تصاعدت عمليات تهريب الأموال من الجزائر منذ بداية الحراك الشعبي الذي انطلق في 22 فبراير (شباط)، خصوصاً بعد إعلان قائد الأركان قايد صالح الحرب على الفساد والمفسدين، مع وضع "رؤوس العصابة" في السجن العسكري، وبعض رجال الأعمال بتهم الفساد. وتكررت محاولات تهريب مبالغ ضخمة بالعملة الصعبة، عبر المطارات والحدود البرية لا سيما مع الجارة تونس، من دون الكشف عن هويات المهربين الذين يُعتبرون غير معروفين لدى الأجهزة الأمنية أو من قبل تجار "الشنطة".
تهريب الأموال... أذرع "العصابة" تتحرك
ارتبطت أخبار إحباط محاولات تهريب الأموال إلى الخارج بالأحداث الجارية في الجزائر، وباتت تسيطر على المشهد كما تسيطر خطابات قايد صالح، واستقبال المحاكم للشخصيات في الدولة وزعماء الأحزاب وكبار الضباط، على مجريات الأمور، ما يؤكد العلاقة المتشابكة التي جعلت حل الأزمة التي تعيشها البلاد صعباً. وقال المحلل الاقتصادي أحمد سليماني في تصريح لـ "اندبندنت عربية" إن "إعلان قائد الأركان الحرب على الفساد أربك البلاد، والسبب أن العصابة زرعت بذور الفساد في كل مؤسسات الدولة وبين وأوساط كل الشعب الجزائري، في مخطط دنيء".
وتابع أن "الحرب على الفساد التي يقودها قايد صالح، أثارت عدداً كبيراً من الجهات المتواطئة مع الفاسدين، وراحت تقود حملة ترويج واسعة ضد قائد الأركان، بأن محاربة الفساد ليست أولوية، وأنها من مهام الرئيس المقبل"، في محاولات لتمييع العملية، كاشفاً عن "تحرك المجموعة الفاسدة لإفشال معركة الفساد، باستغلال أي وضع بما فيه إدخال البلاد في فوضى".
الحراك يشكك
يتساءل الحراك الشعبي في الجزائر عن أسباب عدم حجز ممتلكات المشتبه بهم أو أقله القابعين في السجون من الفاسدين، وبشكل خاص الذين أخذوا قروضاً ضخمة من دون ضمانات كافية، ورفضوا سدادها، إضافة إلى الذين بالغوا في زيادة أرقام فواتير الاستيراد، وتحصلوا على امتيازات ضريبية من دون وجه حق، الأمر الذي جعل جهات تعتبر محاربة الفساد تصفية حسابات، خصوصاً أن محاولات تهريب الأموال إلى الخارج مستمرة. وعليه، بات من الضروري على "الرجل القوي" أن يحاصر الفاسدين ويحجز على ممتلكاتهم على الأقل في الجزائر، ويحرص على إرجاع كل ما اختلسوه إلى الخزينة العمومية، لأن استمرار التجاهل "المتعمد" يسمح بانتقال الأموال المنهوبة من الشعب إلى الضفة الأخرى من البحر المتوسط.
إسبانيا وتركيا أفضل الوجهات
تمكنت مصالح الجمارك الجزائرية يوم 21 مايو (أيار) 2019، من إحباط محاولة تهريب مبالغ كبيرة بعملتي اليورو والدولار، في مطار الجزائر العاصمة الدولي، حيث قُدّرت الأموال المحجوزة بـ 570 ألف يورو، وحوالى 100 ألف دولار. وذكرت الجمارك أن المبالغ كانت بحوزة مسافر جزائري متجه إلى مدينة برشلونة الإسبانية، التي تعرف إلى جانب الوجهة التركية، إجراءات رقابية مشددة على المسافرين المتوجهين إليهما، كونهما من الوجهات المفضلة لدى المهربين.
وأُحبطت محاولة تهريب مبلغ من العملة الصعبة يُقدر بـ 32 ألف يورو، كان بحوزة مسافرة بصدد المغادرة نحو تركيا.
كما أفشلت المصالح المعنية، عملية تهريب نحو 268 ألف يورو على الحدود بين الجزائر وتونس، كذلك تمكنت فرقة تفتيش المسافرين في الجمارك التونسية، في اليوم نفسه، من توقيف جزائري بحوزته 740 ألف دولار أميركي، حاول تهريبها إلى الأراضي التونسية.
تضخيم الفواتير وتحذيرات
تنامي ظاهرة تهريب العملة من الجزائر نحو الخارج، دفع بخبراء إلى دق ناقوس الخطر، بسبب تداعياتها الكبيرة على اقتصاد البلاد، وأوضح الخبير الاقتصادي أحمد سليماني أنه "إلى جانب الأموال الكبيرة التي تُهرب عبر المطارات والموانئ والمنافذ البرية، فإن تضخيم الفواتير التي تحدث تحت غطاء عمليات الاستيراد، تُعتبر أخطر عمليات تهريب الأموال في الجزائر، وهو ما دفع منظمة المحامين إلى تحذير المؤسسات المصرفية والبنكية، ودعوتها إلى اليقظة في التعاطي مع صفقات بعض الشركات المملوكة للمتورطين في قضايا فساد.
السلطات تتحرك
هذا الوضع دفع وزارة المالية الجزائرية إلى اتخاذ إجراءات لمنع تهريب الأموال إلى الخارج، خصوصاً بعد صدور أوامر بمنع من السفر في حق عدد من رجال الأعمال المحسوبين على نظام الرئيس السابق. وقالت وزارة المالية إنه "حرصاً على تعزيز اليقظة في مجال التعاملات مع الخارج، استُحدثت لجنة مهمتها متابعة ومراقبة عمليات تحويل الأموال إلى الخارج، وتُعنى بالتحقق من أن عمليات تحويل الأموال بالعملة الصعبة من قبل البنوك، بصفتها وسيطاً معتمداً، تحصل في ظل الاحترام الصارم للتنظيم المتعلق بالصرف المعتمد من قبل بنك الجزائر".
وأصدر الرئيس الجزائري المؤقت عبد القادر بن صالح، قرارات رئاسية، بالتزامن مع إجراءات وزارة المالية لتشديد الرقابة على تهريب الأموال إلى الخارج، شملت إقالة مدير الجمارك وتعيين محافظ بالنيابة للبنك المركزي، خلفاً لمحمد لوكال.
على الرغم من استحسان الشارع لحملة مكافحة الفساد ومتابعة الفاسدين والزج بهم في السجون، غير أنه بات من الضروري تحريك إجراءات التحفظ على أموال المتهمين من أرصدة وعقارات وشركات، إذ كان لا بد من أن تسبق خطوة اتخاذ إجراءات التحفظ على الأموال، سجن رجال الأعمال لضمان استرجاع الأموال العامة ووضع حد لكل محاولات تهريب أموال الشعب الجزائري إلى الخارج.