ملخص
جيش بوتين يطوق القوات الأوكرانية على الجبهات الأمامية وقلق من شح في الذخيرة.
فيما عيون العالم شاخصة في المشاهد المروعة من إسرائيل وغزة، يشتعل القتال بشراسة في مواقع متعددة وعلى امتداد مئات الأميال على جبهة القتال الأمامية بين القوات الأوكرانية والروسية. ويقول جنود إن القوات الروسية تحيط بهم من الجهات كافة في بعض المناطق، بينما يفيد آخرون بأنهم يواجهون نقصاً في الذخائر.
والحال أن الاشتباكات ممتدة من الحدود الشمالية لأوكرانيا مع روسيا، إلى ميادين القتال في منطقة زابوريجيا الجنوبية، حيث تسعى قوات كييف لشق طريقها عبر بحر آزوف، في محاولة منها لقطع الجسر البري بين روسيا وشبه جزيرة القرم التي تحتلها موسكو.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي هذا السياق، قامت روسيا بنقل تعزيزات كبيرة لها من الجنوب، حيث يبدو أن الجيشين منشغلان بمعركة استنزاف دموية، وباتجاه الشمال، مما يمثل تهديداً لبلدات مختلفة من بينها كوبيانسك، وسفاتوف، وكريمينا، وليمان، وسيفيرسك، وأفدييفكا، علماً بأن هذه البلدات هي عابرة لثلاث مناطق: دونيتسك ولوهانسك في الشرق، وخاركيف في الشمال الشرقي.
على هذه الخلفية، تحدث [مراسلون من] "اندبندنت" مع جنود أوكرانيين من مختلف الرتب في بعض من هذه المواقع. فأبدوا بغالبيتهم الساحقة معنويات عالية إلى حد كبير. وفي سياق الحديث، أفصح ستيبان بارنا، قائد كتيبة قوات في إحدى المناطق التي تشهد اليوم أشد المعارك، عن السبب المعلن لمواصلة القتال، بنظر عدد كبير من الجنود الأوكرانيين. [فنقل عنهم أن السبب يتمثل] بالدمار الوحشي الذي خلفته القوات الروسية ومنت به شعب أوكرانيا وأراضيها. وقال في هذا الصدد: "لقد رأينا ما فعله الروس. وليس لديهم أي طريقة أخرى للقتال. ونحن ندرك ما سيحدث في جميع أنحاء أوكرانيا لو كان النصر حليف [الرئيس الروسي فلاديمير] بوتين. وبالتالي، لم يبقَ لدينا أي خيار سوى [مواصلة] القتال وهزيمة الروس".
استطراداً، يتمركز بارنا ورفاقه داخل تجمع ريفي يسمى سبيرن ويقع في نهاية الجبهة الأوكرانية الممتدة إلى داخل الأراضي التي تسيطر عليها روسيا، على مقربة من بلدة باخموت في دونيتسك، حيث احتدمت معارك دموية على امتداد أشهر - وكان بعضها من بين الأعنف منذ [بداية] الغزو الروسي وحتى الآن.
وأكمل قائلاً: "[يتمركز] الروس [في مواقع] أمامنا وعلى جانبينا. وبالتالي، ندرك دوماً وجود خطر تطويقنا". وقد أطلق هذا التصريح في معرض كلامه عن هجمات أمامية متكررة شنتها القوات الروسية التي تواصل تقدمها على رغم الخسائر الفادحة [في عديدها]. إلى ذلك، أعرب بارنا عن ثقته بقدرته وقدرة رفاقه على المثابرة، مع أنه اعترف بأن الخسائر [البشرية] الأوكرانية كبيرة، وإن كانت أقل بكثير من خسائر الجانب الروسي.
في هذا السياق، قيل إن أوكرانيا استعادت من روسيا نحو 370 كيلومتراً مربعاً (140 ميلاً مربعاً) من الأراضي، منذ انطلاق هجومها المضاد في يونيو (حزيران) الماضي.
تجدر الإشارة إلى أن بارنا كان سياسياً بارزاً قبل بدء الغزو الروسي الشامل في 24 فبراير (شباط) من العام الماضي. وهو تبوأ في سياق مسيرته [المهنية] منصب حاكم منطقة تيرنوبيل الأوكرانية الغربية، ولا يزال حتى اليوم عضواً في مجلسها الإقليمي. واللافت أن هذا الأخير تطوع للخدمة العسكرية تحديداً في اليوم الذي بدأ فيه الغزو.
وفي الأشهر الأولى من النزاع، حارب [بارن] ضد القوات الروسية التي هاجمت العاصمة كييف من الشمال الغربي. وفي الصيف الماضي، نُقلت وحدته إلى شرق أوكرانيا وتمركزت في محيط باخموت، حيث لا تزال قائمة منذ ذلك الحين. ويشار إلى أن شقيقه أوليه، وهو عضو سابق في البرلمان الأوكراني، شارك هو التالي في مواجهة الغزو الروسي، وقد مات قتيلاً في المعارك في وقت سابق هذا العام، مما يشير إلى قسوة المعارك [التي تشهدها البلاد].
وعلى ما يبدو، بلغت [حدة] الهجمات الروسية ذروتها في الأيام القليلة الماضية، مع تركيز موسكو [مساعيها الحربية] على بلدة أفدييفكا، التي تعتبر عملياً في ضواحي مدينة دونيتسك الشرقية. وفي هذا الصدد، كشفت القيادة العامة للقوات المسلحة الأوكرانية أن موسكو خسرت، على امتداد أيام عدة، ما يقارب ألف جندي يومياً في سياق هجمات متكررة، ناهيك عن عشرات المركبات المدرعة. والحال أن ضبابية الحرب تحول دون تحديد هذه الأرقام بدقة.
في سياق مماثل، أعلن الأوكرانيون أن قواتهم دحرت عشرات المحاولات التي خاضها الجيش الروسي للاستيلاء على مواقع أوكرانية في محيط أفدييفكا وعلى طول خطوط الجبهة شمالاً. وقد أدت هذه المحاولات إلى تكبد خسائر كبيرة من الجانب الروسي، من دون أن تحدث أي تغيير كبير في [حجم] الأراضي التي يسيطر عليها أي من الطرفين، مع أن كييف زعمت أن قواتها أحرزت بعض التقدم في محيط باخموت. ومن جهته، أكد "معهد دراسة الحرب"، الذي يراقب التحركات على الجبهة، تأييده لتقييم الوضع الصادر عن كييف.
من جهة ثانية، قد يكون تزايد الهجمات الروسية ناتجاً من تردي حال الطقس، الذي يحول ميادين القتال، وهي بمعظمها سهوب [وأراضٍ سهلية] مسطحة، إلى مستنقعات موحلة وغير سالكة لعدد كبير من المركبات الآلية، ستعود وتتحول إلى أراضِ يجمدها الجليد وتكسوها الثلوج مع حلول فصل الشتاء.
من جهة أخرى، تدور تكهنات بين المصادر الأوكرانية بأن بوتين يسعى لممارسة ضغوط، من أجل تحقيق ما يمكن تصويره، وإن كان ضئيلاً في سياق أكبر، كانتصار بنظر شعب بلاده قبل الانتخابات الروسية المتوقعة في الربيع المقبل. وقد سبق لبوتين أن أثبت أن حساباته لا تأخذ في الاعتبار خسائر العديد التابعين لروسيا. وفي تحديث أخير، أعلنت وزارة الدفاع البريطانية أنه من "المرجح" أن تكون روسيا قد حصدت ما بين 150 ألفاً و190 ألف إصابة دائمة - ما بين قتيل وجريح دائم. ويرتفع هذا الرقم إلى ما بين 240 ألفاً و290 ألف إصابة إذا ما أضيف إليه الجرحى الذين يُحتمل أن يعودوا إلى ساحة المعركة.
وفي الوقت نفسه، لم يسجل أي تراجع في عدد هجمات الصواريخ والمسيرات الروسية ضد أهداف مدنية. فيوم الأحد [مثلاً]، أصاب أحد الصواريخ مكتب البريد بمحاذاة مدينة خاركيف، مما أسفر عن مقتل ستة أشخاص وإصابة آخرين. وقد أعلنت أوكرانيا يوم الإثنين أنها أسقطت 14 مسيرة هجومية، إلى جانب صاروخ "كروز" كانت روسيا قد أطلقته نحو جنوب البلاد وشرقها خلال الليل. بيد أن حطام إحدى المسيرات التي تم إسقاطها ألحق أضراراً في أحد المستودعات، في ميناء البحر الأسود بمدينة أوديسا.
في سياق موازٍ، فشلت الدفاعات الجوية في إسقاط تسع مسيرات إيرانية الصنع من طراز "شاهد" فوق المنطقة الجنوبية في أوديسا، في موقع توجد فيه موانئ أوكرانيا البحرية الرئيسة على البحر الأسود. وفي هذا الإطار، كتب حاكم المنطقة أوليه كيبر عبر تطبيق "تليغرام" أنه لم يتم الإبلاغ عن وقوع إصابات. أما وزارة الداخلية الأوكرانية، فأعلنت أن هذا الهجوم طاول أيضاً المناطق الجنوبية في خيرسون، والمناطق الشرقية في دونيتسك، والمناطق الشمالية الشرقية في سومي.
وفي بيان على تطبيق "تليغرام"، كتب قائد سلاح الجو [الأوكراني] ميكولا أوليشتشوك قائلاً: "إن الأسلحة الغربية أثبتت ولا تزال تثبت فاعليتها على أرض المعركة".
مع ذلك، وفي أماكن عدة زارها [مراسلو] "اندبندنت"، أبدى ضباط وجنود أوكرانيون استياءهم حيال نقص الذخائر، ولا سيما ذخائر الأسلحة المدفعية. وأعرب كثيرون عن إحباطهم لأنه في موازاة ما اعتبره بعض المراقبين الغربيين كهجوم متوقف أو حتى فاشل من الطرف الأوكراني، إلا أن حلفاء كييف لم يقدموا ما يكفي من الموارد [للأوكرانيين]، كأسلحة المدى البعيد والمقاتلات الجوية التي تعتبر ضرورية لإرغام الروس على الخروج من أوكرانيا وجلبهم إلى طاولة المفاوضات.
استطراداً، شعر معظم الأوكرانيين بالصدمة حيال وحشية هجمات مجموعة "حماس" ضد إسرائيل في وقت سابق من هذا الشهر، وقارنوها بالويلات التي اقترفها الروس على أراضيهم. و[قالوا إنهم] يعرفون أن الولايات المتحدة، أكبر حليف لأوكرانيا، ستكرس دعماً عسكرياً كبيراً لإسرائيل.
ومن جهته، أعرب عميد [في الجيش] عن شعور بالقلق يعكس مخاوف كثيرين غيره، عندما تساءل إن كان النزاع في إسرائيل سيحول الانتباه عن الحرب في أوكرانيا، ويؤدي إلى استنزاف إمدادات القوات المسلحة الأوكرانية، بينما يعمد الحلفاء إلى تزويد إسرائيل بأسلحة وذخائر كانت مخصصة لأوكرانيا.
وفي حوار مع [مراسلي] "اندبندنت"، قال أندري غوتا، مستشار إدارة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إن الهجوم البري الموسع الذي من المتوقع أن تشنه إسرائيل ضد حركة "حماس" في غزة، قد يتطلب أن تنشر إسرائيل 400 ألف جندي ومئات الدبابات والطائرات الحربية عالية الجودة. وهو واثق من أن القوات الإسرائيلية ستنجح [في مهمتها]، حتى لو أن استكمال هذه المهمة سيستغرق بضعة أشهر.
وتابع قائلاً إن مساحة قطاع غزة تعادل نصف مساحة مدينة كييف، وإن أوكرانيا عليها محاربة ما كان يُعتقد أنه أقوى جيش في أوروبا، ويدور الكلام هنا عن الجيش الروسي، بجزء صغير من الموارد التي ستستخدمها إسرائيل.
إلى ذلك، أكد أن أوكرانيا قد أبدت بالفعل كفاءة على صعيد استخدام الصواريخ الأميركية من طراز "أتاكمس" ATACMS التي حصلت عليها أخيراً. لكن حتى قبل الإعلان [رسمياً] عن وجود هذه الصواريخ في البلاد، استخدمتها القوات العسكرية الأوكرانية لضرب هدفين مهمين في مدينتي لوهانسك وبرديانسك الخاضعتين لسيطرة القوات الروسية. وبحسب التقارير، أدت هذه الهجمات الفتاكة إلى تدمير تسع مروحيات روسية، إلى جانب أسلحة متطورة وتجهيزات [حربية] ومخازن ذخائر.
وفي حين أثنى غوتا على تزويد [أوكرانيا] بصواريخ "أتاكمس"، أشار إلى أن نطاق هذه الأخيرة لا يتعدى 160 كيلومتراً (100 ميل)، مضيفاً أن [بلاده] لم تتسلم إلا ما يقارب 20 صاروخاً. وأوضح أن أوكرانيا بحاجة إلى النسخ الأقوى [عن الصواريخ المذكورة]، القادرة على ضرب أهداف تبعد مسافة 300 كيلومتر.
وكذلك، أكد أنه يتعين توفير كميات كبيرة من الصواريخ للقضاء على البنية اللوجستية التابعة للكرملين على امتداد الجسر البري الحيوي الذي يربط بين روسيا وشبه جزيرة القرم، بما في ذلك المئات من المستودعات الكبيرة والصغيرة على طول هذا المسار.
وقال إنه من وجهة نظره الشخصية، من الضروري أن تدمر أوكرانيا جزءاً كبيراً من القدرات الجوية والبحرية الروسية، كي تتمكن من فرض هزيمة مقنعة ومؤثرة على روسيا.
وقال غوتا: "على امتداد تاريخ روسيا، كان الأسطول البحري للبلاد - الذي أسسه القيصر بطرس الأكبر - وأسطول الطيران لديها، الذي جرى تطويره في عهد الاتحاد السوفياتي، في صميم اعتقاد [الشعب الروسي] بأن روسيا "عظيمة". وبالتالي، يشكل [هذان الأسطولان] المكونين الأساسيين لقوة روسيا العسكرية، وأثرهما كبير في نفسية [شعب] البلاد".
وأضاف: "في حال تدمير قدراتهم البحرية والجوية، لن تكون لديهم المرافق أو القدرات الاقتصادية الضرورية لإعادة بنائها. وبالتالي، سيكون تدمير جزء كبير من قوتهم الجوية وأسطولهم بمثابة ضربة قاضية، ولن يتمكنوا من التعافي منها، ولن تعود روسيا تشكل مصدر تهديد عسكري للعالم بأسره، وذلك إلى الأبد".
وقال في الختام: "تصوروا كيف سنهزم روسيا، لو امتلكنا جميع الأسلحة الضرورية لإنجاز هذه المهمة".
© The Independent