ملخص
القذائف تشعل النار في الجسد، إذ ينصهر الجلد في اليوم الأول، ثم تتهتك الأنسجة، وتبدأ التساقط، وفي اليوم الرابع يظهر العظم، ولا يستجيب الجسم لأي علاج
وصل الطفل مروان إلى مستشفى ناصر في مدينة خان يونس بجنوب غزة مصاباً بحروق شديدة أخفت ملامح منطقة الرأس واليدين والقدمين نتيجة غارة إسرائيلية استهدفت منزله، ونجا منها بعدما تمكن جهاز الدفاع المدني من انتشاله.
ووفقاً للطبيب المشرف على حالة مروان الذي ارتقى بعد أسبوعين وسط محاولات حثيثة من العاملين الصحيين لإنقاذ حياته، فإن الطفل أصيب بحروق من الدرجة الرابعة، وهي أخطر مستويات الاشتعال بالجسم، ولم تعرف جهات الاختصاص التعامل مع حالته لصعوبة ما تعرض له.
حالات نادرة
بحسب التقرير الطبي لحالة مروان فإن الطفل وصل إلى المستشفى محروقاً، وقد سقط عنه الجلد، وتفحمت أنسجة منطقة اليدين والقدمين، وتسبب الاشتعال في إذابة عظمة الفخد اليسرى والساق اليمنى، ولم يستنتج التحليل الكيماوي لأجزاء من جسده أية نتائج بسبب انصهار اللحم، وهذا ما صعب عملية علاجه من قبل الطواقم الطبية.
وتشابهت حالة مروان مع آلاف الجرحى والضحايا، إذ يقول وكيل وزارة الصحة في غزة يوسف أبو الريش "لدينا مصابون بحروق درجتها 80 في المئة، ولم يسبق لطواقمنا أن تعاملت قبل ذلك مع حالات مشابه في أية عملية عسكرية سابقة، وصل بعضها إلى درجة إذابة العظام".
ولا يوجد أي تفسير لدى وزارة الصحة حول سبب الحروق البليغة التي لاحظوها على الضحايا والإصابات، سوى الجزم بأن هذه الحالات تشير إلى استخدام إسرائيل أنواعاً جديدة من الأسلحة تتسبب في حروق بليغة معظمها يتشابه في ذوبان الجلد، بحسب حديث أبو الريش.
تطور الحروق
تكررت هذه الأعراض، لكن بصورة أشد في القصف الإسرائيلي على مخيم الشاطئ في 23 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وتسببت القنابل التي ألقتها الطائرات المقاتلة في حرق جسد سارة بكر، التي وصلت إلى مستشفى الشفاء وهي مشتعلة اليدين. وشخص أطباء قسم الحروق حالة سارة بأنها مصابة بحروق من الدرجة الثالثة، وأن جروحها غريبة وغير مألوفة لهم، حيث يقول رئيس قسم الجروح في مستشفى الشفاء أحمد المخللاتي "يكون الحرق في اليوم الأول لوصول المريض بحالة مستقرة، ثم يبدأ في اليومين الثاني والثالث التعمق داخل الجسم، مما يتسبب في مضاعفات كبيرة للجرحى".
وأضاف المخللاتي "في اليوم الأول ينصهر الجلد، وفي النهار التالي تتهتك الأنسجة، وتبدأ في التساقط، وفي اليوم الرابع يظهر العظم، ولا يستجيب جسم المصاب لأي علاج، هذه حالات غير مسبوقة، ولم تمر على القطاع الصحي بغزة".
وبحسب المخللاتي فإن بعض المحروقين ارتقوا على أسرة المستشفيات لعدم قدرة الأطباء على التعامل مع الحالات نتيجة درجة الحروق الكبيرة وغير المعروفة، لافتاً إلى أنه لا توجد قدرة لدى النظام الصحي على أخذ عينات من جرحى الحروق للوصول إلى نتائج علمية تظهر أنواع الأسلحة التي تسببت في حروق كبيرة لهم.
أسلحة كيماوية
في العادة تتعامل الفرق الطبية التابعة لمنظمة "أطباء بلا حدود" مع حالات الحروق، حيث أكد العاملون أنها عميقة جداً وصلت إلى الأنسجة الداخلية. ويقول نائب المنسق الطبي للمنظمة محمد أبو مغصيب "سجلنا حالات نادرة جداً ولم نلاحظها في العالم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويضيف مسؤول المنظمة "لا نستطيع الجزم بأن إسرائيل تستخدم أسلحة كيماوية، هذا الأمر يحتاج إلى خبراء في مجال الإصابات الكيماوية ومهندسي متفجرات وليس طواقم طبية".
من جهته يعتقد سلامة معروف، وهو رئيس الإعلام الحكومي أن إسرائيل استخدمت أسلحة غير تقليدية في حربها على غزة، وذلك إلى جانب استخدم قنابل الفوسفور الأبيض المحرم دولياً. ويقول "لدى الجهات الرسمية دلائل تظهر نسب حروق عالية هناك حالات أزيلت طبقات كاملة من جلدهم، وهذا يشير إلى أسلحة كيماوية، وما زال الطب الشرعي يواصل البحث للتوصل إلى تأكيدات حول ذلك".
قنابل دخانية
وفي بيان لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" جاء فيه "استخدم الجيش الإسرائيلي قذائف فوسفور أبيض من مدفعية عيار 155 مليمتراً، وتنفجر جواً، في عمليات القصف التي شملت مناطق مأهولة في غزة، وتسببت هذه القنابل في إحداث حروق مؤلمة".
وإلى جانب الحروق، استمعت "اندبندنت عربية" لشهادات من النازحين المدنيين في مستشفى الشفاء، جاء فيها استخدام إسرائيل لقنابل دخانية غريبة تسببت في "سعال شديد وذبحة صدرية وسيلان الأنف، مع تساقط الدموع بشكل لا إرادي وحكة في الجلد، وكذلك ألم في طبلة الأذن مصحوباً بصداع مرهق".
مسحوق الألومنيوم
حول طبيعة هذه الأسلحة التي تسبب حروقاً بالغة وتفحماً في الجسد، يقول المتخصص في وحدة هندسة المتفجرات بغزة محمد مقداد إن غالب الذخائر التي تستخدمها إسرائيل من طرز (MK84-MK80-MK82)، لكن جرى إدخال تعديلات عليها.
وأضاف مقداد "بعد الفحص والاختبارات تبين أنه أدخل على هذه القذائف مادة التترونال، وهي أشرس من مادة (TNT)، وخلطت بمسحوق الألومنيوم لرفع درجات الحرارة في مكان الانفجار، حتى تؤدي إلى هذا النوع من الحروق بين المصابين".
وبحسب مقداد فإن القنابل الأميركية التي وصلت إلى إسرائيل مزودة بمادة تفجيرية تسبب اشتعال كرة لهب ضخمة قبل الانفجار، يصل قطر اشتعالها إلى نحو 370 متراً، والذخيرة بوزن يقدر بنحو نصف طن.
وأشار المتخصص في مجال المتفجرات إلى أن كرة اللهب التي يمكن رصدها بسهولة في عدسات الصحافيين تصل درجة حرارة اشتعالها إلى نحو 150 درجة مئوية، وتحرق جميع ما في قطرها حد الذوبان، أما تأثيرها في المحيط فهو يسبب التفحم، وأبعد من ذلك يؤدي إلى الحروق وذوبان الجلد.
على الجانب الآخر، يقول المتحدث الإسرائيلي باسم "حرب السيوف الحديدية" دانيال هاغاري إنهم يلتزمون قواعد القانون الدولي الإنساني، واتفاق الأمم المتحدة لحظر الأسلحة، ولا يوجد أي خرق حيال ذلك، لكنه رفض التعليق على سبب الحروق التي تظهر على أجساد الضحايا الفلسطينيين.