ملخص
سلم مدير عام منظمة الصحة العالمية، الرئيس المصري شهادة المستوى الذهبي للقضاء على فيروس "سي" في مصر، لتصبح الدولة الأولى عالمياً، التي تحصل على تلك الشهادة
انتقلت مصر من كونها الدولة صاحبة أعلى معدل لانتشار التهاب الكبد الوبائي "سي" عالمياً، لتصبح دولة يجري النظر إلى تجربتها ومحاولة نقل تلك التجربة إلى دول أخرى، بعدما صارت نسبة الإصابة بالفيروس فيها أقل من 0.38 في المئة، وهي نسبة أقل من المعدلات العالمية، لتصبح بذلك الأولى عالمياً في القضاء على ذلك الفيروس الذي أرق ملايين المصريين وأسرهم على مدار سنوات طويلة.
لكن بين مرحلة أعلى معدل انتشار للفيروس سي عالمياً، وتبوئها المرتبة الأولى في القضاء عليه، رحلة طويلة، تم تكليلها، باستقبال الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، مدير عام منظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم، بحضور وزير الصحة المصري خالد عبد الغفار وكبار المسؤولين في القاهرة، وسلم مدير عام منظمة الصحة العالمية، الرئيس المصري شهادة المستوى الذهبي للقضاء على فيروس "سي" في مصر، لتصبح الدولة الأولى عالمياً، في الحصول على تلك الشهادة، وفي وقت قياسي.
بارقة أمل
آنذاك قال مدير منظمة الصحة العالمية، إن هذا الإنجاز لم يكن ليتحقق دون التزام كامل، من مصر تجاه ذلك الملف، بتخطيط سليم وعمل جدي، من خلال مبادرة رئاسية للقضاء على فيروس سي، فيما قال الرئيس المصري، إن ذلك المرض طالما شكل أزمة مزمنة للمواطن المصري، معدداً ما وفرته الدولة المصرية من مراكز علاج ووسائل تشخيص، وتجهيز كوادر، ودعم لتوفير ملايين الجرعات من الأدوية، امتداداً لتقديم رعاية مستمرة للمصابين.
تجربة مصر مع فيروس "سي" منحت بارقة أمل عالمية، بحسب حديث رئيس وزرائها مصطفى مدبولي، الذي قال إنه "بعد 34 عاماً من اكتشاف المرض، الذي أصاب قرابة 70 مليون شخص حول العالم، أصبح طريق القضاء عليه ممهداً"، معتبراً أن "مصر أعادت كتابة التاريخ في ما يتعلق بالقضاء على ذلك المرض"، الذي بحسب وصف مدبولي "لم يخل بيت مصري من ضحاياه".
تاريخ من العمل
في عام 2000 كانت مصر تعزز برامجها الوقائية والعلاجية في ما يتعلق بـ"فيروس سي"، وفي عام 2006، أنشأت لجنة قومية لمكافحة الفيروسات الكبدية، وهي متخصصة بالإشراف على الاستجابة الوطنية لالتهاب الكبد، لكن في عام 2014، أطلقت حملة قومية في مصر للقضاء على التهاب الكبد المعروف بـفيروس "سي"، كانت قد أعدت خطتها في عام 2011، قبل أن تنطلق الحملة مجدداً بشكل أكبر في عام 2018، في إطار برنامج "100 مليون صحة".
وخلال حملة "100 مليون صحة" كان يجري الكشف عن المصابين، وعلاجهم على نفقة الدولة، بعد توفير العقار المخصص لعلاج فيروس "سي"، ثم تصنيعه محلياً في عام 2016، وانتشار عدد من مراكز الفحص السريع لـفيروس "سي"، وإعطاء شهادات تفيد بخلو الأشخاص من المرض، أو حملهم له، مع متابعتهم وعلاجهم دون تكلفة.
وقت قياسي
وبحسب حديث سابق لوزير الصحة المصري، فإن توفير أدوات التشخيص، وتصنيع ملايين الأدوية المضادة لفيروس التهاب الكبد الوبائي "سي"، عززا القضاء على ذلك الفيروس، لافتاً إلى أنه جرى فحص أكثر من 60 مليون شخص مجاناً خلال سبعة أشهر فقط، وتوفير أدوات تشخيص في أكثر من ستة آلاف موقع فحص، وتوفير أدوية في أكثر من 200 مركز لعلاج التهاب الكبد الفيروسي، وعلاج أكثر من أربعة ملايين مصاب بالفيروس في وقت قياسي.
في ذلك التوقيت، كانت لافتات تشير إلى ضرورة إجراء الكشف عن الفيروس، وقافلات طبية في غير مكان، فيما جابت سيارات للكشف المتنقل المحافظات والقرى، مع وجود أماكن مجهزة سلفاً للمواطنين للخضوع للكشف مجاناً، حتى أن المواطنين المصريين، مصطفى إبراهيم ومحمد زكريا، وهما صديقان كانا في طريقهما إلى متابعة إحدى المباريات في استاد القاهرة، عندما قررا أن يخضعا للفحص من باب التأكد من أنهما لا يحملان ذلك الفيروس.
وقال مصطفى إن الأمر لم يستغرق سوى بضع دقائق من الكشف، وكان الأمر سهلاً، وعاد إلى منزله بشهادة تشير إلى خلوه من الفيروس، ليخبر أسرته عن ضرورة التوجه إلى أحد مواقع الفحص، ليكتشف إصابة جده بالفيروس، وأضاف "كان ذلك في عام 2019، تصورنا أن ذلك نهاية لحياة جدي، كلمة فيروس سي مرعبة، لكنه حصل على العلاج والمتابعة وأصبح أفضل، لولا هذه الصدفة لما عرفنا أنه مصاب من الأساس ولما عالجناه مبكراً".
فحص سريع
تختلف التفاصيل من منزل إلى آخر في مصر، بشأن فيروس "سي"، فحين كان والدا مريم مصطفى الشابة التي تعيش في القاهرة الجديدة، قد عزما على التوجه إلى أحد مراكز الفحص، قررت أن تذهب معهما، ثم قرر بقية أفراد الأسرة التوجه معاً في التوقيت نفسه، "كان الأمر أشبه برحلة" تروي مريم مازحة، لكنها وإن كانت غير مصابة بالفيروس، لكنها وجدت آخرين ذهبوا من باب التأكد، واكتشفوا إصابتهم به، "كان الأطباء يخبرونهم أن العلاج أيسر مما مضى، وليس عليهم القلق، وأن اكتشافهم الإصابة باكراً سيجعل العلاج أنجع".
وعالمياً فإن أربعة أشخاص من كل خمسة متعايشين مع التهاب الكبد الوبائي، لا يدركون أنهم مصابون بالعدوى، ومن الممكن أن تتسبب إصابتهم في إصابة آخرين ونقل العدوى إليهم، أو تزيد من خطورة الحالة الصحية لصاحب المرض، وقد ينتقل عبر استخدام معدات طبية، لا سيما الإبر، أو أي وسيلة للحقن غير معقمة، كما قد ينقل المرض لشخص آخر عبر نقل الدم ومشتقاته دون فحص، أو تبادل معدات الحقن.
علاج مجاني
كان حسين مرسي يتابع عبر وسائل الإعلام وما يدور من أحاديث في قريته بمحافظة الشرقية، حول الكشف عن فيروس "سي" والعلاج منه، فقررت شقيقته الكبرى، التوجه إلى أحد مراكز الفحص، وهناك بعد الخضوع للتحاليل اكتشفت إصابتها بالمرض، وكان الأمر صعباً على الأسرة نظراً لتجربة سابقة لأحد الأشقاء مع المرض، ومعاناته بسببه كثيراً، لا سيما ارتفاع سعر الدواء.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بعدها قرر حسين أن يذهب للفحص للاطمئنان على نفسه، لكنه وجد أنه مصاب بالفيروس دون أن يعلم، وقال "كان ذلك ضمن مبادرة 100 مليون صحة، كان الأمر صعباً في البداية شعرت بالخوف، لكن الأطباء والمحيطين بي طمأنوني"، ثم أخبر أقاربه كافة ومن ضمنهم الأبناء في الأسرة بضرورة الذهاب إلى الفحص، للاطمئنان على حالتهم الصحية.
بعد اكتشاف الإصابة، تم توجيه حسين لأحد المراكز الطبية، وهناك خضع لفحص أكبر دون تكلفة، ثم حصل على الأدوية اللازمة، وخضع للعلاج بشكل مجاني تماماً، وكان يتناول الأدوية على مدار شهر، ثم حصل على الدواء مرة أخرى لشهر آخر، قبل أن يذهب للفحص مجدداً، وتأكد من فعالية العلاج ونجاحه، وأضاف "كنت في دوامة صعبة، هذا المرض له تاريخ طويل وصعب مع المصريين، لكن في النهاية هذا إنجاز جيد يحسب لمصر".
وكان هناك توسع في الكشف على المواطنين في مصر، شمل المدارس والجامعات ونزلاء السجون، ومستشفيات الأمانة العامة للصحة النفسية، وإجراء مسح لمرضى فيروس نقص المناعة المكتسبة، وكان مشهداً عادياً أن تكون سيارات الكشف المتنقل في أحد الميادين أو على مقربة من مجمع سكني كبير، وأحياناً في مترو الأنفاق، وكانت الفرصة متاحة ويسيرة للمواطنين للكشف والاطمئنان على حالتهم الصحية.
أماكن مختلفة للفحص
في عام 2018، أعلنت شركة "مترو الأنفاق"، تخصيص 28 محطة بالمترو، للمشاركة ضمن المبادرة الرئاسية "100 مليون صحة" للكشف عن فيروس "سي" والأمراض المعدية، وكان يتم التنويه في إذاعات المترو الداخلية، عن أماكن المحطات المتواجد بها حملة الكشف عن الأمراض المعدية.
وكانت سارة عبدالخالق، التي تستقل المترو يومياً وهي في طريقها إلى عملها، واحدة ممن قرروا الفحص، ولم يأخذ الأمر منها سوى بضع دقائق، اطمأنت بعدها إلى خلوها من المرض، وتعتبر أن ذلك الأمر واحد من أكبر الإنجازات التي حدثت خلال الفترة الماضية "في الحقيقة هذا أعظم إنجاز حصل، لأنه يمس صحة المواطن، وأيضاً جيبه. كانت كلفة العلاج مرتفعة في السابق، لكن استطعنا صناعته وعلاج كثيرين في وقت قياسي".
وتقول سارة إنها تتمنى أن تكون المشاريع والإنجازات كافة التي تقدمها الدولة للمصريين مشابهة لما حدث مع العلاج من فيروس "سي"، وإعلان مصر خالية منه، مضيفةً أن "هذه الأمور أهم بالنسبة إلى المواطنين من مشاريع أخرى، هذا إنجاز حقيقي وملموس يمكن رؤيته في ملايين البيوت المصرية، التي كان على الأقل أحد أفرادها يعاني من المرض".
توعية مجتمعية
وكان لذلك الأمر بعداً آخر، لدى مصريين آخرين، من بينهم سلامة محمود، الذي يدير ويعمل في صالون حلاقة، وتابع ما أطلقته وزارة الصحة والسكان المصرية في عام 2019، من مبادرة للقضاء على بؤر العدوى في صالونات التجميل، كانت تحت شعار "احم نفسك وأسرتك من نقل العدوى بالفيروسات الكبدية" ليقرر الرجل اتخاذ خطوات غير مسبوقة في صالون الحلاقة الذي يملكه.
"كنت أستخدم شفرات حلاقة للبعض، وبالتأكيد أقوم بتغيير الشفرة، لكن الجهاز واحد، ولا أضمن أن التعقيم الذي أقوم به كافياً"، يروي سلامة الذي قرر أن يتوقف عن حلاقة الذقن والشارب بالشفرات، ما لم يحمل كل زبون ماكينة مخصصة له، وأضاف "شعرت بأن علي مسؤولية أنا أيضاً، إذا كنا نواجه ذلك الفيروس، فعلينا جميعاً أن نغير من أسلوبنا حفاظاً على البعض".
ما حكاه سلامة، يدخل في إطار حملات توعية مكثفة، كانت تقوم على إرشاد كثيرين إلى أماكن الفحص، وضرورة الذهاب للاطمئنان على خلوهم من المرض، وتوعية بشأن طرق الإصابة به والعدوى أيضاً، وذلك عبر منشورات لوزارة الصحة المصرية على مواقع التواصل الاجتماعي، أو في فقرات متلفزة، أو حتى في منشورات توضع في أماكن عامة.
إنجاز كبير
كانت الشهادة الأخيرة المقدمة من منظمة الصحة العالمية لمصر، حول القضاء على فيروس "سي"، ليست الإشادة الأولى بذلك العمل، سبقتها إشادات أخرى من منظمات مختلفة، رأت في ما حدث بارقة أمل لدول أخرى تستطيع أن تحذو حذو مصر وتقضي على معدلات الإصابة المرتفعة بفيروس "سي".
كان من بين هؤلاء الذين أشادوا بتلك التجربة، العالم الأميركي هارفي ألتر، الذي كان ضمن ثلاثة حصلوا على جائزة نوبل في الطب، لإسهاماتهم في اكتشاف وعلاج فيروس "سي"، وسبق أن قال العام الماضي في إحدى الفعاليات في مصر، إنه لم يكن يتخيل أن يرى هذا الإنجاز في حياته، معتبراً أن الأمل قد تجدد عالمياً من خلال ما فعلته مصر في ذلك المجال "ومصر يجب أن تفتخر بما حققته وبهذا الإنجاز الكبير، يمكن نقل تلك التجربة إلى دول أخرى".