ملخص
لطالما أحب أوليفر كينز ارتداء الملابس القديمة الطراز، ولكن في عصر يمكن فيه لبعض قطع الملابس أن تعكس عقلية سياسية عدائية، هل ستتحلون بالذكاء الكافي للتخلي عنها بالكامل؟ من فساتين الزوجة التقليدية إلى قمصان بولو العنصرية: ماذا يحصل عندما تتحول ملابسك إلى أسلحة سياسية؟
أشعر أنه من واجب أي أب أن يمتلك بعض الصور المحرجة والمخجلة عن إطلالته بالملابس المضحكة التي كانت رائجة خلال شبابه. كان أبي يمتلك بعض القطع المجنونة: من ربطة العنق المخملية على شكل عقدة كبيرة بحجم طائرة ورقية والتي ارتداها في يوم زفافه إلى أكثر سروال جينز ضيق بوسعكم تصوره الذي يعود إلى السبعينيات. كانت تلك السراويل ضيقة للغاية لدرجة أنني أعتقد بأنها معجزة أنه تمكن من إنجاب الأولاد في وقت لاحق.
أظن أن أولادي فازوا بالجائزة الكبرى في ما يخص إطلالاتي. فيوماً ما سيضحكون طويلاً ويسخرون من محاولات والدهم المتعددة لكي يبدو بمظهر شبابي رائع، ولكن ربما سيكون الأمر مربكاً بالنسبة إليهم، لأن صوري القديمة تضم موضة متباينة ضبابية من عصور فائتة لأنني كثيراً ما أحببت الملابس القديمة والتقليدية المعتقة (فينتاج) التي غالباً ما تكون بخسة الثمن ويمكن إعادة تدويرها بطرق كثيرة والأهم من ذلك أنها تتميز بحس متوازن من السخافة والمغامرة معاً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كانت تلك حقبة الحداثة أو العصرية بالنسبة إليَّ وفترة الملاهي الراقصة وعامي المليء بأقمشة التويد التي تعود إلى الخمسينيات. تطوعت في منظمة أوكسفام كمراهق وأنفقت أول نقود أكسبها على صدريات الرجال (جيليه)، كما أنني ظهرت (بمحض الصدفة) على صفحة للموضة في "اندبندنت" عام 2007، فقد وصف الصحافي الذي صمم الصفحة أسلوبي بـ"الشبابي الضبابي". ولأدافع عن نفسي، كان من الشائع في ذلك الوقت الذهاب إلى الحفلات بحمالات سراويل رفيعة وربطة عنق من طراز الخمسينيات وحتى قبعة مرحة، ولكن اليوم، وبعد مشاهدة كيفية استخدام الأشخاص للملابس القديمة "فينتاج" في عام 2023، أجد أن فكرة ارتداء تلك الملابس برمتها تجعلني أرتجف.
عندما تحب موضة من الماضي، تميل إلى رصدها على الفور عندما تظهر بشكل غير متوقع في المشهد الرئيس. فبعض تلك القطع، على غرار القبعة الضخمة التي تعود إلى العصر الفيكتوري والتي ارتداها النائب في البرلمان جايكوب ريس-موغ في جنازة الملكة يسهل رصدها بشكل مضحك، ولكن الأمر الأكثر مكراً هو مشاهدة المملكة المتحدة بأكملها من كل الأعمار والطبقات تتبنى الموضة القديمة بطريقة كانت في السابق حكراً على محبي موسيقى الجاز وغريبي الأطوار، وفي كثير من الأحيان كليهما.
واستمتعت أنا على سبيل المثال بصعود ما كان يعرف بـ"الأب العصري" في الديموغرافيا الخاصة بالموضة وهي فترة اتسمت بالملابس التي تتميز بحس من ثقافة الستينيات المستوحاة من إيطاليا والتي وجدت سبيلها إلى الشوارع الراقية وأسهمت في ذلك شخصيات في منتصف العمر تشكل مثالاً أعلى للأسلوب المنمق على غرار مارتن فريمان وبرادلي ويغينز. وعلى غرار ذلك، أتت الحالة الجماهيرية التي شكلها مسلسل "بيكي بلايندرز" Peaku Blinders بأنماط موضة شوهدت حتى الآن لدى معظم الرجال العاديين منذ عشرينيات القرن الـ20 وتمثلت تلك في قصات شعر عنيفة وياقات قمصان دائرية وإطلالة النعومة القاسية التي لا تعكس أي أناقة كلاسيكية.
حتى إن الأنماط القديمة "ريترو" في التوجه السائد تشير بدورها إلى نظرة مستقبلية للحياة تتجاوز اتجاهات الموضة. ويشكل مرمم المفروشات جاي بلايدز وأحد نجوم برنامج "ذا ريبير شوب" The Repair Shop على القناة الرابعة خير مثال على ذلك، فملابسه التي تتبع أسلوب الريترو الصارخ الذكي والمفيد تتكيف بالكامل مع مكانته كمرمم لما شكل في السابق قطعاً رائعة. إنه رد أنيق على ثقافة الموضة سريعة الزوال التي يمكننا التخلص منها. أن يحب المرء الملابس القديمة هو أمر سيان لحب الأشياء القديمة، ولكن هل يتضمن ذلك القيم الاجتماعية القديمة أيضاً؟
لم يشعرني شيء بالاكتئاب والاشمئزاز من خيارات الموضة التي اعتمدتها في شبابي أكثر من تنامي حركة عرفت "بالزوجات التقليديات" Tradwives (ربة المنزل التقليدية التي لا تعمل). تماماً كما فعلنا أنا وأصدقائي منذ سنوات، إنها مجموعة من الأشخاص الذين يحبون بشكل مدروس ومثابر ارتداء ملابس حقبة ماضية وخصوصاً حقبة الخمسينيات. ولكن، أسلوب الزوجات التقليديات يحمل معتقداً أعمق وقد يقول البعض إنه سودوي يحفز على اتباع هذا الأسلوب. فهي عبارة عن حركة تتوق للعودة إلى العادات الاجتماعية لحقبة "أكثر بساطة" عندما كان الرجال رجالاً والنساء يلازمن المنزل ولا يعملن.
فأن تعتمد المرأة أسلوب الزوجة التقليدية (أو ترويج المصطلح المرادف "الحياة التقليدية") يعني رفض فكرة النسوية السائدة والادعاء بأنها أضرت بالمرأة. من شأن المكياج الذي لا تشوبه شائبة والفساتين المزينة بطبعة الورد وشعر مارلين (مونرو) الأشقر المصفصف أن تدل على مكانة المرأة الحقيقية في المجتمع، أي في المنزل كزوجة وربة منزل. ويحمل ذلك نوعاً من الخضوع للذكورية يتخطى مجرد تعريف الرجل في المنزل على أنه مورد الرزق أو المعيل. ففي بريطانيا والولايات المتحدة اللتين تشكلان المنشأ الأصلي للحركة حول العالم، لعله ليس من المفاجئ أن تشكل تلك الحركة ملاذاً للمشاعر المناهضة للقاحات والاعتقاد بنظريات المؤامرة الأخرى، كما صنفها نجم "كير آي" Queer Eye جوناثان فان نيس أخيراً في حلقة حديثة من بودكاست (مدونة صوتية) "غيتينغ كوريوس" Gettung Curious، تسبه تلك النساء إلى حد كبير "النسخة الأنثوية من حركة الإنسيل ("Incel" هي اختصار لكلمتي "Involuntary Celibate" وغالبية من يحملون ذلك الوصف هم من الذكور تقريباً. وهي حركة من كارهي النساء ممن يشعرون برفض النساء لهم، ويتهمونهن باحتقار الرجال والتلاعب بهم).
فضلاً عن ذلك، تدور حول ذلك أجندة سياسية معلنة. فعديد من أتباع أو مناصري الحياة التقليدية يميلون نحو اليمين المتطرف بدءاً من كونهم داعمين متحمسين لترمب إلى ربط أسلوب حياتهم بوضوح بعقيدة تفوق العرق الأبيض على غرار المؤثرة في مجال الحياة التقليدية والمعجبة بأسلوب الريترو آيلا ستيوارت التي أطلقت حركة "تحدي الطفل الأبيض" White Baby Challenge لإقناع متابعيها بوقف انتشار "ثقافة الغيتو الأسود" (الحي الذي تسيطر عليه الأقليات من ذوي البشرة السوداء) من خلال إنجاب أكبر عدد ممكن من الأطفال ذوي البشرة البيضاء.
حصل هذا الربط نفسه بين الموضة القديمة والعقيدة المتطرفة لعدد من علامات الموضة التي حظيت بمعجبين في أوساط أتباع الحداثة والجرأة في المملكة المتحدة – وتحديداً علامات لونسدال وفريد بيري. تحمل قمصان بولو التي شكلت الركيزة الأساسية لبديل مسرح الغيتار البريطاني إذ ارتداها كثر من فرقة "ذا جام" إلى بلور، بيد أن اعتماد ذلك الأسلوب من قبل ما يعرف باليمين المتطرف في الولايات المتحدة طرح إشكالية للعلامتين التجاريتين نفسيهما (فقد سحبت علامة فريد بيري قمصان بولو السوداء والصفراء التي اعتمدتها مجموعة "براود بويز" Proud Boys التي تروج للفاشية الجديدة) وللعدد الأكبر من عشاق الموسيقى الذين امتلكوا ملابس أصبحت فجأة مرادفاً لعقيدة اليمين المتطرف.
لسخرية الأقدار، يعتقد أن ظاهرة الزوجة التقليدية أبصرت النور على صفحة "ريديت" فرعية تحمل اسم "ريد بيل وومن" (Red Pill Women أو نساء الحبة الحمراء وهي حركة تعتبر رد فعل طبيعياً على التوغل النسوي في المجتمع الغربي، إذ جاءت لتوعية الرجال بخطورة الأفكار النسوية)، فكما اعتمدت الحبة الحمراء في فيلم "ذا مايتريكس" The matrix، أصبح الأمر يحمل معنى أعمق ويقوم بتغيير المشهد بشكل نهائي ومطلق عندما ترى مجموعة من الأشخاص المليئين بالحقد والكراهية يرتدون القميص أو فستان السهرة الكلاسيكي القديم نفسه مثلكم. لا يمكن للأمر أن يمر مرور الكرام. حاول عديد من الأشخاص ضمن مجتمع الكلاسيكية محاربة هذا التوغل من خلال استخدام شعار الوسم (هاشتاغ) "أسلوب كلاسيكي قيم غير كلاسيكية" Vintage Style, Not Vintage Values.
إنه هدف جدير بالثناء ولكنه برأيي يقلل من أهمية فكرة أنه خلافاً للقطع المعروضة في المتحف أو في معرض فني، إذ يتم الحكم على كل الملابس في إطار الزمن والحقبة والسياق الذي تم ارتداؤها فيها. وإن كان المجتمع الذي ظهرت فيه تغير، فإنني أخشى أن تكون الملابس ومعناها خضعت لهذا التغيير أيضاً بغض النظر عن الصورة العرضية التي حصل فيها ذلك.
عندما كنت شاباً غير مبال، اعتاد الأشخاص على استحضار فكرة أن "مكان المرأة الطبيعي هو في المطبخ" كدعابة ساخرة تستهدف الأجيال السابقة وحماقة المفهوم برمته. وواقع أنه تم إحياء الأمرين معاً في عام 2023 ومن خلال ظهور الأشخاص يرتدون الملابس التي كنت أرتديها في الماضي يتخطى مجرد تجنب الخوض في الموضوع. إن كان الأشخاص يرتدون الملابس القديمة لترويج المعتقدات البالية القديمة فعلينا الرد على ذلك من خلال النأي بأنفسنا قدر الإمكان. أعرف بأن الأجيال الماضية في أسرتي سينظرون إلى أخطاء الموضة التي ارتكبتها في الماضي. آمل في أن يضحكوا على ذلك طويلاً من دون التفكير بأمور أكثر شراً.
© The Independent