ملخص
بغض النظر عن تصرفات "حماس" خلال هجومها على البلدات الإسرائيلية في غلاف غزة يوم السابع من أكتوبر، فإن القانون الدولي الإنساني لا يسمح للطرف المتضرر بالرد بالمثل
بعد أن تعرضت الإدارة الأميركية لضغوط خارجية وداخلية مع اشتداد القصف ومقتل المدنيين وإنذارات الإخلاء للسكان، بدأ الرئيس الأميركي جو بايدن يتحدث عن ضرورة أن تلتزم إسرائيل بمعايير قوانين الحرب، كما أشار كبير الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، إلى أن إسرائيل لا تتصرف وفقاً للقانون الدولي بتعمدها قطع المياه والكهرباء والغذاء عن المدنيين في غزة، فما هي قوانين الحرب؟ وهل يخلق الاختلاف عما إذا كانت غزة محتلة أم لا مجالاً معقداً في تفسيرها كما يدعي البعض في الغرب؟ أم أن الأمور واضحة وليس لها سوى تفسير واحد؟
ما هي قوانين الحرب؟
تتكون قوانين الحرب، المعروفة أيضاً باسم "القانون الإنساني الدولي"، من اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، وبروتوكوليها الإضافيين لعام 1977، واتفاقيتي لاهاي لعامي 1899 و1907، إضافة إلى اتفاقيات أخرى تتعلق بالأسلحة. وتسعى هذه الاتفاقيات إلى تجنيب المدنيين وغيرهم من غير المقاتلين النشطين، آثار الحرب والأعمال القتالية من خلال فرض قيود ومحظورات على سير المعارك.
لكن من المهم إدراك أن "القانون الدولي الإنساني" الحديث لا يهتم بأسباب شن الحرب أو بمشروعيتها، فهذا يحكمه ميثاق الأمم المتحدة والممارسات الخاصة بكل دولة عضو، وفقاً لأستاذ القانون المتخصص في قوانين الحرب بالجامعة الأميركية في واشنطن روبرت غولدمان. ومن المهم كذلك ملاحظة أن انتهاكات قوانين الحرب تصعب ملاحقتها قضائياً ويمكن إحباطها بسبب عدم تعاون الأطراف المعنية.
ولكن القانون الدولي وطبيعة الصراع ذاته إلى جانب وضع الطرفين المتحاربين، تشكل مجالاً يختلف حوله بعض خبراء القانون في الولايات المتحدة والغرب.
طبيعة الصراع
قد يرى عدد قليل من خبراء القانون الإنساني أن "حماس" وإسرائيل منخرطتان في ما يعرف باسم "النزاع المسلح غير الدولي" أي أنه ليس نزاعاً بين دولتين، وبعبارة أخرى، يتم تصنيفه بالطريقة نفسها التي يتم بها تصنيف الحرب الأهلية التي تضع القوات المسلحة لدولة ما في مواجهة جهة فاعلة مسلحة من غير الدول، وبذلك لا يكون صراعاً بين دولتين أو أكثر ذات سيادة، وإذا كان الأمر كذلك، فلن يُحكم النزاع بقوانين الحرب بأكملها، بل بالمادة 3 الشائعة والأكثر محدودية في اتفاقيات جنيف، إلى جانب العديد من قواعد القانون العرفي، المستمدة من الممارسات العامة المقبولة كقانون. وتحظر المادة الثالثة التي تنطبق على المدنيين والذين توقفوا عن القتال، ممارسات مثل التعذيب والإعدام والحرمان من المحاكمة العادلة، ومع ذلك فإن وضع أسير الحرب لا ينطبق إلا على النزاعات بين الدول، لذا لا ينطبق على النزاع المسلح غير الدولي.
لكن في المقابل فإن غالبية المراقبين الدوليين، بما في ذلك الأمم المتحدة، ينظرون إلى إسرائيل باعتبارها تحتل غزة في واقع الأمر، وهي وجهة نظر تأسست على حقيقة أن إسرائيل تسيطر على حدود غزة ومجالها الجوي، وأنها تزودها بأغلب حاجاتها من كهرباء ومياه وغاز وغيرها من الحاجات الإنسانية الضرورية للحياة، ولهذا فإن اندلاع الحرب بين "حماس" وإسرائيل يؤدي بالضرورة إلى تفعيل قوانين الحرب برمتها.
إسرائيل قوة احتلال
وإذا كان غولدمان وآخرون لا يعتقدون أن إسرائيل قوة احتلال في غزة لأن الاحتلال يتطلب وجود قوات إسرائيلية على الأرض لإدارة القطاع من الداخل، بينما إسرائيل توقفت عن الحكم وسحبت قواتها من غزة عام 2005 وأصبحت "حماس" تحكم غزة فعلياً منذ عام 2007، بعد طرد السلطة الفلسطينية، فإن وجهة النظر السائدة بين فقهاء القانون تتلخص في أن إسرائيل لا تزال تحتفظ بمستوى عال من السيطرة على الحياة في غزة على رغم انسحاب قواتها، وإذا أقدمت على احتلال القطاع، فسوف تنطبق قواعد قانونية إضافية على الوضع الحالي.
والدليل على ذلك، بحسب رئيس قسم القانون الدولي في جامعة سيدني بن شاول، ومديرة مركز القانون الدولي للاجئين في جامعة نيو ساوث ويلز الأسترالية جين ماك آدم، أن إسرائيل بموجب القانون الإنساني الدولي، وباعتبارها قوة احتلال، يجوز لها أن تأمر بإخلاء السكان لأسباب عسكرية قاهرة، أو من أجل سلامة المدنيين كما فعلت أخيراً، لكن لا يزال يتعين عليها حمايتهم، ويجب عليها ضمان حصول المدنيين النازحين على المأوى المناسب والنظافة والصحة والسلامة والتغذية، وعدم فصل أفراد الأسرة.
ويجب على إسرائيل كذلك، تلبية الحاجات الخاصة للأطفال والحوامل والأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن، وهو ما يأتي على رأس متطلبات السماح بإغاثة إنسانية سريعة ومن دون عوائق، وهو أمر ينطبق على إسرائيل بغض النظر عما إذا كانت غزة تعتبر محتلة أم لا.
لماذا يعد قصف غزة غير قانوني؟
لا تختلف القواعد التي تحكم سير الأعمال الحربية والقتالية في النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية، إذ إن الشرط الأهم في جميع الصراعات هو أن المقاتلين يجب أن يميزوا دائماً بين المدنيين والمقاتلين، وأن الهجمات لا يمكن توجيهها إلا نحو المقاتلين والأهداف العسكرية الأخرى.
وتعتمد حماية السكان المدنيين الواقعين في الحرب بشكل أساسي على ثلاثة عوامل، أولها أنه يجب على الطرف الذي يسيطر على السكان المدنيين ألا يعرضهم لخطر متزايد باستخدامهم كدروع بشرية، وهو ما تتهم به إسرائيل "حماس" وتنفيه الحركة، وثانياً يجب على القوة المهاجمة مثل إسرائيل اتخاذ الاحتياطات اللازمة لتجنب أو تقليل الخسائر المفرطة في صفوف المدنيين عند مهاجمة أهدافها.
وثالثاً، لا يعتبر المدنيون في غزة أهدافاً غير مشروعة فحسب، بل إنهم محميون بموجب القانون الدولي الإنساني، وفقاً لقاعدة التناسب والتي تحظر الهجوم على هدف عسكري يمكن أن يتسبب في وقوع خسائر في صفوف المدنيين بشكل متوقع، أو غير متناسب مع الميزة المتوقعة من تدمير الهدف.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي حالة غزة، تتطلب هذه القاعدة أن يقوم الجيش الإسرائيلي قبل شن الهجوم، بتحليل وتحديد التأثير المحتمل على المدنيين، وإذا بدا أن مثل هذا الهجوم سوف يتسبب في خسائر غير متناسبة في صفوف المدنيين، فيجب تعليقه أو إلغاؤه، لكن إسرائيل لا تفعل ذلك إلا نادراً.
وعلى رغم امتثال إسرائيل في إعطاء تحذير مسبق بشأن وقوع هجوم في شمال غزة، فإن المشكلة تظل قائمة، إذ أين يذهب مليون شخص يبحثون عن الأمان عندما تكون الحدود مغلقة وتتعرض الأهداف العسكرية للقصف في مختلف أنحاء غزة؟
الحصار محظور
خلافاً لما كانت عليه الحال في الماضي، أصبحت حرب الحصار الشامل الآن غير قانونية، بغض النظر عما إذا كانت الأطراف المتحاربة متورطة في أعمال عدائية دولية أو غير دولية، لأن منع دخول جميع المواد الغذائية والمياه والأدوية وقطع الكهرباء، وهو ما يحدث في غزة الآن، سيؤثر على المدنيين، مما يؤدي إلى مجاعة، وهذا أسلوب حرب محظور بموجب القانون الدولي الإنساني العرفي والتقليدي.
وبغض النظر عن مدى تصرفات "حماس" خلال هجومها على البلدات الإسرائيلية في غلاف غزة يوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، فإن القانون الدولي الإنساني لا يسمح للطرف المتضرر بالرد بالمثل، ذلك أن انتهاك القانون من قبل أحد الطرفين لا يمكن أن يبرر انتقام أو أفعال الطرف الآخر الذي ينتهك الحظر المنصوص عليه في القانون الإنساني الدولي.
ما وضع "حماس" من قوانين الحرب؟
تنطبق قواعد القانون الدولي الإنساني أو قوانين الحرب بالتساوي على جميع الأطراف المتحاربة بغض النظر عن طبيعة النزاع، وهذا يعني أن المقاتلين الإسرائيليين ومقاتلي "حماس" لديهم الحقوق والواجبات نفسها.
ولكن إذا كان الصراع غير دولي أي ليس بين دولتين، فسوف يُنظر إلى "حماس" باعتبارها جهة فاعلة مسلحة غير حكومية، ولن يكون مقاتلوها مؤهلين للحصول على وضع أسير الحرب عند أسرهم، وبناء على ذلك، يمكن لإسرائيل أن تحاكمهم على جميع أعمالهم الحربية، سواء التزمت "حماس" بقوانين الحرب أم لا، وفقاً لأستاذ القانون في الجامعة الأميركية روبرت غولدمان.
وحتى لو كان الصراع دولياً، فإن مقاتلي "حماس" سوف يظلون محرومين من الحصول على وضع أسرى الحرب، كونهم ليسوا تابعين للقوات المسلحة لفلسطين التي تعترف بها 138 دولة وتتولى حكومتها السلطة الفلسطينية.
ومع ذلك، لكي يكون أفراد أي جماعة مسلحة غير نظامية مؤهلين للحصول على وضع أسير الحرب بموجب اتفاقية جنيف الثالثة، يجب عليهم الالتزام بمعايير صارمة للغاية، بما في ذلك تمييز أنفسهم عن المدنيين والامتثال لقوانين الحرب، وليس من المعروف ما إذا كان مقاتلو "حماس" قد استجابوا لهذه المعايير.
أمر الإخلاء ينتهك القانون الدولي
تخضع عمليات الإجلاء في النزاعات المسلحة بشكل صارم للقانون الإنساني الدولي، الذي يسعى إلى تحقيق التوازن بين الحاجات العسكرية والإنسانية، لكن تحذير إسرائيل للمدنيين في غزة من الهجمات الوشيكة يجب ألا يصل إلى الناس فحسب، بل يجب أن يتيح لهم الوقت الكافي للإخلاء بأمان، بينما كان الإطار الزمني الذي أعطته إسرائيل لسكان غزة للمغادرة غير كاف وغير واقعي لعملية إجلاء بهذا الحجم، بخاصة وسط قصفها السريع عبر القطاع وفي ظل ظروف الحصار الشامل.
ووفقاً لرئيس قسم القانون الدولي في جامعة سيدني بن شاول، ومديرة مركز القانون الدولي للاجئين في جامعة نيو ساوث ويلز الأسترالية جين ماك آدم، يجب على إسرائيل أن تضمن حصول المدنيين الذين تم إجلاؤهم، على وسائل البقاء على قيد الحياة، كما يتطلب القانون الدولي منها السماح وتسهيل المرور السريع ومن دون عوائق للإغاثة الإنسانية للمدنيين المحتاجين، ويشمل ذلك الغذاء والماء والإمدادات الطبية والملابس والفراش والمأوى ووقود التدفئة وغيرها من الإمدادات والخدمات الضرورية للبقاء على قيد الحياة، لأن تجويع المدنيين يعد جريمة حرب.
ومع ذلك، فرضت إسرائيل بشكل غير قانوني حصاراً كاملاً على غزة رداً على هجمات "حماس" الأسبوع الماضي، ومنعت دخول الكهرباء والغذاء والماء والغاز إلى القطاع، كما أن حشر أكثر من مليون شخص إضافي في جنوب غزة من شأنه أن يضاعف عدد سكانها، ويفرض ضغوطاً مستحيلة على بنيتها التحتية، التي تدهورت بالفعل بسبب الحصار المستمر منذ 16 عاماً.