ملخص
يمكن أن يتحول العمل إلى إدمان إذا ما تجاوز الحدود، شأنه شأن شرب الكحول أو غيره من ممارسة السلوكيات الضارة
لا أستطيع أن أقول إن لديَّ كثيراً من القواسم المشتركة مع إدريس إلبا. أحدنا ممثل وموزع موسيقي ومنتج متعدد المواهب ومليونير روج له خلال العقد الماضي بوصفه منافساً مقبلاً على دور جيمس بوند. والآخر ليس أياً من هذه الأشياء، لكن عندما شارك نجم "لوثر" و"ذا واير" تجربته في إدمان العمل خلال حلقة حديثة من مدونة آني ماكمانوس الصوتية، "تغييرات"، ضربت كلماته على وتر حساس. قال لماكمانوس، الـ"دي جي" السابقة لدى "راديو وان": "أنا مدمن العمل بشكل مطلق، وقد لا يكون هذا هو النهج الأفضل للحياة. لا شيء متطرفاً للغاية جيد، كل شيء يحتاج إلى توازن، لكنني أكافأ بشكل كبير لكوني مدمن عمل".
وتابع إلبا موضحاً أنه شديد الإدمان على عمله إلى درجة أنه أمضى العام الماضي في العلاج، مع تركيز على تفكيك هذه الرغبة في الإنجاز باستمرار. وقال "يمكنني العمل لـ10 أيام على فيلم، بمشاهد متتالية تحت الماء وأنا أحبس أنفاسي لست دقائق، وأعود وأجلس في [استوديو التسجيل المنزلي الخاص بي] و[أشعر بالراحة]، أكثر مما أجلس على الأريكة مع العائلة، وهذا أمر سيئ، أليس كذلك؟ هذا هو الجزء الذي يجب أن أجعل فيه الأشياء التي تريحني طبيعية. لا يمكن أن يدور كل شيء حول العمل".
بينما، نعم، قد لا تكون "المشاهد المتتالية تحت الماء" والاستوديو المنزلي ذات صلة بشكل خاص، إلا أنه من المرجح لمعاناة إلبا أن تضرب على وتر حساس لدى كثيرين، بمن فيهم أنا. يمكن ببساطة استبدال الأعمال الجريئة في الأفلام، مثلاً، بإرسال الرسائل الإلكترونية من على كرسي الحمام، في منتصف الليل، أو خلال العطلة. تتمتع بيكس سبيلر، مؤسسة منصة الصحة والرفاه "نادي مكافحة الإجهاد"، بخبرة مباشرة. تقول: "لم أعد أحصي عدد المناسبات التي فاتتني أو ألغيتها لمجرد أنني أردت الاستمرار في العمل. حتى إنني كنت أرد على العملاء يوم زفافي".
قد يبدو الأمر وكأنه تفاخر متواضع، أقرب إلى وصف المرء نفسه بالكمال في مقابلة عمل – "انظروا إليَّ، أنا فقط أعمل بجد، ألست فظيعاً" – لكنها مشكلة حقيقية. مثل أي إدمان، تقول سبيلر، يمكن أن يكون له أثر حقيقي في حياتكم، وعلاقاتكم، وسعادتكم، وصحتكم. توافق الدكتورة ألكسندرا دوبرا-كيل، مديرة الابتكار والاستراتيجية في "مؤسسة السلوك الحسن الاستشارية"، على ذلك وتضيف: "إن الاعتراف بالأمر كمصدر قلق مشروع أمر بالغ الأهمية، لأنه يسلط الضوء على الحاجة إلى الدعم والتدخل واتباع نهج متوازن بين العمل والحياة لحماية الرفاه العام".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ظهر مفهوم الإدمان على العمل في سبعينيات القرن الماضي، عندما نشر عالم النفس واين أوتس كتاب "اعترافات مدمن عمل" (Confessions of a Workaholic). في هذا الكتاب، رأى أوتس أن العمل يمكن أن يتحول إلى إدمان إذا ما تجاوز الحدود، شأنه شأن شرب الكحول أو غيره من ممارسة السلوكيات الضارة. ومع ذلك، يمكن أن يكون من الصعب تحديد المشكلة بسبب "الخطوط غير المؤكدة بين شخص متحفز ومتحمس للغاية، وآخر يعاني شكل من أشكال إدمان العمل"، على حد تعبير المعالجة النفسية والمؤلفة إيلويز سكينر. وتضيف: "نظراً إلى أن الحياة العملية كثيراً ما تكون مصدراً للشغف والتحفيز لكثر من الناس، قد يكون من الصعب تمييز الانتقال بين هذه الحالة وحالة إدمان العمل في بعض الحالات". كيف نعرف إذا متى نذهب بعيداً جداً، وما الفرق بين الموظف المجتهد ومدمن العمل الذي يسلك طريقاً لا حياد عنه نحو الإجهاد؟
"كثير منا مدفوع للعمل الجاد والإنجاز، ونحن طموحون في حياتنا المهنية"، تشرح جورجينا ستورمر، المستشارة المسجلة في الجمعية البريطانية للإرشاد والعلاج النفسي، لكن ذلك يصبح مشكلة فقط عندما يبدأ الشعور وكأنه إكراه، "ويتحول إلى مسألة شخصية حقيقية لا يمكننا إيقافها، شيء خارج عن السيطرة". هو ليس رغبة، بل حاجة. توافق المعالجة النفسية والمتخصصة في في شأن القلق كامالين كور قائلة، "يبدو الأمر كما لو أن المرء لا يستطيع التوقف عن التفكير في أمر حتى يتم، لذلك، حتى لو كان جالساً في مكان ما يتناول وجبة مع شريكه، لا يمكنه التركيز حقاً على أي شيء يقوله، لأنه يفكر فقط في هذا الشيء الذي عليه القيام به".
تقول سكينر إن إشارات التحذير الأخرى قد تشمل "الشعور بالذنب وجنون الشك ومشاعر الهوس بالعمل"، إلى جانب "فقدان النوم أو الشهية" وإهمال رعاية أنفسنا أو علاقاتنا بالآخرين. وتضيف أن كثراً منا سيختبرون عدداً قليلاً من هذه الإشارات على مدار حياتنا المهنية، لكن "قد يصبح من المفيد مراقبتها إذا استمرت هذه العلامات بشكل مستمر أو متكرر أو اشتدت حدتها".
ووجدت دراسات أن إدمان العمل يميل إلى الارتباط بثلاث من سمات الشخصية "الخمس الكبرى" [هي إطار معمول به على نطاق واسع في علم النفس لوصف وتصنيف الشخصية البشرية]: الانفتاح على الآخرين والضمير والعصابية. ويمكن أن تسهم أيضاً عوامل نفسية أخرى مثل "الميل إلى الكمال، والمستويات العالية من التوتر، وتدني احترام الذات، والحاجة إلى الموافقة على الأشياء أو التحقق من صحتها"، على حد قول الدكتورة بيكي سبيلمان، عالمة النفس ومؤسسة "عيادة العلاج الخاص". وفي بعض الأحيان يبدأ النمط في مرحلة الطفولة، إذا كان المرء "في كثير من الأحيان في بيئة كان فيها الإنتاج والإنجاز وسيلة لإثارة الثناء والاهتمام"، تقول ستورمر. نتيجة لذلك، تصبح قيمة المرء الذاتية مرتبطة بالنجاح.
نلتقط إشارات من الأشخاص من حولنا عندما نكون أصغر سناً أيضاً. تقول كور: "يمكن أن يكون الشخص والدتكم، والدكم، أياً كان من نشأتم حوله – إذا كان يعمل طوال الوقت، تصبح عادة مكتسبة، فأنتم لا تعرفون أي شيء مختلف". كانت هذه الحالة حالة مؤسسة "نادي مكافحة الإجهاد"، سبيلر. تشرح قائلة، "نشأت مع أب مدمن العمل، اعتقدت بأن هذا ما كانت على الحياة أن تكون عليه فقط... عندما توفي بنوبة قلبية مرتبطة بالتوتر، جعلتني حاجتي للتحقق من صحة ما أفعله أدفع نفسي بقوة أكبر من ذي قبل". عملت ستة أيام في الأقل في الأسبوع، وسبعة أيام أحياناً كثيرة، "وانتهى بي الأمر بتوعك شديد بسبب الإجهاد".
تضيف الدكتورة دوبرا-كيل أن "الحاجة إلى السيطرة على الأمور أو الخوف من فقدانها" وسط وضع غير مؤكد "يمكن أن تدفع [الناس] إلى الانغماس في العمل، لأنه يوفر بيئة منظمة حيث يمكنهم التأكد من وجود هذه السلطة". وتشير إلى أن ذلك كثيراً ما يكون "هرباً من المشكلات الشخصية أو المسائل العاطفية، مما يوفر إلهاءً عن تحديات الحياة". تعمل ستورمر بوصفها مستشارة في شكل أساس مع النساء، وكثيراً ما ترى عميلات أفرطن في التركيز على عملهن بعد إنجاب الأطفال. تقول: "إذا كان لدى امرأة ما مسار وظيفي يتمثل في التحكم، والمسؤولية، وامتلاك أشياء منظمة، وامتلاك مسار واضح للتقدم، كثيراً ما يمكن للأمومة أن تلقي ذلك كله في مهب الريح. فجأة تقوم المرأة بعمل [الأمومة] لا تحصل فيه على تقييم، ولا أحد يخبرها بأنها تقوم بعمل جيد. وهكذا في بعض الأحيان يأتي إدمان العمل بسبب ذلك، لأن الامرأة تذهب إلى مكان [العمل] تشعر فيه بأنها تستطيع التحكم في الأشياء".
لا تساعد ثقافة العمل لدينا وشعارها "التأهب المتواصل" في الأمور الحياتية، ويصح الأمر كذلك على تآكل الحدود بين العمل والحياة الناجم عن العمل عن بعد أثناء الجائحة. تقول دوبرا-كيل: "إن التوافر المستمر للمهام المتعلقة بالعمل وغياب الانفصال المادي عن مكان العمل يمكن أن يجعلا من الصعب تحقيق التوازن"، لكن ربما يكون الأكثر أضراراً هو هوسنا الثقافي بالعمل فوق الطاقة. تقول سبيلر: "كثيراً ما يعتبر مصطلح "مدمن عمل" وسام شرف. على مدى العقدين الماضيين، ولا سيما مع صعود وسائل التواصل الاجتماعي، رأينا ’ثقافة العمل الجاد‘ تصبح ملهمة. لماذا يقضي المرء وقتاً في الاسترخاء أو استعادة النشاط بينما يمكنه أن يكون في مكان يكسب مزيداً من المال؟".
ليس إدمان العمل مقبولاً اجتماعياً أكثر بكثير من إدمان الكحول أو تعاطي المخدرات فحسب، بل يصعب أيضاً التخلص من المحفزات المحتملة: ما لم يكن لديكم أكوام من الثروة تتكلون عليها، من الصعب جداً الانسحاب من العمل تماماً. قد يواجه الأشخاص الذين يتعاملون مع إدمان الطعام مشكلات مماثلة. تقول كور: "لنفترض أن المرء مدمن أي مادة أخرى أو [سلوك] آخر – يمكنه الانسحاب من تلك البيئة، لأنها ليست بيئته اليومية. إذا كان المرء مقامراً، لا يتعين عليه الذهاب إلى كازينو كل يوم، لكن عندما يتعلق الأمر بالعمل، عندما يتعلق الأمر بالطعام، هو في حاجة إليهما. لا يمكنه أن يقول فقط إنه لن يعمل اليوم، لن يأكل اليوم. لذلك يحتاج إلى إيجاد طريقة لتجاوز ذلك، بينما يكون في البيئة نفسها التي تحفزه، وهذا أمر يمكن أن يكون صعباً للغاية".
إذاً كيف يمكن للمرء البدء في فصل قيمته الذاتية عن عمله، وتعلم كيفية التوقف عن العمل حقاً؟ يتخذ إلبا خطوات إيجابية باختيار العلاج، كما يبدو. تشرح كور قائلة، "إذا كان المرء يدور حول هذا النمط السلوكي الذي هو عالق فيه منذ فترة طويلة، فهو في حاجة إلى شخص من الخارج يمكنه أن يقدم إليه تدخلات يمكن أن تساعده على فهم محفزاته. بالطبع، ليس لدى الجميع خيار الوصول إلى المشورة الفردية، لكن وضع حدود واضحة بين العمل والحياة الشخصية قد يكون خطوة أولى مفيدة". تقترح كور قائلة، "يمكن للمرء أن يحاول أن يقول ’سأنتهي من عملي بحلول هذا الوقت، أو هذه هي ساعاتي المحمية في اليوم التي لن أتحقق خلالها من رسائلي الإلكترونية‘".
وتقول إن من المهم أيضاً أن يتوقف المرء ويقيم قيمه ويسأل نفسه: "لماذا أقوم بهذا كله؟ ما المهم لي في الحياة؟". وعندما تجد سبيلر نفسها تنزلق مجدداً إلى عادات قديمة سيئة، تسأل نفسها: "ما الذي أريد من الناس أن يتذكروه في شأني حين أرحل؟ هل هو كوني الامرأة التي "عملت بجد كبير" دائماً أو الامرأة التي كانت حاضرة دائماً مع محبيها؟". لا شك في أنه سؤال سيجعلكم تتوقفون عنده، سواء كنتم شخصاً فانياً عادياً أو نجماً من نجوم هوليوود على غرار إلبا.
© The Independent