لم يتوقف الحليف الروسي عن مساندة سوريا على مدار عقود من الزمن، وبقي محافظاً على تحالفه حتى إبان اندلاع الحرب الأخيرة، وعبر السنوات التسع تفاوت هذا الدعم من البوابة العسكرية عبر إرسال شحنات مقاتلة وطائرات حربية ومنظومات دفاع أو حتى الدعم الميداني عبر مقاتلين.
وهذا ما ظهر جلياً في آخر معارك الجيش النظامي في إدلب آخر معاقل المعارضة، وهو ما أعلنت عنه الخارجية الروسية للمرة الأولى، من خلال مشاركة مقاتليها على الأرض في معارك الشمال، أو دعم دمشق من باب قطاعات الطاقة والنفط والغاز.
واصلت موسكو الدعم في أصعب الظروف الاقتصادية، وبلغ إلى حدود إرسال شحنات من القمح، لا سيما مع تضاؤل سيطرة الحكومة على مساحات من أراضيها فاقدة الكثير من المحاصيل الزراعية ومخزونها الغذائي، وهو عماد سوريا الاقتصادي الأول.
بين التماسك والانهيار
إزاء كل هذا الدعم الواسع وغير المحدود، لا بد أن تكون البلاد غارقة بالديون، وهو السؤال الذي لم يتوقف عن التردد بين الأوساط الشعبية في أصعب سنوات الاقتصاد السوري منذ عام 2014 (العام الأقسى) "كيف يبدو الاقتصاد السوري متماسكاً؟".
وظلت تلحّ التساؤلات عن سر استمرار الحكومة عبر مؤسساتها في إعطاء مستحقات العاملين لديها مع زيادات في الرواتب، تحاول فيه رفع المستوى المعيشي مع التضخم الحاصل في عملاتها حتى لم تعد تواكب هذا الفرق الشاسع.
ومع استنزاف مقدرات البلاد الاقتصادية وانهيار العملة السورية، وصل سعر صرف الليرة السورية إلى 620 ليرة مقابل الدولار الأميركي، علماً أن سعر الصرف قبل الحرب كان 50 ليرة مقابل الدولار الواحد.
الديون المشطوبة
من جهته، يبرر الخبير الاقتصادي رضوان المبيض، أن "أبرز عوامل صمود الاقتصاد السوري في شكله الحالي هو الدعم الروسي اللامحدود، لكن كل ذلك مقابل مقايضات وامتيازات عمل الحليف الروسي على مدى سنوات لكسبها".
ويجد الخبير الاقتصادي أن "الحكومة السورية في موقع القبول بأي سيناريوات ينتشل حال البلاد المتردية اقتصادياً ولو بالمقايضة، بشطب الديون اتجاه روسيا التي وصلت إلى 9.8 مليار دولار، مقابل الحصول على امتيازات بالطاقة. فسوريا تحتاج إلى 400 مليار دولار لإعادة الإعمار، بحسب تقديرات الأمم المتحدة.
القائمة الروسية
لكن تلك الديون تمكنت من النفاذ، وكشفت وسائل إعلام روسية قائمة بالدول المُدينة لروسيا والبالغة 26.6 مليار دولار أميركي.
كذلك كشفت إحدى الصحف الروسية عن قائمة على رأسها دول مدينة مثل بيلاروسيا 7.6 مليار دولار وأوكرانيا 3.7 مليار دولار وفنزويلا 3.5 مليار دولار.
اللافت خروج دولتين عربيتين هما سوريا والجزائر من قائمة الدول المُدينة، وشطبت موسكو، بحسب تقرير نشرته صحيفة "كومسمولسكيا برافدا" الروسية، ديوناً للعراق البالغة قيمتها 21.5 مليار دولار، وسوريا التي تدين بـ 9.8 مليار دولار لموسكو، إضافة إلى الجزائر التي وصلت ديونها لـ 4.7 مليار دولار.
ديون سابقة
وأعادت الحرب السورية الأخيرة دمشق إلى صف المديونية من حليفتها الاستراتيجية روسيا، بعد أن أغلقت ملف دينها منها في أواسط العقد الماضي عام 2005، حينها شطبت كل الديون المتراكمة على دمشق، والتي ظلت تثقل كاهلها على مدار 30 عاماً، قبل ذلك التاريخ.
وعادت بعدها سوريا إلى اعتماد مبدأ "السوق الاجتماعية" كأسلوب اقتصادي جديد بعد أن خرجت ضمنياً من عباءة نظام الاقتصاد الاشتراكي.
وبدأت الشركات الخاصة تحتل مراتب هامة ومتقدمة في اقتصادها، مستحوذة على قطاعات المواصلات والاتصالات وغيرها من القطاعات الحيوية، ظلت لوقت طويل منذ عام 1958، الوحدة بين سوريا ومصر، حكراً للقطاع العام.
وفي غضون ذلك، ومع اشتعال الحرب السورية كان لزاماً على دمشق أن تلجأ إلى طهران. وفي عام 2015 أي بعد عشرة أعوام على إنهاء الديون، عادت إلى الاستدانة من الحليف القديم الروسي، بعد أن بات واضحاً تدخله الواسع في العمليات العسكرية على الأرض السورية.
مشاريع استثمارية
وفق تحليل أجراه "البنك الدولي" ونشره معهد واشنطن للدراسات، قدّر أن عام 2019، سيكون الاقتصاد الروسي قد تعافى بالكامل من ركود دام سنوات، شهد فترات تعثّر كبيرة مع انخفاض أسعار النفط والاحتياطي النقدي.
ويرى مراقبون أن "روسيا الاتحادية" لن تكون قادرة وحدها على إعادة إعمار سوريا أو إدخال شركاتها الاستثمارية في الأسواق السورية، وهذا الأمر سيرفع كثيراً من اقتصادها الذي يعاود الانتعاش.
في المقابل تقول مصادر اقتصادية مطلعة أن مشاريع استراتيجية وُضعت على اللائحة، ليس في مجال الطاقة وحدها بل في قطاع المقاولات، وأفادت بدخول شركات بناء ستقوم بإنشاء مدنٍ ومبانٍ في أكبر مدينتين هما دمشق وحلب.
تقويض الوجود الإيراني
من جهة مقابلة، قوّض تمدد النفوذ الروسي من وجود الحليف الإيراني المنشغل بحرب الناقلات في الخليج العربي، وأحكم "القيصر الروسي" على قطاعات كبيرة منها الفوسفات مع النفط والغاز، إضافة إلى قطاع النقل، منها استثماره لميناء اللاذقية، غرب سوريا، كذلك إعداد دراسة لاستثمار مطار دمشق الدولي.
وفي الجهة المقابلة، صرّح مصدر في وزارة النقل أن "هذه الاستثمارات الروسية والتي بدأت تظهر للعلن في أبريل (نيسان) 2019، تعود بالفائدة على المرافق المستثمرة، حيث سيجري الجانب الروسي توسعات في مطار دمشق الدولي في صالات الركاب، وتحديث مرفأ اللاذقية.