ملخص
تنطلق منها مئات الزوارق المحملة بشباب الجنوب الباحث عن نعيم الشمال المفقود
عاد القلق من جديد إلى المملكة الإسبانية بسبب تنامي ضغط موجات المهاجرين غير النظاميين القادمين من دول أفريقيا جنوب الصحراء، فقد انعكست الأوضاع المضطربة في مناطق الانطلاق في هذه الدول بفعل تزايد حدة الصراعات السياسية وعدم الاستقرار الدستوري لأنظمتها، إضافة إلى تحديات طبيعية كالجفاف والتغير المناخي الذي أثر في التوازن الغذائي. وكل هذا انعكس على أقرب دولة أوروبية من هذه الدول، والتي وصل وزير خارجيتها إلى نواكشوط للتباحث حول آلية ضبط صارمة للشواطئ الموريتانية التي تنطلق منها مئات الزوارق المحملة بشباب الجنوب الباحث عن نعيم الشمال المفقود.
حارس البوابة
تساءل مراقبون موريتانيون بعيد زيارة المسؤول الإسباني لموريتانيا حول طبيعة الدور الذي تريد مدريد أن تلعبه نواكشوط لمصلحتها في ملف الهجرة.
يقول الصحافي الموريتاني محمد الأمين خطاري المقيم في إسبانيا والمتخصص في شؤون الهجرة واللاجئين إن "إسبانيا على رغم ثقتها في الرؤية الموريتانية في ما يتعلق بملف الهجرة غير الشرعية، فإن الأخيرة باتت تستشعر حجم ثقل المهمة، حيث بدأت ترسل رسائل مفادها ضرورة مراجعة الاتفاقيات السابقة، ومحاولة صياغتها من جديد، وفقاً للمتغيرات الجديدة التي فرضها تدهور الأوضاع في مالي والنيجر، مما فرض إكراهات كبيرة وتحديات بالنسبة إلى موريتانيا".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويضيف الأمين "يجب على إسبانيا أن تتفهم هذا المتغير في الوقت الراهن، وربما هو ما عجل بزيارة وزير الداخلية الإسباني لموريتانيا، ويفهم من سياق زيارته أن مدريد ربما تطمح أن يكون تعاونها مع موريتانيا تحت المظلة الأوروبية، خصوصاً بعد موافقة الدول الأوروبية على مشروع قانون يتم من خلاله مواجهة تحديات الهجرة غير الشرعية بشكل مشترك من طرف دول الاتحاد الأوروبي، وليس بشكل منفرد عبر اتفاقيات ثنائية، فيما تحاول موريتانيا من جهتها المحافظة على اتفاقياتها مع إسبانيا".
وترى أم لخوت يحيى مسؤولة الإعلام في مركز "الصحراء" للدراسات والاستشارات، أن "إسبانيا تضع ضمن خططها أن تلعب الدول التي تأتي منها تدفقات المهاجرين دور حارس البوابة، لكن موريتانيا لم تعد تريد المواصلة كما في السابق، حيث بدأت منذ سنتين طرح شروطها لاعتراض المهاجرين، ويسعى الاتحاد الأوروبي جاهداً خلال لقاءاته الماراثونية بالمسؤولين الموريتانيين للضغط على موريتانيا ليكون تصديها للهجرة بأقل الأثمان".
هروب جماعي
وعصفت التغيرات السياسية والأمنية بمؤشرات الاستقرار لدى شباب منطقة دول الساحل الأفريقية، حيث غادر آلاف الشباب قراهم ومدنهم في عدد من دول القارة مثل مالي وبوركينا فاسو، اللتين عرفتا انقلابات عسكرية أخيراً، ما عمق من جراح هذه الدول المضطربة أصلاً بفعل نشاط الجماعات المتطرفة التي سنحت لها الأوضاع الداخلية بالانتشار والتغلغل، إضافة إلى ضعف الدولة المركزية وبطء عودة المؤسسات الدستورية الديمقراطية.
واقع تدهور الأوضاع في أفريقيا والساحل راكم، منذ عام 2020، عديداً من التحديات الأمنية والإنسانية وزاد من حركة اللجوء وهجرة المواطنين في هذه المنطقة. فبحسب الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، رئيس مكتب المنظمة في دول غرب أفريقيا والساحل محمد بن شامباس، في تقرير إلى مجلس الأمن نهاية يوليو (تموز) 2020، فإن هناك أكثر من 921 ألف مواطن من بوركينا فاسو وحدها أرغموا على الفرار من بيوتهم ومدنهم، في يونيو (حزيران) 2020، ما يمثل نسبة 92 في المئة مقارنة بأعداد الهاربين في 2019. فيما بلغ عدد من تم إبعادهم داخلياً في مالي نحو 240 ألفاً، من بينهم 54 في المئة من النساء.
واعتبر مراقبون لملف الهجرة غير النظامية في موريتانيا أن زيارة المسؤول الإسباني لنواكشوط، تأتي بعد أن ضاقت السلطات في مدريد من قوافل المهاجرين الذين فاضت بهم شواطئها، وتأتي هذه الزيارة لتفكيك ميكانيزمات التحديات التي يشكلها التدفق البشري من دولة مالي وبوركينا فاسو.
استعداد أوروبي للدعم
لا تتردد إسبانيا ومن ورائها دول الاتحاد الأوروبي في تأكيد استعدادها لتقديم أي دعم لدول الانطلاقة المغاربية في سبيل وقف موجات المهاجرين.
وبحسب أم لخوت يحيى، فإن "الرؤية التي تطرحها السلطات الإسبانية هي دعم خفر السواحل والبحرية الموريتانية وشرطة الهجرة بالتكوين والدعم اللوجيستي لوقف سيل المهاجرين المتدفق، لكن موريتانيا تريد تعديلاً في هذه الرؤية بحيث تلعب إسبانيا والاتحاد الأوروبي دوراً في تمويل مشاريع تنموية بموريتانيا مقابل دورها في التصدي للهجرة، وأن موريتانيا ترفض أن تكون مكاناً لإيواء المهاجرين الذين ازداد تدفقهم إليها في الفترة الأخيرة، جراء الحروب المتواصلة في الدول الأفريقية. وقد بدأت موريتانيا في ضبط وضعية الأجانب المقيمين على أراضيها وإخضاعهم لقانون الإقامة وترحيل المقيمين بشكل غير شرعي على أراضيها إلى بلدانهم".
وأظهرت الزيارة مدى سعادة موريتانيا وإسبانيا بثمار جهودهما في مجال محاربة الهجرة غير النظامية، وهو ما يفسر الحديث عن توقيع عديد من الاتفاقيات حول التعاون الأمني، والتي ينص أغلبها على ضرورة وجود بنود تضمن حصول موريتانيا من الطرف الإسباني على آليات لوجيستية وأخرى تقنية في المجال الأمني لمساعدتها في التصدي لظاهرة الهجرة غير الشرعية والتهريب بجميع أشكاله وغيرهما من أنواع الجريمة المنظمة، والعابرة للحدود فضلاً عن اتفاقيات تبادل الخبرات في المجال الأمني.
وعلى رغم ذلك لا تتوقع أم لخوت "نجاح جهود موريتانيا وإسبانيا في مواجهة الهجرة السرية، على رغم أن الإحصاءات الرسمية تشير إلى تناقص أعداد المهاجرين الذين عبروا الشواطئ الموريتانية نحو أوروبا أو حاولوا ذلك خلال السنوات الأخيرة، نظراً إلى أن مجابهة الهجرة يجب أن تتم من المنبع، وما لم تنعم الدول الأفريقية المصدرة للمهاجرين بالاستقرار والديمقراطية فستظل الهجرة في ازدياد".
محطة عبور واستقبال
تشير البيانات الأخيرة، التي نشرتها وكالة حماية الحدود والسواحل الأوروبية "فرونتكس" FRONTEX، إلى أنه مع تراجع نسبة المهاجرين غير الشرعيين عبر محور ليبيا منذ عام 2018 فإن سواحل موريتانيا باتت وجهة مفضلة للباحثين عن اللجوء والهجرة غير النظامية، وهو تدفق تعززه بعض الإحصاءات والمعطيات التي تؤكد أن أعداد المسجلين في العاصمة في ديسمبر (كانون الأول) عام 2022 وصل إلى 136000 مهاجر، وهو ما يزيد من هشاشة الأوضاع الأمنية والاجتماعية والاقتصادية للدولة الموريتانية التي تتميز بكونها دولة عبور واستقبال في آن واحد.