزير خارجيته هنري كيسنجر، وتظهر صلابة موقف الرياض الداعم لمصر وسوريا في الحرب مع إسرائيل، وتضحيتها بمداخيل النفط للضغط على واشنطن.
وتكشف وثيقة بتاريخ 13 أكتوبر (تشرين الثاني) 1973 عن رسالة متداولة من الملك فيصل إلى نيكسون قبل أيام من حظر النفط، احتوت تهديداً بقطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وتعليق العلاقات الاقتصادية ووقف تصدير شحنات النفط للولايات المتحدة. وتفيد الوثيقة بأن الملك فيصل أوضح في رسالته بأنه تولى قيادة الجيش السعودي وزار عدة وحدات. كما أبلغ نظيره الأميركي بعدم الحاجة إلى إرسال سفيره الجديد جيمس أكينز الذي كان مقرراً وصوله جدة في ذلك اليوم.
الرد على كيسنجر
وتكشف وثيقة ثانية بعنوان "الملك فيصل يرد على مناشدة كيسنجر للمساعدة في الشرق الأوسط" بتاريخ 7 أكتوبر 1973 عن أن العاهل السعودي رد على رسالة كيسنجر التي طلب فيها من الملك التدخل وإقناع أنور السادات وحافظ الأسد بوقف القتال مع إسرائيل، قائلاً "إذا لم تتحرك الولايات المتحدة لردع إسرائيل، فإن البركان الخامد في الشرق الأوسط سينشط من جديد، وأن محرقته لن تقتصر على المنطقة فقط، بل ستتحول إلى حرب عالمية ثالثة شاملة".
ترجمة رسالة الملك فيصل:
"معالي وزير خارجية الولايات المتحدة هنري كيسنجر، تلقيت رسالة معاليكم التي تقول إنه بناءً على تقرير من إسرائيل يفيد بأن القوات المصرية والقوات السورية تخطط لشن هجوم منسق على القوات الإسرائيلية، أصبحَ معاليكم متيقناً عندما وقعت بالفعل اشتباكات برية وجوية بين القوات المصرية والقوات السورية من جهة والقوات الإسرائيلية من جهة أخرى بأن (القوات المصرية والقوات السورية) بدأتا الهجوم على إسرائيل.
إني أعتقد بأن هذا الهجوم جزء من سياسة إسرائيل الهادفة إلى تنفيذ خطتها التوسعية في سياق سياستها الشاملة ضد الدول العربية. لم يشن العرب هجوماً على إسرائيل قط، بل إسرائيل من تبدأ العدوان منذ تأسيسها وفي كل مرة تحتل منطقة معينة بما يتسق مع خططها المفتوحة.
إذا لم تتحرك الولايات المتحدة لردع إسرائيل، فسينشط من جديداً البركان الذي كان خامداً حتى الآن في الشرق الأوسط، ولن تقتصر محرقته على المنطقة، بل ستتحول إلى حرب عالمية ثالثة شاملة (تلتهم جميع دول العالم وبما ينافي) اتفاقات القوى الكبرى بشأن عدم المواجهة.
ولذلك فإن إسرائيل تتحمل المسؤولية الكبرى عن هذا النزاع الحالي في المنطقة ويجب على الولايات المتحدة إجبار إسرائيل بالانسحاب من الأراضي العربية ومنح الشعب الفلسطيني حقوقهم في أراضيهم ووطنهم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
استنفار لطمأنة السعودية
وتكشف وثيقة ثالثة بتاريخ 7 أغسطس (آب) 1973 عن توصية هنري كيسنجر لنيكسون بأن يبعث رسالة مباشرة إلى الملك فيصل لطمأنته وتوضيح الموقف الأميركي الداعم لتسوية عربية – إسرائيلية.
وتضم الوثيقة خطاباً من الدبلوماسيين ويليام كواندت وهارولد ساندورز الذي أصبح لاحقاً مساعداً لوزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، يوصيان فيه الرئيس الأميركي بالكتابة إلى العاهل السعودي، في ضوء تهديده باستخدام النفط لتغيير سياسة واشنطن في الشرق الأوسط.
وأفاد الخطاب بأن رسالة الرئيس مهمة لإقناع الملك فيصل بعدم توظيف النفط كسلاح سياسي، وتوضيح الموقف الأميركي باستخدم حق النقض "الفيتو" ضد مشروع قرار بالأمم المتحدة يدين الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية التي استولت عليها في حرب 67.
وذكر الخطاب الموجه لكيسنجر بأن رسالة الرئيس يجب أن تكون متمحورة أكثر حول السعودية والأمن الإقليمي لا الصراع الإسرائيلي – العربي، وأنه من اللازم دعوة الأميرين فهد بن عبدالعزيز أو سلطان بن عبدالعزيز إلى الولايات المتحدة لاستكمال المناقشات السياسية بين البلدين. واقترح المسؤولان تعديلاً على رسالة الرئيس عندما يتطرق إلى "الفيتو" الأميركي، بحيث يوضح مساعي واشنطن وأملها بتحقيق تسوية سلام بين إسرائيل والعرب.
وفي رسالته إلى نيكسون، كتب كيسنجر مؤيداً مراسلة الملك فيصل ودعوة الأمير فهد، وقال، "الملك فيصل يثمن التواصل المباشر معك ويبدو أن هذا هو الوقت المناسب لإرسال رسالة شخصية إليه"، تتناول أهمية التعاون الإقليمي لضمان استقرار دول المنطقة وتقدمها، والرغبة على في العمل مع السعوديين بما يلائم احتياجاتهم لإيجاد فرص مفيدة من إيرادات الإنتاج النفطي، والتأكيد على أن النهج المفضل لواشنطن هو تحقيق تسوية إسرائيلية – عربية.
نص رسالة نيكسون:
"كما تعلم يا صاحب الجلالة، لقد أنهيت مؤخراً مناقشات مستفيضة مع الأمين العام (للحزب الشيوعي السوفياتي) بريجنيف وشاه إيران، وهذه المناقشات بطيعة الحال تناولت من بين مواضيع أخرى في العالم الوضع في منطقتكم. ولأهمية المملكة العربية السعودية كبلد صديق للولايات المتحدة، أود أن أشارك جلالتكم أفكاري الحالية حول هذا المسائل، التي أعرف بأنها ذات أهمية كبيرة لديكم.
إني على يقين بأننا متفقين على أن وجود سعودية قوية ومستقرة وآمنة أمر ضروري لاستقرار منطقة شبه الجزيرة العربية. أستطيع أن أؤكد لجلالتكم استمرار اهتمامنا القوي بأمن السعودية ورفاهيتها. إن بياننا الأخير بشأن استعدادنا لبيع طائرات F-4 Phantom عندما تكون قواتكم الجوية جاهزة لاستقبالها، هو، كما تعلمون جلالتكم، مجرد جزء واحد من برامجنا الأمنية المستمرة في السعودية المصممة للمساعدة في تحديث القوات المسلحة للمملكة، وتزويدها بكافة المعدات.
واستكمالاً لاهتمامنا المباشر بأمن السعودية ورفاهيتها، فإننا ندرك تمام الإدراك أن هذا الأمن يتعزز عندما يتم ضمان استقرار الدول المجاورة. ولهذا السبب فإننا نقدر التعاون مع حكومة جلالتكم في الجهود المبذولة لدعم شمال اليمن وسلطنة عمان في مواجهة التخريب المدعوم من الشيوعيين. إن دور السعودية في مساعدة الدول الواقعة على حدودها للحفاظ على استقلالها وسلامتها له أهمية كبيرة في تحقيق هذا الهدف، والولايات المتحدة مستعدة لبذل كل ما في وسعها للمساعدة في تعزيز المملكة في هذا الدور. إن قيادة جلالتكم ضرورية في هذا الشأن
خارج شبه الجزيرة نفسها، أعتقد أننا متفقون على أهمية تعزيز التعاون بين جميع الحكومات التي يمكن أن تساهم في استقرار ليس فقط في شبه الجزيرة، ولكن في المنطقة المحيطة بها. وكما تعلم جلالة الملك، فإن علاقاتنا مع الأردن وإيران وتعاوننا الجديد مع الكويت موجه نحو هذا الهدف. وفي هذا السياق أيضاً، ترحب الولايات المتحدة بالعلاقة الوثيقة بين جلالتكم والرئيس السادات، وقد وافقت على أن خفض الوجود السوفييتي في مصر كان تطوراً إيجابياً.
بالإضافة إلى حرصنا المباشر على أمن السعودية ورفاهيتها، فإننا مهتمون أيضاً بالتعاون مع الدول المنتجة للنفط في منطقتكم لضمان تدفق الطاقة الموثوق إلى البلدان المستوردة للنفط. إننا ندرك قلقكم، الذي عبر عنه أولاً وزير البترول لدى جلالتكم الشيخ أحمد زكي يماني، بأن التوترات المستمرة في الشرق الأوسط يمكن أن تؤثر على قدرة السعودية على القيام بدورها الفريد في تلبية احتياجات العالم من الطاقة. كما أننا ندرك تماماً رغبة السعودية في استخدام دخلها النفطي المتزايد لتنويع اقتصادها وإيجاد استثمارات منتجة.
إننا نرى السعودية على أعتاب فترة من النمو الاقتصادي والتنمية الكبيرين، وأعتقد أن الخبرة الفنية والإدارية الأميركية يمكن أن تقدم مساهمة كبيرة في تحقيق أهدافكم. من المهم لاستقرار السعودية والمنطقة أن يستمر التقدم الاقتصادي دون انقطاع، ويسرني أن عدداً من الشركات الأميركية تدرس مشاريع مشتركة محتملة من شأنها أن تساعد في تنويع اقتصاد السعودية والاستفادة من الطاقة المتوفرة والموارد الأخرى، نحن نقدم لهذه الشركات كل التشجيع المناسب.
إن السلام في الشرق الأوسط، بالطبع، أمر أساسي لاستقرار المنطقة بأكملها وتقدمها. والسعي لتحقيق السلام في الشرق الأوسط يمثل أولوية قصوى بالنسبة للولايات المتحدة، ليس فقط لأنه سيسهل تحقيق المصالح التي نتشاركها مع أصدقائنا في المنطقة، ولكن أيضاً لأنه أمر بالغ الأهمية لهيكل السلام العالمي الذي نسعى جاهدين لبنائه. وكما تعلمون جلالتكم، فإن الولايات المتحدة منخرطة بنشاط في محاولة تهيئة الظروف التي يمكن في ظلها إحراز التقدم. إن التوصل إلى سلام في الشرق الأوسط عن طريق التفاوض قد يكون ممكنا. وهذا يتطلب أولا وقبل كل شيء الحفاظ على وقف إطلاق النار، حيث إن تجدد الأعمال العدائية من شأنه أن يلحق ضرراً بالغاً بآفاق التسوية السياسية. وقد أعربت عن تقديري لجهود جلالتكم في إبلاغ الرئيس السادات بضرورة مواصلة ضبط النفس في هذه الفترة الصعبة.
ثانياً، نعتقد أن للولايات المتحدة دوراً تلعبه في تعزيز السلام بين الدول العربية وإسرائيل. ونعتقد أن بإمكاننا العمل بفعالية أكبر من خلال المحادثات الدبلوماسية الخاصة والمستمرة مع جميع الأطراف. وتتطلب هذه العملية الصبر وتنمية فهم مصالح جميع المعنيين. وفي بعض الأحيان، ومن أجل الحفاظ على قدرتنا على القيام بدور فعال في هذه المحادثات الخاصة، نضطر إلى الامتناع عن تبني مواقف عامة، كما هو الحال في الأمم المتحدة، والتي قد تعرض دورنا للخطر. أدرك أن هذا أمر يصعب على أصدقائنا العرب فهمه. أستطيع أن أؤكد لجلالتك أن الولايات المتحدة حريصة على المساعدة على تحقيق سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط وستواصل جهودها لتحقيق هذا الهدف
وكما تعلمون، فقد أبدى الأمين العام للأمم المتحدة (كورت) فالدهايم استعداده للانخراط بشكل أكثر نشاطاً في مشكلة الشرق الأوسط. وقد رحبت حكومتي بهذا التطور وشجعته. نريد أن نبقى على اتصال وثيق مع جلالتك مع تطور هذا الوضع.
ويحدوني أمل قوي في أن نتمكن في الفترة المقبلة من إيجاد السبل لمواصلة العمل معا بشكل أوثق لتعزيز مصالحنا المشتركة وتعزيز السلام والاستقرار والتقدم المنظم في الشرق الأوسط. وبينما نعمل على تطوير مجالات جديدة للتعاون، والتي تؤكد من جديد العلاقة الوثيقة بين بلدينا، يمكننا الاستمرار في تعزيز هذه الأهداف المهمة".
تهديد غزو الحقول النفطية
ووفق الموجز اليومي للرئيس الأميركي في 2 يناير (كانون الثاني) 1975، حثّت السعودية واشنطن مرة أخرى على إجبار إسرائيل على تقديم تنازلات، وأعربت عن قلقها من تقارير الصحافة الأميركية حول إمكانية غزو أميركي لبعض الدول العربية المنتجة للنفط.
وأفاد الموجز بأن الملك فيصل وجّه وزير الدولة للشؤون الخارجية المكلف محمد إبراهيم مسعود بلقاء السفير الأميركي جيمس أكينز، حيث استعرض مسعود معه مقتطفات من الهجمات الصحفية الأخيرة على السياسات السعودية من قبل العراق والكويت ولبنان وليبيا والجزائر، بالإضافة إلى تقارير السفارة السعودية التي تشير إلى أن تلك الحكومات العربية غير راضية عن الدعم السعودي لأنشطة صنع السلام الأميركية.
واستشهد الوزير السعودي بعدة مقالات نشرتها الصحافة الأميركية حول غزو حقول النفط في السعودية وما أسماه "الإنكار الغامض" من قبل المسؤولين الأميركيين، وقال إن الملك أراد أن يعرف ما إذا كانت الولايات المتحدة تحاول تخويف السعودية، وتساءل، "عما إذا كانت الولايات المتحدة تريد الانهيار الكامل للاقتصادات الغربية بعد هذا الغزو".
وقال مسعود إن الملك ما زال مقتنعاً أن الولايات المتحدة يمكن أن تتوصل إلى حل في الشرق الأوسط في أي وقت، وذلك ببساطة عن طريق قطع المساعدات الأميركية لإسرائيل حتى تتخلى عن الأراضي العربية. وأضاف أن "السعودية أو أي دولة عربية أخرى لن تعترض على الضمانات الأمنية الأميركية لإسرائيل"، محذراً من أنه "سيكون من الخطأ أن تبني الولايات المتحدة سياستها على الاعتقاد بأن السعودية لن تلجأ أبداً إلى الاتحاد السوفييتي لاستبدال المساعدة الأميركية".
وتكشف وثيقة لمجلس الأمن القومي بتاريخ 6 فبراير 1974 عن أن الملك فيصل كتب للرئيس نيكسون في 25 ديسمبر 1973، بعد أشهر من الحظر النفطي قائلاً، "نعتمد على نواياكم الطيبة في العمل على انسحاب إسرائيل من حدود ما قبل 5 يونيو(حزيران) 1967 وإعطاء الشعب الفلسطيني حقه في العودة إلى بلاده ليقرر مصيره بنفسه. بعد تنفيذ ما أشرت إليه أو أثناء تنفيذه، إذا رأينا في المستقبل القريب أن هذا الأمر يسير بشكل جدي، فستجدون يدنا في أيديكم و(علاقاتنا) ستعود إلى طبيعتها أو أقوى بين البلدين الصديقين.... وستتبدد السحابة العاصفة وتعود الأمور إلى طبيعتها في النصف الأول من السنة المسيحية المقبلة".