ملخص
تبحث "اندبندنت" في جدوى ملصقات الكربون ومدى نجاعتها في مساعدة الأفراد على اتخاذ قرارات سفر أكثر مسؤولية
قد لا يكون استخدام ملصقات البصمة الكربونية مفهوماً جديداً، لكنه يكتسب مزيداً من الاهتمام في الآونة الأخيرة، خصوصاً في قطاع السفر.
الفكرة واضحة ومباشرة، فعلى غرار تصميم "ملصقات" التغذية الموجودة على عبوات المواد الغذائية لتسهيل مقارنتها ومساعدة المتسوقين على اتخاذ خيارات صحية سليمة، يتعين أن توفر الملصقات الكربونية وسيلة بسيطة لمقارنة المنتجات أو الخدمات من حيث استدامتها، من خلال توفير بصمة عددية واضحة.
وقد بدأت أعداد متزايدة من الشركات عبر مجموعة متنوعة من القطاعات تتبنى هذه الفكرة. ففي الشهر الماضي وحده، دعت العلامة التجارية لحليب الشوفان "أوتلي" Oatly قطاع إنتاج الألبان إلى البدء بوضع ملصقات البصمة الكربونية على منتجاتها، في حين قدم تطبيق تتبع التمارين الرياضية "سترافا" Strava، أخيراً، ميزة جديدة لاحتساب توفير الكربون عندما يشارك المستخدمون في أنشطة مثل الجري والمشي وركوب الدراجات العادية والإلكترونية، كما أن علامات تجارية رائدة في مجال الأغذية والمشروبات - مثل "كورن" Quorn التي تقدم بدائل خالية من اللحوم، و"تنزينغ" Tenzing وهي شركة منتجة لمشروبات الطاقة النباتية، و"مايندفول شيف" Mindful Chef وهي شركة بيع بالتجزئة لأدوات الوجبات الغذائية - أصبحت رائدة في اعتماد ملصقات البصمة الكربونية لمنتجاتها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وصممت ملصقات الكربون لتوفير طريقة مباشرة لمقارنة المنتجات أو الخدمات وتحديد المنتجات الأكثر استدامة بسرعة.
مع ذلك، قد يكون هذا المفهوم في قطاع السفر أكثر تأثيراً، إذ لا شك في أن السفر هو أحد أكثر الأنشطة الترفيهية التي تحوي نسبة عالية من انبعاثات الكربون، التي يشارك فيها معظمنا على الإطلاق، ومع ذلك فإن الغالبية منا ليس لديهم سوى القليل من الفهم لتأثيره البيئي.
فعند التفكير في الأمر، يصبح من الصعب على الشخص العادي تحديد الخيار الأسوأ حقاً: سواء كانت رحلة بحرية شاملة كل الخدمات حول جزر البهاماس، أو السفر إلى منتجع صديق للبيئة في كوستاريكا، في رحلة ذهاب وإياب لمدة 24 ساعة على متن طائرة "بوينغ 787"؟ ومع الأخذ في الاعتبار عامل عدم الخبرة لدى الأفراد، فإن تحديد العطلة التي تعد الخيار الأكثر مسؤولية من الناحية البيئية، قد يبدو مهمة صعبة.
بعض المشغلين الرائدين في قطاع السفر بدأوا عملية شاقة لقياس الأثر البيئي لرحلاتهم، وصولاً إلى أدق التفاصيل، وقاموا بنشر النتائج على رحلاتهم قبل بضعة أعوام. وقادت شركة "ماتش بيتر أدفنتشرز" Much Better Adventures هذه المهمة، عندما قامت بتجربة هذا المفهوم في بداية عام 2021 -وهي أول شركة سفر دولية تقوم بذلك. وأعرب سام بروس المؤسس المشارك للشركة عن تفاؤله قائلاً "هل أتوقع أن يعتمد في كل مكان؟" أعتقد ذلك. يجب أن يتجاوز الأمر نطاق السفر وأن يشمل جميع المنتجات التي نشتريها، يجب أن تكون ملصقات الكربون بمثابة الشعار الجديد كما نظيراتها المتعلقة بقائمة السعرات الحرارية للمواد الغذائية.
وتتضمن ملصقات شركة "ماتش بيتر أدفانتشرز"، انبعاثات الكربون الناتجة من جميع جوانب الرحلة، بما في ذلك النقل المحلي والإقامة والأنشطة والأشخاص الذين يقومون بدور الدليل السياحي والموظفون والعمليات المكتبية.
وحذت حذوها شركة "بورا أفينتورا" Pura Aventura وهي شركة سفر متخصصة في الرحلات إلى أميركا اللاتينية وإسبانيا والبرتغال، لكن بأسلوب فريد من نوعه. ويقول طوماس باور المؤسس المشارك ورئيسها التنفيذي إن "التعقيد الذي نواجهه هو أن جميع رحلاتنا مصممة وفق متطلبات عملائنا -لذا لا يمكننا ببساطة أن نقول إن لدينا على سبيل المثال 50 رحلة ودعونا نقيس انبعاثات الكربون في كل منها. إن كل رحلة تختلف عن الأخرى. ولهذا السبب لجأنا إلى تطوير أداة قياس حية وقمنا بدمجها في قاعدة بياناتنا".
ولا تعمل الشركة على قياس البصمة الكربونية للرحلة نفسها فحسب، بل تأخذ في الاعتبار أيضاً تجربة السفر بأكملها، بدءاً من عتبة المنزل حتى الوجهة النهائية. ويوضح طوماس أن "الهدف هو جمع معلومات عن مكان إقامة الأفراد، وموقع المطار الذي يغادرون منه، والتفاصيل المحددة للرحلة المختارة. ومن خلال إدخال الرمز البريدي الخاص بهم، ومطار غاتويك (على سبيل المثال)، ورحلتهم الجوية القصيرة، في قاعدة البيانات الخاصة بهم، يقوم جهاز قياس البصمة الكربونية باحتساب الانبعاثات الإجمالية الناتجة من الرحلة بأكملها".
ومن المنتظر أن يتبنى هذه السنة عدد متزايد من مشغلي قطاع السفر -لا سيما منهم الملتزمون بشدة مبدأ الاستدامة- نهجاً مماثلاً، فقد قامت شركة "ريسبونسيبل ترافل" Responsible Travel التي تضم 479 عضواً في مجال السياحة والإقامة على مستوى العالم، بطرح ملصقات البصمة الكربونية. وعلى رغم أنها أجرت في البداية دراسة محدودة لتقييم انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من باقات العطلات المختارة عام 2020، فإنها واجهت تحديات في توسيع نطاق المنهجية التفصيلية المستخدمة. ومع ذلك، دفعت نتائج الدراسة بالعلامة التجارية إلى الدعوة إلى اعتماد ملصقات البصمة الكربونية في مختلف أنحاء قطاع السياحة العالمي.
بعد ذلك، دخلت "ريسبونسيبل ترافل" في شراكة مع مؤسسة "إكسبلور وورلد وايد" Explore Worldwide التي تنظم عطلات المغامرة، التي قدمت أداة منهجية خاصة بها لقياس الكربون. ومكن هذا التعاون شركة "ريسبونسيبل ترافل" من وضع ملصقات البصمة الكربونية على نحو 350 رحلة من رحلاتها البالغ عددها 6 آلاف رحلة حتى الآن. وتعبر عن تطلعاتها قائلة، "نأمل أنه مع مرور الوقت، سيعتمد جميع شركائنا في نهاية المطاف استخدام ملصقات البصمة الكربونية".
"إنتريبيد ترافل" Intrepid Travel وهي أكبر شركة سفر في العالم لديها تصنيف "بي كورب" B-Corp [تمنحه المنظمة العالمية B-Lab للشركات الربحية نظراً إلى تأثيرها الاجتماعي]، انضمت، أخيراً، إلى ما تعتبره نظام استخدام ملصقات البصمة الكربونية الأكثر شمولاً في القطاع. وقامت في البداية بتطبيق النظام على نحو 500 باقة سفر من أصل ألف باقة لديها. وتهدف إلى توسيع نطاقه تدريجاً ليشمل مجموع الرحلات بأكملها.
الدكتورة سوزان إيتي مديرة التأثير البيئي العالمي في شركة "ترافل إنتريبيد"، تحدثت لـ"اندبندنت" عن الجهد الكبير المبذول في مجال قياس أثر الرحلات. قالت "إنها مهمة كبيرة نظراً إلى العدد الكبير للرحلات الفريدة التي نقدمها، فقد قمنا بتحليل كل رحلة بدقة بناء على عوامل مختلفة، بما فيها الإقامة والنقل والوجبات والأنشطة والنفايات والعبء الإضافي على الموارد والبيئة. إن تنفيذ ذلك على مستوى المنتج هو عملية تستغرق وقتاً طويلاً، مما يمثل تحدياً كبيراً".
تعرض ملصقات البصمة الكربونية الخاصة بشركة "إنتريبيد ترافل" لكل مسافر يومياً مكافئ ثاني أكسيد الكربون CO2e (مع الأخذ في الاعتبار تأثير غازات الاحتباس الحراري الأخرى). ويحتسب إجمالي الانبعاثات، مع إضافة نسبة 15 في المئة للطوارئ في أعلى القائمة، إلى أي انبعاثات لم تؤخذ في الاعتبار عن غير قصد.
ومع ذلك، فإن ملصقات "إنتريبيد"، شأنها شأن كثير من المنافسين الآخرين، لا تشمل السفر الجوي الدولي، إذ إن القياسات تغطي فقط الرحلة من البداية الرسمية إلى النهاية، ولا تتضمن الطرق أو التفاصيل المرتبطة بوصول المسافرين إلى وجهتهم وعودتهم إلى ديارهم في الحسابات. وتقول الدكتورة إيتي: "نحن ندرك أنه في كثير من الحالات، يجب على عملائنا السفر جواً في رحلاتنا. لكن وفق المنهجية المتبعة لدينا في الوقت الراهن، في نطاق هدف التخفيض الأولي للانبعاثات، فإن الرحلات الجوية من نقطة انطلاقها وإليها، هي غير مدرجة في تقييمنا. ونقيس البصمة الكربونية من اليوم الأول للرحلة إلى اليوم الأخير. لا نزال في صدد فهم التأثيرات السلبية الفعلية التي يخلفها الطيران الدولي في الوقت الراهن".
قد يفهم لماذا تختار شركات السفر هذه- التي تستحق الثناء على استثمار الوقت والموارد في القياس الدقيق للأثر البيئي لرحلاتها- عدم إدراج الرحلات الجوية في حساباتها. فإذا كان العملاء يحجزون هذه الرحلات بشكل منفصل، باستخدام شركات طيران مختلفة وطائرات مختلفة، ويسافرون من مطارات مختلفة وإليها، فمن المستحيل تقريباً توفير قياس دقيق لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون لكل رحلة على حدة.
مع ذلك، يمثل الأمر تحدياً كبيراً في ما يتعلق بملصقات الكربون الخاصة بالسفر. فكما كشف سام من شركة "ماتش بيتر ادفانتشرز" عندما طرحت الشركة ملصقاتها الأولى التي استبعدت الطيران الجوي، فإن "الرحلات الجوية شكلت الغالبية العظمى من البصمة الكربونية في رحلاتها، أي 80 في المئة". وبغض النظر عن التأثير البيئي المنخفض للجوانب الأخرى للرحلة، إذا كانت تتضمن رحلات طويلة المدى ذهاباً وإياباً، فإن البصمة الكربونية الإجمالية ستزداد بشكل كبير.
ويعد الافتقار لتوحيد معايير القياس مشكلة مهمة في هذا المجال. وتقول الدكتورة إيتي إن "كل شركة سفر تتبع "منهجيتها الخاصة" في الوقت الراهن. ومن المهم العمل على اعتماد معايير نموذجية في عملياتنا كي يتمكن المستهلكون من إجراء مقارنات مباشرة".
من الناحية العملية، نظراً إلى أن كل شركة سفر تستخدم منهجيتها الخاصة، فمن السهل نسبياً مقارنة انبعاثات العطلات المختلفة في إطار شركة واحدة. ومع ذلك، فإن مقارنة الرحلات بين مقدمي الخدمات المختلفين تصبح معقدة بسبب عدم وجود نهج موحد.
وتشير الدكتورة إيتي إلى أن "الوضع الراهن، يختلف عما هو عليه في قطاع المواد الغذائية في هذا المجال. ونود أن نرى مزيداً من الشفافية، واتباع نهج موحد يسمح للعملاء بإجراء مقارنات حقيقية للرحلات".
مما لا شك فيه أنه لا يزال أمامنا شوط كبير يتعين علينا اجتيازه لإحراز تقدم في هذا المجال. ومع ذلك، فإن العدد المتزايد من الشركات التي أصبحت تأخذ مسألة ملصقات الكربون على محمل الجد، يعد مؤشراً إيجابياً. وهو على أقل تقدير، يمكن شركات السفر من أن تصبح أكثر شفافية في ما يتعلق بتأثيرها البيئي، ويساعدها في تحديد المجالات التي يمكنها التركيز فيها على الحد من انبعاثات الكربون. فلنمنحها بضع سنوات أخرى، من يدري؟ فقد تصبح ملصقات الكربون رمزاً جديداً للتميز. ويمكن للفرد أن يسجل حقوق التفاخر من جانبه، ليس قياساً على مدى بعد وجهة عطلته، بل على مدى خفض تصنيفها الكربوني.
© The Independent