يبدو أن خسائر التصعيد العسكري في غزة بين الجيش الإسرائيلي والفصائل الفلسطينية بدأت تطرق أبواب الشركات الأميركية على خلفية إعلان مقاطعة عدد كبير من سكان العالم لعدد من المنتجات الأميركية، وفق ما كشف عنه تقرير حديث، مما يشكل أخطاراً جديدة ربما تحاصر هذه الشركات التي تعاني بالفعل تداعيات التضخم وارتفاع أسعار الفائدة وعدم قدرتها على تحمل كلفة الحصول على تمويلات جديدة.
وعلى خلفية التصعيد في غزة، تراجعت أسعار الأسهم في مختلف أنحاء العالم، فيما قفزت أسعار السندات والذهب خوفاً من تصعيد الحرب الإسرائيلية على غزة حتى يتسع الصراع في منطقة الشرق الأوسط، وهوى سعر النفط الأميركي بعد تسجيله 90 دولاراً للبرميل.
إلى ذلك سجل مؤشر "ستاندرد أند بورز 500" هبوطاً بنسبة تجاوزت الواحد في المئة، في أسوأ أداء أسبوعي له منذ شهر، كاسراً المتوسط المتحرك لمدة 200 يوم (يرى بعض خبراء الرسوم البيانية علامة على اتجاه الانخفاض)، أما مؤشر الخوف في "وول ستريت" فسجل أعلى مستوى له منذ شهر مارس (آذار) الماضي.
في الوقت نفسه واصل المستثمرون البحث عن ملاذ آمن وسط أحدث التطورات الجيوسياسية، وقلصت عوائد سندات الخزانة الأميركية من زيادتها الأسبوعية التي دفعت العائد على سندات الخزانة لأجل 10 سنوات إلى نحو خمسة في المئة، وتحرك الذهب مقترباً من 2000 دولار للأونصة (الأوقية).
وفي مذكرة بحثية حديثة، قال محلل السوق في شركتي "سيتي إندكس" و"فوركس دوت كوم" فواد رزاق زاده إن "الأوضاع الحالية في الشرق الأوسط تسببت في ارتفاع مستوى التقلب في أسواق النفط والأسهم، إذ أجبرت المستثمرين على إعادة تقييم استراتيجياتهم وتحويل تركيزهم من الأصول الخطرة إلى الاستثمارات الآمنة"، موضحاً أن "كل ذلك يعني أن حال عدم اليقين تتفاقم".
موقف أكثر حذراً
في السياق ذاته، من المعقول أن تتجنب معظم الشركات الخوض في الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني طويل الأمد، ولكن بعدما اتسعت دائرة النزاع وتحول التصعيد إلى حرب بين الطرفين، فإن التزام الصمت لم يعُد خياراً وارداً، إذ يقول جيفري سونينفيلد، الأستاذ في كلية "ييل" للإدارة الذي يركز على قيادة الشركات من بين قضايا أخرى، إن "عدم قول أي شيء يدل على الجبن، فهم سيواجهون صعوبة في الاحتفال بشخصيتهم المؤسسية وما يمثلونه إذا جلسوا على الهامش بصمت".
والخسائر لا تتوقف فحسب على مقاطعة عدد كبير من المنتجات، ولكن على الحال التي تعيشها الشركات الأميركية التي تمتلك مكاتب خارج السوق الأميركية والتي ربما تواجه بعض التضييق، إضافة إلى أنه في الداخل الأميركي هناك أكثر من 100 شركة إسرائيلية مدرجة في البورصات وأسواق المال الأميركية، وهذه الشركات تقع تحت ضغط كبير في الداخل الإسرائيلي وبالفعل سجلت خسائر عنيفة منذ بداية التصعيد العسكري، وهذه الخسائر ستنتقل بالفعل إلى البورصات الأميركية.
ومع أخذ ذلك في الاعتبار، احتشدت شركات أميركية عدة لدعم إسرائيل، إذ قال الرئيس التنفيذي لشركة "مايكروسوفت" ساتيا ناديلا، "شعرت بحزن شديد بسبب الهجمات المستمرة التي تواجهها إسرائيل"، وأعرب نظيره في شركة "غوغل" ساندر بيتشاي عن "حزنه العميق".
أما شركة "ديزني"، فتبرعت هي الأخرى بمليوني دولار لإغاثة إسرائيل وأسهمت البنوك بالملايين أيضاً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بصورة عامة دانت نحو 80 شركة ذات أسماء معروفة في السوق الأميركية هجمات الفصائل الفلسطينية، لكنها في المقابل لم تتحدث أو تشير إلى ما يقترفه الجيش الإسرائيلي بحق المدنيين في غزة.
ومع ذلك، اختار عدد من المنظمات اتباع نهج أكثر حذراً، بخاصة تلك الموجودة خارج أميركا، ففي المملكة المتحدة تعرض نادي توتنهام هوتسبير لكرة القدم، المرتبط تقليدياً بمشجعيه اليهود، لانتقادات شديدة بعدما قال إنه "مصدوم وحزين بسبب الأزمة المتصاعدة في إسرائيل وغزة".
في المقابل رد أحد المشجعين، بصورة واضحة "لا تطلق على نفسك لقب نادٍ يهودي مرة أخرى... أنتم مثيرون للشفقة تماماً يا رفاق"، مما يشير إلى رفضه لموقف إدارة النادي التي حرصت على أن تقف في المنتصف من دون مساندة أو دعم أحد أطراف التصعيد العسكري في غزة.
الأرباح فحسب
في غضون ذلك اضطر بادي كوسغروف الرئيس التنفيذي لمؤتمر "ويب سوميت" الذي يصف نفسه بأنه أكبر مؤتمر تكنولوجي في العالم، إلى الاعتذار بعد اتهام إسرائيل بارتكاب جرائم حرب، لكن مجرد البقاء تحت الرادار أو المراوغة لا يعتبر ردوداً قابلة للتطبيق من وجهة نظر ليور سوزان، الشريكة المؤسسة لشركة رأس المال الاستثماري "إكليبس".
وقالت سوزان التي خدمت في القوات الخاصة الإسرائيلية إن "عدم اتخاذ موقف هو اتخاذ موقف، إذ تحتاج الشركات إلى إظهار الوضوح الأخلاقي والقيادة في مواجهة الحرب بين إسرائيل وحماس".
وطرح المدير الإداري لشركة "سيتيغيت ديوي روغرسون" لاستشارات الاتصالات الاستراتيجية ومقرها لندن ريتشارد غريفيث نقطة مماثلة، قائلاً "رأينا من خلال الهجمات الروسية على أوكرانيا أن هناك الآن توقعات أكبر بكثير بضرورة النظر إلى الشركات وهي تفعل الشيء الصحيح وتتحدث علناً"، ومحذراً أن "الوضع أصبح معقداً في الحرب بين إسرائيل والفلسطينيين"، ورأى أن "الإجراء الأكثر حكمة للشركات الآن هو إظهار التضامن مع جميع المحاصرين في هذا الوضع، مع التركيز على تخفيف آثارها على الجانب الإنساني".
وأوضح غريفيث أن "أي موقف تتخذه الشركة يجب أن يرتبط بما سيكون له من صدى لدى موظفيها وعملائها ومستثمريها"، مضيفاً "من المهم أن تفهم ما هي توقعات أصحاب المصلحة قبل أن تتدخل، وبمجرد اتخاذ هذا الموقف يجب على الشركات أن تتمسك بموقفها".