Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حرب "غزة – إسرائيل"... هل هي نكبة مستعادة؟

السيناريوهات جميعها مفتوحة عسكرياً وسياسياً لكن المؤكد أن المواجهة الحقيقية تبدأ بطهران وواشنطن وتمر بالوكلاء في مختلف مسارح الإقليم

ما سيأتي من قبل إسرائيل من تصعيد كبير مرتبط في المقام الأول بسياسة رد الفعل بصرف النظر عن تصاعد الموقف عسكرياً (أ ف ب)

ملخص

لماذا دخلت الولايات المتحدة على الخط ولماذا التركيز على التصعيد العسكري إسرائيلياً، ماذا تملك الفصائل لمزيد من المواجهة، ما حقيقية الدور الإيراني؟

تتجه إسرائيل في الوقت الراهن لاستخدام آليات جديدة في المواجهة مع حركة "حماس"، وبصرف النظر عن طبيعة ما يجري على الأرض من تفاعلات واشتباكات، فإن الحكومة الإسرائيلية تتحرك في دوائر متقاطعة ومتداخلة، بحثاً عن ضبط المشهد بعد الإخفاق الأكبر الذي جرى في الأيام الأولى من المواجهات، والتي بدأتها حركة "حماس" من خلال عملية خاطفة داخل منطقة غلاف غزة، مما يؤكد على أن ما سيأتي من قبل إسرائيل من تصعيد كبير مرتبط في المقام الأول بسياسة رد الفعل بصرف النظر عن تصاعد الموقف عسكرياً أو الاتجاه لتهدئة تدريجية بعد أن تستوفي إسرائيل بنك أهدافها، وبعد دخول الولايات المتحدة على خط دعم إسرائيل من خلال إرسال حاملة الطائرات "فورد"، والإعلان رسمياً عن تعزيز إجراءات الأمن المشترك والتنسيق الاستخباراتي والسياسي.

أولويات منضبطة

تتحرك "حماس" انطلاقاً من موقف يقوم على ضرورة تغيير الواقع السياسي والأمني والاستراتيجي في القطاع، مع التقدير بأن تعظيم المكاسب السياسية والأمنية سيتطلب منها تحمل ما يطرح من مواقف أو توجهات قد تقدم عليها الحركة من تبني سياسات تصعيدية، وهو ما يبرز في الخطاب العسكري والأمني لقيادات الحركة، وليس السياسي، مع التركيز على استراتيجية المبادرة.

في هذا الإطار فإن قيادات المستوى العسكري يعملون في أطر محددة، أهمها إدارة جيدة، وإعادة التركيز على الخيارات العسكرية، وعدم الإنصات إلى أية دعاوى تهدئة، أو تقديم تنازلات سياسية أياً كانت توجهاتها، بل والرهان على إمكانية تحسين شروط التفاوض السياسي عندما تحين ساعة الدخول في الحلبة السياسية، وفي تقديرها خبرة صفقة جلعاد شاليط، التي استمرت ست سنوات كاملة، ومن ثم فإن أمام "حماس" خيارات عدة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الأول: في حال الخروج من المشهد الراهن من دون خسائر حقيقية فإن الهدف هو الدخول في مفاوضات حول ما لديها من رهائن أو أسرى، مع عدم التعجل بتقديم تنازلات قد تتعرض لها من الدول الرئيسة في المشهد، لكن هذا الخيار سيرتبط بالمدة الزمنية التي ستكون عليها المواجهة، والتيقن من الهدف الجوهري من القيام بالعملية من قبل إسرائيل والمرتبط بعدم إزاحة حركة "حماس" من المشهد، أو تحييدها وتفكيك البنية الرئيسة للحركة مع قص ريشها ومحاولة استيعابها في اتفاق سياسي ضيق لا يخدم أية سياسات مستقبلية للحركة.

الثاني: في حال الدخول في عملية متسعة وكاملة، سواء باجتياح بري موقت أو دائم، فإن حركة "حماس" لن تكون في السلطة بل مجرد فصيل شأنه شأن الفصائل الأخرى، لكن هذا الخيار مرتبط بدور أميركي بارز، واستخدام الحل العسكري الشامل، مع رفض الدخول في أية مفاوضات في شأن ملف الرهائن، وهو ما سيدفع إلى تأجيل التعامل مع "حماس"، وحسم وضعها في القطاع بخاصة أن كل المؤشرات تشير إلى عدم رغبة أي طرف بتحمل إدارة القطاع أو الدخول في مفاوضات في شأنه، سواء كانت مصر، التي سبق أن أدارت القطاع سنوات طويلة، أو أن يوضع تحت الائتمان الدولي، أو إدخال قوات عربية أو أممية، وكل الأفكار في هذا الإطار مرتبطة بالتعامل مع حركة "حماس" عسكرياً.

الثالث: استمرار مواجهة "حماس" وإسرائيل، وهو ما قد يخطط له الجناح العسكري للحركة في ظل هيمنة العسكريين على مقاليد الأوضاع على إدارة المشهد، والمزايدات التي يطلقها الجناح العسكري في مواجهة المستوى السياسي الذي يريد الاستمرار في الحكم، وعدم الذهاب إلى خيارات صفرية في هذا الإطار، مع التقدير بأن بديل "حماس" غير موجود في ظل وجود عديد من الفصائل غير المنضبطة، التي يمكن أن تنتهك أي خيار أو مسار يمكن الذهاب إليه، وهو ما تدرك تبعاته إسرائيل جيداً.

رسائل محكمة

المعنى أن حركة "حماس" تدرك جيداً حدود المواجهة الراهنة، وقد حققت مكاسب التقدم في الأيام الأولى للمواجهة، لكن لا أحد يمكنه داخل الساحة الفلسطينية أو الإقليمية أن يقدر كيف ستذهب الأمور في ظل ما يجري من تطورات مفصلية متعلقة بما تخطط له "حماس" في الوقت الراهن، وفي حال التعامل مع القطاع على أنه قطاع مارق قادر على ضرب استقرار إسرائيل.

ومن ثم فإن الحل الحقيقي هو تطبيق استراتيجية الردع من المنظور الإسرائيلي، والذهاب بالمواجهات إلى مساحات مختلفة بالفعل، وهو ما بدأ بقطع الخدمات المعتادة عن القطاع، وفي إطار مخطط شيطاني للتحكم في الأوضاع به، وهو ما سيجري في كل الأحوال مع عدم الإنصات للمطالب العربية والدولية بإدخال المساعدات للقطاع وإعادة ضخ الخدمات اليومية والإنسانية، وهو ما ستوافق عليه إسرائيل بخاصة أن الهدف قد يكون تعرية الموقف الإسرائيلي أمام الرأي العام الدولي، الذي قد يري في أية إجراءات إسرائيلية حادة خروجاً عن النطاق الإنساني، إضافة إلى أنه قد يكسب حركة "حماس" شعبية دولية قد تؤدي لبناء مظلومية حقيقية، الأمر الذي يتطلب عدم التعجل في دخول أية مغامرات، لكن سيبقى العنصر الحاكم أمام "حماس" هو، هل يمكن تحقيق مكاسب سياسية واستراتيجية في آن، أم أن الأمر ما زال بعيداً من التوجه السياسي الرشيد في ظل سعي الحركة للاستمرار في المواجهة ولو على شكل تسجيل موقف؟ وهو ما برز في استمرار ضرب أهداف رئيسة في إسرائيل، وتزايد استهداف مواقع لها دلالات رمزية في الذهنية الفلسطينية، مما قد يؤدي لاستمرار الهجمات الصاروخية من قبل حركة "حماس" لحين استيفاء الموقف السياسي ولو في حد معين.

رهانات مفتوحة

تراهن حركة "حماس" على توسيع دوائر الضغط على إسرائيل، فمع دخول الولايات المتحدة على خط الإعلان عن دعم إسرائيل سيبقي هدف الحركة العمل مع الجبهات الأخرى بخاصة الجبهة اللبنانية ممثلة في موقف "حزب الله"، ومن ثم فإن ترابط الجبهات وتماسكها يعتمد على دخول أطرف جديدة في سوريا ولبنان واليمن لدعم تحرك "حماس" من خلال ضربات رمزية غير موجعة لنقل رسالة للجانب الأميركي بالقدرة على العمل معاً، وكرسالة من أعلى بأن إيران لديها أوراقها السياسية والاستراتيجية التي يمكن استخدامها في مواجهة الولايات المتحدة وإسرائيل بخاصة مع إدراك الأطراف الرئيسة، وليس إيران فقط، بأن توسيع دوائر الاشتباك سيكون مكلفاً، وقد تذهب إسرائيل بالتنسيق مع الولايات المتحدة للضرب في الجبهات كلها عبر استراتيجية الحرب والمواجهة على مختلف الجبهات، وليس من داخل قطاع غزة، كما أن الأوضاع في القطاع سيتم التعامل معها انطلاقاً من حسابات محددة سيتم ضبطها عقب وقف إطلاق النار وبدء مسار سياسي أياً كانت معالمه، وهو ما تتفهم أبعاده الحركة بالتنسيق مع حركة "الجهاد الإسلامي" بالأساس، وبقية الفصائل الأخرى التي تعمل على دعم "حماس".

ومن ثم فإن تخطيط الحركة سيستمر في التركيز على الانتقال من العسكري إلى الأمني، ومن الأمني إلى السياسي، مع تحقيق مكاسب كبرى بالإفراج عن الرهائن مقابل صفقة مشرفة تحضر فيها أطراف عربية ودولية إلى جوار إسرائيل مدعومة مع الولايات المتحدة. بالتالي فان حركة "حماس" تتخوف من تبعات ما يجري ولو طال، وفي تقييماتها الرئيسة تحقيق الحضور الفلسطيني في القطاع ودعم المقاومة الفلسطينية، وعدم التصعيد حال استمرار ما سيتم الاتفاق في شأنه، ودعم الجانب الإسرائيلي الذي سيكون له حساباته المتعددة.

إخفاقات حقيقية

في المقابل، فإن إسرائيل وحكومتها التي تشهد حالاً من الانكسار الحقيقي تتجه إلى حكومة إنقاذ وطني لبناء مناعة وطنية حقيقية في مواجهة ما يجري، وفي ظل تصاعد السخط على حال ووضع الجيش الإسرائيلي الذي تعرض لهزة حقيقية مشابهة لما جرى في "يوم الغفران" مما يتطلب استمرار الحرب والمواجهة وتغيير قواعد التعامل والاشتباك في القطاع وخارجه، مع عدم الاعتماد على استراتيجية واحدة، بل والانتقال إلى تحقيق مكاسب من أعلى، وقد ربح رئيس الوزراء الإسرائيلي على رغم الفشل والتقصير مما يتطلب قدرة ردع حقيقية في مواجهة ما سيجري، وأمام الحكومة الإسرائيلية في موقفها الراهن والمحتمل، وحال تشكيل حكومة وحدة وطنية عدة خيارات.

الأول: إسقاط حركة "حماس" وتسليم القطاع إلى من يريد إقليمياً أو دولياً، أو وضعه أمام الائتمان الدولي، لكن المشكلة الرئيسة مرتبطة بما سيكون عليه المشهد السياسي والاستراتيجي، بخاصة أن تفكيك البنية العسكرية للحركة على رأس الأولويات، لكن كيف سيتم ذلك في ظل ما يجري من تفاعلات ترتبط حقيقة بموقف المستوى العسكري. ورفض التسليم بما جرى من واقع سياسي واستراتيجي سينعكس في المقام الأول على ما سيلي من خطوات، ومن ثم فإن الحكومة الإسرائيلية، ومع تصعيد العسكريين وعودة الجنرالات الكبار وبخاصة بيني غانتس، فإن ما سيجري سيكون مرتبطاً بقواعد اشتباك مختلفة تماماً عما سبق يوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري.

الثاني: الاستمرار في دائرة الاشتباك إلى حين فرض وقائع على الأرض في القطاع أو خارجه، مع العمل على عدم تقديم أية تنازلات حقيقية في قضية الأسرى والرهائن التي يمكن أن تحسم من خلال وسائل أخرى ستدخل الولايات المتحدة على خط أي تفاوض حقيقي في هذا الملف، بخاصة أن تحريك الآلة العسكرية الأميركية سيعني أن إسرائيل في حاجة إلى مزيد من الخطوات الداعمة، وإعادة تفعيل الشراكة في حال استمرار المواجهات لبعض الوقت وتركيز إسرائيل حكومة وشعباً على طلب الحماية، بخاصة أن ما يطول حركة "حماس" ومستقبل القطاع سيرتبط أيضاً بدور لاحق للولايات المتحدة تجاه السلطة، أو الدول المعنية وعلى رأسها مصر، وهو ما يجب الرهان عليه، فأحد الحلول الرئيسة والمتاحة هو العمل على إجراء "ترانسفير" كامل أو جزئي لسكان القطاع، والذهاب إلى حرث الأرض وترحيل الفلسطينيين إلى مصر، وتنفيذ مخطط الـ"ترانسفير" أي التهجير بالكامل بخاصة في هذا التوقيت، واستثمار ما طرحه العسكريون الإسرائيليون من قبل والمتعلق بخطط تقاسم وتبادل الأراضي، سيغير من واقع ما يجري.

لكن لن تستطيع حركة "حماس" تقبل هذا الأمر، كما أنه توجد إشكاليات كبرى في حال طرحه مع رفض مصر وتحفظ السلطة الفلسطينية، لأنه قد يذهب إلى إعادة طرح فكرة الوطن البديل، كما كان يردد "الليكود" وحكومات إسرائيل التاريخية، فالقطاع يتحول إلى جهنم بتعبير الرئيس الأسبق شيمون بيريز، ولا بد من حلول حقيقية ونهائية بعد أن أغلق الباب أمام إمكانية توسيعه وإعادة تركيب ديموغرافيته الرئيسة، على رغم ما طرحته الدول المانحة من رغبة في تمويل ما سيطرح من رؤي تطول مستقبل القطاع، وتحديد مصيره في إطار شرق أوسط جديد، وفي إطار الحرص على تغيير الواقع السياسي الاقتصادي والأمني.

الخلاصات الأخيرة

أياً كان السيناريو الذي يمكن حركة "حماس" وفصائل المقاومة الفلسطينية أن تنتهجه، فنحن أمام مواجهة غير تقليدية وحضور دولي داعم ومؤيد لإسرائيل، وهو أمر غير مسبوق، وفي ظل أدوار تؤديها بعض الدول، وفي انتظار ما سيأتي من نتائج للعمل العسكري مع رصد تداعياته في الفترة المقبلة، التي قد تستمر لبعض الوقت، وفي ظل مخاوف من تكرار أحداث النكبة، أو تمدد المواجهات إلى مسارح عمليات أخرى، ودخول أطراف وكيلة من إيران مجدداً، فإن ما يجري خلال الساعات الراهنة ليس محكوماً بضوابط أو معايير معينة، بل إننا سنكون أمام سيناريو مفتوح لن يقتصر على "حماس" وإسرائيل فقط، بل إن ما سيجري سيخص أمن الإقليم في إطار مقايضات متعددة تشمل بعض الملفات المفتوحة، والمؤكد أن المواجهة الحقيقية تبدأ بإيران والولايات المتحدة وتمر بالوكلاء في مختلف مسارح الإقليم، ما زلنا في الفترة الأولى من المواجهات، وما سيأتي بعد وقف إطلاق النار هو الأهم، ولن يقتصر على تسوية رهائن أو أسرى، بل ترتيبات أمنية واستراتيجية متعددة.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل