ملخص
بعد عام على الفراغ الرئاسي الرابع، يتساءل اللبنانيون حول الأسباب التي تعوق انتقال السلطة بشكل سلس بين رئيس وآخر وما إذا كانت الأزمة مرتبطة بطبيعة النظام أو بسبب التحايل على الدستور
قبل عام في 31 أكتوبر (تشرين الأول) انتهت ولاية الرئيس السابق ميشال عون من دون انتخاب خلف له، ودخلت البلاد في فراغ رئاسي. هو المشهد الرابع الذي تكرر منذ استقلال لبنان عام 1943. وخلال العام الماضي أخفق المجلس النيابي 12 مرة في انتخاب رئيس.
ينص الدستور اللبناني على أن تتولى الحكومة صلاحيات الرئيس في حال الشغور الرئاسي، إلا أنها بدورها ليست حكومة مكتملة الصلاحيات كونها تعتبر أيضاً مستقيلة حكماً منذ انتخاب المجلس النيابي في 20 مايو (أيار) 2022 وفشل رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي في تأليفها قبل انتهاء ولاية عون الرئاسية.
وفي ظل تعطل السلطة التنفيذية كونها سلطة تصريف أعمال، انسحب التعطيل أيضاً على السلطة التشريعية التي تحولت بحكم الدستور إلى هيئة انتخابية لا تشريعية، في حين تواجه السلطة القضائية شللاً شبه شامل نتيجة شغور عديد من المواقع والإضرابات المستمرة نتيجة الأزمة الاقتصادية.
السيناريو الرابع
ومنذ الاستقلال عرف لبنان 13 رئيساً للجمهورية، ثمانية منهم قبل "اتفاق الطائف"، وتعاقب خمسة رؤساء بعد "الطائف" هم: رينيه معوض وإلياس الهراوي وإميل لحود وميشال سليمان وميشال عون، وقد شهدت البلاد شغور موقع الرئاسة أربع مرات. الأولى مع انتهاء ولاية الرئيس أمين الجميل في 22 سبتمبر (أيلول) 1988، وهو شغور انتهى بانتخاب الرئيس رينيه معوض عام 1989 أي إنه دام عاماً و44 يوماً، والمرة الثانية مع انتهاء الولاية الممددة للرئيس إميل لحود في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) 2007، وانتهى الشغور الذي دام نحو ستة أشهر، يوم 25 مايو 2008، بانتخاب العماد ميشال سليمان، نتيجة اتفاق بين الزعماء السياسيين اللبنانيين عقد في العاصمة القطرية الدوحة.
أما المرة الثالثة فقد كانت الأطول مدة في البلاد من جهة الشغور الرئاسي، إذ امتد لعامين ونصف العام، بدأت بانتهاء ولاية سليمان في 25 مايو 2014، وانتهت في 31 أكتوبر 2016 بانتخاب عون، فيما نشهد الفراغ الرابع منذ نهاية ولاية عون.
المعارضة "توازن" المعركة
وخلال جلسات انتخاب رئيس للبلاد وعلى رغم إعلان كل من "حزب الله" وحركة "أمل" ترشيحهما رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، فإنهما اعتمدا تكتيك التصويت بورقة بيضاء إلى جانب نواب آخرين كانوا يصوتون بأوراق بيضاء أيضاً، وذلك لإخفاء العدد الحقيقي الذي سيصوت لفرنجية.
وبالتوازي كان رئيس المجلس نبيه بري و"حزب الله" يضغطان باتجاه إجراء حوار كشرط لفتح دورة ثانية يفوز فيها الحاصل على النصف زائداً واحداً من الأصوات.
السيناريو الذي طبع الجلسات الانتخابية عبارة عن تكرار للمشهد نفسه، وما عزز تحكم الرئيس نبيه بري ومن خلفه "حزب الله" بجلسات المجلس النيابي، ما عرف بالمبادرة الفرنسية التي انطلقت بمعادلة إيصال سليمان فرنجية إلى الرئاسة مقابل وصول نواف سلام المقرب من القوى المعارضة وفق رأيهم إلى رئاسة الحكومة. إلا أن المعارضة أصرت على اتباع المسار الدستوري وعدم تعطيله بذرائع هدفها وصول فرنجية، مرشح "حزب الله" إلى سدة الرئاسة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقبل نهاية ولاية عون، دعا رئيس المجلس النيابي نبيه بري إلى أول جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية في 29 سبتمبر 2022، قبل أن يرفعها بعد تعذر حصول أي مرشح على نسبة الثلثين من أصوات أعضاء المجلس، وفقدان نصاب حضور ثلثي النواب في الدورة الثانية، وقد صوت النواب في الدورة الأولى حينها بـ63 ورقة بيضاء و36 صوتاً للنائب ميشال معوض، و11 صوتاً لسليم إده، وتوزعت بقية الأصوات على أسماء مختلفة.
وتكرر المشهد نفسه تقريباً إلى الجلسة العاشرة، حين تصدر النائب ميشال معوض النتائج بحصوله على 38 صوتاً في 15 ديسمبر (كانون الأول) 2022، وحازت الورقة البيضاء (ورقة اقتراع فارغة) 37 صوتاً، وعصام خليفة ثمانية أصوات، كما نال كل من صلاح حنين وزياد بارود صوتين، بينما جرى إلغاء 19 ورقة تصويت.
وبين الجلسة الأولى والعاشرة بقي المشهد على حاله تقريباً.
الجلسة الأخيرة؟
الجلسة الانتخابية رقم 12 في 14 يونيو (حزيران) 2023، حصل تغيير مهم. تقاطعت مواقف المعارضة و"التيار الوطني الحر" على اسم المرشح جهاد أزعور، بعدما انسحب لمصلحته ميشال معوض. حصل أزعور على تأييد 59 صوتاً، في المقابل 51 صوتاً لفرنجية وستة أصوات لزياد بارود وصوت لقائد الجيش جوزيف عون، وانتهت الجلسة عقب انسحاب نواب من "حزب الله" وحلفائه ليعطلوا بذلك النصاب المطلوب لدورة ثانية.
وعلى رغم إخفاق تلك الجلسة كسابقاتها في انتخاب رئيس، فإنها كشفت للمرة الأولى عن الحجم الأقصى لأصوات مرشح "حزب الله" وحلفائه.
ويعتقد بعض المتابعين أن تلك الجلسة كانت مؤشراً ليعيد الفرنسيون النظر في اندفاعتهم نحو فرنجية، فأعلن المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان في آخر زياراته إلى لبنان ضرورة البحث عن خيار ثالث.
إطاحة الدستور
وفي هذا السياق يوضح الخبير الدستوري الدكتور سعيد مالك أن عنوان هذه المرحلة التي امتدت من تاريخ الشغور الرئاسي حتى اليوم هو "محاولة إطاحة الدستور ونصوصه"، لافتاً إلى أن الدستور لم يحترم لا سيما في مواده 49 و74 و75 منه، شارحاً أن المادة 49 نصت على جلسة انتخاب واحدة وبدورات متتالية، لكن رئاسة المجلس أطاحت هذه الثابتة وذهبت إلى إقفال محضر كل جلسة انتخاب من دون مسوغ دستوري.
وأضاف مالك أن المادة 74 وكذلك المادة 75 نصتا على تحويل مجلس النواب من تاريخ الشغور إلى هيئة ناخبة وليست تشريعية، فيما رئاسة المجلس أبقت على صلاحيات المجلس التشريعية وعقدت عديداً من الجلسات التشريعية أيضاً من دون مسوغ دستوري، مؤكداً أن هذه المرحلة اتسمت بمحاولة نسف المسار الدستوري في محاولة لفرض حوار يسبق الانتخاب.
الانعكاسات الاقتصادية
وحول التداعيات الاقتصادية للفراغ الرئاسي، يشير المحلل الاقتصادي منير يونس، إلى أنه بانتخاب رئيس ينتظم عمل المؤسسات الدستورية وتتشكل حكومة كاملة الصلاحيات توضع أمامها الإصلاحات المطلوبة للخروج من الأزمة، خصوصاً الإصلاحات المطلوبة من صندوق النقد الدولي.
وأوضح يونس أن الفراغ الرئاسي يؤدي إلى تمدد الأزمة وتداعياتها على اقتصاد لبنان إلى أجل غير مسمى.
وكشف يونس عن مطالبة بتعديل الاتفاق مع صندوق النقد الدولي الذي رد بعدم قدرته على إعادة التواصل مع حكومة تصريف أعمال، لذا إعادة تشكيل السلطة ضرورة ملحة لعودة التفاوض مع الصندوق أو المضي في البرنامج القائم حالياً.