على رغم الأزمات الاقتصادية الطاحنة التي تمر بها دول مصر وتونس ولبنان، خصوصاً بعد التقييمات السلبية لمؤسسات التنصيف الائتماني، فإن صندوق النقد الدولي منح الدول الثلاث، وخصوصاً مصر، جرعة ثقة في أوقات حرجة.
إلى ذلك يجري صندوق النقد الدولي مفاوضات مع كل من مصر وتونس ولبنان لمساعدة هذه الدول على تحسين أوضاعها وتجاوز أزمتها التي تفاقمها صدمات خارجية تضاف إلى الصعوبات الداخلية.
الدعم المعنوي من مؤسسة التمويل الدولية جاء على لسان مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي جهاد أزعور عند إجابته عن أسئلة لـ"وكالة الصحافة الفرنسية" في شأن الوضع في هذه الدول الثلاث على هامش الاجتماعات السنوية للصندوق والبنك الدولي في مراكش.
وقال أزعور عن مصر، "لدينا هناك برنامج بدأ قبل تسعة أشهر له ركائز عدة منها ركيزة القطاع الخاص ودوره وتسهيل قدرته على الاستثمار وركيزة دور الدولة والقطاع العام وإعطاء مساحة أكبر للاستثمار من خلال تحويل المؤسسات العامة وركيزة السياسة النقدية ومعالجة التضخم اجتماعية"، مضيفاً أن الاقتصاد المصري تعرض لضغوط ناتجة صدمات خارجية"، موضحاً "في هذا النوع من الاقتصادات تتعزز المناعة من خلال نظام سعر صرف مرن".
مزيد من العمل
وأشار مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي إلى حدوث بعض التقدم على بعض المسارات وفيما مسارات أخرى في حاجة إلى مزيد من العمل، وهذا التقدم يجب أن نبني عليه لننهي المراجعة الأولى والثانية.
وعلى صعيد سعر صرف الجنيه المصري، قال أزعور، "نحن لا نتوقع أسعار العملة، والهدف أن يكون هناك مرونة في سعر الصرف ولا نطلب خفض سعر الصرف، فالنظام النقدي الذي يعتمد سعر الصرف المرن، يتحرك بحسب تقلبات السوق ولا يتحرك بحسب الإجراءات، إذ إن العرض والطلب يحدد السعر وهذا يقلل من تداعيات الصدمات الخارجية".
الاقتصاد المصري له قدرات قوية
وتابع أنه "رغم أن بعض وكالات التنصيف عدلت في التصنيف الائتماني لمصر، إلا أننا نعتبر أن الاقتصاد المصري له قدرات قوية وقدرة على النمو ولتوسيع هذه القدرة يجب القيام بمجموعة من الأمور على صعيد السياسات والإصلاحات الاقتصادية"، مضيفاً أن "أبرز الإجراءات تتحقق من خلال اتجاه الاقتصاد المصري أكثر نحو التصدير، إذ إن التصدير يخلق قدرة للحصول على العملة الصعبة من دون الاضطرار إلى استقطاب رؤوس الأموال السريعة التي تؤثر سلباً في بعض الأحيان".
وشدد أزعور على أن التزام الصندوق في مصر قائم ومستمر، مشيراً إلى أن بعثة الصندوق ستتوجه سريعاً إلى القاهرة لاستكمال المشاورات، مستدركاً، "نحن في مرحلة استكمال المشاورات".
على صعيد حجم التمويل الذي يقدمه الصندوق، قال أزعور، "لدينا مرونة في هذا المجال، إذا كانت هناك استفادة من رفع حجم التمويل هذا موضوع مطروح وليس غير ممكن"، مضيفاً "الأهم هو أن التمويل مرتبط بأجندة إصلاحية وتقدمها هو الأساس وليس التمويل". وتابع "أن أهم الإصلاحات الموجودة في برنامج مصر تتعلق أولاً بالحركة الاقتصادية، وأن يكون ثمة قدرة أكبر لحصول منافسة بين القطاعين العام والخاص مع مجموعة من القوانين التي تجعل بيئة الأعمال متساوية بين الاثنين"، مشيراً إلى أن "من بين الإصلاحات أيضاً إعادة النظر ببعض قوانين المؤسسات العامة لتخضع لذات المعطيات مثل القطاع الخاص الذي يدفع ضريبة ورسوماً فيما بعض المؤسسات العامة معفاة منها، مما يخلق تفاوتاً".
وأكد أزعور "ضرورة إعادة النظر في حجم الدولة ليرتفع الاستثمار المباشر وعلى الصعيد المالي تعزيز الاستقرار في مالية الدولة، وعلى صعيد الانفاق إعادة تحريك الانفاق لجهة الحماية الاجتماعية، بينما على صعيد السياسة النقدية بما يتعلق بالبنك المركزي المصري، يجب أن تكون هناك سياسة نقدية للمحافظة على مستويات منخفضة للتضخم من خلال استعمال بنية الفوائد، إذ إن سعر الصرف يكمل هذا الأمر ويعزز الاستقرار المالي والاقتصادي في مصر ويحميها من الصدمات". وأوضح أن "ثمة محاور تتقدم وقد التزمت بها مصر، وثمة تقدم بسرعات مختلفة"، مستدركاً "المهم أن يكون هناك تجانس في التقدم، وهذا ما نعمل مع المصريين عليه".
زيادة قرض مصر نحو 5 مليارات دولار
في تلك الأثناء نقلت "بلومبيرغ" أول من أمس الجمعة عن أشخاص مطلعين على المناقشات أن مصر تجري محادثات مع صندوق النقد الدولي في شأن زيادة برنامج الإنقاذ الخاص بها إلى أكثر من خمسة مليارات دولار.
وذكر التقرير أن أي إعلان عن زيادة محتملة لمبلغ ثلاثة مليارات دولار الذي تم الاتفاق عليه العام الماضي لن يأتي إلا بعد أن تكمل مصر المراجعتين المؤجلتين لبرنامجها، مضيفاً أنه لم يتخذ قرار بهذا الشأن بعد.
من جهتها ترى المدير العام لصندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا، أن "القاهرة حققت تقدماً طيباً في السياسات المالية العامة والخصخصة، وأن وزير ماليتها ومحافظ البنك المركزي يواجهان تحديات صعبة"، مضيفة أن "الحكومة المصرية على تواصل وثيق مع صندوق النقد الدولي لإتمام المراجعة الخاصة ببرنامجها".
خفض التصنيف الائتماني لـ5 بنوك مصرية
تصريحات مسؤولي صندوق النقد الدولي عن الاقتصاد المصري جاءت بعد أقل من أسبوع من قرار وكالة "موديز" خفض تصنيف الودائع المصرفية طويلة الأجل لخمسة بنوك مصرية بدرجة واحدة، مع نظرة مستقبلية مستقرة وهي بنوك "الأهلي المصري"، و"مصر"، و"القاهرة"، و"التجاري الدولي"، إلى Caa1 من B3، إضافة إلى بنك الإسكندرية إلىB3 من B2.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في السابق، كانت التقييمات قيد المراجعة لخفض التصنيف. وكجزء من نفس إجراء التصنيف، قامت وكالة موديز أيضاً بتخفيض التصنيف الائتماني الأساس(BCAs) لجميع البنوك الخمسة إلىcaa1 من b3.
وتأتي إجراءات التصنيف في أعقاب قيام وكالة "موديز" بتخفيض تصنيف الحكومة المصرية إلىCaa1 مستقر منB3 بعد المراجعة السابقة للتخفيض في الخامس من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري ليعكس الاتجاه المتدهور في القدرة على تحمل الديون واستمرار نقص العملات الأجنبية في مواجهة زيادة مدفوعات خدمة الدين الخارجي على مدى العامين المقبلين، وسط قيود متزايدة على السياسة خيارات لإعادة التوازن إلى الاقتصاد دون تفاقم الأخطار الاجتماعية.
"مستعدون لدعم تونس"
على صعيد تونس كشف مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي عن بعثة تزور تونس في الأسابيع المقبلة، قبل نهاية السنة لنقوم بمراجعة الأداء الاقتصادي والنظر إلى التطورات الاقتصادية في المرحلة المقبلة. وأوضح أن "هذا يسمح لنا بمعرفة التطورات الاقتصادية والتحديات وما يمكن أن يحصل بعد سنة تقريباً على توصلنا إلى اتفاق مبدئي"، مشيراً إلى أن الاتفاق مع الحكومة التونسية على مجموعة من الأمور والبدء فيها هو المطلوب وتنفيذ ما اتفقنا عليه، قائلاً "حدثت بعض الأمور، لكن بطريقة مختلفة، لكننا ما زلنا مستعدين للدعم"، مستدركاً "نحن لا نغلق الطريق أبداً".
وتابع أزعور أن الاقتصاد التونسي استفاد هذا العام أولاً من الحركة السياحية وزادت العملات الأجنبية وقطاع التصدير تحسناً، وخصوصاً الزراعة مع الجفاف الذي سجل في إسبانيا على صعيد تصدير الزيتون، والحركة الاقتصادية بقيت مستقرة، وما من شك بأن هذا التحسن يجب أن يستكمل بمجموعة من الإصلاحات التي كانت الحكومة التونسية وضعتها في برنامجها، فحجم الدعم يفوق ستة في المئة من الناتج المحلي وطريقة اعتماده غير عادلة اجتماعياً بتاتاً، قائلاً "تحسين هذا الوضع يسمح بتحويل مبالغ إضافية للإنفاق الاجتماعي"، مشيراً إلى أزمة حجم القطاع العام ومواضيع إصلاحية أخرى هذه هي أولويات الاقتصاد التونسي.
أزمة ثقة في لبنان
أما على الجانب اللبناني قال أزعور إن "أزمة لبنان عمرها أربع سنوات، وهي أزمة مالية واقتصادية أدى عدم معالجتها إلى تفاقمها وتحولها إلى أزمة اجتماعية وأزمة تضخم وفقر، لكن عنوانها الرئيس هو (أزمة الثقة)"، موضحاً "أقصد الثقة بين الدولة والمستثمر والأزمة بين الدولة والمواطنين وأزمة ثقة في قدرة الاقتصاد على النمو مجدداً". وأضاف أن "عدم معالجة هذه الأسباب على مدى أربع سنوات أو المحافظة على الوضع جعل الأمور على رغم من بعض التحسينات، تتدهور، إضافة إلى تعقيدات أخرى إضافية من ارتفاع الفوائد عالمياً وارتفاع مستوى الأسعار بسبب التضخم والمشكلات في المنطقة وكلها عناصر تصعب عملية التحول في لبنان".
وأكد أزعور أنه "لهذا السبب التوصية هي نفسها، أولاً الإسراع وعدم تضييع الوقت، ثانياً العمل بجدية لمعالجة هذه المشكلات"، لافتاً إلى أنها من أصعب المشكلات التي مر بها لبنان بتاريخه الحديث، مشيراً إلى أن هناك اتفاقاً مبدئيتً وحصلت مراجعة أخيراً (البند الرابع) وزيارة بعثة الصندوق، لكن هناك مجموعة من الأمور من دونها لا يمكن بدء مشوار الإصلاح لكنها لا تحصل، قائلاً "هناك عدم تقدم لا نعرف ما أسبابه"، مضيفاً "لا أقول إن الدولة اللبنانية منهارة، ما أقوله هو أن الأزمة تعمقت بسبب عدم معالجتها بالوقت المناسب، ومنذ 2019 طرأت مشكلات خارجية كبرت من حجم الأزمة وكان لها تأثير، ويحتاج الأمر إلى البدء بالعملية لكي يقر برنامج، وهناك أيضاً مجموعة من الإجراءات يجب أن تحصل.