ملخص
"وشاح الموت" و"شارلي" و"كتم النفس" و"لعبة الفاصلة" تحديات على "تيك توك" جلبت الموت والأذى للمراهقين
تعد منصة "تيك توك" الأكثر استخداماً من قبل الـ Generation Z، إذ يمضي المراهقون ساعات طويلة في مشاهدة الفيديوهات والـلايف والمشاركة بتحديات تحقق انتشاراً واسعاً. خوضهم في تجارب معينة وتصويرها سبب حوادث خطيرة تكررت أخيراً. في الآونة الأخيرة، تعرض مراهقون لإصابات بليغة، ما دعا الأطباء إلى دق ناقوس الخطر والتحذير من خطورة هذه التحديات التي تلقى رواجاً ويقومون بها بطريقة عشوائية، مطالبين بوعي الأهل أولاً وبأن يتخذوا كل الإجراءات اللازمة لحماية أبنائهم من هذا الخطر الذي يدخل إلى المنازل من دون استئذان. "وشاح الموت" و"شارلي" و"كتم النفس" وتذوق مواد معينة يصعب تحملها، وأخيراً "لعبة الفاصلة"، تحديات حققت رواجاً واسعاً بين المراهقين على رغم آثارها الخطيرة في الصحة النفسية والجسدية. فما سر هذا الانتشار الذي تحققه؟
الأهل يشاركون أحياناً
هذه التحديات تطلب من المراهقين أداء خدع أو القيام مع رفاق لهم بحركات خطيرة، لتحصد أعلى نسبة من المشاهدات، والظاهرة الجديدة المنتشرة عالمياً أدت إلى أضرار فادحة، هناك من أصيب بالشلل وحصلت أيضاً وفيات، إضافة إلى الأضرار النفسية. حالياً، ينتشر تحدي "لعبة الفاصلة" في المدراس في فرنسا بشكل خاص، ويحذر الخبراء من خطورة هذا التحدي الذي يعرف بـ"فتل العنق" أيضاً، ويقضي بصفع الرأس وفتل العنق من دون سابق إنذار ليحصل على مئات آلاف المشاهدات، هذا التحدي قد يؤذي العنق والعمود الفقري وقد يكون قاتلاً أحياناً، هذا ما استدعى استنفار القطاع التربوي في فرنسا ونشر الوعي، خصوصاً بعدما تعرض أحد الطلاب لإصابة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هي أفعال تبدو غريبة وخطيرة لكنها تجذب المراهقين، وتحقق انتشاراً واسعاً بينهم. يوضح الخبير في التحول الرقمي وأمن المعلومات رولان أبي نجم في حديثه مع "اندبندنت عربية" أن كل منصة تقدم المحتوى الذي يجذب المتابعين ويلقى اهتمام العدد الأكبر منهم. قد تنطلق في ذلك من مبدأ "خالف تُعرف"، وهذا ما تعتمده منصة "تيك توك" التي تركز بشكل خاص على المحتوى المباشر غير القابل للتعديل والتغيير، ويعتمد القيمون عليها على حب السيطرة لدى البعض وميلهم إلى التحكم بالآخرين، وإعطائهم الأوامر، والتأثير فيهم، وتتميز هذه التحديات بكونها في غاية السخافة، إضافة إلى أنها قد تسبب الأذى، كما في تحدي "وشاح الموت" الذي تسبب بعشرات الوفيات بين المراهقين.
لا تصور التحديات بالضرورة "لايف"، لكنها تتحول إلى "ترند"، كما بالنسبة إلى التحدي الأخير الذي شارك فيه أهل يكسرون البيض على رؤوس أطفالهم بشكل مفاجئ، على رغم الأثر النفسي السلبي وما يتركه من إذلال. وفق أبي نجم "الأسوأ أن الأهل يشاركون في هذه التحديات أحياناً، بدلاً من أن يتحلوا بالوعي ويسهموا في توعية أطفالهم، فيكون دورهم سلبياً سواء بالمشاركة فيها أو بإعطاء أطفالهم الأجهزة الإلكترونية من دون ضوابط بهدف تهدئتهم، وأخطر هذه التحديات تلك التي تعتمد على المحتوى المباشر، إذ لا يمكن حذف الضرر الحاصل.
وسمع الكل عن حادثة الطفل اللبناني الذي توفي في سكتة قلبية أخيراً بسبب حالة الرعب التي أصابته أمام مشهد تمثيلي لمجموعة من الشباب الذين وضعوا أقنعة مخيفة، بهدف نشر المشهد على "تيك توك".
آلاف المشاهدات وأرباح
من يقوم بهذه التحديات يحقق أرباحاً طائلة من المشاهدات، إلا أن هذه الأموال التي يجنيها لا تشكل إلا جزءاً بسيطاً من الملايين التي تجنيها "تيك توك". فهؤلاء يذلون أنفسهم بسببها لقاء مبالغ مالية تعد بسيطة، واللافت أن "تيك توك" منصة صينية غير متوافرة في الصين، كذلك هناك عديد من منصات التواصل الاجتماعي غير مسموحة، حتى لا تتعرض الأسر الصينية لهذا المحتوى الضار الذي يجري التداول فيه.
للمنصات معايير معينة، لكن لا إمكان لمكافحة الحسابات الوهمية والمحتوى المباشر، كما أكد إيلون ماسك سابقاً خصوصاً بوجود لغات متعددة، وأن الخوارزميات في هذه المنصات غير قادرة على ضبط كل المحتوى، خصوصاً إذا كان "لايف".
بناء علاقة متينة لمواجهة الخطر
في مواجهة المخاطر الناتجة من هذه التحديات التي تلقى رواجاً غير مسبوق، يبرز دور الأهل لتوعية أطفالهم، ويبدأ عندها نوع من النزاع والمواجهة بينهم وبين الأولاد، هو نزاع طبيعي، كما توضح الاختصاصية في المعالجة النفسية ريما بجاني، لا بل هو من المظاهر الصحية في هذه المرحلة، في الوقت نفسه، على الأهل أن يكونوا على أتم استعداد لهذه المرحلة الدقيقة، ويجب أن يحرصوا من سن مبكرة على التواصل مع أطفالهم، وبناء علاقة متينة ترتكز على الثقة، فطالما أن هذه الأسس موجودة يمكن تحصين الطفل أو المراهق في مواجهة الخطر.
يخشى المراهق دوماً ألا يكون بمستوى رفاقه ما قد يستدعي السخرية والاستهزاء به، لذلك، يتجه إلى وسائل التواصل الاجتماعي بدلاً من أن يمارس حياته الطبيعية وينخرط في العلاقات الاجتماعية والأنشطة. ويركز على العالم الافتراضي الذي يصبح محور حياته بما فيه من أشخاص لا يعرفهم يشكلون الخطورة الكبرى عليه، أما التحديات، فيطلقها أشخاص لهم ميل إلى الأذى، يتجهون إلى مثل هذه الأفعال ليرضوا غرائزهم وإذلال الآخرين، ففي حالة التنمر، بات المراهق يواجه العالم كله من خلال وسائل التواصل الاجتماعي ومن ضمنها "تيك توك".
تضيف بجاني "في السابق، كان الطفل يتأثر بمحيط من الأصدقاء فيواجه مشكلات معهم، أما اليوم، فأصبح النطاق أوسع ما يزيد معدلات الخطورة، حتى الألعاب التي كانت موجودة لم تكن تشكل تلك الخطورة كما اليوم. فوجود وسائل التواصل الاجتماعي يعني التعرض لعدد أكبر من الأشخاص على اختلافهم، ثمة أشخاص يسعون إلى التسبب بالأذى، ومنهم من يلجأ إلى التنمر، وهناك أشخاص يتأثرون بما يتعرضون له، ويوجد أشخاص يعشقون المشاركة في التحديات، تماماً كما يعشق البعض ممارسة الرياضات القصوى التي فيها شيء من الخطورة".
من عمر ثمان سنوات، هناك أطفال يتأثرون بهذه التحديات في مرحلة بناء شخصياتهم، أو لأنهم يتمتعون بشخصية تحب التحديات، فيميلون إلى المخاطرة، لكن تشدد بجاني على ألا يلجأ الأهل إلى المنع كوسيلة، بل يتوجب شرح الأسباب التي تدعوهم إلى ذلك وتبيان الأخطار المحتملة. فالأخطار اليوم سببها بشكل أساس عدم تواجد الأهل إلى جانب أطفالهم، فيتوجه الأطفال إلى "الآخر" بمعدلات كبرى، لهذا السبب على الأهل أن يبذلوا مزيداً من الجهد لتفهم الأطفال، والتواصل معهم بدلاً من اللجوء إلى "العظة" التي لا تفيد حتماً، ويتوجب عليهم الوثوق بإمكانات أطفالهم والتحدث عن تجاربهم الخاصة في إسداء النصائح لهم.
مسؤولية الأهل
وعلى الأهل ألا ينتظروا بلوغ طفلهم مرحلة المراهقة للتواصل معه، عليهم أن يؤكدوا له ثقتهم الكاملة به وبإمكاناته، وبدلاً من المنع، يجب تسليط الضوء على مساوئ "تيك توك" وهذه الأنواع من التحديات، لكن بشكل أساس على الأهل البحث في تركيبة شخصية المراهق وأسباب تأثره بما يواجهه، ليتمكنوا من تصحيح الأمور، ويجب التأكد أن المراهق عند الحاجة لا يلجأ إلى أشخاص آخرين، بل يلجأ إلى أهله بالدرجة الأولى للحصول على المساعدة. ولو بدا المراهق قوياً وصلباً من الخارج فهو ضعيف من الداخل، ففي مرحلة ما قبل الرشد يعتبر نفسه قوياً وصلباً، لكن في اللاوعي يدرك أنه ليس جاهزاً بعد. لذلك يعيش صراعاً بين شعوره بالقوة من جهة، وشعوره بالعجز بغياب أهله وعدم قدرته على مواجهة التحديات، وهذا ما يسبب التمرد الظاهر لدى المراهقين. انطلاقاً من ذلك، تشدد بجاني على دور الأهل في تطوير شخصية المراهق وكشف النقاط التي تستدعي المعالجة ليتدخلوا في ذلك، فيتمكن من تلقاء نفسه من مواجهة مثل هذه الأخطار بوعي، بذلك ينمي المراهق شخصية صحية يكون فيها مرتاحاً وواثقاً من نفسه، بحيث لا يتأثر بالتحديات أو بأي محتوى على "تيك توك" أو وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى.