Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"مترو غزة"... 41 كيلومتراً من الأنفاق أخفتها "حماس" عن إسرائيل

اتهامات للفصائل الفلسطينية بإقامة البنى التحتية المتشعبة وسط السكان وتحويل المدنيين إلى "دروع بشرية"

عنصر مسلح من داخل أحد أنفاق حماس السرية  (غيتي)

ملخص

أنفاق في غزة على عمق 30 متراً تحت سطح الأرض ومداخل بقلب المباني السكنية تعرض المدنيين لخطر الغارات الجوية

بعد عملية السابع من أكتوبر (تشرين الأول) التي شنت فيها مجموعات "كتائب القسام" التابعة لحركة "حماس" هجوماً مباغتاً، هو الأكثر دموية في تاريخ إسرائيل على الإطلاق، واكبه إطلاق آلاف الصواريخ على مواقع عسكرية ومستوطنات إسرائيلية في المنطقة المسماة "غلاف غزة"، هدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وخلفه إسرائيل بشكل صريح بتفكيك حركة "حماس".

نتياهو أعلن أن "على كل عضو في حماس أن يعد نفسه في عداد الأموات". وتوعد وزير الدفاع يوآف غالانت، بعدم إنهاء الحرب قبل القضاء على نشطاء "حماس"، وقال "سنصل إلى جميع البنى التحتية والأنفاق وجميع نشطاء الحركة". وكان الجيش الإسرائيلي أعلن في بيان أن قواته انتشرت في جميع أنحاء إسرائيل، مما زاد من استعدادات العمليات للمراحل التالية من الحرب، "مع التركيز على العمليات البرية الكبيرة".

ونقلت "رويترز" عن متحدث عسكري إسرائيلي قوله "القوات مستعدة استعداداً كاملاً في الشمال، العملية قادمة وستستغرق وقتاً طويلاً مع التركيز على العمليات البرية الكبيرة". وأضاف "هدفنا التدمير الكامل لقدرات الحكم والقدرات العسكرية لحماس والمنظمات الإرهابية".

ولفت المتحدث العسكري إلى أنه "يجب على سكان مدينة غزة أن يغادروا ولا يعودوا حتى نقول لهم"، و"أبلغنا سكان غزة بالتحرك إلى الجنوب من أجل سلامتهم وحماس تمنع الناس من المغادرة".

 وأكد مقدم في القوات الجوية في حديث إعلامي، فضل عدم ذكر اسمه، أن "القوات الإسرائيلية تلتزم قيمها وقوانين الحرب في ملاحقتها لحركة (حماس) و(الجهاد)"، مشيراً إلى أن الحركتين تعملان في مناطق مأهولة بالسكان، مضيفاً أن المدنيين الفلسطينيين يتأثرون لأن "حماس تستخدمهم دروعاً بشرية"، وأضاف "نحن لا نستهدف المدنيين، بل نستهدف عناصر حماس".

مفهوم "الدروع البشرية"

استخدم مصطلح الدروع البشرية نسبة إلى الدرع، ووفقاً للمعاجم العربية، هو سلاح يدفع به المقاتل ضربات العدو، وهي قطعة من الحديد تمسك من وسطها باليد، وتدفع بها النصال. وقد سميت الدروع البشرية بذلك لأنها تقوم بدور الدروع التقليدية في حماية صاحبها. إذ كان يستخدم البشر في حماية المحاربين أثناء الهجمات بإرغامهم على السير أمام المقاتلين.

 وتشير اتفاقيتا جنيف عام 1929 وعام 1949 والبروتوكول الإضافي لها عام 1977 وأيضاً معاهدة روما عام 1998، إلى أن استخدام هذا التكتيك جريمة حرب من جانب الدول الأطراف.

أيضاً قد يأخذ الدرع البشري أشكالاً أخرى، منها تخزين أسلحة ومعدات وتمركز وحدات عسكرية مقاتلة في مناطق مأهولة بالمدنيين. ويعود تكتيك استخدام الدروع البشرية منذ نشأت الحروب بين البشر، واستعمال الطرق غير الأخلاقية فيها، لكن وفقاً لبعض المراجع فإن أقدم وقائع عسكرية ذكرت فيها تعود للقرن الـ 18، حين استخدمت القوات البريطانية-الأميركية بعض اليسوعيين، الذين كانوا أسرى لديها دروعاً بشرية في هجومها على قلعة شامبيلي الخاضعة للجيش الفرنسي في منطقة كيبك بكندا.

 

ومع تقدم القوات المهاجمة امتنعت الحامية الفرنسية في شامبيلي عن إطلاق النار، واكتفت القوات الأميركية-البريطانية بحصار القلعة لتبدأ مفاوضات انتهت بمغادرة آخر جندي فرنسي لأميركا الشمالية أواخر 1760.

الحرب العالمية الثانية شهدت كذلك استخدام الدروع البشرية على نطاق واسع، ومن أمثلة ذلك ما حدث عام 1940 عندما استخدمت القوات الألمانية مئات المدنيين والأسرى دروعاً بشرية لتغطية تقدم مدفعيتها على قاطع "بيفري لي بيتين" في منطقة كالي. وخلال انتفاضة وارسو لم يتردد الجيش الألماني في استخدام مئات المدنيين وأسرى الحرب دروعاً بشريةً في مواجهة الانتفاضة.

الأهداف المشروعة وغير المشروعة للهجوم العسكري

تتناول وثيقة أصدرتها منظمة "هيومن رايتس واتش" بتاريخ التاسع من أكتوبر الجاري، أسئلة وأجوبة تتعلق بالقانون الإنساني الدولي (قوانين الحرب)، الذي يحكم القتال الحالي بين إسرائيل و"حماس"، وغيرها من الجماعات الفلسطينية المسلحة. وتقول في إجابة عن سؤال من وماذا يمكن أن يكون هدفاً مشروعاً للهجوم العسكري؟ إن قوانين الحرب تقر بأنه من غير الممكن أحياناً تفادي وقوع بعض الخسائر المدنية أثناء نزاع مسلح، إلا أنها تفرض على الأطراف المتحاربة واجب التمييز في كافة الأوقات بين المقاتلين والمدنيين، واستهداف المقاتلين والأهداف العسكرية الأخرى فقط.

 وتشير الوثيقة إلى أن المدنيين يفقدون حصانتهم من الهجمات إذا شاركوا مباشرة في الأعمال العدائية وفقط خلال هذه المشاركة، واستناداً لمبدأي "حصانة المدنيين" و"التمييز". ووفقاً لإرشادات "اللجنة الدولية للصليب الأحمر"، تميز قوانين الحرب بين أفراد القوات المقاتلة المنظمة المنتمين إلى طرف غير تابع للدولة، والذين يمكن استهدافهم خلال نزاع مسلح، ما لم يتم أسرهم أو يصبحوا عاجزين، والمقاتلين بدوام جزئي، والذين يعتبرون مدنيين ولا يمكن استهدافهم إلا عندما يشاركون مباشرة في أعمال عدائية فقط خلال هذه المشاركة. بالمثل، يعد الأفراد الاحتياطيون في الجيوش الوطنية مدنيين إلا حين يلتحقون بالخدمة، وفي تلك الحالة يصبحون مقاتلين عرضة للهجوم.

وتشدد وثيقة "هيومن رايتس واتش" على تجنب وضع أهداف عسكرية بمن فيها المقاتلون، والذخائر، والأسلحة، والمعدات والبنية التحتية العسكرية وسط المناطق كثيفة السكان أو بالقرب منها، والعمل على نقل المدنيين من محيط الأهداف العسكرية، ويحظر على الأطراف المتحاربة استخدام المدنيين دروعاً لحماية الأهداف أو العمليات العسكرية من الهجوم.

ويشير "استخدام المدنيين كدروع بشرية" إلى تعمد استخدام وجود المدنيين لإكساب قوات أو مناطق عسكرية الحصانة من الهجوم.

هل تستعمل "حماس" المدنيين كدروع بشرية؟

تشير دراسة لمركز "مئير عميت للمعلومات حول الاستخبارات والإرهاب" نشرت في يناير (كانون الثاني) 2009، بعنوان "استعمال المدنيين (دروعاً بشرية) من قبل "حماس"، إلى أن المنظمات الإرهابية الفلسطينية (وفقاً للتعريف داخل الدراسة) أقامت في قطاع غزة بنية تحتية واسعة تحتوي على مخزون كبير من الصواريخ وقذائف الهاون التي تطلق بصورة متواصلة باتجاه التجمعات السكنية في إسرائيل، وتحدد أنه أطلق ما يزيد على ثمانية آلاف صاروخ وقذيفة هاون ما بين أعوام 2001-2008.

وتلفت الدراسة إلى أن تستر البنى التحتية وسط ما يزيد على مليون و400 ألف (في ذلك الوقت) من السكان الفلسطينيين الذين يقطنون في بقعة صغيرة من الأرض تشكل إحدى المناطق الأكثر اكتظاظاً في العالم.

وكان الإعلام العسكري لحركة "حماس" يباهي بترسانة أسلحته ومعداته الجديدة التي استخدمت للمرة الأولى في "هجوم السابع من أكتوبر" وأبرزها المظلات، وقال القيادي في "حماس" المقيم في لبنان علي بركة خلال حديث إعلامي، إن "لدينا مصانع محلية لكل شيء، للصواريخ التي يصل مداها إلى 250 كيلومتراً، و160 كيلومتراً، و80 كيلومتراً، و10 كيلومترات، ولدينا مصانع لقذائف الهاون ومصانع للكلاشينكوف ورصاصها. ونحن نصنع الرصاص بإذن من الروس".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ووفقاً لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، في تقرير خلال مايو (أيار)2021 واعتماداً على تقديرات المخابرات الإسرائيلية، فإن "حماس" تصنع أكثرية صواريخها التي تصل إلى حوالى 30 ألف صاروخ، داخل القطاع عبر تكنولوجيا مستوردة من إحدى القوى الإقليمية، وتختبر بطريقة دائمة دقتها، وتعمل على زيادة حمولتها من المتفجرات.

وتلفت دراسة مركز "مئير عمير" إلى أن استعمال "حماس" للمدنيين كدروع بشرية يهدف إلى تمكينها وبقية المنظمات الإرهابية من اكتساب فوائد سياسية-دعائية في إطار الحرب على الوعي من خلال عرض إسرائيل كمن تعمل ضد المدنيين الأبرياء والعزل.

تضيف الدراسة أن هذا التصور يستمد إيحاءه من التجربة التي تراكمت لدى منظمة "حزب الله" في لبنان والتجربة التي تراكمت لدى المنظمات الإرهابية الفلسطينية خلال المعركة الإرهابية التي تديرها هذه المنظمات ضد إسرائيل منذ أواخر عام 2000، كما أن الناشطين في المنظمات الفلسطينية الذين يقرب عددهم من 20 ألفاً وفقاً للدراسة، يحملون السلاح في قطاع غزة، ويكتسبون درجات متفرقة من المهارة، وتضيف أن هؤلاء النشطاء مزودون بالأسلحة الخفيفة والأسلحة المضادة للدبابات والعبوات الناسفة الشديدة الطاقة والصواريخ وقذائف الهاون.

أين تخبئ "حماس" ترسانتها؟

كانت إسرائيل أعلنت أنها بصدد شن هجمات جوية على أجزاء من شبكة الأنفاق السرية التابعة لحركة "حماس" تحت قطاع غزة، وفي فيديو نشره الجيش الإسرائيلي قال متحدث باسمه، "نعتبر قطاع غزة مكاناً يضم مدنيين ومن ثم توجد طبقة أخرى تحتها تنتمي لحماس. نحن نسعى لاستهداف هذه الطبقة الثانية التي بنتها حماس".

ووفقاً لشبكة "بي بي سي" أنه من الصعب تقدير حجم هذه الشبكة، حيث أطلقت إسرائيل عليها اسم "مترو غزة"، ويعتقد أنها تمتد تحت منطقة بطول 41 كيلومتراً وعرض 10 كيلومترات.

في فيديو مصور عرضته الشبكة لنفق سري بني تحت قطاع غزة، حيث تمكن مراسلها كوينتين سومرفيل من الوصول إليه بشكل حصري، قال إنه جزء من شبكة يستعملها المسلحون، وفي وقت سابق زعمت "حماس" أن أنفاق غزة تمتد لمسافة 500 كيلومتر، وأصيب منها خمسة في المئة فقط.

 في عام 2016، وخلال تشييع عدد من "ضحايا الإعداد"، الذين كانوا يعملون في حفر الأنفاق، أعلن رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، إسماعيل هنية، أن غزة "صنعت أنفاقاً للمقاومة ضعف أنفاق فيتنام التي تدرس في المدارس العسكرية، والتي يقرأ عنها العسكريون ويخطط من خلالها الاستراتيجيون".

 

 

وتقول إسرائيل إنها تريد مسح "حماس" عن وجه الأرض، وللقيام بذلك يجب عليها تدمير هذه الأنفاق. وتوفر هذه الأنفاق المأوى والنقل للجماعات المسلحة والوصول إلى إسرائيل واستخدمت الممرات عبر الحدود لشن هجمات عدة، وكان سومرفيل حصل على تصريح خاص لشبكة استعملتها حركة "الجهاد" الفلسطينية عام 2015، جنوب القطاع على الحدود الإسرائيلية، وغطيت عينا المراسل واقتيد إلى مكان سري، حيث يعرض لفتحة لقذائف الهاون تؤدي إلى نفق الهروب، ويتحث من داخل النفق عن جودة البناء ومتانته، ويعتقد أنه يصل لعمق 30 متراً تحت سطح الأرض، مع مداخل في قلب المباني السكنية، معرضاً المدنيين لخطر الغارات الجوية.

ويفيد مركز "مئير عمير" أن البنية التحتية المتشعبة للمنظمات الإرهابية الفلسطينية توجد بين السكان المدنيين الذين يقطنون وسط المراكز المدنية، حيث تشكل مدينة غزة مركز الأعصاب الخاص بالقطاع، وفي مخيمات اللاجئين الثمانية الموجودة في مختلف أنحاء قطاع غزة المكتظة بالبناء والسكان.

ويشير إلى أن "حماس" وبقية المنظمات الإرهابية الفلسطينية استنسخت ونقلت التصور القتالي لـ"حزب الله" بل طورته. ذلك التصور الذي يستند إلى استغلال السكان المدنيين كـ"دروع بشرية"، مع القيام بمطابقته لظروف الساحة الغزاوية مقارنةً بالظروف القائمة على الساحة في جنوب لبنان.

الغزاويون بين نارين

يمتد قطاع غزة على مساحة 360 كم مربع، طوله 41 كم، أما عرضه فيتراوح بين خمسة و15 كم. ويبلغ عدد سكانه وفقاً لآخر إحصائية قرابة مليوني نسمة، مما يجعل منه أكثر المناطق السكنية كثافة في العالم.

يذكر أن ما يقرب من نصف سكان غزة تحت عمر 18 سنة، وقتل أكثر من 700 طفل خلال الحرب حتى الآن، وفقاً لوزارة الصحة في السلطة الفلسطينية.

وتنقل "بي بي سي" عن رجل يبلغ من العمر 42 سنة، محاطاً بأقاربه الذين احتشدوا في المنزل من مناطق أخرى قوله، "لن أترك وطني، لن أغادر أبداً"، مضيفاً "لا أستطيع الهروب إلى مكان آخر، حتى لو كانوا سيدمرون منازلنا فوق رؤوسنا، سأبقى هنا". وكانت سلطات "حماس" في غزة طلبت من الناس عدم مغادرة الشمال، بينما تقول إسرائيل إن "حماس" تمنع الناس من المغادرة لاستخدامهم دروعاً بشرية، وهو ما تنفيه الحركة المسلحة.

وبعد حرب غزة عام 2008-2009 أشار تقرير غولدستون، وهو تقرير بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق، حيث كانت البعثة قد تلقت عديداً من التقارير التي تشكل اتهاماً للفصائل الفلسطينية بأن أفراداً منها لم يتخذوا التدابير الكافية لتمييز أنفسهم عن المدنيين، بل على العكس اختلطوا بالمدنيين وارتدوا اللباس المدني أثناء معاركهم مع الإسرائيليين.

وجاء رد البعثة بالقول، إن عدم تمييز المقاتلين أنفسهم عن المدنيين لا يعد بحد ذاته خرقاً للقانون الدولي، وإنما قد يحرم هؤلاء المقاتلين من بعض الامتيازات التي يمنحها القانون للمتحاربين، كما لم تجد البعثة دليلاً على أن أعضاء الجماعات المسلحة اشتركوا في معارك بأزياء مدنية.

 وذكر تقرير غولدستون (فقرة 450)، أنه لم يصادف أي دليل على توفر النية الإجرامية المطلوبة لدى الفصائل الفلسطينية لحماية مقاتليها من هجمات قوات جيش الدفاع الإسرائيلي، وقالت "منظمة العفو الدولية" اليوم في تقرير لها، إن هناك أدلة دامغة على جرائم حرب ارتكبتها القوات الإسرائيلية، حيث تقضي هجماتها على عائلات بأكملها في غزة، وأضافت المنظمة أنها وثقت الهجمات الإسرائيلية غير القانونية، بما فى ذلك الهجمات العشوائية، التي تسببت بخسائر كبيرة في صفوف المدنيين، ويجب التحقيق فيها باعتبارها جرائم حرب. وأشارت إلى أنها تحدثت إلى ناجين وشهود عيان وحللت صور الأقمار الصناعية وتحققت من الصور ومقاطع الفيديو، للتحقيق في عمليات القصف الجوي التي نفذتها القوات الإسرائيلية، في الفترة من السابع إلى 12 أكتوبر، التي تسببت بدمار مروع وفي بعض الحالات قضت على عائلات بأكملها.

المزيد من تقارير