مصطفى الخاني نجم بمواصفات مختلفة. يتنقّل بمهارة بين الكوميديا والتراجيديا، ممسكاً بمفاتيح كل شخصية يلعبها. آخر إطلالاته كانت من خلال شخصية الشيخ حامد في مسلسل "مقامات العشق"، الذي يُعدّ من بين أبرز الأدوار التي لعبها. فهل يشعر بالندم لأنه رفض الكثير من العروض بسببه؟
يقول الخاني "على العكس، وهذا يؤكد أن خياري كان صائباً، لأني اخترت شخصية قدمت من خلالها ما هو جديد ومختلف عما قدمته في أدواري السابقة. وكان خطوة جديدة إلى الأمام، تُضاف إلى الخطوات التي حاولت أن أقدمها في شخصياتي السابقة. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، راهنت على أن نصل إلى نسبة مشاهدة جيدة لدى الجمهور من خلال هذا العمل التاريخي، في ظل تراجع كبير في أعداد مشاهدي المسلسلات التاريخية، ولكن المعطيات التي عملنا عليها وتوفر الشروط والعناصر الفنية، جعلت من خوض هذه التجربة مغامرة ممتعة، تطلّبت منا العمل والبحث أكثر للوصول إلى النتيجة الأفضل. وأعتقد أننا وُفّقنا في ذلك إلى حد بعيد".
شغف مستمر
الخاني الذي يعرف كيف يُبكي المشاهد ويُضحكه، تاركاً بصمة في مختلف الأعمال التي شارك فيها، هل يعتمد على موهبته أم شغفه أم دراسته؟ يوضح "عليها جميعاً. فالموهبة وحدها لا تكفي إن لم تُصقل بالدراسة والخبرة، والدراسة لا تقدم شيئاً لمن لا يملك الموهبة. وكل ذلك، لا يمكن أن يوصل صاحبه إلى نتائج جيدة ما لم يكن هناك دافع من الحب والشغف والوله المستمر. هذه العناصر مجتمعة يمكن أن توصل صاحبها إلى النجاح، لكن الاستمرار فيه مشروط بالاجتهاد والبحث الدؤوب والهاجس وعدم الاستكانة لما وصل إليه. وبالتالي على الفنان الذي يطمح إلى الإبداع أن يؤدي أي شخصية جديدة بحماس وحب واندفاع الهاوي، وبأدوات وتقنيات ومهارة المحترف، واجتهاد وحكمة وبحث صاحب الخبرة".
عن أهم وأقرب أدواره إلى قلبه، والعمل الذي يعتبره محطة مفصلية في مسيرته الفنية، يقول الخاني "من المؤكد أن الشخصية المفصلية في مسيرتي الفنية كانت أول شخصية لعبتها وهي جحدر في الزير سالم، لأنها شكلت انطلاقة قدّمتني بشكل جيد. ومن ثم النمس في باب الحارة، التي قدمتني إلى شريحة واسعة من الجمهور. ومن بعدهما، توفيق في ما ملكت أيمانكم، التي لعبتُ من خلالها وجهاً جديداً ومختلفاً عن أدائي التمثيلي. أمّا أحبّ الشخصيات إلى قلبي، فهي الملك المجزوم في صلاح الدين الأيوبي، وراغب في مسلسل حائرات، وتبقى الشخصية الأهم هي تلك التي لم أقدمها بعد".
ولأنه ممثل حقيقي ويؤدي كل الأدوار، عبّر الخاني عن رأيه ببعض النجوم الذين يتمسكون بأدوار البطولة الأولى، على حساب أهمية الدور، قائلاً "الأمر يختلف بين ممثل وآخر، بحسب هدفه وطموحه والمشروع الذي يعمل عليه وما يريده من مهنة التمثيل. بالنسبة إلى مساحة الدور وحجمه، فهما لا يتعارضان مع أهميته، لأن الفنان يمكن أن يصل إلى مرحلة يعتذر فيها عن أعمال لا يرضيه حجم وجود الشخصية فيها، وهذا حقه، لكن يجب ألاّ يكون ذلك على حساب أهمية الدور، بل عليه أن يوفق بينهما. عندما عُرضت عليّ شخصية النمس في الجزء الرابع من باب الحارة، لم تكن في النص من بين أبطال العمل، ولم يتجاوز حضورها المئة مشهد، لكن طريقة عملي عليها واهتمامي بأدق تفاصيلها في جميع المشاهد، وحرصي على كل مشهد وكأنه المشهد الوحيد الذي سأظهر فيه - وهذا ما أطبقه حتى الآن في جميع الشخصيات التي أعمل عليها- كلّها عوامل أدّت إلى أن تسرق هذه الشخصية الأضواء وتتحول من شخصية ثانوية على الورق إلى واحدة من أبطال العمل وشخصياته الرئيسة. وهنا يكمن الفرق بين تأدية دور بطولة مكتوب في النص وبين تحويل الدور إلى بطولة من خلال الأداء. وهذا يُعدّ التحدي الأهم والأصعب لأي فنان يحمل هاجس أن يظهر ليس كنجم فحسب، بل كممثل محترف يبحث عن خصوصيته في عالم الأداء".
شخص جميل وممثل جميل
وعما إذا كانت وسامة الفنان تقف وراء صناعة نجوميته، وعن رأيه بظاهرة النجم الوسيم، أجاب الخاني "كثيرون من النجوم وصلوا إلى ما هم عليه من شهرة بسبب وسامتهم، وهم يمكن أن يؤدوا بعضاً من الشخصيات، ولكن عندما يقفون أمام ممثل حقيقي، فوسامتهم لن تسعفهم وإن أسعفتهم مرة، فمن الصعب أن يستمروا على المدى البعيد، إلا في نوع محدد من الشخصيات. هناك فرق كبير بين الشخص الجميل وبين الممثل الجميل. عندما نتذكر فيلم رجل المطر، نتذكر شخصية داستن هوفمان الشاب غير الجميل، صاحب الأنف الكبير، أكثر مما نتذكر شخصية توم كروز الوسيم، لأنه يتمتع بجمال حقيقي وأكثر تأثيراً. ومع ذلك، قد يطلب المنتج أن يكون بطل عمله وسيماً بذريعة استقطاب الجمهور، وجوابنا: عليك أن تأتي بفنان يجمع بين جماله كرجل وجماله كممثل وليس مجرد شاب جميل. تيم حسن شاب وسيم وممثل موهوب أيضاً. لذلك هو نجم ناجح وممثل مهم. وهذا ما يجب أن يدركه بعض المنتجين، فعند بحثهم عن شاب جميل، يجب أن لا يغفلوا أن يتمتع بالموهبة".
ويوافق الخاني أن هناك نوعين من النجومية، نجومية السوشيال ميديا والنجومية الحقيقية. ويقول "طبعاً، هناك نجوم حقيقيون جاءت نجوميتهم نتيجة عمل طويل وموهبة كبيرة وثقافة، وهي نجومية تملك مقومات الاستمرار لأنها محصنة ومبنية على أرضية حقيقية، وهناك من حققوا نجومية السوشيال ميديا من خلال استقطاب المتابعين. الشهرة سهلة جداً، ويكفي أن يطلَّ أي شخص بطريقة مبتذلة أو غير مألوفة ليحقق شهرة واسعة، خصوصاً في مجتمع كمجتمعنا العربي، ولذلك أردد دائماً بأن الشهرة والنجومية يجب ألا تكونا هدفاً عند الفنان بل نتيجة. في المقابل، ومع تطور العصر، أصبح تواصل الفنان مع جمهوره عبر السوشيال ميديا ضرورياً. وبذلك، تكون صفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي مبنية على ما يقدمه من أعمال، لا أن يكون هو مبنياً عليها وعلى هذا العالم الافتراضي، وإلا سيكون حينها نجماً افتراضياً".
كمّ ونوع
وعما إذا كان مع فكرة مشاركة الفنان في أكثر من عمل في موسم واحد بسبب الحاجة المادية، خصوصاً أن البعض يرون أن لا مشكلة في ذلك إذا نوّع الممثل في أدواره، يجيب "في هذا المجال لا يوجد صح وخطأ، بل الأمر نسبي ويختلف بين فنان وآخر، وكل بحسب ظروفه. ربما يقتنع ممثل ما بأنه من الأجدى فنياً أن يقدم شخصية واحدة فقط في العام، ويهتم بها جيداً ولكن ظروفه المادية وأجره لا يسمحان بذلك، بينما يجد ممثل آخر أن تقديم خمسة أو ستة أعمال في العام الواحد يسهم في بقائه في ذاكرة الجمهور، معتمداً على الكم وليس على النوع. بالنسية إليّ، أنا ألتزم خياراً واضحاً أطبقه منذ أول شخصية قدمتها في مسلسل الزير سالم عام 2000 وحتى اليوم. وهو تقديم شخصية واحدة في العام، وربما في بعض السنوات قدمتُ شخصيتين، وكنتُ أعطي كل شخصية ما تستحقه من بحث وعمل واهتمام".
الخاني الذي مازح زميله تيم حسن عبر السوشيال ميديا، مشيراً إلى الهيبة 10، هل يتوقع أن يسلك هذا العمل طريق باب الحارة؟ يقول "الهيبة عمل ناجح جداً واستطاع أن يحافظ على نجاحه عبر أجزائه، والأمر ذاته ينطبق على باب الحارة الذي لم يصل مسلسل عربي قبله إلى عدد أجزائه، وتحول اسمه إلى ماركة تجارية تسويقية. أنا أقول دائماً من الضروري بل من الذكاء، استثمار نجاح أي مسلسل وتكريسه واستمراره، إذا كان لدى أسرته القدرة على المحافظة على مستواه الفني وتطويره وتقديم ما هو جديد ومفاجئ، وهذا الكلام ينطبق على باب الحارة كما على الهيبة".
الخاني الذي كُرّم أخيراً في لبنان، ومُنح جائزة M.C International Award، أوضح أن التكريم بالنسبة إليه سعادة كبيرة ومسؤولية أكبر، مضيفاً "جميعنا نستمتع بكلمة شكراً أو بالتصفيق والثناء، خصوصاً إذا جاء بعد تعب وعناء بحث وعمل طويل. لكن يجب ألاّ نستكين ونطرب لذلك، بل يجب أن يكون حافزاً لنا لتقديم الأفضل. وأنا أدعو الله أن يعطيني القدرة على تقديم أعمال بمستوى هذه المحبة الكبيرة".