ملخص
تطور الأغنية العاطفية في الوطن العربي بدأ كمثال للالتزام، لكنه أخذ بعداً جديداً اعتمد على الإثارة بكل أنواعها ومنها "الجسدية" التي أسهمت في تغيير صورتها لدى الشباب
لعب الأب في الأسرة العربية دوراً مركزياً، ظهر أثره قديماً من خلال الفنون وعلى رأسها الأغنية العربية الملتزمة، فسادت صفة أو تسمية الأغنية العاطفية على الأغنية العربية بدلاً من أغنية الحب فترة طويلة من الزمن.
وبفضل الرقابة الأبوية حتى على محتوى ومضامين الأغنية التي تدخل المنزل، شملت الأغنية العاطفية في المرحلة الأولى من حياتها التي امتدت منذ زمن (محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش وأم كلثوم) إلى ما قبل مرحلة (هاني شاكر وعمرو دياب)، كل أقسام الأغنية العربية، بما فيها الشعبي والتراثي وحتى النشيد الديني والابتهالات والأغنية الوطنية.
ثقافة أبوية
لكن الثقافة (الأبوية) التي صدرت عنها هذه الأغنية انهارت بعد هذا التاريخ، لصالح ثقافة صاعدة هي الثقافة الغربية، التي بدأت تهدد عرش ومكانة (الوالد) في المجتمعات العربية، إذ تفتحت عيون الجيل الجديد من الشباب في زمن الفضائيات على دور غير مركزي يؤديه رب الأسرة الغربي ضمن محيطه الأسري، تميز بأنه دور مادي ورقابي بحت، دون تسلط أو سيطرة مطلقة على حياة الأبناء.
من هنا ظهرت أغنية (الهارد) وانتشرت بين الشباب العربي بدءاً من المغرب وعبر أغنية (الراي)، ثم ظهرت أجيال جديدة أكثر تطرفاً من الفنانين والمطربين العرب الذين قدموا نمطاً أكثر تمرداً من الغناء، شريطة أن يمارس بعيداً من أي نوع من أنواع السلطة الاجتماعية.
أغنية الأسرة
على سبيل المثال، تميزت فترة الفنان المغني المصري محمد فوزي (1918-1966) بكونها الفترة الفاصلة فنياً بين العمل الفني الذي يصدر من خلال هاجس وحيد، يراعي من خلاله الفنان ذوق جميع أفراد الأسرة الشرقية، شريطة أن يأتي من خلال عباءة الأغنية العاطفية، وبين العمل الذي يقدم ضمن صيغة تجارية، إذ أصبح المطرب حديثاً مدركاً لظهور قيمة فنية جديدة نتجت من تطور ذكاء وذائقة الجمهور الذي صار ميالاً إلى سرعة استهلاك الأغنية.
كان "فوزي" من أوائل الفنانين الذين اشتغلوا ضمن عقلية تجارية، من خلال شركته (مصر فون) التي تأممت في ستينيات القرن الماضي فتسبب ذلك في وفاته.
ومع طي صفحة الفنان المصري الراحل طويت صفحة الأغنية العاطفية الأسرية في ذلك الوقت، إذ لم يعد ممكناً بعدها إنتاج أغنية قادرة على إرضاء فردين أو أكثر من الأسرة، بمعنى أن الأغاني بعدها أصبحت مقسمة بشكل واضح، بين أفراد العائلة من خلال الأغنية العاطفية في ثوبها الجديد الذي تشكل في زمن الفضائيات لاحقاً، وبين تطبيقات الأغنية الغربية التي ترضي جيل الشباب.
الأغنية الشبابية
هذه الأغنية تعبر عن نفسها من خلال أزياء وتعابير جسمانية مختلفة، مهمتها إظهار انعتاق الفرد من السلطة بمعناها العام، أي سلطة المجتمع والعائلة، وسلطة الأب خصوصاً، فالفن ليس قضية مركزية فيها، لذلك تميل فطرياً إلى هشاشة الكلمة وسوقية اللحن.
أما أهم مواضيعها فهي البطالة والهجرة والعالم السفلي، بما يحتويه من عوالم دنيئة مثل الجريمة والمخدرات والدعارة وغيرها من المواضيع التي تجعل من توجه الأغنية العاطفية "أنثوياً" وغير جدير في النقاش.
ولا ترتبط هذه الأغنية بفترة زمنية محددة، على رغم محاولات كثيرين ربطها بمرحلة زمنية معينة، إذ إنها صفة أطلقت على "عبدالوهاب" في بداياته، والتصقت بالعندليب الأسمر عبدالحليم حافظ حتى وفاته، كما أنها تطلق في وقتنا الراهن عل فنانين معاصرين أمثال (الهضبة)عمرو دياب، وحتى على مطربين أكثر حداثة مثل نانسي عجرم وتامر حسني وغيرهم، بمعنى أنها تسمية عبرت عن حالة إنسانية سواء كانت أصيلة أم دخيلة على المجتمعات.
زمن الفضائيات
في زمن الفضائيات، أصبح بإمكان الجميع الغناء، فواصلت الأغنية العاطفية صراعها مع قضايا مصيرية تتعلق بوجودها، مثل تغير قيم وثقافة المجتمعات الشرقية، وتحديات الربح المالي من خلال تسلط بعض المنتجين، إضافة إلى ضياع هيبة المغني بسبب ما وصفه أنصار أغنية (الهارد) بأنه خنوع المغني لسلطة المجتمع، الذي انعكس برأيهم أيضاً في أغنيته التي تتوسل رضاء الحبيب دون طائل ولدرجة خدشت حياء المغني أحياناً.
لذلك دخلت الأغنية العاطفية طوراً جديداً هو اللعب على وتر الغريزة من أجل البقاء، وسبق أن رصدت بعض الإحصاءات ظواهر جديدة طرأت عليها أهمها لجوئها إلى (الفيديو كليب)، فيما بقيت أغنية الهارد في سياقها الشبابي الصارم الذي يرفض كل أنواع السلطة بما فيها سلطة المحبوب.
لغة الأرقام
تقول بعض الإحصاءات المتخصصة على شبكة الإنترنت عام 2010، إن 38 في المئة من الشباب تابعوا الأغنية العاطفية في محطات غنائية متخصصة سعياً وراء الإثارة العاطفية، وتحديداً الإثارة الجنسية، إذ تميزت معظم أغاني الفيديو كليب، بالتركيز على اختيار ملابس مثيرة للراقصات، وإيحاءات بالوجه والجسد، إضافة إلى فكرة الأغنية التي تصب في المحتوى ذاته، وذلك بهدف تحقيق المتابعات والتفاعلات عبر الرسائل النصية التي ينال المغني قسطاً من عائدها المالي.
في المقابل ذهب ثلاثة في المئة من الشباب نحو الأغنية التراثية والشعبية، وواحد في المئة إلى الأغنية الوطنية. وهنا يذكر أن أنصار الأغنية العاطفية يتهمون مؤيدي (الهارد) بالانسلاخ عن تراثهم، وعدم الولاء للأسرة والمجتمع، فيما ذهب آخرون أبعد من ذلك فاتهموهم بعدم انتمائهم للوطن.
أخيراً، صدرت معظم أغاني الهارد من المغرب العربي، وفي استطلاع لبعض أنصارها هناك ذكرت وسائل إعلام أن نسبة كبيرة من هؤلاء الشباب المتهمين بالتحلل الأسري والاجتماعي، عبروا عن خجلهم من متابعة الأغنية العربية العاطفية حديثاً، بسبب خدشها للحياء.