ملخص
كل المخارج المطروحة لتمديد بقاء العماد جوزيف عون على رأس الجيش اللبناني لا تزال عالقة في دوامة الصراع السياسي
مع اقتراب 10 يناير (كانون الثاني) موعد بلوغ قائد الجيش العماد جوزيف عون سن التقاعد، ونظراً إلى استحالة انتخاب رئيس للجمهورية قبل ذلك الموعد، يزداد الخوف من خطر انسحاب الشغور الرئاسي على قيادة الجيش وسط قلق على مصير المؤسسة العسكرية، خصوصاً في ظل خلو موقع رئيس الأركان الذي بلغ سن التقاعد، والمنوط به وحده تسلم قيادة الجيش في غياب قائده، وفق ما ينص قانون الدفاع. ومن الثابت أن هناك مسالك قانونية لتأجيل تسريح قائد الجيش أو التمديد له، أولها أن يصدر قرار عن وزير الدفاع موريس سليم سندا للمادة 55 من قانون الدفاع يطلب فيه تأجيل تسريح قائد الجيش، وهو أمر متعذر كون الوزير موريس سليم المحسوب على "التيار الوطني الحر" لا تربطه علاقة جيدة مع العماد عون، أما الخيار الثاني صدور مرسوم عن الحكومة وهو خيار متعذر أيضاً كونه يقتضي أن يأتي بناء على اقتراح قانون من قبل وزير الدفاع المقاطع وفريقه السياسي جلسات الحكومة، لذا لم تتبق إلا وسيلة مجلس النواب عبر اقتراح قانون يقدم من قبل نائب أو أكثر، وهو ما أقدم عليه حزب "القوات اللبنانية" الذي قدم تكتله النيابي الثلاثاء الفائت، اقتراح قانون اتخذ صفة معجل مكرر ونص على "تأجيل سن التسريح الحكمي من الخدمة العائد لرتبة عماد في الجيش بحيث يصبح 61 سنة بدلاً من 60 ". لكن اقتراح القانون يحتاج إلى تحديد رئيس مجلس النواب نبيه بري موعداً لجلسة تشريعية قريبة، وسط تساؤلات عن استعداد بري للدعوة إلى جلسة ببند واحد كما اشترط تكتل "القوات اللبنانية"، وعن اكتمال النصاب القانوني للجلسة في ظل مقاطعة أكثرية نيابية للجلسات التشريعية، على اعتبار أن مجلس النواب وفق الدستور هيئة ناخبة ولا يمكنه التشريع، فرئيس حزب "الكتائب" أعلن عدم المشاركة في أي جلسة تشريعية، معتبراً أن الحل يجب أن يأتي من وزير الدفاع ومن الحكومة عبر إصدار مرسوم تأجيل تسريح القائد الحالي، علماً بأن النصاب القانوني لأي جلسة تشريعية هو 65 نائباً ونصاب التصويت عادي أيضاً.
بري غير مستعجل وباسيل لن يسمح بالتمديد
على رغم اعتراف معظم القوى السياسية والحزبية بخطورة الوضع، إلا أن التوافق على كيفية تجنب مطب الفراغ في المؤسسة العسكرية لا يزال دونه عقبات، والعقبة الأساسية تتمثل في رفض رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل التمديد للعماد جوزيف عون تجنباً لتمديد حظوظه لرئاسة الجمهورية. وكشفت مصادر نيابية لـ"اندبندنت عربية" أن جولة باسيل الأخيرة على القيادات اللبنانية ومنهم بري ووليد جنبلاط وخصمه اللدود رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية، كان هدفها قطع الطريق على التمديد للعماد عون، وهو أبلغهم وفق ما كشفت مصادر نيابية لـ"اندبندنت عربية" استعداده لتسهيل تعيين رئيس جديد للأركان، وتأمين نصاب الجلسة لحكومة تصريف الأعمال، وكسر قرار مقاطعة الجلسات، لحل مشكلة الفراغ في المؤسسة العسكرية مقابل إسقاط فكرة التمديد لقائد الجيش، لكن جنبلاط رفض تحمل رئيس الأركان، الذي يفترض وفق القانون أن يكون درزياً، مسؤولية قيادة الجيش وحده في هذه الظروف الدقيقة.
ويتحكم باسيل بورقة تأجيل التسريح التي تحتاج إلى قرار صادر عن وزير الدفاع المقرب منه، إضافة إلى قدرته على تعطيل النصاب المطلوب في الحكومة، لتعيين رئيس الأركان. ويتسلح باسيل بدعم حليفه "حزب الله" الذي لا يريد استفزازه لحاجته إلى حليفه المسيحي في المرحلة الحالية، فيما يتخذ "حليف الحليف" رئيس مجلس النواب نبيه بري، موقف المتريث لكن غير ممانع، كما رشح عن اجتماعٍ ثنائي جمعه منذ أسبوع برئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، محوره خطر الفراغ في المؤسسة العسكرية، علماً بأن اجتماع بري ميقاتي فرضته الرسالة التحذيرية التي أبلغتهم إياها السفيرة الأميركية دوروثي شيا، ونقلتها أيضاً إلى "حزب الله" عبر مدير الأمن العام السابق اللواء عباس إبراهيم، ومفادها أن بلادها ستوقف كل المساعدات للجيش اللبناني في حال حصول تغيير في القيادة الحالية، ويمتلك بري ورقة تحديد موعد الجلسة التشريعية التي يمكن أن تنظر باقتراح قانون تكتل "القوات اللبنانية" الذي ربط مشاركته في الجلسة مع نواب المعارضة المقاطعين للجلسات بأن يقتصر جدول أعمالها على بند واحد هو تمديد سن التقاعد، وهو ما يرفضه بري بالقول " أنا لا أشرع à la carte، ولا بحسب مزاجهم، ساعة يريدون هم مع التشريع، وساعة لا يريدون يقاطعون المجلس، أعرف ما علي فعله ولا أحد يمليه علي، لا موعد الجلسة ولا جدول أعمالها".
هل يخلط اقتراح القوات اللبنانية أوراق التمديد
وفتح اقتراح القانون الذي تقدم به التكتل النيابي لحزب "القوات اللبنانية" بتأجيل سن التسريح سنة واحدة من الخدمة لرتبة عماد في الجيش، ثغرة مهمة في جدار أزمة ملف قيادة الجيش، ووفر مخرجاً يمكن اللجوء إليه في حال استمرار تعثر إمكانات المعالجة عبر الحكومة، وهي المرجع الأول لبت التعيينات العسكرية، أما الجديد في خطوة "القوات اللبنانية" أنها أمنت الغطاء المسيحي لأي جلسة تشريعية لإقرار التمديد، وأفقدت "التيار الوطني الحر" القدرة على استخدام عنوان فقدان الميثاقية. وأكد عضو تكتل "الجمهورية القوية" النائب جورج عقيص لـ"اندبندنت عربية" أن حزب "القوات اللبنانية" تقصد المشهد الجامع خلال الإعلان عن اقتراح القانون الذي وقع عليه 10 نواب من أصل 19، لتثبيت مدى أهمية هذه المسألة بالنسبة إلى الحزب، ووضعه في الإطار والاستحقاق الوطني الذي يصب في مصلحة لبنان وكيانه واستمراريته ووجوده، وللتعبير عن رفض العبث بقيادة الجيش وبأنه ممنوع المس بهذا المركز في الوضع الحالي تحديداً، وفي ظل فراغ رئاسي، كما يجب ألا يكون جزءاً من بازار الكيد والتكتيك السياسي. وأكد عقيص رداً على موقف بقية الكتل النيابية "من المبكر تكوين فكرة نهائية عن تجاوب الكتل"، كاشفاً أن الموضوع يحتاج إلى مزيد من العمل متوقعاً أن تتضح أكثر مواقف الكتل النيابية مع اقتراب موعد الاستحقاق، كاشفاً أن الرهان هو على ضيق الخيارات المتوافرة، وأكد النائب "القواتي" أن الأمر متروك للمسؤولية الوطنية لكل فريق، سواءً رئيس حكومة تصريف الأعمال أو الحزب التقدمي الاشتراكي أو النواب السنة في تأمين الأكثرية المطلوبة لعقد الجلسة ولمنع خطر الفراغ في المؤسسة العسكرية. أما عن إمكان رفض رئيس مجلس النواب نبيه بري تحديد جلسة ببند واحد فيؤكد عقيص أن بري سيترك القرار لآخر دقيقة.
التيار يحسمها لن نحضر الجلسة
يجزم النائب جبران باسيل في لقاءاته المغلقة أن التمديد للعماد جوزيف عون لن يحصل أبداً، وفي أول تعليق على اقتراح القانون الذي تقدم به حزب "القوات اللبنانية" يسأل عضو تكتل "التيار الوطني الحر" النائب غسان عطا الله "لماذا علينا دائماً وضع قوانين جديدة وخرق الأعراف العادية الموجودة لإحداث تغيير"، ويضيف بأن قانون الدفاع في الفقرة 39 واضح ، وينص أنه في حال غياب قائد الجيش، ولم يتحدث عن حال الشغور، فإن رئيس الأركان يتسلم مهام القيادة، وفي حال الشغور في القيادة وفي رئاسة الأركان يتابع عطا الله فالأعلى رتبة يمكن أن يستلم، وفي حال وجود ضابطين بالرتبة نفسها يمكن العودة إلى تاريخ صدور مرسوم الترفيع واختيار صاحب المرسوم الأقدم، ويسأل عطا الله طالما النص واضح لماذا نلجأ إلى تأليف نصوص جديدة غامزاً من قناة "القوات اللبنانية" للحديث عن حفلة مزايدة و"تبييض وجه" لا أكثر ولا أقل. واعتبر عطا الله أنه لا يمكن العمل على مقاس أشخاص خصوصاً أن للمؤسسة العسكرية قانونها ويمكن السير به تجنباً لعدم التعدي على أحد أو ظلم آخر، وكل من راجع وزير الدفاع في هذه المسألة سمع الجواب نفسه وأحاله إلى نص القانون، يضيف النائب المقرب من باسيل، والقانون لا يسمح بالفراغ في المؤسسة العسكرية، أما إذا أرادوا خرق القانون فهذه قصة أخرى، ويجزم عطا الله أن تكتل" لبنان القوي" لن يحضر جلسة تشريعية على جدول أعمالها التمديد لقائد الجيش، خصوصاً أن لا ضرورة للتمديد طالما المؤسسة وفق نظامها وقانون الدفاع يمكن أن تستمر.
باسيل يعمل لتسليم ضابط مقرب منه قيادة الجيش
وكانت سرت معلومات بأن باسيل يسعى إلى تسليم قيادة الجيش إلى اللواء بيار صعب كونه الأعلى رتبة في المجلس العسكري حالياً، وهو محسوب عليه. في المقابل تؤكد مصادر مقربة من الجيش ومطلعة على قانون الدفاع أن صعب لا يحق له وفق القانون أن يتسلم قيادة الجيش لأنه ينتمي إلى المجلس العسكري وليس إلى قيادة الجيش، وهو يحتاج إلى قرار جديد من مجلس الوزراء يعيده إلى مؤسسة الجيش بعد تخفيض رتبته من لواء إلى عميد، وتكشف المصادر نفسها لـ"اندبندنت عربية" أن تعيين صعب في المجلس العسكري حصل بشكل مخالف للقانون وخلافاً لإرادة قائد الجيش الذي كان اقترح على رئيس الجمهورية ميشال عون اسماً آخر ووافق، لكن باسيل بدل الاسم وسلمه لوزير الدفاع آنذاك عضو تكتل "لبنان القوي" سابقاً النائب الياس بو صعب، أما اعتماد "التيار الوطني الحر" على المادة 39 لتمرير انتقال القيادة إلى اللواء بيار صعب، التي تشير إلى أن لكل ضابط حق الإمرة على من دونه رتبة، فتوضح مصادر عسكرية أن المادة 39 خاصة بالضباط ولا علاقة لها بقيادة الجيش.