يضطر عدد من رجال الدرك الوطني في بلدة "أم الطبول" أقصى الحدود الجزائرية باتجاه تونس، إلى مراقبة هوية آلاف المسافرين يومياً ممن يقصدون الحدود التونسية بسياراتهم في النصف الأخير من أغسطس (آب) الحالي، وفرضت السلطات الجزائرية هذا الحاجز على بعد 20 كيلومتراً من المعبر الفاصل، في سياق "حصار" ضد شخصيات ممنوعة من السفر أو تحاول تهريب العملة الصعبة.
منذ اعتقال رجل الأعمال علي حداد، الرئيس السابق لمنتدى رؤساء المؤسسات في الجزائر، على مستوى المركز الحدودي "أم الطبول" في أقصى شرق محافظة الطارف (650 كيلومتراً شرق العاصمة)، اكتسب المعبر شهرة ولفت الأنظار إليه، بعدما أعطى حداد إشارة تقول باستعداد المنتمين إلى النظام السابق الفرار خارج الحدود في ظروف لا يتصورها العقل.
وتقع بلدة "أم الطبول" عند سفح جبل فاصل بين الجزائر وطبرقة التونسية، وفي العادة، يتوقف مسافرون في تلك البلدة التي لا يتجاوز سكانها بضعة آلاف، من أجل اقتناء الدينار التونسي ممن يحترفون مهنة تحويل العملة عبر الطريق العام، قبل إكمال مسيرهم لحوالى 19 كيلومتراً باتجاه المركز الحدودي أعلى الجبل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
حاجز أمني
ولأن طريق "أم الطبول" كان وجهة علي حداد، فإن مصالح الدرك الجزائري نصبت حاجزاً أمنياً عند مدخل البلدة يتكفل بمراقبة هوية بعض أصحاب السيارات، فعمليات "التمويه" من قبل راغبين في الفرار من الملاحقات القضائية تأكدت، لذلك يخشى أن يكون بين آلاف المسافرين في النصف الأخير من أغسطس الحالي، فارون يتوقعون ملاحقات قضائية.
ويقول الشاب سمير سوايحية الذي يدير كشكاً على قارعة طريق "أم الطبول" لـ "اندبندنت عربية" إنه يتذكر جيداً يوم الكشف عن اعتقال علي حداد بالمركز الحدودي، ويشير "لقد انتشر الخبر بلمح البصر، كان السكان غاضبين وقد حاولوا اعتراض طريق وفد من الشرطة نقله باتجاه محافظة أمنية في ولاية الطارف"، ويضيف "اعتدنا التعامل مع عموم الجزائريين هنا إلا أن أحاديث المقاهي لا تخلو من مغامرات بعض كبار رجال الأعمال لا سيما أفراد من عائلاتهم للفرار عبر هذا المسلك".
ومعلوم أن علي حداد كان غادر العاصمة الجزائرية براً باتجاه "أم الطبول" حيث قضى ست ساعات كاملة، فوصل المعبر في السادسة صباحاً، ويروي شهود من المكان لـ "اندبندنت عربية" أن "حداد تعمد إخفاء هويته فاستعمل قبعة ولباساً عادياً واستقل سيارة غير فارهة"، وأنه "جلس إلى زاوية في قسم الجوازات ومن باب المصادفة رآه أحد عناصر الشرطة وتساءل أمام أصدقائه: أليس هذا علي حداد؟".
تهريب عملة
تشير معطيات لدى مصالح الأمن إلى أن الهدف الأساس لبعض الأفراد من عائلات شخصيات محل تحفظات قضائية، هو تهريب ما أمكن من العملة الصعبة بعد تصفية أعمال واستثمارات في الجزائر، وربما تكون طريق تونس، عبر "أم الطبول" أو بعض المعابر في محافظة تبسة، هي الطريق الأقرب والأسلم بالنسبة للبعض، لذلك يجري التركيز في "أم الطبول" مثلاً على عمل رجال الجمارك في تفتيش سيارات يشتبه في أنها تحمل مبالغ مالية كبيرة.
وتحصي مصالح شرطة الحدود نحو أربعة آلاف اسم ممنوع من السفر بقرارات قضائية، لكنها في الوقت نفسه لا تملك قائمة أفراد عائلاتهم أو منتسبين إليهم، ويكون الطريق في العادة نحو تونس ثم باتجاه وجهة أوروبية أو خليجية. وتضع الجزائر قيوداً كبيرة على تحويل الأموال بالعملة الصعبة إلى الخارج عبر المعابر الرسمية، لكن عدداً كبيراً من رجال الأعمال اعتمدوا في فترة حكم بوتفليقة، على نظام "التوطين البنكي" باستعمال تصريحات كاذبة في العادة لتمرير فواتير عبر البنك المركزي إلى الخارج.
بسبب العدالة... طوارئ في الموانئ
ولأن العملة الصعبة كانت الملف المتكرر في قضايا رجال أعمال على مستوى العدالة، يروي أحد عمال مصلحة التوطين بميناء سكيكدة ( 500 كيلومتر شرق العاصمة)، أن تلك الوضعية "تكلفنا اليوم عملاً لفترة 24 ساعة مستمرة، فأغلب من كان يصرح في السابق بشكل كاذب يضطر اليوم لجلب السلع المصرح بها، إننا نستغل حتى مرفأ المسافرين أحياناً لاستقبال الحاويات"، ومعنى ذلك أن مئات رجال الأعمال كانوا يصرحون بعمليات فوترة لكن السلع لا تدخل الجزائر، والغرض فقط تحويل العملة قانونياً، ومع حملة محاربة الفساد يعملون الآن على طلب تلك السلع لمطابقة ملفاتهم في حال التحقيق معهم.
وفي العادة، يسأل مفتش الجمارك الجزائرية عن حجم الأموال بالعملة الصعبة التي يحملها كل مسافر، كما يسأل عن حجم العملة الجزائرية، ويضطر كل مسافر لانتظار دوره لفترة قد تستغرق ساعة من الزمن أو أكثر، للمرور عبر شرطة الحدود ثم الجمارك قبل دخول الجانب التونسي.
سياحة وتجارة
تقول مصالح وزارة السياحة في تونس إنها تتوقع أن يبلغ رقم المسافرين الجزائريين الذين قصدوا تونس إلى غاية نهاية العام حوالى مليونين أو أقل بقليل، وغالب هذا الرقم يسجل في يوليو (تموز) وأغسطس بحكم تفضيل مئات الآلاف قضاء عطلهم في مدن سوسة والحمامات وغيرها.
ففي منتصف الأسبوع الحالي، شاهدت "اندبندنت عربية" تدفق آلاف الجزائريين عبر المسلك الجبلي المؤدي إلى المركز الحدودي، فقد سمح الطريق السيار شرق غرب، على الرغم من عيوب إنجازه، لسكان الوسط والغرب لاختصار الطريق المؤدي إلى الشرق، ما ضاعف من أعداد الراغبين في قضاء العطلة بتونس. وتشكل المعابر الشرقية، الروافد الوحيدة النشيطة على مستوى الحدود البرية للجزائر مع بلدان الجوار، ومعلوم أن المعابر مع ليبيا أغلقت سنة 2011، وفتحها يخضع لمواقيت محددة ولأسباب محددة أيضاً، والأمر نفسه مع معابر مالي وموريتانيا.
توسعة مركز "أم الطبول"
ويقول فيصل سراي، أحد الجزائريين الذين قصدوا طبرقة التونسية هذا الأسبوع "في العادة أزور تونس كل صائفة برفقة العائلة، أعتقد أنها مكان مفضل لإمكان التنقل بالسيارة، الأسعار وطبيعة الخدمات"، ويضيف "لقد استغرق مروري المعبر الحدودي حوالى ساعة واحدة، لأن العبور جرى نهاراً، في حين تطول هذه الفترة بالنسبة إلى الذين يصلون ليلاً".
وتشتغل السلطات التونسية بدورها على توسعة مركز "أم الطبول"، وكان يوسف الشاهد رئيس الحكومة سابقاً قد زار المعبر في يوليو الماضي، في سياق عملية توسعة للجانب التونسي، ما يعكس الأهمية التي توليها بلاده للملايين من السياح الجزائريين سنوياً.