ملخص
قال البنك الدولي إن العالم يواجه اليوم مشكلة ارتفاع الفائدة وانخفاضاً في النمو الاقتصادي تجاوز ما قبل كورونا.
أعلن رئيس البنك الدولي أجاي بانغا أن أداء الاقتصاد العالمي في 2023 أفضل مقارنة بالعام الماضي، مشيراً إلى أن التضخم بدأ بالانخفاض، لكنه توقع أن "تبقى أسعار الفائدة مرتفعة لفترة أطول"، واصفاً الأمر بالمعقد من أوجه عدة بالنسبة إلى المستثمرين بعدما اعتادوا الاقتراض بفائدة متدنية.
وأضاف بانغا خلال مؤتمر صحافي الأربعاء على هامش اجتماعات المؤسسة الدولية في مدينة مراكش المغربية أن "الحروب تفرض تحديات كبيرة على البنوك المركزية"، معترفاً بصعوبة الوضع في الوقت الحالي.
وكشف عن أن "البنك الدولي يهدف إلى تعزيز قدرته المالية على الإقراض لتصل إلى 150 مليار دولار على مدى عقد، مما سيرفع القدرات الإقراضية بنحو 20 في المئة"، قائلاً "على رغم أن المستهدف كبير، لكنه لن يكون كافياً مقارنة بحجم التحديات العالمية الراهنة"، وأشار إلى إمكان استخدام تلك الأموال أو إعادة توجيهها لعمليات الدعم والوقود والقضايا البيئية"، مؤكداً أن "كلها تحديات طويلة المدى يجب التركيز عليها أيضاً، إضافة إلى وجود القطاع الخاص ومدى قدرته على استخدام رأسماله وتكنولوجياته في مواجهة التحديات، وإن كان بالإمكان مساعدته في مواجهة بعض الأخطار السياسية علاوة على أخطار أسعار الصرف".
ووصف بانغا الحرب بين إسرائيل وغزة في تصريحات أمس الثلاثاء إلى "رويترز" بالمأساة الإنسانية والصدمة الاقتصادية التي لا يريدها، قائلاً "البنوك المركزية بدأت تشعر ببعض الثقة مع تنامي فرصة تحقيق خفض ناعم للتضخم" ومستدركاً "لكن هذا الصراع سيجعل الأمر أكثر صعوبة".
وتصريحات بانغا تتوافق مع توقعات صندوق النقد الدولي أمس، إذ قدّر الأخير تأثيرات سلبية في اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وخارجها بسبب المعارك بين إسرائيل وحركة "حماس" في قطاع غزة.
تحديات تواجه الاستثمار والتجارة وعبء الديون
وحول التحديات القائمة التي تواجه التجارة والاستثمار حذر بانغا من أن عبء الديون قد يعوق القدرة على الاستثمار في قطاعات معينة تحتاج بعض البلدان إليها، داعياً الدول إلى الشفافية عند قياس الديون قبل أن يبحث البنك الدولي مع الدول المدينة إيجاد طريقه ما لخفض تلك الديون، مذكراً بأن ليس هناك "حل سحري" لخفض ديون الدول.
ووصف رئيس البنك الدولي الصين بالشريك البناء، قائلاً إن "هناك كثيراً يمكن تعلمه من الصين المساهم الكبير في البنك الدولي"، مشيراً إلى أن "بنكه يحاول العمل مع الصين في ملف المناخ وكبار السن وتطوير المناطق الريفية، لما تمتلكه من خبرات طويلة في تلك المجالات".
استئصال رقعة الفقر والتغير المناخي
وتابع رئيس البنك الدولي أنه "يناقش مع البلدان الأعضاء عملية استئصال رقعة الفقر في العالم حتى يمكن العيش فيه".
وحول أزمة تغير المناخ قال بانغا إنها "تعني كثيراً للبشرية"، مشيراً إلى النمو الذي لا يحتوي على كثافة في الكربون وهو ليس التعريف السائد في الجنوب العالمي، إذ إن التعريف السائد في ذلك الجزء من العالم هو المرتبط بالتنوع الإحيائي والأمطار الأقل وتحديات تتعلق بتدهور الأراضي والأعاصير وكلها مرتبطة بقضية التغير المناخي، فعندما تبدأ العواصف والأعاصير في منطقة الكاريبي ينخفض إجمالي الناتج المحلي بشكل حاد، لذا فإن التغير المناخي يعني أموراً متباينة بالنسبة إلى أناس مختلفين، مشدداً على الرؤية المهمة لملف التغير المناخي.
وأوضح أن البنك الدولي يحاول ضخ 50 في المئة من الأموال في عمليات التخفيف من آثار المناخ والانبعاثات والتكيف مع تغير المناخ.
الجنوب العالمي يريد أن يسمع صوته
وقال بانغا إنه "لمس رغبة لدى بلدان الجنوب العالمي في أن تسمع أصواتهم وتضخ الأموال في بلدانهم وهذا يتضمن قضايا عدة وعلى رأسها تحديات الدين في كثير من البلدان وكيفية وضع الأولويات لعمل البنك في تلك الدول.
يشار إلى أن الجنوب العالمي يتكون من أفريقيا وأميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي وجزر المحيط الهادئ والبلدان النامية في آسيا بما فيها دول الشرق الأوسط، إضافة إلى البرازيل والهند وإندونيسيا والصين التي تعد إلى جانب نيجيريا والمكسيك، أكبر الدول الجنوبية من حيث مساحة الأرض وأكثرها كثافة سكانية.
وقال بانغا إن دول الجنوب العالمي لديها ميزة، إذ إن الشريحة الكبرى من السكان من فئة الشباب، وعلى رغم أن ذلك يدعوهم إلى التفاؤل اليوم، إلا أن هؤلاء حين يكبرون يحتاجون إلى مياه نقية وهواء نقي وجودة في الحياة وفرص عمل تجعلهم يشعرون بالكرامة ليكونوا قادرين على إعالة أسرهم.
تعزيز دور النساء في الاقتصاد العالمي
وأشار إلى أن استئصال الفقر وتعزيز دور النساء وملف الأطفال، إضافة إلى ملفات أخرى ستكون جزءاً من رسالة البنك الدولي في المرحلة المقبلة، مؤكداً أهمية احتواء الجميع، تحديداً النساء والأطفال، إذ تمثل النساء 50 في المئة من المجتمع، لذا فإن عدم مشاركتهن بشكل فاعل في الاقتصاد لن يدفعه إلى الأمام، وقال "لك أن تتخيل أن يكون نصف المجتمع بلا أي تفاعل"، منتقداً ذلك ومشدداً على أن "إدخال النساء في عملية الشمول المالي أمر مهم بالنسبة إلينا".
تعزيز قدرة البنك الدولي على الإقراض
وحول آلية عمل البنك الدولي قال بانغا إن "كثيراً من العمل يتعلق بكفاية رأس المال، وقبل اجتماعات الربيع أعددنا مزيداً من السيولة للإقراض خلال الفترة المقبلة"، مضيفاً "في حال تمكنت البلدان من تقديم الأموال للبنك الدولي، وهذا أمر لا يخلو من التحديات، فإن رأس المال غير المباشر يعزز الموازنة العمومية للبنك الدولي، وإذ شدد على أن "كل جهود البنك اليوم تصب في مصلحة تطوير العمل ليكون لدينا بنك ينجز بشكل أفضل، رأى أن الوصول إلى "بنك دولي أفضل" سيستغرق نحو 27 شهراً منذ بداية المناقشات حتى الإنجاز، مستدركاً "قد تمتد مدة التنفيذ إلى نحو 10 أعوام" ومضيفاً أن "أي تأخير يعني أننا لم نحقق الهدف".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ودعا رئيس البنك الدولي القطاع الخاص والبنوك متعددة الأطراف إلى توحيد طرق العمل حتى يكون الاستثمار أسهل، مشيراً إلى أن "بنكه لا يريد العمل في جزر منعزلة" وموضحاً أن "العمل بصورة مترابطة سيعزز من كفاءة البنك بحيث لا يكون على الدول التوجه إلى ثلاثة أماكن مختلفة لتوفير الضمانات"، واعترف بأن تنفيذ ذلك ليس سهلاً بل يتطلب تغييراً في الثقافة القائمة، وشرح أن "ما نقوم به يتعلق بـالأعوام الـ50 المقبلة، إذ إننا نعمل على أن يكون البنك الدولي مهماً لأعضائه في العقود التالية".
50 في المئة من إقراض البنك يذهب إلى أفريقيا
وحول قنوات إقراض البنك الدولي قال بانغا إن "50 في المئة من إجمالي الإقراض يذهب إلى الدول الأفريقية"، متوقعاً عقد الاجتماعات السنوية للبنك في أفريقيا بعد 50 عاماً.
وأضاف أن "مستوى النمو السكاني في القارة السمراء خلال السنوات المقبلة، إضافة إلى الفرص السانحة مقارنة بالنمو العالمي هي الأولى من نوعها"، مشيراً إلى أن القارة السمراء تواجه تحديات، لكنه أعرب في الوقت ذاته عن ثقته بإمكان تحقيق مزيد من التقدم في أفريقيا، بما في ذلك القدرة على تبادل السلع بين دول أفريقيا، ووصف التبادل التجاري الداخلي في القارة بـ"الأمر المعقد الذي لا يصدقه عقل"، موضحاً أن "الأمر يتعلق باللوجستيات والتوثيق عبر الحدود، لذا فإن هناك حاجة للقيام بكثير من العمل".
وتطرق إلى لجنة التجارة الحرة في أفريقيا التي يدعمها البنك الدولي بقوة، لافتاً إلى قضايا أخرى في القارة السمراء تتعلق بالتعليم والشباب والرعاية الصحية واكتساب المهارات لخلق الوظائف المناسبة التي تحتاج إليها هذه البلدان، وهي ملفات يُعنى بها البنك الدولي أيضاً، إلى جانب تحديات الجائحة التي واجهتها أفريقيا والقضايا المناخية.
وقال "أود هنا أن أشير إلى أن الأمر لا يتعلق بتوفير لقاحات كورونا في أفريقيا فحسب، بل يجب أن تكون صناعة التطعيمات موجودة هناك أيضاً، وهذا يتطلب توفير التكنولوجيا والشراكات والصناعة التحويلية والأدوات المختلفة، بما فيها انتقال شركات أدوية إلى أفريقيا"، محذراً من أخطار حدوث جائحة أخرى ومؤكداً ضرورة أن لا تمر أفريقيا بالصعوبات التي مرت بها خلال جائحة "كوفيد-19" في ما يتعلق بتوفير اللقاحات لشعوبها.
تقييم الإنجاز ليس بالكلفة
وأضاف بانغا "أسعى إلى تحريك آلية تقييم المشاريع التي يمولها البنك الدولي على أساس الناتج والتأثير الذي تحدثه المشاريع وليس على أساس الدولار"، موضحاً "يجب أن نقيس عدد الفتيات اللاتي يذهبن إلى المدارس من ضمن ثمار مشروع ما وكذلك عدد من يحصلون على وظائف، علاوة على كمية انبعاثات الكربون التي تمكّن مشروع من تجنبها مقارنة بعدد المشاريع المقامة أو المبالغ المالية التي وضعناها لتلك المشاريع، وهذا هو التقييم العادل الذي يحقق أهداف أفريقيا.
محادثات لتمويل البنك
وبسؤاله عن الطاقة الإقراضية للبنك الدولي، وعن البلدان التي وضعت أموالاً حقيقية لتعزيز رأس المال، وإن كان يتوقع أن تفي الولايات المتحدة بوعودها بتعزيز تمويل البنك، وإن كان الكونغرس الأميركي سيمرر ذلك التمويل، قال بانغا إن "الولايات المتحدة أعلنت عن حزمة كبيرة لكفاية رأس المال للبنك الدولي وزيادة قدرة التمويل بنحو 25 مليار دولار على مدى عقدين، وآمل في أن يمرر الكونغرس الأميركي تلك الحزمة وأنا لست قلقاً في هذا الشأن".
وأشار إلى أن البنك سيمنح قروضاً بشروط ميسرة تسمح بتوفير السلع العامة في البلدان المختلفة، وهناك مليارات الدولارت وأموال من أجل تجديد موارد البنك لمواجهة الأزمات، وضخت ألمانيا أموالاً في رأس المال الهجين وزيادة القدرة الإقراضية للبنك، كما تناقش السعودية ودول أخرى الجوانب المختلفة للإسهام في هذه الأدوات، وأعتقد بأنه على مدى الأسابيع المقبلة سنصل إلى 5 مليارات دولار من طاقة الإقراض الإضافية التي توفر لنا مزيداً من الإمكانات.
لا يوجد اقتصاد كبير يواجه مشكلات حقيقية
من جانبه قال رئيس الخبراء الاقتصاديين في البنك الدولي إندرميت غيل خلال المؤتمر إنه على رغم كل هذه الصدمات التي تواجه العالم اليوم، إلا أنه لم يرَ اقتصاداً كبيراً يواجه مشكلات حقيقية، مضيفاً أن "المشكلة تكمن حالياً في ارتفاع أسعار الفائدة وتباطؤ نمو الاقتصاد العالمي إلى مستويات أقل مما كان يشهده العالم قبل أزمة جائحة كورونا"، وأشار إلى أن آخر مرة رفع فيها الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) الفائدة كانت في السبعينيات، منوهاً إلى أن ذلك استغرق فترة طويلة مما يجعل البنك الدولي يتوقع دورة أطول للفائدة المرتفعة حالياً، ولفت إلى إفلاس 24 اقتصاداً في العالم خلال السبعينيات.
وتوقع غيل أن تواجه البلدان التي لم تدِر أمورها بصورة جيدة مشكلات حقيقية، محذراً من أن الديون العامة تزاحم اليوم الاستثمارات الخاصة، مستشهداً بالبرازيل التي لا تواجه مديونية حرجة، وقال "لكن نتيجة ارتفاع الدين العام فإن اقتصاد البرازيل يتباطأ بشكل مطّرد".