ملخص
الصراع المعولم على سيادة البحار والمحيطات تتزايد وتيرته ورغم بناء الصين وروسيا "مدنهما العسكرية العائمة" فلا تزال اليد العليا للولايات المتحدة الأميركية
مع اشتعال المشهد في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والمساندة والدعم الأميركي الفوريين، وصلت قطعة بحرية أميركية إلى شرق البحر الأبيض المتوسط، منذرة ومحذرة من أي إخلال بأمن إسرائيل.
الوحش الفتاك الذي نحن بصدده، هو حاملة الطائرات "يو أس أس جيرالد فورد"، التي تعمل بمفاعلين نوويين، بطول يصل إلى 335 متراً، ووزن يبلغ 100 ألف طن، ووصلت كلفة إنشائها إلى أكثر من 14 مليار دولار، كما استغرق تشييدها أكثر من 10 سنوات.
لفت هذا التحرك المحللين العسكريين إلى أهمية حاملات الطائرات مرة أخرى، لا سيما في ظل الصراع القطبي الحادث في منطقة المحيط الهادئ بين الولايات المتحدة والصين.
من أين تبدأ الجذور التاريخية لقصة المدن العائمة، وكيف اهتدت لها العسكرية الحديثة، لا سيما بعد أن كانت الغلبة للسفن الكلاسيكية؟
التساؤلات في واقع الحال لا تتوقف، ومنها على سبيل المثال: من الأهم في ميدان المعارك، حاملات الطائرات أم السفن الحربية، ثم يبقى القلق الكامن في احتمال تعرض مثل هذه المدن العائمة للغرق، حيث ينقسم المراقبون إلى فريقين، أحدهما يقول باستحالة الغرق، وآخر يعطي انطباعاً بأن الأسلحة الحديثة، لا سيما الصواريخ الفرط صوتية قادرة على فعل ذلك.
من توماس كوشراني إلى جيرالد فورد
مثيرة جداً قصة حاملات الطائرات، التي تعود إلى وقت مبكر من عام 1806، حيث جرى استخدام مراكب بحرية بهدف القيام بعمليات عسكرية جوية في مطلع القرن 19، وبالتحديد عام 1806، وذلك حين أطلق الأميرال البريطاني "توماس كوشراني" من سفنه طائرات ورقية تجاه المواقع الفرنسية التابعة لنابليون بونابرت، وعلى هذه الطائرات الورقية، ثبت البريطانيون منشورات دعائية ألقوها على المواقع الفرنسية لحث جنود نابليون على التمرد.
لاحقاً تماهت عدة دول أوروبية مع الفكرة عينها، وإن طورتها بحكم الضرورة لتحمل بالونات حارقة، ومن ثم طفت على السطح فكرة المناطيد التي تنطلق من السفن، وصولاً إلى أول طائرة برمائية ابتكرها الفرنسي "هنري فاير" عام 1910.
خلال سنوات الحرب العالمية الأولى لم تكن حاملات الطائرات قد ظهرت للوجود على النحو الذي نألفه الآن، ولم تتجاوز القدرات البحرية السفينة الأقوى لدى بريطانيا المسماة "دريدنوت"، وهي نوع من البوارج الحربية.
قبل نهاية الحرب العالمية الأولى استولت بريطانيا على سفينة تجارية ضخمة كانت تقوم بنقل البضائع إلى الجانب الآخر من الأطلسي، وزودتها بمهبط يشبه ممرات الطائرات في المطارات الحربية، وبهذا تحولت السفينة الضخمة إلى حاملة طائرات، وأطلق على الأولى منها اسم "أتش. أم. أس. آرغوس"، نسبة للعملاق الأسطوري الإغريقي الذي امتلك بحسب الأساطير نحو 100 عين انتشرت في أنحاء جسمه.
بالوصول إلى الحرب العالمية الثانية، كانت حاملات الطائرات تلعب دوراً محورياً في الصراع بين دول المحور لا سيما اليابان والحلفاء.
والثابت أن معظم حاملات الطائرات التي شاركت في الحرب العالمية الثانية، كانت تحمل ثلاثة أنواع من الطائرات:
* الطائرات المقاتلة: وقد كانت مهمتها حماية حاملة الطائرات من هجمات الطائرات القاذفة، بل وحماية القاذفات الموجودة على حاملة الطائرات من هجمات الطائرات النفاثة الأخرى.
* قاذفات الطوربيد: وهي التي تحمل الطوربيدات التي يمكن إسقاطها في الماء لإغراق حاملة طائرات أخرى أو سفينة للعدو.
* القاذفات الغواصة: التي تحمل القنابل التي يمكن إسقاطها على قمة السفينة أو الهدف، وهي تطير عالياً وبعد ذلك تغوص لأسفل بشكل مستقيم على الهدف، وتقوم بإسقاط القنابل.
خلال الحرب العالمية الثانية، عرف العالم أكبر قدر ممكن من حاملات الطائرات على مر التاريخ، حتى وإن لم تكن مجهزة أو مزودة بإمكانات كالتي نراها في الوقت الحالي.
امتلكت الولايات المتحدة وقتها نحو 97 حاملة، وتلتها البحرية البريطانية بـ85 حاملة، ثم البحرية اليابانية بـ24 حاملة، وأربع حاملات للبحرية الألمانية، وثلاث حاملات لكل من البحرية الإيطالية والفرنسية، وحاملتان للبحرية الهولندية، وحاملة واحدة لكل من رومانيا والسويد وكندا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هل تراجع دور حاملات الطائرات؟
شهدت حقبة الحرب الباردة نوعاً من الركود في مجال حاملات الطائرات، وتقلص عددها بشكل كبير.
كان ظهور الأسلحة النووية الصاروخية العابرة للقارات، عطفاً على الطائرات القاذفة بعيدة المدى، إضافة إلى الغواصات النووية بدائل مثيرة وكفيلة بالردع المتبادل بين دول حلف وارسو، ودول حلف الأطلسي.
يعني ذلك أن الدول الكبرى المتناحرة أيديولوجيا، كانت قد وجدت آليات مغايرة تعوض عن حاملات الطائرات، لكن لم يعن ذلك أبداً اختفاءها من فوق الخريطة دفعة واحدة، فقد استمرت أهميتها العملياتية في ما يتعلق بالدعم البحري للقوات العاملة في مسارح عمليات بعيدة.
على أن الشرق الآسيوي بنوع خاص في الفترة الممتدة من منتصف الخمسينيات، حتى منتصف السبعينيات، شهد دوراً مهماً وفاعلاً لحاملات الطائرات.
كانت الحرب الكورية 1950- 1953، وبعدها الحرب الفيتنامية 1955- 1975، مدخلاً مؤكداً لتجلي دور حاملات الطائرات، حيث تم استخدامها بشكل فعال، لا سيما من الجانب الأميركي، حيث تجملت نحو خمسة في المئة من المجهود الجوي الأميركي في الحربين.
استمر تراجع الاهتمام ببناء مزيد من حاملات الطائرات، لا سيما مع السقوط المدوي للاتحاد السوفياتي، وتفككه بحلول عام 1990، مع اضمحلال القبضة الحديدية التي كان يمتلكها تجاه دول أوروبا الشرقية، وبدا وكأن العالم على موعد مع حقبة جديدة يتراجع فيها الاهتمام بالتسلح الفائق، فقد اختفى الخصم الأقرب والعدو الأكبر.
على أن أحداث الـ11 من سبتمبر 2001، والتي خلقت عدواً جديداً للولايات المتحدة، المنفردة بمقدرات العالم في ذلك التوقيت، ثم غزو أفغانستان وبعدها العراق، أعادا للأذهان الدور الحيوي لحاملات الطائرات.
خلال حرب العراق التي بدأت في مارس (آذار) 2003، نشرت البحرية الأميركية ثلاث حاملات للطائرات، من أجل تقديم المساندة الجوية للقوات الغازية، عبر أكثر من 9 آلاف طلعة جوية، وبخاصة بعد إحجام عدة دول إقليمية عن السماح للطائرات الأميركية بالإقلاع من أراضيها.
عاد الزخم مرة جديدة إلى عالم حاملات الطائرات، وبدا دورها الاستراتيجي يتبلور مجدداً، لا سيما في ظل الصراع المؤكد في مياه المحيط الهادئ، الأمر الذي ترجمته الولايات المتحدة في إعادة الاهتمام المكثف ببناء مزيد من حاملات الطائرات، التي أظهرت النوازل أهميتها، كما الحال حين حركت واشنطن حاملة الطائرات "جورج بوش" لتنفيذ القسم الأكبر من المجهود الجوي للتحالف الدولي الذي تم تشكيله لمحاربة تنظيم "داعش" في سوريا والعراق.
على أن التساؤل: لماذا الاهتمام الأميركي بفكرة حاملات الطائرات، وهل هو فكر جديد وليد، أم إن له خلفية تاريخية استراتيجية، فرضتها ظروف الموقع والموضع على الأميركيين فرضاً؟
أميركا وإملاءات الجغرافيا البحرية
تبدو الحقائق واضحة، لجهة سطوة الولايات المتحدة الأميركية على البحار والمحيطات حول العالم، حيث تجوب سفنها الكرة الأرضية مرة كل 24 ساعة.
تمتلك واشنطن اليوم 10 حاملات طائرات من فئة "نيمتز"، المميزة العاملة بالطاقة النووية، وتبلغ إزاحة كل منها 110 آلاف طن، إضافة إلى الفئة الأحدث المتمثلة في الحاملة "جيرالد فورد"، التي فتحت مسار الحديث، أخيراً.
ما السر في الاهتمام الأميركي الفائق بهذا النوع من الأسلحة؟
لا يمكن الجواب من دون الرجوع إلى الجغرافيا، ذلك أن الولايات المتحدة تتسم بطبيعة جغرافية مثيرة، حيث يحدها المحيط الأطلسي من الشرق، والمحيط الهادئ من الغرب، مما يجعل منها دولة بحرية بامتياز.
كان الهاجس الأميركي دوماً هو التهديد الذي يمكن عند لحظة بعينها أن يأتيها عبر الغزو البرمائي، ولهذا اعتمدت استراتيجية هجومية للهيمنة البحرية المطلقة في المحيطين، واستثمرت بكثافة في جيشها، وبميزانية عسكرية ضخمة تجاوزت 700 مليار دولار في وقت قريب، وحققت أميركا سيطرة فريدة على المحيطات، وأحكمت سيطرتها على الطرق التجارية الأكثر استخداما في العالم.
كان أول من فتح أعين الأميركيين على أهمية الاهتمام بالمجال الحيوي المائي، ضابط البحرية والجيوستراتيجي والمؤرخ الأميركي الأشهر "ألفريد ثاير ماهان" (1840-1914)، الذي عرف بصفة "الاستراتيجي الأميركي الأكثر أهمية في القرن 19 الميلادي".
كان مفهوم ماهان عن "قوة البحر"، مبنياً على فكرة أن الدول صاحبة القوة البحرية الأعظم سيكون لها التأثير الأكبر في جميع أنحاء العالم، وقد كان لهذا المفهوم انعكاسه الهائل في صياغة الفكر الاستراتيجي للقوى البحرية في العالم وبخاصة في الولايات المتحدة وألمانيا واليابان، وكذلك بريطانيا.
لاقت أفكار ماهان استحساناً كبيراً في الأوساط الأميركية، وبخاصة لدى "ثيودور روزفلت" الذي كان آنذاك لا يزال مساعداً لوزير البحرية، ومن عند روزفلت ستكتب أميركا قصة طويلة مع ريادة البحار عامة، ومع بناء حاملات الطائرات على نحو خاص.
كان درس "بيرل هاربور" قاسياً على الأميركيين، فقد كبدهم خسائر غير مسبوقة على الناحية للوجيستية، لكنهم تعلموا منه الاختلاف الواضح بين مفهوم السيطرة الذي تمنحه القوات البحرية وذاك الذي تكفله القوة البرية.
أدرك الأميركيون أن القوى البحرية لا تحتاج إلى السيطرة على مساحات كبيرة من الأراضي بقدر ما تحتاج إلى انتشار جيد وقدرة على الوصول، ومحاولة السيطرة الدائمة على مساحات شاسعة من البحار هي عملية مضنية ومكلفة لأي قوة مهما بلغ حجمها، ومع انهيار جميع القوى الكبرى عالمياً بحلول نهاية الحرب العالمية الثانية، وهيمنة الولايات المتحدة على البحار، حولت الولايات المتحدة فلسفتها البحرية بعيداً من السيطرة، ومحاولة إنشاء إمبراطورية بحرية تقليدية، جاءت حاملات الطائرات على رأسها.
هل توقفت واشنطن عن تصميم وإنتاج مزيد من حاملات الطائرات رغم القوة الهائلة التي تمتلكها، والعدد الكبير منها الذي لا يدانيه عدد حاملات لدى أي دولة حول الكرة الأرضية؟
الثابت أن البحرية الأميركية تخطط لإدخال أربع حاملات أخرى من الفئة نفسها إلى الخدمة خلال الفترة الممتدة من العام الحالي وحتى عام 2034، أوشكت إحداها على إنهاء عمليات الاختبار، لتدخل الخدمة هذا العام.
هذه الخطة تشمل كذلك إخراج عدد من الحاملات من الخدمة، نظراً إلى تقادمها، فهناك مثلاً حاملتان من فئة "نيميتز"، الأولى تحمل اسم "نيميتز"، على اسم "تشيستر نيميتز" قائد الأسطول الأميركي في المحيط الهادئ إبان الحرب العالمية الثانية، والأخرى هي الحاملة "دوايت أيزنهاور"، وقد أدخلا الخدمة منتصف سبعينيات القرن الماضي.
ماذا عن روسيا الاتحادية، وريثة العهد السوفياتي، وقدراتها في مجال حاملات الطائرات، وهل الصحوة العسكرية التي عاشتها موسكو خلال العقدين الماضيين شملت عالم حاملات الطائرات أم إن أكلاف هذا النوع من الأسلحة تجاوز مقدراتها الاقتصادية؟
موسكو والطريق إلى الحاملة "شتورم"
لأسباب متعددة في المقدمة منها الطبيعة الجغرافية، فإن روسيا تكاد تكون دولة قطبية برية، ومن هنا يدرك المرء الأهمية الجيوستراتيجية لشبه جزيرة القرم، التي تفتح أمام بحريتها طريق المضي نحو بقية أرجاء العالم.
طوال أربعة عقود من الحرب الباردة، راهن السوفيات على الصواريخ العابرة للقارات، النووية بنوع خاص، وإن اهتموا بعالم الغواصات النووية، والقاذفات الاستراتيجية، في حين لم تشاغبهم كثيراً فكرة حاملات الطائرات.
كان للسوفيات تجارب محبطة مع عالم حاملات الطائرات وفي مقدمها "الحاملة العملاقة يوليانوفسك"، التي كان مخططاً لها أن تضحى عملاقاً بحرياً سوفياتياً بطول ألف قدم ووزن 85 ألف طن، وقدرة على حمل أكثر من 70 مقاتلة.
هل كانت الأوضاع المالية المتردية للاتحاد السوفياتي السبب في أنها ترسو حتى الساعة في ساحات الخردة منذ عام 1992، وفق تقرير لموقع "ناشيونال أنترست"؟
الشاهد أنه كان مخطط السوفيات أن تعمل الحاملة "يوليانوفسك" بنظام دفع يتألف من أربعة مفاعلات نووية، لكن منذ عام 1992 لم تنه روسيا المشروع بعد أن نفد المال، ومع انتهاء الحرب الباردة، غرقت روسيا في سنوات من المصاعب الاقتصادية التي جعلت بناء سفن جديدة أمراً مستحيلاً.
في الوقت الحالي، لا تمتلك البحرية الروسية سوى حاملة واحدة هي "الأدميرال كوزينتسوف"، على اسم قائد أسطول المحيط الهادئ السوفياتي في زمن الحرب العالمية الثانية.
على أن التساؤل: هل تنبهت روسيا بدورها لأهمية حاملات الطائرات كما فعلت الولايات المتحدة؟
غالب الظن أن ذلك كذلك، ففي أغسطس (آب) من عام 2018، أعلن رئيس قسم بناء السفن في البحرية الروسية، الأدميرال "فلاديمير ترابيتشينكوف"، في تصريحات متلفزة أن البحرية الروسية بدأت بالفعل البحث عن تصميمات لمحركات تخص حاملة طائرات عملاقة تعمل بالطاقة النووية.
حديث "ترابيتشينكوف"، كان يرمي إلى المهمة التكتيكية التقنية الخاصة بحاملة طائرات روسية نووية واعدة، تحمل اسم "شتورم" أو العاصفة باللغة الروسية، والمخطط لها أن تكون بطول يصل إلى 330 متراً، مع عرض يبلغ 40 متراً.
المعالم الرئيسة لهذه الحاملة مثيرة جداً للاهتمام، وذلك ببساطة لأنها ستضحى –حال اكتمال المشروع– قطعة تقنية ربما تناهز فور صدورها أباطرة عالم البحار والمحيطات الواسعة، مثل حاملتي "يو أس أس نيميتز" و"يو أس أس جيرالد فورد" الأميركيتين.
ومن المحتمل أن تزيد الحاملة "شتورم" من الماء، ما مقداره 100 ألف طن (يشير كما الإزاحة تحديداً إلى قوة السفن، فكلما ارتفع أصبحت السفينة أقوى)، وهي بهذا الرقم تنافس مباشرة أقوى حاملات الطائرات في العالم.
إلى جانب ذلك، ستمتلك الحاملة الروسية أربع منصات لإطلاق الطائرات، مقسمة إلى منظومتي إطلاق بالمنجنيق الكهرومغناطيسي الذي يرفع من معدلات الطلعات الجوية ويشغل حيزاً أصغر من حاملة الطائرات، إلى جانب منحدرين للإقلاع التقليدي بنظام "التزحلق والقفز".
هل نحن أمام مدينة عسكرية عائمة؟
يبدو الأمر بالفعل على هذا النحو، لا سيما أنها قادرة على الإبحار المستمر لمدة 120 يوماً أي لأربعة أشهر متتالية، حاملة خمسة آلاف فرد داخلها، مع أكثر من ثلاثة آلاف صاروخ وقنبلة، ومنظومات رادار وحرب إلكترونية متقدمة تضع "شتورم" في مكان أعلى من المنافسين في كل العالم، وإلى جانب كل ما تقدم فإنه من المقدر لها أن تحمل نحو 90 طائرة نشطة، وقد صممت بشكل خاص لحمل طائرات الـ"سوخوي" الثقيلة متعددة الأغراض من الجيل الخامس "سو -57"، مما يعني أن الروس سيكون لديهم ما يشبه الجيش الخاص المحمول على حاملة طائرات واحدة.
غير أن علامة الاستفهام المثيرة: هل سيتمكن الروس من إنجاز هذه الحاملة بالفعل، أم إن الحرب الأوكرانية ستعطل هذا العمل الكبير؟
هل من قوة دولية أخرى قادمة بقوة وبخطوات ثابتة في عالم حاملة الطائرات؟
"فوجيان" ثورة الحاملات الصينية المحدثة
حتى وقت قريب، كانت الصين بعيدة كل البعد عن عالم حاملات الطائرات، غير أن النهضة الاقتصادية والتمدد العالمي، وأعمال مبادرة الحزام والطريق، جميعها كان لا بد لها من أن تستدعي حضوراً عسكرياً أممياً عبر البحار.
تمتلك الصين حاملتين هما "لياونينغ" و"شاندونغ"، غير أنها تستعد في الوقت الراهن لإطلاق حاملة أكثر تطوراً تظهر قدرة بكين على استعراض قوتها البحرية.
الحاملة الصينية الأحدث، التي تعد صناعة صينية بكاملها، يطلق عليها اسم "فوجيان"، تيمناً باسم "مقاطعة صينية" تحمل الاسم عينه.
هل الصين في حاجة فعلية لحاملات الطائرات؟
مؤكد أن ذلك كذلك، وبخاصة في ظل احتمالات الصدام مع البحرية الأميركية في المحيط الهادئ، الذي تحاول واشنطن بسط سيطرتها عليه، ناهيك بالمواجهات القائمة بالفعل في منطقة بحر الصين الجنوبي، وحكماً استعداداً للمواجهة المقبلة لا محالة عند نقطة زمنية بعينها بين الصين وتايوان.
ووفقاً لما نشرته صحيفة "ساوث تشينا مورنينغ بوست" الصينية، فإن حاملة الطائرات "فوجيان" ستحمل على متنها أحدث أنظمة الإطلاق بمساعدة "المنجنيق الكهرومغناطيسي"، وهي تقنية لم تستخدم في العالم كافة، إلا من جانب الولايات المتحدة فقط... ماذا عن هذا المنجنيق، الذي يحمل عبق التاريخ الماضي وصراع القوى المتناحرة في القرون الوسطى؟
باختصار غير مخل، هو جهاز يستخدم للسماح للطائرات فوق سطح حاملة الطائرات بالإقلاع بسرعة كبيرة على مسافة قصيرة، والهدف منه توصيل سرعة الطائرة من صفر إلى 200 كيلومتر خلال ثانيتين.
هل يمكن لمثل هذه الحاملة أن تخل بالتوازن العسكري الأميركي وبخاصة في منطقة المحيط الهادئ؟
المثير في الجواب، هو أن التقنيات المستخدمة في حاملة الطائرات الصينية الجديدة، تكاد تكون نسخة محدثة من التكنولوجيا الأميركية على حاملات طائراتها.
من هنا يتفهم المرء لماذا اتهمت واشنطن بكين بالسطو على تقنيات عسكرية وأضافتها لحاملة طائراتها "فوجيان"، وهو الأمر الذي تنكره بكين كعادتها جملة وتفصيلاً، وإن كان الجميع يثق في أن عملاء الصين المنبثين في الداخل الأميركي، باتوا بالفعل على مقدرة ودراية عاليتين جداً في الوصول للأسرار العسكرية الأميركية.
هل يمكن إغراق حاملات الطائرات؟
بحسب "لورين ب. تومبسون"، المدير التنفيذي للعمليات في معهد ليكسنغتون غير الربحي، فإن احتمال قيام أي عدو بإغراق حاملة طائرات، هو أمر مستبعد جداً، بل يكاد يكون مستحيلاً، ما لم تستخدم ضدها أسلحة نووية.
الأمر نفسه يعترف به الخبير والمحلل العسكري الروسي "أليكسي لينكوف"، الذي يعتبر أنه لا يمكن لـ10 صواريخ من طراز "زيركون" الفرط صوتية أو أكثر إغراق حاملة طائرات أميركية... لماذا؟
لأسباب عدة، منها ارتفاع حاملة الطائرات نحو 250 قدماً (قرابة 100 متر)، ولديها مقصورات مقاومة للمياه وآلاف الأطنان من الدروع، ولهذا فإنه من غير المتوقع أن يتسبب تفجير ما أو لغم بحري في أضرار جسيمة، ولأن حاملات الطائرات تتحرك بسرعة هائلة، ومجهزة بأنواع دفاعات هائلة، لذا يصبح من شبه المستحيل إغراقها.
هل يتفق الجميع على هذا السيناريو؟
ربما يختلف العلماء الصينيون مع المحللين الروس والأميركيين، ففي مايو (أيار) الماضي، زعم علماء صينيون أن الأسلحة الصينية التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، يمكن أن تدمر أحدث حاملة طائرات تابعة للبحرية الأميركية.
أظهرت عمليات محاكاة يديرها فريق بحثي على منصة برمجية للألعاب الحربية يستخدمها الجيش الصيني، أن القوات الصينية قادرة على إغراق حاملة الطائرات "جيرالد فورد"، بطائرة مكونة من 24 صاروخاً فرط صوتي مضاداً للسفن، بحسب ما ذكرت صحيفة "ساوث تشاينا مورنينغ بوست".
هل هذه حقيقة علمية مؤكدة أم مجرد ضرب من ضروب البروباغندا والحرب النفسية الصينية ضد الأميركيين؟
الجواب معقود بالتجربة العملية، التي معها يظن المرء أنها ستكون بداية لمواجهة عالمية نووية.