ملخص
صناعة الخيام الصحراوية صارت تعتمد على إدخال تحسينات بصرية وتجميلية من ألوان وأنسجة وقطع أثاثية تعطي للخيمة بهاء ونضارة
تقاوم الخيمة في مناطق الصحراء بالمغرب عوامل الاندثار المختلفة، وعلى رأسها زحف العصرنة والهجرة إلى المدن، إذ إنها لا تزال حاضرة تؤثث الفضاء الصحراوي بفضل العناية بهذا الموروث الاجتماعي والثقافي من طرف تعاونيات وجمعيات وحتى من ساكنة الصحراء أنفسهم.
وتعد الخيمة التقليدية أحد معالم المجتمع الصحراوي منذ عقود عدة، لأنها كانت بمثابة المسكن الرئيس للصحراويين، وعايشت أحداث الفرح والترح، وشكلت رمز الكرم والضيافة، قبل أن يزحف الإسمنت على الخيم المصنوعة من "وبر الإبل"، غير أن أنامل نساء الصحراء مازالت تمسك بتلابيب الخيمة بإدخال تحسينات عصرية على هذا الموروث الاجتماعي والحضاري.
جزء من حياة الصحراويين
وتعد الخيمة في الصحراء مكوناً رئيساً من مكونات شخصية الإنسان الصحراوي، باعتبار أنها كانت طيلة عقود من الزمن شاهدة على تطورات وتحولات المجتمع البيضاني، وعلى مختلف أحداث حياة الفرد الصحراوي.
يقول في السياق الباحث الصحراوي جمال الدين لرباس، إن الخيمة الصحراوية هي الأصل بمناطق الصحراء في المغرب، لأن أول ما يفتح المولود عينيه يكون على أثاث الخيمة ومكوناتها، وفيها يترعرع ويشتد عوده، وفيها يدرس ويتعلم، وفيها يتزوج أو ينتقل إلى خيمة أخرى.
ويضيف الباحث ذاته بأنه لمعرفة مدى أهمية الخيمة عند الصحراويين، لا سيما لدى الأجيال السابقة وحتى الحالية، هي تلك التعبيرات اللفظية الاجتماعية للدلالة مثلاً على الزواج، حين يقال إن "شخصاً ما خيم" ما يعني أنه تزوج، أو يقال "ستخيم فلانة في خيمة فلان" أي إنها ستلتحق بخيمة خطيبها.
وتابع المتحدث عينه بأن الخيمة أيضاً كانت شاهدة على تفاصيل أحداث الإنسان في المجتمع البيضاني من أفراح وأتراح، فهناك أفراح الولادة والعقيقة والنجاح الدراسي والاجتماعي، كما أنها كانت شاهدة على أتراح المآتم والأحزان المختلفة.
وأكمل الباحث الصحراوي بأنه لا يمكن تصور حياة إنسان صحراوي من دون خيمة، فالصحراوي هو الخيمة والعكس صحيح، بالتالي هي جزء لا يتجزأ من الموروث المجتمعي والثقافة الحسانية الممتدة عبر الزمن في مناطق الصحراء المغربية.
وزاد لرباس، أن الخيمة كانت ومازالت نموذجاً للكرم المعروف عند ساكنة الصحراء، فالشاي لا يخلو من موائد الخيمة، كما لحم الضأن والماعز وحساء الشعير وغيرها من أطباق دسمة تقدم للضيوف طيلة مدة استضافتهم داخل الخيمة.
وحول التغيرات التي لحقت بتركيبة المجتمع الصحراوي، خصوصاً التنقل إلى الحواضر، والتحول إلى السكن في منازل وشقق سكنية، اعتبر المتحدث أن "هذه التحولات الطارئة طبيعية جداً، غير أنها على رغم ذلك لم تستطع محو الخيمة من الوجود، كما لم تستطع محوها من ذاكرة الهوية الصحراوية".
حضور يتحدى التمدن
وأفضت عوامل تنقل عديد من سكان الصحراء إلى المدن، وأيضاً تمدن مناطق الصحراء من خلال زحف المباني الإسمنتية من بيوت ومنازل وشقق وفيلات وغيرها، إلى تقلص حضور وتواجد الخيمة في المشهد والفضاء الصحراوي.
ويعلق الباحث الأنثروبولوجي جمال الدين لرباس على الموضوع بقوله، إن تراجع حضور الخيمة في الفضاء الصحراوي أمر طبيعي ومسوغ، بالنظر إلى التغيرات السكانية والاجتماعية التي طرأت على مجتمع البيضان كما بقية المجتمعات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ووفق المتحدث، فإنه "على رغم ذلك، هناك حضور للخيمة بشكل أو بآخر في حياة الإنسان الصحراوي، من قبيل الخيمة التي مازال يتخذها الرحل الرعاة إلى يومنا هذا مأوى لهم في مناطق الصحراء، متنقلين من مكان إلى آخر".
وتفيد أرقام المندوبية السامية للتخطيط، وهي مؤسسة رسمية تعنى بالإحصاءات، بأن عدد الرحل عام 2014، سنة الإحصاء العام الأخير، هو 25.274 شخصاً، بينما كان العدد في إحصاء 2004 (باعتبار أن الإحصاء يتم كل 10 سنوات) يناهز 65 ألف شخص.
ووفق المعطيات الرسمية المذكورة، فإن الغالبية الساحقة (95 في المئة) من الرحل في المغرب موجودة في مناطق شرق البلاد وجنوبها، لا سيما في جهات سوس ودعة وكلميم والعيون والصحراء جنوباً.
ووفق لرباس، فإن الرعاة الرحل مازالوا يأوون في خيم تقليدية للمبيت مدة زمنية في مناطق مختلفة من الصحراء الشاسعة من أجل الكلأ لماشيتهم، قبل التنقل إلى أماكن أخرى محملين بخيمهم التقليدية على ظهور دوابهم.
"ومن أشكال الخيمة التي مازالت حاضرة في الصحراء"، تبعاً للمتحدث عينه، "الخيمة التي يضعها عديد من سكان المنطقة، خصوصاً الأعيان والموسرين، في مساحات فارغة قرب مساكنهم، يتسامرون فيها ليلاً أو في العطل، أو يجتمعون في رمضان أيضاً"، مردفاً أن "الخيمة تحضر أيضاً بشكل لافت في المهرجانات الثقافية والفنية التي تنظم في أقاليم الصحراء، ويحضرها آلاف السياح المغاربة والأجانب".
عصرنة الخيمة
وأمام تواري الخيمة عن تصدر مشهد فضاء الصحراء بسبب عوامل عدة، وفي الوقت نفسه أمام حرص كثير من الأسر على عدم التفريط في هذا الموروث الأصيل، تنامت تجارة من إبداع أنامل نسائية في صناعة وحياكة الخيمة بلمسات عصرية.
وظهرت تعاونيات نسائية في عدد من مناطق الصحراء تخصصت في نسج وحياكة الخيام الصحراوية التقليدية، المصنوعة أساساً من وبر الإبل أو شعر الماعز، إذ تباع ويروج لها في أسواق المنتوجات التقليدية التي يقبل عليها كثيرون.
في هذا الصدد، تقول غلية الركيبي، صانعة صحراوية، إن صناعة الخيمة الصحراوية تعرف ازدهاراً لافتاً، باعتبار أنها صارت عبارة عن "أكسسوار" تراثي يرتبط بعادات وتقاليد سكان المنطقة، خصوصاً بعد تحول السكن من الخيام إلى البيوت والمنازل.
ووفق المتحدثة ذاتها، تتم عملية نسج وصناعة الخيمة التقليدية من طرف النساء العاملات، على مراحل عدة تبدأ من جز الصوف وجمعه وتفكيكه، مروراً بمرحلتي "البريم" و"النج" المتمثلة في نسج خيوط الخيمة، ووصولاً إلى الشكل النهائي للخيمة.
وتبعاً للركيبي، فإن صناعة الخيام الصحراوية صارت تعتمد على إدخال تحسينات بصرية وتجميلية من ألوان وأنسجة وقطع أثاث تعطي للخيمة بهاء ونضارة من أثواب وطاولات خشبية وغيرها، فضلاً عن لمسة عصرية تجعل من الخيمة مأوى يجمع بين الأصالة والمعاصرة في آن واحد".