ملخص
هل ما يحدث في لبنان هو صراخ في طريق مسدود؟ وهل نحن من جديد في مشكلة بين ضحايا كما كنا في حرب بين ضحايا؟ الصورة بسيطة في وضع معقد
في البدء كان الخطأ: لبنان حديقة جميلة بلا سياج، أصحابها متعددو الرهانات على هذه القوة الخارجية أو تلك، ودائماً ضمن ولاءات قومية أو أيديولوجية أو دينية، وحكامها متعددو الارتهانات للآخرين ضماناً للمواقع والمناصب.
في الستينيات جاءت الفصائل الفلسطينية المسلحة إلى الحديقة بداعي تحرير فلسطين انطلاقاً من لبنان، وأسهمت في ازدياد عدد اللاجئين الفلسطينيين، ثم في الحرب.
في الثمانينيات جاء الحرس الثوري الإيراني، وأسس "حزب الله" وسلحه لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي، ومنذ 2011 بدأ تدفق النازحين السوريين على الحديقة، وبالطبع فإن حرب لبنان جاءت بالدخول العسكري السوري والاجتياح الإسرائيلي والقوات الدولية المتعددة الجنسيات.
بعد خراب الحديقة بدأ أصحابها مراجعة المواقف والندم والاعتراف بأخطاء الرهانات على المنظمات الفلسطينية وسوريا وإسرائيل والغرب الأميركي والأوروبي والتطرف العربي والاتكال على الاتحاد السوفياتي.
اليوم، تعلو الصرخة من كل الأطراف في الداخل، وكالعادة، بعد كثير من الأخطاء وفوات الأوان، والموضوع واحد: الأعباء الثقيلة للنازحين السوريين على لبنان المنكوب والرازح تحت أزمات سياسية ومالية واقتصادية واجتماعية عميقة، أعباء ما يبدو كأنه نزوح شعب من بلد إلى بلد آخر، بحيث صار السوريون في لبنان أكثر من نصف اللبنانيين، نزوح جديد للشباب، لا للعائلات، بعدما توقفت حرب سوريا بالمعنى الاستراتيجي، وصار الأمن مضموناً في دمشق ومحافظات عدة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
التحذيرات صارت كبيرة من أخطار وتحديات وجودية وديموغرافية وأمنية إلى حد أن هناك من يرى أن النظام السوري الذي انسحب عسكرياً من لبنان لديه اليوم جيش آخر فيه، لكن المقاربات عدة بالنسبة إلى الحلول المطروحة، والهدف ليس واحداً، إذ يلعب بعضهم بورقة النازحين لصالح النظام السوري، مقابل التركيز على حلول لرفع الأعباء عن لبنان،
ذلك أن النازحين السوريين ليسوا كتلة واحدة، ولا هم جميعاً من المعارضين أو خارج العلاقة مع النظام، ولا أسباب النزوح واحدة، إذ هي تراوح ما بين النزوح السياسي والأمني والاقتصادي.
بداية المشكلة طبعاً الأزمة السياسية التي قاد رفض تسويتها مع المعارضة السلمية إلى حرب توقفت وبقيت الأزمة، وما رافق الموجات الأولى من النزوح السوري هو اعتماد المزايدات بين أطراف سلطة ضعيفة رخوة يتحكم بها تسلط قوي، بحيث تركت اللعبة بلا حدود.
"حزب الله" أسهم من خلال مشاركته في حرب سوريا بنزوح السوريين من القصير وقرى القلمون، وحسن نصر الله الذي دعا باستمرار إلى انفتاح سياسي، لا أمني فقط، على دمشق لحل مشكلة النازحين يضيف اليوم إلى ذلك المطالبة بأن ترفع أميركا العقوبات و"قانون قيصر" عن سوريا، وأن يفتح لبنان باب البحر أمام هجرة النازحين إلى أوروبا التي ستأتي "صاغرة" إلى بيروت وتلبي طلباتها.
خصوم "حزب الله" يحاولون تغيير الموقف في أميركا وأوروبا والضغط على المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التي تتصرف كأنها في لا دولة، وترفض إعطاء "دانا" النازحين إلى السلطة، والحكومة الضعيفة تتشدد قليلاً في إجراءات والحد من النزوح وتكلف البلديات والأجهزة التدقيق في أوضاع كل نازح، لكن الكل يعرف الواقع، فلا لبنان تركيا التي نجحت في ابتزاز الاتحاد الأوروبي عبر دفع النازحين إليه، إذ حصلت على الثمن، في حين أن لبنان قد يتعرض للمقاطعة الأوروبية وما هو أكثر. ولا العقدة التي تحول من دون عودة النازحين غامضة: الغرب الأميركي والأوروبي يربط عودة النازحين وإعادة الإعمار بالتسوية السياسية في سوريا على أساس القرار الدولي 2254، والنظام يريد رفع العقوبات والمساهمة العربية والدولية في إعادة الإعمار من دون الإقدام على تسوية سياسية كشرط لعودة النازحين.
سواء كانت دمشق تريد بالفعل عودة النازحين أو لا، فإن طريق العودة مقطوع من البداية ومغلق في النهاية، النظام يغلق الطريق من بدايته والغرب يغلقه في نهايته، فهل ما يحدث في لبنان هو صراخ في طريق مسدود؟ وهل نحن من جديد في مشكلة بين ضحايا كما كنا في حرب بين ضحايا؟ الصورة بسيطة في وضع معقد.