ملخص
من المستحيل القضاء عسكرياً على حركة مقاومة تتمسك بالحق التاريخي للشعب الفلسطيني مثل "حماس".
لا فرصة في حرب غزة مهما يحدث خلالها، ومهما يكن حجم القتال انطلاقاً منها وبعدها لتحقيق هدفين متناقضين لطرفي الصراع، واحد طرحته إسرائيل بعد عملية "طوفان الأقصى" هو القضاء على "حماس"، وآخر مطروح في الخطاب كما في التخطيط والتصور عند الحركة و"الجهاد"، وكل محور المقاومة بقيادة طهران التي في شوارعها ملصقات تقول "400 ثانية إلى تل أبيب: إزالة إسرائيل".
فمن المستحيل القضاء عسكرياً على حركة مقاومة تتمسك بالحق التاريخي للشعب الفلسطيني مثل "حماس"، أو حتى تنظيم إرهابي يمثل فكرة مثل "داعش" و"القاعدة"، فالحرب الدولية على الإرهاب بمشاركة القوى الكبرى عجزت على مدى عقدين وخلال حربين كبيرتين ومجموعة حروب متوسطة عن القضاء على أي منهما، حتى وإن خسر "داعش" أرض "الدولة الإسلامية" في العراق وسوريا، وخسرت "القاعدة" الملجأ في أفغانستان.
ولا أحد يجهل أن الكبار الذين وقفوا ضد المحاولة العربية العسكرية عام 1948 لمنع قيام إسرائيل كانوا ولا يزالون ضد أي تحرك عسكري رسمي أو مقاومة شعبية لتحرير فلسطين من البحر إلى النهر، وحتى شعار إزالة آثار العدوان الذي رفعه العرب بعد هزيمة 1967 بقي شعاراً، وما تحقق منه في مصر والأردن والضفة وغزة كان بالتفاوض وثمنه الاعتراف بإسرائيل.
وليس خارج المألوف أن يرى المرشد الأعلى علي خامنئي في زيارات القادة الأميركيين والأوروبيين إلى تل أبيب إشارة إلى الخوف من زوال إسرائيل، ولا أن يعلن قائد الحرس الثوري الجنرال حسين سلامي "أن طوفان الأقصى هو المرحلة الأولى من الزوال الباكر لإسرائيل"، لكن المسألة ليست التمنيات والخطط والتمسك بالحقوق الفلسطينية، بمقدار ما هي موازين القوى وحسابات القدرة وإدراك من وراء العدو ويأتي لنجدته عندما يتهدد وجوده، وكذلك الأمر بالنسبة إلى جنون حكومة بنيامين نتنياهو ومعارضيه وتحديد الهدف من تدمير غزة واجتياحها بأنه محو "حماس" من على وجه الأرض، أو أقله إضعافها وقتل قادتها بحيث تصبح عاجزة عن شن حرب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الشعب الفلسطيني هو الأساس قبل "حماس" ومعها وبعدها، كما مع "فتح" و"الجبهات الشعبية" وسواها وبعدها، ولا مجال للقضاء على شعب داخل أرضه وحتى خارجها، والذاكرة لا تزال طرية حول الاجتياح الإسرائيلي للبنان وإخراج منظمة التحرير بقيادة ياسر عرفات منه، إذ جاءت بعد الاجتياح الانتفاضة الأولى "انتفاضة الحجارة" التي قادت إلى "اتفاق أوسلو" بين المنظمة وإسرائيل، بصرف النظر عن الرأي في "أوسلو" ومساره، وهناك من يتصور أن مضاعفات حرب غزة ستجبر الغرب والشرق على الدفع نحو تغيير في الحكم الإسرائيلي والتفاوض على "حل الدولتين"، بحيث تقود الحرب إلى "دولة فلسطينية".
وليسوا قلة في العالم قبل المنطقة الذين يقولون إن الطريق الوحيد لإضعاف "حماس" وتقوية التيار الفلسطيني الوطني المعتدل وتيار الوسط واليسار في إسرائيل هو التفاوض الجدي على "حل الدولتين"، أما حرب غزة وسط سياسة اللاتسوية فإنها ستقود إلى تقوية "حماس" و"الجهاد" والتحول الكبير في الرأي العام الفلسطيني نحو العودة للتمسك بالتحرير الكامل، والفشل الإسرائيلي في تحقيق الأهداف من هذه الحرب هو بوليصة ضمان لأن تصبح "حماس" قائدة الشعب الفلسطيني بلا منازع.
ولا شيء يكشف عمق الجنون الإسرائيلي أكثر من اقتراح رئيس جناح الليبراليين في حزب "الليكود" أمير فايتمان قبل الوصول إلى عتاة الليكود وإيتمار بن غفير وبتسلئيل سموترتيش، فما الذي يقترحه هذا الليبرالي؟
يقترح إخلاء غزة من أهلها ودفعهم نحو القاهرة والمدن المصرية لا نحو سيناء، وسن قانون ضم غزة بلا سكان إلى إسرائيل وإعادة إعمارها، وأقصى ما يقوله الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هو أن احتلال غزة خطأ جسيم، والتراجيديا دائرة بينما مجلس الأمن مشلول، والجامعة العربية تبحث في استراتيجية إعلامية لمواجهة الرواية الإسرائيلية للحرب، والحيوية عادت للشارع العربي وشوارع العالم.