ملخص
تسود "غريان" الليبية حالياً حالة من الهدوء الحذر بعد سيطرة "دعاب" ومجموعته العسكرية عليها مع توقعات بانفجار الموقف في أي لحظة.
استيقظت مدينة غريان الاستراتيجية جنوب العاصمة الليبية طرابلس، على اشتباكات عنيفة بالأسلحة الثقيلة وسط شوارعها وأحيائها بين قوة مسلحة يقودها القيادي العسكري المثير للجدل عادل دعاب وكتائب أخرى في مدينة غريان، قبل أن تعلن الأولى حسم الأمر لصالحها وتؤكد مصادر محلية صحة تلك الأنباء.
وتسود "غريان" حالياً حالة من الهدوء الحذر بعد سيطرة "دعاب" ومجموعته العسكرية عليها، مع توقعات بانفجار الموقف في أي لحظة، بعد تحرك قوة مسلحة كبيرة من طرابلس لاستعادة السيطرة عليها، ورصد نشاط كثيف للطيران المسلح التركي في قاعدة معيتيقة في التوقيت نفسه.
الاشتباكات التي شهدتها مدينة غريان بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة، منذ الساعات الأولى ليوم الأحد، تركزت في أحيائها الجنوبية مما تسبب في تعطيل الدراسة والأعمال في المؤسسات والمرافق العامة في هذه المنطقة.
وقال مدير عام مستشفى غريان المركزي خالد زويط، إن "المستشفى استقبل عدداً من الإصابات جراء الاشتباكات المسلحة في وسط المدينة". ولاحقاً جرى الإعلان عن أربعة قتلى.
وبحسب شهود عيان، فإن الاشتباكات اندلعت إثر محاولة القائد العسكري الذي ينسب ولاءه لقيادة الجيش في بنغازي عادل دعاب السيطرة على غريان، بعد عودته إليها منذ أيام قليلة، مما تسبب بعودة التوتر الأمني في شوارعها، حيث انتشرت الدبابات والسيارات المسلحة منذ ورود معلومات عن تمركزه في مقر القوة الرابعة بمنطقة "كمون"، جنوب المدينة.
بيان مفاجئ
بعد ساعات قليلة من اندلاع الاشتباكات، أعلنت القوة العسكرية التي دخلت مدينة غريان بقيادة عادل دعاب سيطرتها عليها، داعية في بيان مفاجئ "جميع الأطراف المتنازعة إلى وقف إطلاق النار وإنهاء العمليات العسكرية".
كما فاجأت هذه القوة العسكرية وقائدها الجميع بإعلان دعمها وولائها لحكومة عبدالحميد الدبيبة والمجلس الرئاسي في طرابلس بعكس ما يقال عنها، إذ حثت "رئيس الحكومة إلى تفعيل أجهزة الدولة العسكرية والشرطية للقيام بواجباتها في المدينة"، لافتة إلى "دعمها للمجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية".
ووصف البيان ذاته ما يحدث في المدينة بأنه "شأن داخلي ولن يتم السماح بتدخل أي أطراف خارجية"، موضحاً أن "قوة دعاب العسكرية متأهبة وتراقب التطورات على الأرض".
ورأى محللون ليبيون أن الرسالة المبطنة بين السطور السابقة في البيان كانت موجهة إلى تركيا، خصوصاً بعد تحرك طائرتها المسيرة باتجاه غريان، ما يؤشر إلى تدخلها الوشيك لتغيير الموقف الحالي في المدينة، كما فعلت في أحداث عسكرية كثيرة مشابهة في السنوات الماضية، أبرزها منع قوة تابعة لحكومة فتحي باشاغا، من دخول العاصمة طرابلس العام الماضي.
استمرار حالة النفير
بالعودة إلى بيان القوة العسكرية بقيادة عادل دعاب، نبهت فيه أيضاً إلى "استمرار حالة النفير والجهوزية التامة لوحداتها العسكرية، واستعدادها للتصدي لكل من يحاول التعرض لمؤسسات الدولة أو يحاول استغلال الأحداث الحالية لتصفية حسابات شخصية".
وخلصت إلى أن "جهود الحفاظ على النسيج الاجتماعي وتحقيق المصالحة مستمرة في غريان"، مطالبة كل الأطراف بـ"التعاون لحلحلة الخلافات ولم شمل المدينة".
زحف مسلح من طرابلس
التطورات المباغتة في غريان وصل صداها بسرعة إلى طرابلس، وتسببت بحالة من الارتباك بداية، ثم البدء في حشد قوة عسكرية كبيرة لاستعادة السيطرة على المدينة الواقعة جنوب العاصمة، التي تشكل أهمية استراتيجية كبيرة لحكومة عبدالحميد الدبيبة وخطراً داهماً عليها في حالة سقوطها في يد طرف معاد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هذه الأسباب دفعت الحكومة لتحريك رتل مسلح ضخم من طرابلس باتجاه غريان، ونشر مدونون على مواقع التواصل صوراً ومقاطع فيديو لهذا الحشد العسكري من السيارات المسلحة خارجاً من طريق الخلة، جنوب العاصمة، باتجاه قصر بن غشير المؤدية إلى غريان، كما خرجت أرتال مسلحة من اتجاهات أخرى في المدينة إلى الوجهة نفسها.
وجرى رصد في التوقيت نفسه تقريباً (منتصف النهار) تحليق مكثف للطيران المسير في مطار معيتيقة، قبل توجهه إلى مدينة غريان.
أول تعليق رسمي
أما أول تعليق رسمي بخصوص الأحداث المتسارعة في غريان، فصدر عن عضو المجلس البلدي، منى المقدم، التي أعلنت "توقف الدراسة في المدارس التي تقع في محيط الاشتباكات، موضحة أن المجلس في حالة انعقاد دائم، وتواصل مع جميع الأطراف للوصول إلى تهدئة ووقف إطلاق النار وإنهاء الاشتباكات".
ولفتت المقدم أيضاً إلى "نقل مكان اجتماعات المجلس البلدي، بسبب وقوع مقر البلدية في قلب المنطقة التي تحتدم فيها الاشتباكات".
من جانبه، دعا مستشفى غريان المركزي العناصر الطبية فيه كافة للحضور إلى المستشفى لمساعدة العناصر الموجودة فيه بعد الاشتباكات المسلحة التي شهدتها المدينة.
ووجه المستشفى نداءً إلى "العاملين فيه كافة من عناصر طبية وطبية مساعدة للحضور ومساعدة زملائهم الموجودين".
ودعت وزارة الصحة بحكومة الوحدة الوطنية المستشفيات والمراكز الصحية والعاملين الصحيين بغريان إلى رفع مستوى الجهوزية القصوى للاستجابة للتطورات المتسارعة في مدينتهم.
وبينت الوزارة عبر مكتبها الإعلامي "أن نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الصحة المكلف رمضان أبوجناح، كلف جهاز طب الطوارئ والدعم باتخاذ إجراءات التأهب والاستعداد كافة والتوجه إلى مدينة غريان لمساندة المستشفيات في المدينة أو التي تقع في مناطق قريبة منها".
أهمية غريان الاستراتيجية
يقال في ليبيا إن الطريق إلى طرابلس يمر عبر بوابتين، غريان في الجبل والزاوية من الجهة الساحلية، ولذلك شكلت غريان منذ بداية المواجهات المسلحة في ليبيا بعد سقوط نظام معمر القذافي عام 2011، أهمية لكل الأطراف المسلحة، وضعتها في قلب صراع دائم وجعلت فترات استقرارها قصيرة وتوترها الأمني حالة مستمرة اعتادها سكان المدينة.
وللدلالة على الأهمية الاستراتيجية لغريان، يرى متخصصون في الشأن العسكري أن خروجها من قبضة قوات الجيش التي يقودها خليفة حفتر عام 2020، كان خطوة أولى ومحورية لتراجعها من غرب البلاد بالكامل، ورجوعها إلى نقطة انطلاقها في الشرق دون تحقيق الغاية التي جاءت من أجلها وهي دخول طرابلس وبسط سيطرتها عليها، ولذلك من المرجح أن تكون للقوة التي هاجمتها اليوم غاية أبعد بكثير منها، وما هي إلا محطة أولى في الطريق إليها.