ملخص
ضرب المطارات المدنية هذه المرة ليس كما السابق، فاليوم تحبس المنطقة أنفاسها، وهي تشاهد معركة بين إسرائيل وغزة ويضبط الشارع العربي ساعته حيال امتداد رقعة الصراع المتجه لأن يكون إقليمياً
لا يبدو تزامن قصف مطاري حلب ودمشق هجوماً اعتيادياً ينفذه سلاح الجو الإسرائيلي بين حين وآخر، بل هي رسائل حملتها المقاتلات إلى العاصمة السورية في أعقاب هجوم بالقذائف الصاروخية أطلقت من هضبة الجولان باتجاه إسرائيل.
واستهدفت تل أبيب عصر أول من أمس المطارين في الوقت نفسه، وخرجا عن الخدمة، فيما يتضح أن الخسائر اقتصرت على الماديات إلا أنها استهدفت شل الملاحة الجوية وتوقفها حين عمدت إلى ضرب المهابط والمدرجات، إذ يعد هذا "الهجوم الـ34 هذا العام 2023، منها 26 جوية وثماني هجمات برية، وأسفرت عن تدمير 71 هدفاً" بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.
لقد حمل الهجوم رسائل جلية إلى العاصمة دمشق قبل زيارة وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبداللهيان، في مطار دمشق حسب برنامج جولة إقليمية تتضمن لقاءات مع كبار المسؤولين في العراق وسوريا ولبنان، وهذا ما قاله صراحة المتحدث باسم الخارجية الإسرائيلية، حسن كعبية، إذ يأتي الهجوم بمثابة تحذير لإيران بأن عليهم عدم التدخل بالحرب.
وأضاف كعبية في تصريحات صحافية "الضربة لم يكن القصد منها إصابة الوزير، وإنما تحذير لسوريا التي هي ممر لاستقبال صواريخ إيران إلى (حزب الله)".
ولعل رسائل هجوم المطارات المدنية أعمق من المعتاد، بل حملت في فحواها رسالة تحذيرية من تل أبيب عن قدرتها بتوسيع الحرب لتشمل المنطقة برمتها، وتأهب بتحريك الجبهات الحدودية.
أوساط سياسية في سوريا ترد الاستهداف الأخير لمطار حلب شمالاً ومطار دمشق جنوباً إلى احتمالات أولها قياس نبض الجاهزية العسكرية السورية وإمكانية وحدود التفكير نحو أية مواجهة محتملة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يأتي ذلك بعد معلومات تفيد بنقل عناصر موالية للحرس الثوري الإيراني يقدر عددهم بـ300 عنصر من مناطق تمركزهم في محيط بادية السخنة الواقعة في ريف حمص الشرقي إلى الشريط الحدودي السوري المواجه لإسرائيل في تحرك يشي بتعزيز القدرات العسكرية، في الوقت نفسه استدعى "حزب الله" جزءاً من كوادره للعودة إلى لبنان بعد اندلاع المواجهات من جهة الحدود الإسرائيلية - اللبنانية.
وثمة ترجيحات بالدفع نحو جر سوريا إلى حرب مباشرة، وعدم الاكتفاء بعمليات خاطفة للفصائل المدعومة إيرانياً أو موالية لها، وذلك يعده مراقبون "فخاً" لإيقاع جيش النظام المنشغل منذ 12 عاماً بالصراع المسلح الداخلي مع فصائل معارضة وأخرى متشددة، علاوة عن وجود قواعد أميركية في شرق سوريا أكبرها قاعدة "التنف" وقواعد للتحالف الدولي يمكن أن تضغط باتجاه محاور عدة لإغلاق الطرق البرية التي تمر بالبادية السورية، كما من المتوقع إرسال تعزيزات عسكرية من الولايات المتحدة في حال امتدت الحرب.
كل ذلك سيشكل بالتالي حالة إرباك للجيش النظامي الذي يواجه معركة باتجاه استهداف مواقع الجماعات المتشددة في إدلب، شمال غربي سوريا إضافة إلى دخول البلاد حرباً جديدة لم تعهدها سابقاً بهذه الكثافة وهي "الطائرات المسيرات" التي بدأت تصل إلى حلب شمالاً، وسبقها قصف من قبل طائرة مسيرة استهدفت عرضاً عسكرياً بالكلية الحربية في مدينة حمص أدى إلى مقتل أكثر من 100 من العسكريين والمدنيين في الخامس من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري.
ولهذا يمكن القول إن دمشق تبتعد عن أي سيناريو يتضمن حرباً مباشرة رغم خلو بيانها العسكري من "الاحتفاظ بحق الرد"، وهي العبارة الشهيرة التي حافظت السلطات السورية عليها في بياناتها الصحافية عقب كل هجوم على مواقع عسكرية أو مدنية، هذا إذا علمنا أن قيادات الفصائل الموالية لإيران يتحسسون خطر ضرب مواقعهم، وبدأت حركة ملحوظة بتغيير المواقع، وتموضع الأفراد ومستودعات الذخيرة والسلاح، ووثق المرصد السوري لحقوق الإنسان "عمليات تموضع جديدة للفصائل التابعة لإيران في كل من دمشق وريفها وحمص ودير الزور، تخوفاً من ضربات إسرائيلية محتملة".
عدم دخول دمشق في حرب مباشرة أمام إسرائيل، والاكتفاء بالمراقبة يعني ما يقابله الإبقاء على الدعم اللوجيستي للفصائل التابعة لإيران، عبر نقل منظومة الصواريخ المتطورة براً وجواً، ولهذا الغرض درجت تل أبيب بشكل مستمر على استهداف مطاري حلب ودمشق ومحيطهما، كما قصفت بوقت سابق ميناء اللاذقية لتمركز قوات موالية لإيران، بإضافة إلى قصفها مواقع في جنوب سوريا وشرقها.
المعلومات الأولية تفضي إلى عمل الفرق الفنية على إعادة المطارين إلى حالتهما الطبيعية، إذ يعود مطار حلب في 14 أكتوبر إلى الخدمة وفق تصريحات حكومية، في حين يبقى السؤال الأبرز: هل ستتلقى البلاد ضربات جديدة؟ وهل الرد يعني الدخول في أتون الحرب إلى جانب حركة "حماس"، التنظيم الذي اعتبره في وقت سابق الفريق الموالي للنظام أنه انقلب على الحكومة السورية ووقف إلى جانب المعارضة منذ بداية الأزمة السورية حتى 20 أكتوبر عام 2022 حين أعادت الحركة نفسها العلاقات إلى طبيعتها مع دمشق.
يأتي ضرب المطارات المدنية هذه المرة ليس كما السابق، فاليوم تحبس المنطقة أنفاسها، وهي تشاهد معركة بين إسرائيل وغزة ويضبط الشارع العربي ساعته حيال امتداد رقعة الصراع المتجه لأن يكون إقليمياً، وهذا ما جاء صراحة على لسان المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي الذي توعد بتدمير مزيد من الأهداف في سوريا خلال الأيام المقبلة إثر أي هجوم.