ملخص
ارتفعت صادرات الغاز من تركمانستان إلى أذربيجان عبر إيران من 4.5 إلى 8 ملايين متر مكعب يومياً
ذكر تقرير صادر عن المركز العالمي للدراسات التنموية ومركزه العاصمة البريطانية لندن أن اتفاق العراق وتركمانستان على استيراد الغاز بمقايضته مع الغاز الإيراني سيكون في مصلحة إيران على حساب العراق.
وبموجب هذا الاتفاق فإن العراق سيحصل على 10 مليارات متر مكعب سنوياً من الغاز الإيراني مقابل حصول إيران على الكميات ذاتها من غاز تركمانستان ما يوفر حاجات محافظاتها الشمالية. ويعتبر هذا الخيار مربحاً لطهران التي تحصل على الغاز بسعر منخفض من تركمانستان لتبيع غازها لاحقاً إلى العراق بسعر أعلى.
ويمتد اتفاق المقايضة لخمس سنوات ما يوفر لإيران إيرادات مالية تتجاوز العشرة مليارات دولار في حين أن العراق سيبقى خلال هذه الفترة معتمداً على إمدادات الغاز الإيراني التي قد تنقطع بين الحين والآخر خصوصاً في الفترات التي تخفض فيها إيران صادراتها من الغاز للعراق بحجة عدم سداد الديون أو ارتفاع استهلاكها المحلي.
وقد يعرض هذا الاتفاق بغداد لضغوط أميركية كونه يسهم في تعزيز إيرادات إيران المالية ويسهم في تخفيف العقوبات الأميركية المفروضة على طهران.
تنافس إيراني - تركي
ويبين تقرير المركز العالمي للدراسات التنموية أن كلاً من إيران وتركيا تطمحان لتكونا مركزين مهمين للطاقة، لذا فقد عبرت طهران عن رغبتها في زيادة كميات الغاز المستوردة من تركمانستان بنسبة 70 في المئة في عام 2023 إذ ارتفعت صادرات الغاز من تركمانستان إلى أذربيجان عبر إيران من 4.5 إلى 8 ملايين متر مكعب يومياً مع مخطط لزيادتها إلى 10 ملايين متر مكعب يومياً هذا العام.
وفي حال حصول العراق على غاز تركمانستان عبر إيران فإن ذلك سيبقي بغداد معتمدة على تحكم طهران بتلك الصادرات، وهذا ما لا ترغب به واشنطن.
وعلى رغم تصريحات المسؤولين الإيرانيين عن قدرة بلادهم على زيادة كميات غاز تركمانستان المصدرة عبر أراضيها، إلا أن ذلك يصطدم بمشكلات الديون المستحقة لعشق أباد على طهران. ففي عام 2017 أوقفت تركمانستان إمدادات الغاز إلى إيران لعدم سداد الأخيرة مستحقات بقيمة 1.8 مليار دولار عن الفترة بين 2007-2013 ما أدى للجوء البلدين إلى التحكيم الدولي.
وأخيراً عمدت إيران إلى سداد ديونها لتركمانستان من خلال تقسيمها إلى ثلاث مراحل، ما يشير إلى تأثير واضح للعقوبات المفروضة على طهران على قطاع الطاقة.
وبحسب التقرير فإذا كان العراق راغباً بضمان وموثوقية استمرار استيراد غاز تركمانستان إليه بموجب اتفاق المقايضة بالغاز الإيراني فيجب أن يأخذ في الاعتبار تلك العوامل التي قد تعرقل تلك الإمدادات أو تعطلها.
الاستيراد عبر بحر قزوين
ويستورد العراق من إيران قرابة تسعة مليارات متر مكعب سنوياً لذا فإن تقرير المركز البريطاني يتحدث عن خيار آخر يتمثل تصدير غاز تركمانستان عبر بحر قزوين إلى أذربيجان ومنها إلى الأراضي التركية فالعراقية. وعلى رغم أن هذا الخيار يحتاج لمد أنبوب جديد للغاز يمتد من تركيا إلى الأراضي العراقية، إلا أنه لا يروق لإيران خصوصاً وأنه سيؤدي لتقليص إيراداتها المالية ويسرع من استقلال قطاع الطاقة في العراق عن الاعتماد على الغاز الإيراني.
ويتوجب على العراق التنسيق مع تركيا حول عديد من القضايا المتعلقة بالمناطق التي سيمر فيها الأنبوب في ما لو تم إنشاؤه والقضايا المتعلقة بأمن الحدود وعدم تعرض تلك الكميات لهجمات من مقاتلي حزب العمال، إضافة إلى الاتفاق مع إقليم كردستان لحل مشكلة شركات الطاقة الأجنبية العاملة فيه والتي أدت لتوقف صادرات الإقليم لأكثر من ستة أشهر.
الصين وروسيا في معادلة الغاز
ويوضح تقرير المركز البريطاني إلى وجود عوائق تتعلق بقطاع الغاز في تركمانستان ذاتها ما قد يكون أمراً مقلقاً بالنسبة إلى العراق في المستقبل. فعلى رغم امتلاك تركمانستان احتياطات ضخمة من الغاز الطبيعي تقدر بـ19.5 تريليون متر مكعب، ما يضعها في المرتبة الرابعة عالمياً، إلا أن إنتاجها السنوي يتراوح عند مستويات الـ60 مليار متر مكعب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وهنا تتنافس كل من الصين، التي تعتبر من أكبر مستوردي الغاز من تركمانستان، مع عدد من دول آسيا الوسطى والاتحاد الأوروبي للحصول على تلك الكميات.
فأوروبا تحاول منذ بدء الحرب في أوكرانيا وانقطاع إمدادات الغاز الروسية إليها أن تجد البديل المناسب والأقل كلفة، إذ تطمح لزيادة كميات الغاز المصدرة إليها من تركمانستان إلى 20 مليار متر مكعب سنوياً بحلول عام 2027.
وقد يفسر هذا موقف الاتحاد الأوروبي المتساهل في تعامله مع تركمانستان وعدم فرض أية عقوبات عليها جراء تعاونها مع روسيا عقب الحرب في أوكرانيا.
وبحسب التقرير فقد اتبعت روسيا في السنوات الأخيرة سياسة سعت من خلالها إلى ربط وجذب تركمانستان إليها من خلال عدد من الاتفاقات والتفاهمات الاقتصادية وذلك في محاولة منها لمنع تصدير غاز تركمانستان إلى أوروبا، سواء كان ذلك عبر تركيا أو عبر خط TCP الممتد من تركمانستان إلى أذربيجان عبر بحر قزوين بسعة 32 مليار متر مكعب في السنة.
وانضمت تركمانستان من خلال ميناء تركمباشي أخيراً إلى ممر شمال جنوبي التجاري الذي يمتد من روسيا وصولاً إلى الموانئ الإيرانية على الخليج العربي إضافة لافتتاح كل من روسيا وتركمانستان مكاتب للسكك الحديدية في كلا البلدين.
دبلوماسية الطاقة
ويشير تقرير المركز العالمي للدراسات التنموية إلى سعي العراق لجذب المزيد من شركات الطاقة الأجنبية في إطار عدد من جولات التراخيص التي تركز على استثمار حقول الغاز في جنوب وغرب البلاد إضافة لاستثمار الغاز المصاحب والطاقة النظيفة الأمر الذي قد يحقق له استقلالاً في قطاع الطاقة في غضون السنوات الخمس المقبلة.
لكن مع رغبة العراق في توسيع وتنويع اقتصاده والزيادة السكانية المتوقعة أن تصل إلى 47 مليون نسمة في عام 2027، فإن الطلب على الطاقة سيزداد وستبقى هناك حاجة لمزيد من مصادر الطاقة المستوردة.
وفي حال تمكن العراق من زيادة استثماراته في الرقع غير المستكشفة والتي تبلغ 80 في المئة من مساحة البلاد وتحسين كفاءة الطاقة فإنه قد يتمكن العراق من تصدير 28 مليون متر مكعب يومياً من الغاز في السنوات الخمس المقبلة، لكنه مع ذلك سيكون في حاجة لضمان استمرار شحنات الغاز المصدرة إليه.
وبحسب التقرير فإن فرص العراق في التحول لدولة مهمة في سوق الغاز ترتبط بقدرته على الاستثمار الأمثل في هذا القطاع وتحسين البنى التحتية المرتبطة بموانئ التصدير وشبكات الأنابيب ما يتطلب دبلوماسية عالية في التعامل مع المتناقضات في المنطقة وربط مصالح تلك الدول بمصالحه الاقتصادية.