حين صار "وحش الشاشة" جذابا وعاطفيا ومهذبا

يسبب السفاح الرعب للمجتمع كله وليس لضحيته وحدها من خلال جريمة واحدة وهذا هو سر انتشار أسطورته، إذ يظهر هذا النوع من القتلة وسط المجتمعات المعدمة مادياً أو ثقافياً، لذلك أصبحت الأسطورة متداولة في الدراما المحلية والعالمية، ويرمز تشخيص هذا النوع من المجرمين إلى الإنسان السادي لدى تجاوزه جميع الحدود الإنسانية ليمارس جرائمه المتسلسلة بكل سهولة.

وتقوم أسطورة السفاح أيضاً على عامل مهم آخر وهو ضرورة التفوق على الضحية ذهنياً أو جسمانياً، لذلك يقع اختيار هؤلاء على المرأة والطفل كمركز للجريمة حتى لو كان بعض السفاحين من النساء.

وليس السبب وراء ذلك مجرد ضعف المرأة أو الطفل بدنياً، بل إن مكانة الضحية في المجتمع وكونها مستضعفة أو مهملة أحياناً تفيد هذا النوع من القتلة والمجرمين، وتظهر اللقطة الافتتاحية من المسلسل المصري "سفاح الجيزة" من بطولة أحمد فهمي والذي عرض أخيراً أن استضعاف السفاح للمرأة والمجتمع بلغ حد الاحتفاظ بجثتها في منزله وداخل ثلاجته، مما يضع الإنسان في مرتبة الحيوان بوصف أحد أبناء جنسه مجرد وجبة للأكل لا أكثر.

صمت الحملان

ونال الممثل العالمي أنتوني هوبكنز جائزة "أوسكار" لأفضل ممثل قبل ما يقارب ثلاثة عقود لدوره في فيلم "صمت الحملان"، وفي هذا العمل الشهير الذي جسد هوبكنز دور البطولة في معظم أجزائه، تظهر متلازمة جديدة للسفاح وهي التحول، فالقاتل المتسلسل الذي يلاحقه المحققون وبطل الفيلم يستخدم الفراشة كتميمة في العمل، إذ ترمز إلى أمر آخر غير تحولها من شرنقة إلى صورتها النهائية، وهو أثرها الهائل الذي تتركه في حياتنا خلال حياتها القصيرة جداً.

وفي هذا إشارة واضحة إلى أن أثر السفاح في عقولنا تجاوز مدة حياته القصيرة بيننا، إذ يجد معظم السفاحين حتفهم من خلال الإعدام قبل التقدم في السن كثيراً.

يسبب الرعب للمجتمع كله من خلال جريمة واحدة ويختار ضحيته من بين الأضعف (مواقع التواصل)

واُتهم العلم الحديث والإعلام بأنهما متواطئان أحياناً في الجريمة، إذ يضللان الرأي العام العالمي في بعض الحالات، ولعل أشهرها قضية التدخين والترويج لقضايا المناخ لمصلحة شركات عالمية متنفذة وفي مقابل المال، وفي حال السفاح جاك المعروف إعلاميا باسم "ذا ريبر"، والذي ظهر في مناطق فقيرة من لندن قديماً، أسهم الإعلام وهو في أوج قوته في ذلك الوقت في الترويج لهذه الشخصية بحثاً عن الإثارة ولتحقيق المبيعات، في ما ظهر علم كامل باسم هذا القاتل هو علم السفاحين أو "ريبرولوجي" الذي وضع ما يقارب 100 نظرية حول هذا السفاح الذي ظلت هويته مجهولة حتى وقتنا الراهن.

السفاح الطفل

سادا طفل هندي قتل ثلاثة أشخاص قبل أن يعترف بجرائمه لوالده الذي كان يسيئ معاملته وينهي حياته بيديه، وتعد حال سادا غريبة لأن السفاح وفق العلم يجب أن يكون بالغاً جسدياً وعقلياً، بل إن درجة ذكاء السفاحين تعد الأعلى بين بقية المجرمين، فبعضهم أطباء وبعضهم محامون أو صيادلة، كما أن السفاح بحاجة إلى خبرة كبيرة في الحياة لأنه على خلاف جميع الشخصيات المرعبة مثل الوحش والغول والزومبي، يعيش بين الناس ولا يعتزل المجتمعات، كما أنه يتزوج ويتمتع وفق بعض الموسوعات العلمية بالتهذيب الشديد وحس الأناقة، وبعض السفاحين مثل هنري هولمز كان زير نساء أو دونجواناً، إذ قتل هذا الأخير ما يقارب 300 امرأة بينهم زوجاته وصديقاته، لذلك تظل شخصية الطفل السفاح سادا بمثابة لغز علمي ومؤشر على عدم فك كل أسرار علاقة هذا النوع من الجريمة بالبيئة والمجتمع.

وصل استهتار المجرم لدرجة ترك جثة الضحية في الثلاجة وكأنها وجبة للأكل (مواقع التواصل)

ووفق "صمت الحملان" و"سفاح الجيزة" وأعمال أخرى فإن نظرة السفاح إلى المجتمع تشبه نظرة الحيوان المفترس لقطيع من الأغنام، إذ يختار المفترس الفريسة الأضعف في المجتمعات، وبمجرد وقوع الضحية بين يديه يتحول إلى شخصيته الحقيقية التي يمتلك بموجبها حق التصرف بجميع أجزاء جسدها وروحها، فيتلذذ بسماع أنينها وصراخها، بل قد يتناول أجزاء منها.

وفي المقابل تعد شخصيته دليلاً على خطورة دور الفن والإعلام في عكس الشخصيات المفزعة بصورة جذابة، إذ شاهدنا أخيراً من خلال الدراما وعلى شاشات السينما غولاً مبتسماً ومصاص دماء رومانسياً وزومبي لطيفاً، إلى جانب أسطورة الوحوش الطيبة وصولاً إلى السفاح المهذب.