ملخص
فرض الجيش الإسرائيلي إغلاقاً شاملاً على كل محافظات الضفة الغربية
عند بوابة معبر "الكرامة" الذي يربط الضفة الغربية بالأردن أمضى محمد المصري (39 سنة) ووالده المريض بالسرطان ليلتهما الباردة في العراء، فمع بدء عملية "طوفان الأقصى" التي تشنها حركة "حماس" على مستوطنات غلاف غزة منذ صباح السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، أعلنت إسرائيل إغلاقها المعبر الوحيد الذي يربط الضفة الغربية بالعالم الخارجي في كلا الاتجاهين، لتتقطع السبل بمئات العائلات والمسافرين الفلسطينيين الذين لا مأوى لهم، وبعد ساعات من إعلانها إعادة فتح المعبر، صباح الأحد، بضع ساعات فقط، اصطف مئات الفلسطينيين في طوابير طويلة بانتظار دورهم للعبور إلى مدنهم وقراهم داخل الضفة الغربية، وتراجعت السلطات الإسرائيلية عن قرارها، مؤكدة أن المعبر سيظل مغلقاً حتى إشعار آخر، في حين سمحت بشكل استثنائي ومحدود، لرحلات العمرة الموجودة في الأردن بالعبور للضفة.
ويبعد المعبر البري الوحيد الذي يستخدمه الفلسطينيون للوصول إلى العالم نحو 60 كيلومتراً عن العاصمة الأردنية عمان، وقرابة خمسة كيلومترات من مدينة أريحا، شرق الضفة الغربية، وذكرت إدارة العلاقات العامة والإعلام في الشرطة الفلسطينية أن أكثر من 41 ألف شخص تنقلوا عبر معبر "الكرامة" خلال الأسبوع الماضي.
وقال البيت الأبيض، خلال زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن المنطقة، في 14 يوليو (تموز) العام الماضي، إن الرئيس الأميركي "يدعم إنشاء تجربة فلسطينية أكثر استقلالية وكفاءة وموثوقية للسفر إلى الخارج".
مناشدات إنسانية
قال محمد المصري "بعد رحلة علاج صعبة ومضنية، استمرت شهرين، في الأردن، أرى أن حياة أبي المريض بسرطان الرئة باتت على المحك، فليس لدينا أقارب هناك نستعين بهم، كما أن ظروفنا المادية الصعبة تجبرنا على الانتظار أمام المعبر والنوم في العراء إلى حين فتحه"، ومعاناة المصري ووالده السبعيني، ليست إلا غيضاً من فيض لحالات إنسانية أخرى كانت تنتظر على الجانب الآخر لحظة الخروج من الضفة الغربية لاستكمال العلاج في الأردن ودول أخرى، فالطفلة الفلسطينية ماسة الأحمد (سبع سنوات) كانت على موعد لإجراء عملية مستعجلة في "مركز الحسين للسرطان" لاستئصال ورم في الدماغ، وتجلس إلى جانبها شابة همت في البكاء لعدم تمكنها من إلقاء نظرة الوادع على شقيقتها التي توفيت بحادثة سير في العاصمة الأردنية.
ويناشد العالقون عند معبر "الكرامة" أو "اللنبي" كما يسميه الإسرائيليون، فتح المعبر لسفر المرضى والطلبة وأصحاب الإقامات الخارجية، وإنهاء معاناتهم المستمرة جراء الإغلاق المستمر منذ ثلاثة أيام، وحتى الآن، ليس معلوماً لدى الجهات الرسمية الفلسطينية، لأي وقت، سيستمر الإغلاق الإسرائيلي، وذلك وفقاً لما قاله المدير العام للإدارة العامة للمعابر والحدود الفلسطينية نظمي مهنا.
إغلاق الضفة
ولم يكن معبر "الكرامة" الوحيد الذي أغلق في وجه الفلسطينيين على أثر عملية "طوفان الأقصى"، فقد فرض الجيش الإسرائيلي، أمس الأحد، إغلاقاً شاملاً على كل محافظات الضفة الغربية، وعزل بعضها عن بعض، وأغلق مداخل عدد من البلدات والقرى بالسواتر الترابية والأسمنتية والبوابات الحديدية، وأقام حواجز عسكرية في مواقع عدة، كما طاول الإغلاق كل المحلات التجارية في البلدات الواقعة على الشوارع الرئيسة التي يسلكها المستوطنون مثل بلدة حوارة جنوب مدينة نابلس.
وفي ظل الوضع الأمني المتوتر في الضفة الغربية، دعت القوى الوطنية والإسلامية الفلسطينية المواطنين إلى الإضراب، وأغلقت المؤسسات الحكومية والأهلية، لا سيما المدارس والجامعات، أبوابها لليوم الثاني على التوالي منذ بدء العملية، فيما تعطل التنقل على الطرقات بشكل كلي.
واعتبر مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في المناطق المحتلة "بيتسيلم" أن فرض القيود على حركة الفلسطينيين سكان الأراضي المحتلة "هو بمثابة إحدى الأدوات المركزية في يد إسرائيل للسيطرة عليهم وتسيير نظام الاحتلال". وأوضحت المنظمة الحقوقية أن "حركة الفلسطينيين داخل الضفة الغربية، وأيضاً عبورهم بين قطاع غزة والضفة، ودخولهم إلى القدس الشرقية وإسرائيل، وسفرهم إلى الخارج، أصبحت رهناً بتصريح تصدره إسرائيل تعسفياً ضمن إجراءات بيروقراطية مطولة وعديمة الشفافية". وأكد المركز أن هذا الواقع "يفرض على الفلسطينيين حياة ملؤها انعدام اليقين، ما يعقد أبسط المهام وإمكانية تخطيط حياتهم كما يلغي أية فرصة للتطوير الاقتصادي المستقر".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكانت منظمة العفو الدولية قد أشارت في وقت سابق إلى "أن الفلسطينيين يموتون في الضفة الغربية بسبب القيود الإسرائيلية على الحركة التي تعوق وصولهم إلى الخدمات الصحية".
من جانبه، جدد وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير تصريحاته بأن حياة المستوطنين تسبق حرية حركة الفلسطينيين في الضفة الغربية، وكتب على منصة "إكس"، "حياتنا تسبق حرية الحركة والتجارة التي يتمتع بها الفلسطينيون"، وأرفق معها بيان الجيش الذي قال فيه "إنه بناءً على تقييم الوضع الأمني، تقرر إغلاق المحلات التجارية الموجودة على طريق حوارة بهدف تعزيز الإجراءات الأمنية بالمنطقة إلى جانب تعزيز أعمال التأمين والوسائل في المنطقة".
بدوره، قال وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، في بيان، "ينبغي على المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أن تستوعب أن تتصرف وفقاً لخصائص هذه الموجة من الهجمات". وأضاف "لن نصمت حتى نعيد الأمن والهدوء إلى جميع المواطنين الإسرائيليين".
تكثيف الاتصالات
وليل أمس، شن مستوطنون هجمات على الفلسطينيين في قرية ياسوف شرق محافظة سلفيت وسط الضفة الغربية، قاموا خلالها بطعن أحد الشبان بسكين، وأحرقوا منزلين. وحذر المرصد "الأورومتوسطي" لحقوق الإنسان قبل أيام، من الارتفاع الحاد في عنف المستوطنين الإسرائيليين في الأراضي الفلسطينية، معتبراً أنه "يجري بغطاء سياسي من الحكومة".
وتعقيباً على ذلك، قال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ومنسق القوى والفصائل الوطنية واصل أبو يوسف "الصمت الدولي والدعم الأميركي الكامل لإسرائيل يشجع الاحتلال ومستوطنيه على ارتكاب جرائم بشعة ضد الفلسطينيين". وأضاف "ما يحتاج إليه الفلسطينيون هو تكثيف الاتصالات مع المجتمع الدولي من أجل لجم تصاعد هذا العدوان والجرائم على شعبنا الفلسطيني".
من جهته ناشد رئيس الوزراء الفلسطيني محمد أشتية دول العالم "عدم الاصطفاف الدولي خلف إسرائيل لأن ذلك يشجعها على ارتكاب مزيد من الجرائم في قطاع غزة". وقال أشتية، في اتصال هاتفي مع وزير الخارجية البريطاني جيمس كليفرلي، حول التصعيد الجاري في قطاع غزة "لطالما حذرنا من خطورة التداعيات التي ستترتب على مواصلة حصار شعبنا في قطاع غزة، ومواصلة اقتحام المدن والبلدات والقرى والمخيمات، وانتهاك المقدسات، والاعتداء على المصلين المسلمين والمسيحيين، والبصق على الرهبان"، مؤكداً أن الفلسطينيين في غزة والضفة والشتات شعب واحد. وتابع "الآن، مطلوب من العالم وقف العدوان على غزة وخلق أفق سياسي يلبي حقوق شعبنا".