Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سباق روسي - صيني على صناعة السلام في غزة

موسكو وبكين انتقدتا تصرفات إسرائيل لتعزيز جهودهما كبديل لواشنطن

الرئيسان الصيني شي جينبينغ والروسي فلاديمير بوتين خلال مشاركتهما في "قمة بكين" (أ ف ب)

ملخص

الصراع بين إسرائيل و"حماس" من شأنه أن يصرف الانتباه والطاقة الدبلوماسية وحتى الموارد العسكرية عن أوكرانيا إذا شنت إسرائيل غزواً برياً لغزة.

مبارزة بالتاريخ حضرت على المسرح الدولي في وصف حرب غزة التي بدت فيها انحيازات القوى الدولية لطرفي الصراع كل بحسب مصالحه وفرصه الجيوسياسية. فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم يتردد في وصف القصف الإسرائيلي لقطاع غزة بالحصار الوحشي، الذي فرضه "الجيش النازي" على مدينة ليننغراد الروسية خلال الحرب العالمية الثانية، وهي الاستعارة التاريخية نفسها التي ترددت داخل قاعة مجلس الأمن الدولي في مبني مؤتمرات الأمم المتحدة بنيويورك، من قبل السفير الروسي لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا. وعلى الطرف الآخر من الطيف التاريخي وصف الرئيس الأميركي جو بايدن هجوم حركة "حماس" على إسرائيل بأنه أسوأ مذبحة لليهود منذ المحرقة التي نصبها النازيون لهم.

بالنسبة إلى بكين فإنها أعلنت عن أنها سترسل مبعوثها إلى الشرق الأوسط لتشجيع المحادثات، ودانت "جميع الأعمال التي تلحق الضرر بالمدنيين"، لكنها لم توجه إدانة صريحة لـ"حماس"، ولم تذكر الحركة في بياناتها.

وخلال فيض من التبادلات الدبلوماسية في الأيام الأخيرة الماضية، قال وزير الخارجية الصيني وانغ يي إن تصرفات إسرائيل "تجاوزت نطاق الدفاع عن النفس". وقبل يومين قدمت روسيا مشروع قرار في مجلس الأمن يدعو إلى هدنة إنسانية في قطاع غزة، وهو المشروع الذي حظي بتأييد الصين وثلاث دول أخرى بينما تم وأده مبكراً بالفيتو الأميركي والفرنسي والبريطاني.

منافسة النفوذ الأميركي

تتعارض تصريحات وتحركات موسكو وبكين مع موقف واشنطن، التي أوضحت دعمها القوي لتل أبيب، وأشارت إلى أنها لا تشعر بأن هذه هي اللحظة المناسبة لوقف إطلاق النار. فوفق المراقبين الذين تحدثوا لـ"اندبندنت عربية" لشرح أبعاد الموقف الروسي والصيني، فإن انتقادات كل منهما تصرفات إسرائيل هي أحدث استعراض لجهود القوتين لتعزيز قيادتهما كبديل عن القيادة الأميركية التي تؤكد حق إسرائيل المستمر في الدفاع عن نفسها.

يقول الزميل لدى مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في واشنطن هيثم حسنين إن استراتيجية الصين الحالية في الشرق الأوسط تتلخص في تحدي السلطة الأميركية في حين تقدم نفسها على أنها وسيط غير متحيز، إذ تهدف بكين إلى تحقيق ثلاثة أشياء "الحفاظ على علاقة فاترة مع إسرائيل، وتقويض التحالف الأميركي مع الدول العربية السنية، وضمان تدفقات الطاقة الإيرانية."

تاريخياً، دعمت الصين القضية الفلسطينية لعقود من الزمن، وكذلك فعل الاتحاد السوفياتي طوال فترة الحرب الباردة. وفي الآونة الأخيرة، سعت كلتا القوتين إلى تحقيق التوازن بين العلاقات الوثيقة مع إسرائيل وجهودهما الدبلوماسية الأوسع لكسب حلفاء في العالم العربي وعلى نطاق أوسع. وفي حين تسعى روسيا إلى الحصول على الدعم لحربها في أوكرانيا، تتطلع الصين إلى بناء تحالف أوسع من الدول النامية لتوسيع نفوذها وتعزيز جهودها للتنافس مع الولايات المتحدة على المسرح العالمي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتحدث الزميل الرفيع المتخصص في شؤون الصين لدى مركز أبحاث تشاتام هاوس في لندن يو جي، حول تأييد بكين القضية الفلسطينية منذ عهد مؤسس الصين ماو تسي تونغ واعترافها بدولة فلسطين في عام 1988. وقال إن بكين "تدرك العلاقات الوثيقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل... تقريباً أي شيء تدعمه واشنطن يجب أن تكون الصين ضده. ترغب بكين أيضاً في أن ينظر إليها على أنها داعم رئيس للجنوب العالمي، الذي يضم معظم الدول العربية التي تحتفظ بعلاقات ودية معها". وأضاف "إنها مسألة الحفاظ على تلك العلاقات من خلال الاستمرار في دعم الفلسطينيين".

يوفر الشرق الأوسط كثيراً من حاجات الصين النفطية، وهو حلقة وصل في مبادرة الحزام والطريق، مشروع البنية التحتية الطموح الذي أطلقه الرئيس الصيني شي جينبينغ مطلع العقد الماضي، لربط الأسواق في جميع أنحاء العالم ومن ثم توسيع نفوذ بكين.

وفي حين أنها واصلت إقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل في عام 1992 قدمت الصين عادة مزيداً من الدعم للقضية الفلسطينية، وقد ساعد هذا التضامن الصين على كسب الأصدقاء في المنطقة. ويقول الأستاذ المشارك في كلية الحرب الوطنية الأميركية، الذي درس العلاقات بين الصين والشرق الأوسط، داون ميرفي، إن "نهج الصين الحالي تجاه هذه القضية يمكن أن يتردد صداه في العالم العربي، كما يمكن أن يكون له صدى في العالم الأوسع ذي الغالبية المسلمة... هناك أجزاء كثيرة من الجنوب العالمي حيث يتردد صدى موقف الصين في ما يتعلق بمعاملة الفلسطينيين على مدى عقود".

يقول مراقبون إن هذا الدعم الإقليمي ساعد الصين على صرف الانتباه عن انتهاكات حقوق الإنسان ضد الأقليات المسلمة لديها، بخاصة في إقليم شينجيانغ، فبشكل كبير التزمت الدول ذات الغالبية المسلمة في الشرق الأوسط الصمت في شأن معاملة الصين للإيغور. وقال الأستاذ لدى جامعة بوسان للدراسات الأجنبية في كوريا الجنوبية، محمد ذو الفقار رخمت، إنه "على السطح يبدو أن هناك كثيراً من القواسم المشتركة بين الصين وإسرائيل... كلتاهما حكومة أمنية عالية التقنية تكرس قدراً كبيراً من الوقت والطاقة للتعامل مع المسلمين الذين ينظر إليهم على أنهم خطر أمني. ومع ذلك فإن الجغرافيا السياسية غالباً ما تجمع بين الأشياء الغريبة."

النفط وأوكرانيا

بالنسبة إلى روسيا فإن اشتعال الصراع الأقدم في الشرق الأوسط يمثل فرصة مهمة لإلهاء العالم الغربي عن تلك الحرب المستمرة منذ أكثر من عام ونصف العام التي تسببت في عزلها وتشويه صورتها دولياً. يقول حسنين "موسكو تنظر إلى الصراع باعتباره فرصة لتشتيت المجتمع الدولي عن حربها في أوكرانيا، إضافة إلى أنها ستحاول تشويه موقف الولايات المتحدة في دول العالم الثالث".

ويعتبر أستاذ الاستخبارات والأمن القومي لدى جامعة هال في المملكة المتحدة، روبرت دوفر، أن مثل هذا الصراع من شأنه أن يصرف الانتباه والطاقة الدبلوماسية وحتى الموارد العسكرية عن أوكرانيا إذا شنت إسرائيل غزواً برياً لغزة.

وفيما تعتمد روسيا بشكل كبير على صادراتها النفطية لتمويل حملتها في أوكرانيا، فمن الممكن أن يؤدي عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، المنطقة الرئيسة المنتجة للنفط في العالم، إلى ارتفاع الأسعار بشكل أكبر. وقالت باحثة السياسات لدى مؤسسة راند الأميركية لشبكة "بلومبيرغ" آن ماري دايلي إنه "مع ارتفاع أسعار النفط فإن ذلك يمكنهم من مواصلة الإنفاق على إنتاج الأسلحة ويساعدهم أيضاً على تغطية بعض العجز في الموازنة". وأضافت أن "روسيا تكتسب بالتأكيد ميزة من هذا على المدى القصير."

موسكو... كسر العزلة

أعلنت موسكو بالفعل رغبتها في لعب دور وسيط السلام، وهو ما أفصح عنه الرئيس الروسي، الخميس الماضي، قائلاً إن موسكو "يمكن أن تسهم في عملية السلام". وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف إن موسكو تعتزم "مواصلة بذل الجهود والقيام بدورنا في ما يتعلق بتقديم المساعدة للبحث عن سبل للتسوية".

وفق مدير وحدة الدراسات الإيرانية لدى مركز الإمارات للسياسات، محمد الزغول، يظهر حجم التحرك الروسي في الأزمة الراهنة، رغبة روسية قوية بالعودة إلى المسرح الدبلوماسي الدولي، ويمكن تفسير تحركات موسكو اللافتة في أزمة غزة في إطار أسباب عدة، من أهمها محاولة كسر العزلة الدولية التي فرضها الغرب عليها عبر منظومة معقدة من العقوبات والحظر السياسي، وهي عزلة أعاقت تأثيرها في الملفات الدولية وقلصت من حضورها في الفضاء الدبلوماسي العالمي، ولم تنجح محاولات موسكو السابقة لكسر هذه العزلة، على رغم حضورها البارز في منظمات عالمية مثل "بريكس" و"شنغهاي".

ويقول الزغول إن روسيا ربما تنظر إلى ملف الصراع بين إسرائيل والتنظيمات الفلسطينية، باعتباره ورقة متاحة للتأثير في الأزمة الأوكرانية، بخاصة إذا استطاعت الإمساك بالمبادرة، من خلال التواصل المؤثر مع التنظيمات الفلسطينية، والأطراف الإقليمية المؤثرة فيه، وتؤكد هذا التوجه تصريحات أدلى بها بعض قادة "حماس"، الذين أكدوا أن موسكو أجرت اتصالات مكثفة معهم في الساعات الأولى لهجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، وقد تطمح إلى مقايضة خفض التصعيد في غزة، بتخفيف الموقف الغربي المتشدد إزاء الحرب في أوكرانيا، مع أن تحقيق هذا الهدف قد يكون صعباً.

وساطة ما بعد الحرب

ينقسم المراقبون في شأن الدور المحتمل للصين كوسيط بين إسرائيل و"حماس"، فخلال الأيام الماضية أجرى المبعوث الصيني الخاص إلى الشرق الأوسط، تشاي جون، اتصالات هاتفية مع دبلوماسيين من إسرائيل ومصر والسعودية وفلسطين. وفي اتصاله مع نظيره المصري سامح شكري قال تشاي إن الصين ترغب في المساعدة في تنسيق وقف إطلاق النار، كما أخبر وانغ كبير مستشاري الرئيس البرازيلي الأسبوع الماضي أن الصين تدعم "مؤتمر سلام دولياً" للمساعدة في التوسط في تحقيق حل الدولتين.

وفي حين يقول مراقبون إن الموقف الصيني المختلف نسبياً قد يسمح لها بأداء دور الوساطة في المستقبل، يشك آخرون في هذا الطرح بالنظر إلى أن بكين لا تسعى إلى الضغط الفعلي على الدول. وقال رئيس برنامج السياسة الآسيوية لدى معهد الدبلوماسية الدولية بجامعة رايخمان، جيداليا أفترمان، "إن الصين لا تحب أن يكون لها دور كبير في اللعبة"، كما أنها تفتقر إلى الخبرة الإقليمية والخبرة للتوسط بمفردها. ومع ذلك فإن الصين في وضع جيد يسمح لها بلعب دور في المفاوضات بين الدول الأخرى، سواء في ما يتعلق بالإفراج عن الرهائن أو وقف إطلاق النار على نطاق أوسع، نظراً إلى شبكة شراكاتها بما في ذلك مع إيران.

ويرى الأستاذ لدى كلية الحرب الوطنية الأميركية، دون ميرفي، أن "أحد الأمور التي تتمتع بها الصين بموقع فريد هي أنها من المحتمل أن تكون لديها القدرة على التحدث مع جميع الأطراف، وفي الأقل حتى هذه اللحظة لديهم علاقة متوازنة نسبياً مع جميع الأطراف المعنية". وعلى رغم أن الحرب في أوكرانيا لا تشكل تشبيهاً مثالياً، عرضت بكين أيضاً أن تلعب دور صانع السلام هناك، وفرضت بعض الضغوط على روسيا، في الأقل عندما يتعلق الأمر باستخدام الأسلحة النووية.

ومع ذلك يظل الدور الصيني والروسي مقيداً ومحدوداً عندما يتعلق بعملية سلام شامل عندما تنتهي هذه الحرب، فوفق زميل مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، فإن الهيمنة تبقى للولايات المتحدة، إذ إن "واشنطن وحدها القادرة على إحضار إسرائيل إلى طاولة أي محادثات سلام أو قيادة أي جهود لإعادة الإعمار."

المزيد من تقارير