Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا لم تردع القوانين مرتكبي الاعتداءات الجنسية في الجزائر؟

تواجه جهود محاربة الظاهرة صعوبات تحول دون نجاحها أبرزها رفض الضحايا التبليغ

التشريع الجزائري تبنى قانوناً يعزز حماية القاصرين من الاعتداءات الجنسية عقب تنامي الظاهرة (رويترز)

ملخص

في السنوات الأخيرة تعالت أصوات تطالب بتطبيق عقوبة الإعدام ضد من يثبت تورطه بتهمة الاعتداء الجنسي

تثير ظاهرة الاعتداءات الجنسية في الجزائر إشكالية عميقة، ولا تكاد تتوقف وسائل الإعلام المختلفة عن كشف قضايا للرأي العام بكل ما تحمله من مظاهر العنف والاستغلال الذي يتعرض له الأطفال والنساء باعتبارهما الفئتين الأكثر هشاشة داخل المجتمع.

وتكشف الأرقام التي تعرضها المنظمات الحقوقية الجزائرية والناشطة في مجال حماية الطفولة عن معطيات خطرة وتوصف بـ"الكارثة الاجتماعية" التي تتطلب حلولاً عاجلة وقرارات صارمة لوقف ظاهرة الاعتداءات الجنسية التي يقع فريستها مئات الضحايا سنوياً.

حوادث يومية

وتشير تقديرات الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث العلمي إلى وقوع 2000 اعتداء كل عام، وتتراوح أعمار الضحايا بين 4 سنوات و22 سنة، أي نحو 5 اعتداءات يومياً، بينما يشكل الأطفال 90 في المئة من الضحايا.

في موازاة ذلك كشف رئيس مصلحة الطب الشرعي في مستشفى مصطفى باشا بالجزائر العاصمة، رشيد بلحاج، عن إحصاء 189 حادثة اعتداء جنسي منذ بداية عام 2023.

وقال بلحاج في تصريحات صحافية إن التحقيقات حول ظروف الاعتداءات، أظهرت أن بعضها مصدره أحد أفراد العائلة العائلة أو الجيران، داعياً آباء الضحايا إلى "مراقبة تصرفات بناتهم، خصوصاً اللاتي يستخدمن الهواتف الذكية، لكونهن يقعن بسهولة في قبضة من وصفهم بـ(المفترسين الجنسيين)".

وتواجه جهود محاربة ظاهرة الاعتداء الجنسي في الجزائر صعوبات تحول دون نجاح هذه المساعي، أبرزها رفض النساء والأطفال الضحايا التبليغ في كثير من الأحيان عما يتعرضون له كون الموضوع لا يزال يعتبره المجتمع من "المحرمات" التي لا يجوز الحديث عنه، فتفضل الضحية الصمت خوفاً من "انتشار الفضيحة"، خصوصاً إذا كان المعتدي من العائلة أو الأقارب.

اضطرابات نفسية

وفي 2021 خلصت دراسة بعنوان "البيدوفيليا في المجتمع الجزائري: دراسة حالة لضحايا الاعتداء الجنسي من الأطفال" (للكاتبين مقلاتي فاطمة الزهراء وسواكري الطاهر) إلى أن ضحايا الاعتداءات الجنسية غالباً ما يعانون اضطرابات سواء بعد الاعتداء مباشرة أو على المدى البعيد، حيث قد يؤدي ذلك إلى اضطرابات سلوكية ونشاط جنسي كثيف ومبكر وفقدان تقدير الذات واضطرابات نفسية.

وجاء في الدراسة أنه "في غالب الأحيان يمر الاعتداء بشكل خفي، وتظهر الأعراض في مرحلة المراهقة أو مرحلة الرشد، كما أن غياب الأعراض الواضحة عند الأطفال لا يعني غياب الصدمة، فالانهيار النفسي والجسدي اللذان يخلفهما الاعتداء يحدثان تغييراً في حياة الضحية وفي علاقتها بالآخرين، ويظهر ذلك في تعرض الطفل لمجموعة من الاضطرابات السلوكية والجنسية التي لا تنتهي بانتهاء الفعل، ولكن غالباً ما تمتد آثارها ومضاعفاتها إلى مراحل متقدمة من العمر، حيث كشف الباحثون عن أن نسبة 15 في المئة إلى 49 في المئة من الضحايا لا تظهر عليهم أعراض محددة من ذلك الاعتداء إلا بعد سنوات عدة، بخاصة إذا تم ذلك في المراحل المبكرة من الطفولة، لكون الطفل في تلك المرحلة، بخاصة خلال السنوات الخمس الأولى، في طور تكوين شخصيته وجهازه النفسي، فيأتي ذلك الاعتداء ليحدث صدمة وتشوهاً في البناء النفسي، لأن أسسه لم تكن في البداية سليمة، فكل ما لم يبن على أسس سليمة تكون نهايته التشوه أو الانهيار".

وكانت منظمات دولية وهيئات حقوقية قد وجهت انتقادات للحكومة الجزائرية حول وضعية الأطفال وحمايتهم من الاستغلال والاعتداءات الجنسية، إلا أن بعض تلك المنظمات لم تخف الجهود المبذولة من طرف الهيئات المحلية المتخصصة، في رعاية الفئة المذكورة، عبر تكثيف التشريعات الرادعة وآليات الحماية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكشفت المفوض الوطني ورئيسة الهيئة الوطنية لحماية وترقية الطفولة مريم شرفي عن أن هيئتها تلقت نحو 400 إخطار حول حالات المساس بحقوق الطفل، عبر الرقم الأخضر، والبريد الإلكتروني المستحدث للتبليغ عن الوضعيات الخطرة. كما بينت في تصريح للإذاعة الحكومية، أنه "بعد تلقي الإخطارات تتوجه مصالح الهيئة إلى الميدان، للقيام ببحث اجتماعي بغية التحقق من صحة المعلومة المبلغ عنها، حيث حول معظمها إلى مصالح الوسط المفتوح التابعة لوزارة التضامن الوطني، للتكفل بها ومعالجتها".

اعتداءات غير مسبوقة

وتقول المحامية الجزائرية فريدة عبري إن التشريع الجزائري تبنى قانوناً يعزز حماية القاصرين من الاعتداءات الجنسية، عقب تنامي الظاهرة ورصد حالات اعتداءات غير مسبوقة في حق أطفال أبرياء.

وتضيف عبري في تصريح إلى "اندبندنت عربية" أنه على رغم من تشديد العقوبات المقررة لردع المتهمين بالاعتداء الجنسي، والتي وصلت إلى السجن المؤبد في كثير من الحالات، إلا أن طوفان الاعتداءات لم يتوقف لا سيما في العامين الأخيرين أمام ذهول شبه تام عن مبررات وأسباب تلك الاعتداءات التي تراوحت بين الكبت العاطفي وتعاطي المهلوسات.

وتشير المتحدثة إلى أن "ما يزيد الأمر مأسوية هي النفسية الكارثية التي بدت على الضحايا الذين يعيشون صدمات مفزعة، بينما يظل الجرح مفتوحاً يرافقهم مدى العمر ومن مظاهر المعاناة، فضلاً عن الإصابة باضطرابات عصبية، وصعوبات في النوم، كانت القاسم المشترك بين جميع الضحايا".

وتقول إن مثل هذه الأمور استدعت استحداث تقنيات خاصة للتحقيق في هذا المجال كاستعمال التسجيل السمعي البصري لأجل سماع تصريحات الطفل الضحية معززاً بتكوين متخصص للشرطة القضائية، لما في ذلك من حماية للأطفال الضحايا على كافة الصعد، لا سيما الحماية النفسية والاجتماعية الكفيلة بتحرر الطفل من كافة القيود التي قد تحول دون تمكنه من الإدلاء بتصريحاته كاملة بلا خوف.

وأمام هذا الصمت تضيف المحامية "يبدو أننا ما زلنا في حاجة ماسة إلى إعادة تثقيف الحياة المجتمعية، بما في ذلك نشر الوعي بخصوص التحذير من آفة الاعتداءات الجنسية، مع ضرورة توجيه وسائل الإعلام إلى الانخراط في مسعى التوعية بالظاهرة، فضلاً عن الإسراع في تطبيق عقوبة الإعدام ضد من يثبت تورطه بتهمة الاعتداء الجنسي، وهذا كفيل بتقويض الظاهرة وعزلها عن المجتمع الجزائري الذي يبقى الضحية الأولى لكل خلل قد يفتك بالمنظومة الأخلاقية".

ترسانة قوانين

وفي السنوات الأخيرة، تعالت أصوات تطالب بتطبيق عقوبة الإعدام ضد من يثبت تورطه بتهمة الاعتداء الجنسي. وينص القانون الجزائري على عقوبات رادعة للتحرش ضد المرأة والأطفال القصر، غير أن تطبيقها يتعارض مع عدة عقبات بيروقراطية واجتماعية، إذ إن الضحايا مطالبون دائماً باستحضار إثباتات قوية أمام القضاء، فضًلا على أن لجوء الضحايا للقضاء يؤدي إلى تقديم تنازلات كثيرة، وهي فقدان منصب العمل أو المنع من العمل أو الخروج إلى الشارع وفق بعض العادات المجتمعية، ولذلك تلجأ الضحية إلى التكتم.

وتنص المادة 341 مكرر من قانون العقوبات الجزائري الخاصة بالتحرش الجنسي على أنه "يعد مرتكباً لجريمة التحرش الجنسي ويعاقب بالحبس من شهرين إلى خمس سنوات وبغرامة 50 ألف دينار جزائري (ما يعادل 640 دولاراً)، إلى 100 ألف دينار جزائري (1280 دولاراً)، كل شخص يستغل سلطة وظيفته أو مهنته عن طريق إصدار أوامر للغير أو بالتهديد أو الإكراه أو بممارسة ضغوط عليه قصد إجباره على الاستجابة لرغباته الجنسية".

وفصل القانون طبيعة العقوبات، إذ أشار إلى أنه "إذا كانت الضحية قاصراً لم تتجاوز الـ16 سنة، ترفع العقوبة لتصبح من 10 إلى 20 سنة، وإذا كان المجني من الأصول أو من فئة من له سلطة على الضحية أو كان موظفاً أو من رجال الدين ترفع العقوبة في هذه الحالة إلى السجن المؤبد".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير