Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إسرائيل والعبرة من أخطاء أميركا بعد "11 سبتمبر"

واشنطن فقدت قدراً كبيراً من الثقة والقوة بسبب الغطرسة وتجاهل القانون الدولي

آثار الدمار في غزة جراء القصف الإسرائيلي العنيف (أ ف ب)

ملخص

 تعتمد سيناريوهات الحرب الإقليمية الشاملة في الشرق الأوسط إلى حد كبير على خطوات إسرائيل التالية خلال اجتياحها المرتقب لقطاع غزة مع أهمية التعلم من دروس التعامل الأميركي بعد 11 سبتمبر.

خلال زيارته إلى تل أبيب وفي كلمته للشعب الأميركي بعد عودته، مزج الرئيس جو بايدن عبارات التعاطف والدعم لإسرائيل مع النصح بعدم تكرار الأخطاء التي ارتكبتها واشنطن بعد 11 سبتمبر (أيلول) 2001، والتي تمثلت في سلسلة من القرارات السيئة التي اتخذت في خضم الغضب، فما هي؟ وكيف تنطبق على الصراع بين تل أبيب و"حماس" بينما يستعد الجيش الإسرائيلي لبدء عمليته البرية المتوقعة في قطاع غزة؟

يبدو أن المنطقة برمتها على شفا كارثة، وتعتمد سيناريوهات الحرب الإقليمية الشاملة في الشرق الأوسط إلى حد كبير على خطوات إسرائيل التالية خلال اجتياحها المرتقب لقطاع غزة، وهنا يصبح القياس الأكثر استخداماً لدى الأميركيين، والذي يصف هجمات "حماس" يوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري بأنها "11 سبتمبر الإسرائيلية"، مثيراً على نحو متزايد.

وأحد أوجه التشابه هنا هو الفشل الاستخباراتي الصارخ الذي مكن المسلحين في "حماس" والفصائل الفلسطينية الأخرى من توجيه ضربة مباغتة لإسرائيل مما أدى إلى سقوط عدد أكبر من الضحايا في يوم واحد (1300) مقارنة بأي وقت مضى منذ تأسيس إسرائيل عام 1948، وهذا وحده يجعل هذه الهجمات مميزة عن أية هجمات معتادة، لكن هذا يقود إلى السؤال الأكبر الذي يثيره مفهوم "11 سبتمبر الإسرائيلي" من حيث كيف ستتصرف تل أبيب إذا تمكنت من السيطرة على قطاع غزة بالكامل؟ وعلى نطاق أوسع كيف ترى نفسها مع جيرانها بعد 25 عاماً عندما تحتفل بالذكرى المئوية لتأسيسها؟

"11 سبتمبر" الأميركي

بعد أحداث الـ 11 من سبتمبر 2001 أخطأت الولايات المتحدة في كل شيء تقريباً بفعل الصدمة الهائلة التي لطمت كل جوانب الحياة الأميركية، إذ كانت الهجمات الإرهابية بطائرات مدنية و أسقطت برجي مركز التجارة العالمي وفجرت جانباً من مبنى الـ "بنتاغون" وأودت بحياة نحو 3 آلاف أميركي، مروعة جداً وتحولت في غضون أيام إلى يوم مظلم للإنسانية، مع تشغيل مقاطع الفيديو الخاصة بالهجمات بصورة متكررة، مما أدى إلى تعهد الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش بتخليص العالم من الأشرار، على حد وصفه.

لكن ما فعلته إدارة بوش بعد ذلك كان يعكس الغطرسة الأميركية والتوسع المفرط للسلطة السياسية، وأدى إلى تراكم الكراهية والخوف وجنون العظمة في جميع أنحاء البلاد، ودفعت واشنطن الكونغرس إلى توسيع صلاحيات الرئيس وإضفاء الشرعية على التجسس على الأميركيين، وإصدار شيك على بياض لخوض "الحرب على الإرهاب".

 

 

وبعد تسعة أيام من الهجوم ألقى بوش خطاباً أمام جلسة مشتركة للكونغرس محذراً العالم وقائلاً "إن كل دولة يتعين عليها الآن أن تتخذ قراراً، إما أن تكون معنا أو تكون مع الإرهابيين".

وكان من المسلم به أن تدافع الولايات المتحدة عن نفسها ضد الهجمات الإرهابية التي شنها تنظيم "القاعدة" الإرهابي، واعتمدت على الدعم الرمزي والملموس من غالبية البلدان في جميع أنحاء العالم، وحتى إيران ساعدت في الحرب ضد "طالبان" في أفغانستان، وفقاً لصحيفة "بوليتيكو".

محاربة الشر

وعلى رغم تماهي المصطلحات التي استخدمها المسؤولون الإسرائيليون والأميركيون في وصفهم لحركة "حماس" بأنها "الشر المطلق"، من دون إشارة إلى حصار غزة المستمر أو القصف الإسرائيلي للقطاع أو عدم تحقيق العدالة للفلسطينيين، إلا أن ذلك يذكر الأميركيين بما قالته إدارة بوش بعد هجمات 11 سبتمبر بأن مهمتهم هي تخليص العالم من الإرهاب والشر، والتي قادت واشنطن إلى اتجاهات مأسوية بعدما تبنت الولايات المتحدة الجانب المظلم في محاربة ما أطلق عليه الحرب العالمية على الإرهاب، والذي حدد دور واشنطن العالمي على مدى العقدين التاليين.

وهكذا أصبحت أحداث 11 سبتمبر 2001 المحور الذي سيتحول إليه كل التاريخ الأميركي الحديث، وأعادت الهجمات تشكيل التحالفات العالمية وتنظيم الحكومة الأميركية وغيرت شكل الحياة اليومية، ونجحت الحرب العالمية على الإرهاب في تحقيق انتصارين حاسمين، ولم تتمكن "القاعدة" من مهاجمة الأراضي الأميركية مرة أخرى، وتم مطاردة زعيمها أسامة بن لادن وقتله في مهمة سرية ناجحة بعد عقد من الهجمات.

إضعاف أميركا

لكن الولايات المتحدة كانت حددت أهدافها بصورة أكثر اتساعاً وبموجب أي مقياس آخر تقريباً، فأضعفت الحرب على الإرهاب الأمة الأميركية وتركت الأميركيين أكثر خوفاً وأقل حرية وأكثر تعرضاً للخطر وأكثر شعوراً بالوحدة في العالم، بل أصبح يوم 11 سبتمبر الذي خلق في البداية شعوراً لا مثيل له بالوحدة بين الأميركيين، بمثابة خلفية للاستقطاب السياسي المتزايد الاتساع.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأدى خطر الانحياز إلى المفاهيم الغامضة، مثل محاربة الشر والنزعة العسكرية الانتقامية ومهمة إرساء الديمقراطية في الشرق الأوسط ضمن حملة لا طائل من وراءها، وأكاذيب إدارة بوش والتعتيم الذي مارسته وأوهام الذات التي قادتها من أفغانستان إلى العراق، إلى أن وجدت أميركا نفسها تترنح، كما أدى عدم وضوح العدو إلى سلسلة طويلة من الاختيارات المأسوية.

الطريق الخاطئ للعدالة

قبل أحداث 11 سبتمبر كان لدى الولايات المتحدة قواعد مدروسة ودستورية لاستهداف الإرهابيين، بدءاً من اعتقالهم في أي مكان في العالم ومحاكمتهم في محاكم فيدرالية عادية، وفي حال إدانتهم يتم إرسالهم إلى السجن الفيدرالي، لكن بعد استهداف البرجين أصدر الرئيس بوش في الـ 13 من نوفمبر (تشرين الثاني) 2001 أمراً تنفيذياً يحدد أن من اعتقلوا في الحرب على الإرهاب لن يعاملوا كمجرمين أو حتى كأسرى حرب، بل كجزء من فئة غامضة أصبحت معروفة باسم "مقاتلين أعداء".

وأقامت وكالة الاستخبارات الأميركية "مواقع سوداء" في جميع أنحاء العالم لاحتجاز المشتبه فيهم بالإرهاب وإجبارهم على التحدث، كما أنشأ وزير الدفاع دونالد رامسفيلد سجن غوانتانامو واحتفل به علناً، زاعماً أن قطعة الأرض الكوبية كانت بعيدة من متناول المحاكم الأميركية وحق المثول أمام القضاء والإجراءات القانونية الواجبة.

غير أن استعانة وكالة التجسس باختصاصيين نفسيين خارجيين صمموا أساليب وحشية وغير سليمة علمياً، بما في ذلك الضرب والتعرية القسرية والتلاعب بالنظام الغذائي والحرمان من الحواس وتقييد السجناء بالسلاسل في أوضاع مجهدة لساعات، واحتجازهم في توابيت وهمية وحرمانهم من النوم والإيهام بالغرق، سمته الولايات المتحدة "الاستجواب المعزز"، مما أدى إلى الإضرار بصورة الولايات المتحدة عالمياً.

ووقعت انتهاكات مماثلة في سجن أبو غريب في العراق، إذ اعتدى الحراس على السجناء جنسياً وأهانوهم، وكانت وصمة العار الأخلاقية من هذه الحقبة واضحة للغاية لدرجة أن تنظيم "القاعدة" في العراق، وهي المجموعة التي تحولت إلى "داعش"، استخدمت في ما بعد هذه الصور ضد الولايات المتحدة، واستعرضت سجناءها في البدلات البرتقالية مثل غوانتانامو، ومع ذلك استمر القادة الأميركيون في تبني هذا النهج.

إعادة تنظيم الحكومة

وفي داخل الولايات المتحدة أعيد تنظيم الحكومة بطريقة خاطئة، إذ سرعت وزارة الأمن الداخلي التي أنشئت بعد هجمات سبتمبر عملية عسكرة أقسام الشرطة المحلية على مستوى الولايات لإعادة تقديم نفسها كمستجيب محتمل في الخطوط الأمامية للهجمات الإرهابية، ولهذا تدفقت مليارات الدولارات من الوزارة على المدن والبلدات الصغيرة في أميركا، وزودت ضباط الشرطة بأسلحة الحرب ومركبات عسكرية مدرعة ثقيلة وبنادق وقاذفات القنابل اليدوية وغيرها من المعدات التكتيكية، وهكذا تحولت أفراد الشرطة من حراس محليين إلى محاربين في الحرب العالمية على الإرهاب، مما خلق مسافة أكبر بين الضباط والمجتمعات التي يقومون بعملهم فيها، وأدى إلى تفاقم التوترات التي أدت بعد أعوام إلى ظهور حركة "حياة السود مهمة"، كما أدى الضغط السياسي إلى منع مسؤولي الأمن القومي من إعادة تركيز الاهتمام والموارد على التهديد المتزايد من القوميين البيض والميليشيات المسلحة والجماعات الأخرى التي تم تنشيطها بعد ذلك.

أخطاء عسكرية ودبلوماسية

إن الأخطاء العسكرية والدبلوماسية التي ارتكبتها أميركا في أفغانستان والعراق أصبحت واضحة للغاية ولكن بعد فوات الأوان، فقد بدت أفغانستان في طريقها إلى تحقيق نصر رائع في غضون أسابيع من الغزو الأميركي وفقاً لصحيفة "أتلانتيك"، ففي خريف عام 2001 كانت الولايات المتحدة تفوز بحرب محدودة ومركزة، ومع ذلك تحولت إدارة بوش إلى غزو العراق وبدأت حرب اختارتها بنفسها وبررت بصورة فضفاضة من خلال المعلومات الاستخباراتية السيئة نفسها، وترويج الخوف وراء ذلك.

وأدت كارثة الحرب في العراق إلى الهزيمة بأفغانستان أيضاً على رغم إنفاق تريليونات الدولارات وإراقة الدماء في كل من البلدين.

وفي كابول تعاون الأميركيون مع أمراء الحرب والسياسيين الفاسدين الذين نهبوا المجتمعات، وغسلوا وسرقوا أموال دافعي الضرائب الأميركيين والاتجار بالمخدرات، وعقدوا صفقات خلف الكواليس مع الأشخاص الذين كان من المفترض أن تقاتلهم القوات الأميركية.

وعلاوة على ذلك دعمت واشنطن حكومة أفغانستان التي لم تعكس قط إرادة الشعب وبدت غير شرعية بالنسبة إلى مواطنيها، حتى إنها انهارت في غضون أيام مع انسحاب القوات الأميركية هذا الصيف، وكان قادتها من بين أول من فروا.

الأعداء الخطأ

على رغم أن الرئيس بوش بذل جهداً كبيراً في البداية لضمان عدم النظر إلى الحرب ضد تنظيم "القاعدة" باعتبارها حرباً على الإسلام، إلا أنه وسع أيضاً المعركة لتشمل هزيمة كل جماعة إرهابية ذات امتداد عالمي وتحويلها إلى صراع القيم الثقافية، بعدما قال في خطاب موجه إلى الشعب الأميركي "إن الأميركيين يتساءلون لماذا يكرهوننا؟ إنهم يكرهون حرياتنا".

 

 

ومع مرور الوقت وإلى جانب مزيد من الخطابات النارية من الزعماء الإنجيليين المسيحيين والسياسيين المحافظين، تعكرت الرسالة القائلة إن الولايات المتحدة لم تكن في حال حرب مع الإسلام، بخاصة أن النجاح الأميركي ضد تنظيم "القاعدة" تحول إلى معركة طويلة الأمد ضد فروع مثل تنظيمي "القاعدة في جزيرة العرب" و"داعش".

أقل قوة واحتراماً

وسممت عقلية الحرب على الإرهاب أميركا وسياساتها، فقفزت جرائم الكراهية ضد المسلمين، وانتشرت التوجهات واللغة المعادية للإسلام داخل مكتب التحقيقات الفيدرالي والجيش في الأقل حتى يتم كشف عنها في وسائل الإعلام والصحافة.

ومع انطلاق مشروع المحافظين الجدد المتمثل في "تصدير الديمقراطية" وغزو العراق عام 2003، والذي كان مخالفاً للقانون الدولي، بدأ النجم الأميركي في السقوط، وبعد عقدين من الزمن ومئات الآلاف من القتلى معظمهم من المدنيين وإنفاق تريليونات الدولارات، أصبحت الولايات المتحدة الآن لاعباً أقل قوة وأقل احتراماً في المنطقة.

استخلاص الدروس

وبالتالي فإن التحدي بالنسبة إلى إسرائيل الآن يتمثل في الحفاظ على حس التناسب في استجابتها الفورية، والعمل على تحقيق الأهداف الوسيطة المتمثلة في الأمن والاستقرار وألا تكون مدفوعة بنزعة الانتقام من "حماس"، وألا تخالف قانون الحرب والقانون الدولي وأن تعمل حكومة بنيامين نتنياهو على توحيد الجبهة الداخلية بعد الانقسام والتفسخ بسبب التعديلات القضائية التي حاولت فرضها، مما يمنع انقسام المجتمع نتيجة الاستبداد بالرأي واتخاذ قرارات مصيرية بغالبية محدودة.

وهذا يؤدي إلى درس آخر يجب استخلاصه من أحداث 11 سبتمبر، وهو أن إسرائيل على عكس الولايات المتحدة ليست محاطة بجارتين ودودتين مثل كندا والمكسيك، فقد أثبت نجاح "حماس" في التغلب على السياج الأكثر رعباً حول غزة أن إسرائيل لن تكون قادرة على الاستمرار بمفردها، وسيكون لزاماً عليها في نهاية المطاف أن تعمل على إيجاد توازن مع البلدان الأخرى في الشرق الأوسط.

وعلى رغم أن الحكومة الإسرائيلية ركزت على التقارب مع الدول العربية وتركت المطالب الفلسطينية جانباً بصورة متعمدة، إلا أن تقليص حقوق الفلسطينيين والذين يعاني غالبيتهم تحت تشديدات تل أبيب كان السبب الرئيس وراء الهجمات التي شنتها "حماس" يوم السابع من أكتوبر، مما يؤكد أن السلام الدائم يصبح مستحيلاً في غياب التفاهم المباشر بين إسرائيل والفلسطينيين.

ومهما كانت الحوافز الاقتصادية التي تقدمها إسرائيل أو الحماية الأمنية المشددة التي تقدمها، فلا يمكنها إلا شراء الوقت قبل أن تمنح التسوية النهائية للفلسطينيين دولتهم الخاصة، ولا يزال مبدأ "الأرض في مقابل السلام" يشكل الصيغة الوحيدة التي قد تنجح.

واليوم يراقب العالم إسرائيل وكيف سترد على هجمات "حماس"، وعليها أن تضع في الاعتبار أنها تعتمد على تعاطف أقل بكثير مما كان يمكن للولايات المتحدة أن تعتمد عليه عام 2001، وإذا كانت واشنطن فقدت قدراً كبيراً من الثقة بسبب الغطرسة والإجراءات الأحادية الجانب، وتجاهل القانون الدولي، وهي أقوى دولة في العالم، فإن هذا يجعل العبء على تل أبيب أكبر كي تسعى جاهدة إلى القيام بعمل أفضل.

المزيد من تقارير