ملخص
من باستر كيتون إلى براد بيت، كان أبطال هوليوود وبدلاؤهم محترفو المجازفة يخاطرون بحياتهم وأطرافهم (بالمعنى الحرفي للكلمة) لتقديم إثارة لا تضاهى لعقود من الزمن. لمناسبة قيام رايان غوسلينغ بدور محترف مجازفة في فيلم "المنقذ" العام المقبل، نوجه تحية إلى الرجال الأشداء الذين لم تسمعوا عنهم من قبل. بين الأضواء والمهلكة: محترفو المجازفة... جنود السينما المجهولون
باتجاه عقارب الساعة من أعلى اليسار: "غولدن آي"، رايان غوسلينغ أثناء تصوير فيلم "المنقذ"، توم كروز على برج خليفة في فيلم "مهمة: مستحيلة 4"، لي ميجرز في المسلسل التلفزيوني "المنقذ"، تشاو يون فات في فيلم "نمر رابض، تنين خفي"، ميشيل رودريغيز في فيلم "سريع وغاضب" (غيتي/شاترستوك)
طوال الجل الأعظم من تاريخ السينما، ظل الفنانون محترفو المجازفة في حالة من الغموض. يتم جرهم تحت العربات الحربية وتدوسهم الخيول في أفلام الويسترن القديمة لجون فورد: يقودون العربات الرومانية حول الكولوسيوم، أو يقفزون من القطارات والمروحيات. قليل من المشاهدين يعرفون أسماءهم بالفعل، إذ دائماً ما يغتصب مجدهم نجوم الصف الأول الذين كانوا يجلسون بأمان في مقصوراتهم أثناء المشاهد الخطرة تلك، هذا هو الوضع الذي يبدو أن الممثل ريان غوسلينغ عازم على تغييره، حين قال في صيف هذا العام: "في معظم الأفلام، يحصل الممثلون على كل التقدير، لكن محترفي المجازفة هم من يقومون بالجهد كله... يجب أن ينتهي هذا الوضع اليوم".
كان غوسلينغ يتحدث عن فيلمه المقبل "المنقذ" The Fall Guy ضمن فعالية "سينما كون". في فيلم الأكشن المثير، الذي سيعرض في دور السينما اعتباراً من شهر مارس (آذار) المقبل، يلعب غوسلينغ دور محترف مجازفة متقدم في السن يتم استدعاؤه للمشاركة في فيلم اختفى نجمه الرئيس (يجسده آرون تايلر جونسون). تشارك إميلي بلانت في بطولة العمل كمخرجة الفيلم والحبيبة السابقة للبطل الذي يجسده غوسلينغ.
إذاً، هل محترفو المجازفة على وشك الحصول على شيء من التقدير الذي طال انتظاره من الجمهور وأقرانهم؟ لكن كي يحدث هذا، يجب على هوليوود الاعتراف بالقيود المفروضة على معظم نجوم السينما. لسنوات عديدة، كان يتم تلقيننا بقصص عن أسماء كبيرة تتفاخر بأداء مشاهد المجازفة الخاصة بها بنفسها، لكن ما لم يكن الحديث عن توم كروز أو جاكي شان، فمن المؤكد أنهم لم يفعلوا ذلك. يعد غوسلينغ أحد المشاهير القلائل الذين يعترفون دائماً بالمساعدة التي يتلقونها من مجازفين محترفين.
أخذ الممثل دورة في السياقة المجازفة قبل الظهور في فيلم الإثارة الوجودي "قيادة" Drive الصادر عام 2011 للمخرج نيكولاس ويندينغ رين، وفي السنة التالية لعب دور محترف مجازفة على الدراجات النارية في دراما الجريمة "المكان خلف أشجار الصنوبر"The Place Beyond the Pines للمخرج ديريك سيانفرانس. ومع ذلك، أشار غوسلينغ العام الماضي في لقاء مع راديو فيرجن - أثناء الترويج لفيلم الأكشن الخاص به "الرجل الرمادي" The Gray Man - إلى أن "الأمر يتطلب جهداً جباراً لجعل رجل واحد يبدو شجاعاً". قصد بذلك أنه تمكن من الظهور على نحو رائع وشجاع على الشاشة فقط بفضل "فريق العمل المذهل" الذي كان لديه "ينظم" كل تحركاته في الكواليس.
كان من عادة رؤساء شركات الإنتاج في هوليوود أن ينظروا إلى محترفي المجازفة على أنهم أشخاص أغبياء مفيدون: شجعان ومتهورون ويمكن الاستغناء عنهم بكل سهولة. ذات مرة، قال المخرج السينمائي تاي غارنيت صاحب فيلم "ساعي البريد دائماً يدق مرتين" The Postman Always Rings Twice الصادر عام 1946: "لم يكن معظم محترفي المجازفة ممن يمكنك تسميتهم بالمفكرين... لكن لو كانوا كذلك، لما أصبحوا مجازفين".
تتغير الأمور، لكن ببطء. في أفلام مثل "المنقذ" أو "حدث ذات مرة في هوليوود"Once Upon a Time in Hollywood الذي أصدره كونتين تارانتينو عام 2019 ولعب فيه براد بيت دور بديل الممثل الذي يجسده ليوناردو دي كابريو، تم أخيراً منح محترفي المجازفة صورة بطولية وذكية. حتى إن بعض الممثلين محترفي المجازفة أنفسهم قد وصلوا إلى أدوار البطولة، على وجه التحديد زوي بيل، التي كانت بديلة لأوما ثورمان في جزأي فيلم "قتل بيل" Kill Bill لتارانتينو قبل أن تتولى بطولة فيلمه التالي "مضاد للموت" Death Proof في عام 2007 وتحل ضيفة شرف في كل من فيلميه "الحاقدون الثمانية" The Hateful Eight الصادر سنة 2015 و"حدث ذات مرة في هوليوود". يتم أيضاً إيلاء اهتمام كبير حالياً لوثائقي تعرضه شبكة "أتش بي أو" بعنوان "ديفيد هولمز: الصبي الذي عاش" David Holmes: The Boy Who Lived. الفيلم الذي تولى دانييل رادكليف مهمة منتجه التنفيذي، تدور أحداثه حول محترف المجازفة الذي كان بديلاً للممثل في سلسلة أفلام هاري بوتر، والذي أصيب بالشلل بعد تعرضه لحادثة أثناء تصوير "هاري بوتر ومقدسات الموت: الجزء الأول" Potter and the Deathly Hallows: Part 1 الصادر عام 2010.
إذاً، تزداد الأدلة على أن محترفي المجازفة يعاملون الآن باحترام أكبر من أي وقت مضى منذ عصر السينما الصامتة - عندما كان كوميديون مثل باستر كيتون، وهارولد لويد، وتشارلي تشابلن يواجهون انهيار المنازل فوقهم، أو يتدلون من أبراج الساعات وينزلقون على قشور الموز فقط لتسلية الجمهور.
أصبح عديد من منسقي الحركات المجازفة السابقون مخرجين محترمين أنفسهم. "المنقذ" هو من إخراج الفنان المجازف السابق ديفيد ليتش، الذي يشمل رصيده الفني أعمالاً مثل "ديدبول 2" Deadpool 2 عام 2018 و"قطار الرصاصة" Bullet Train عام 2022. شارك أيضاً في إخراج فيلم "جون ويك" John Wick الأول عام 2014، إلى جانب زميله المجازف الذي تحول إلى صانع أفلام تشاد ستاهيلسكي - اشتهر سابقاً بكونه البديل المجازف لبراندون لي في المعالجة السينمائية الصادرة عام 1994 من القصص المصورة "الغراب" The Crow، وناب عن البطل في لقطات عدة عندما لقي لي حتفه على نحو مأسوي أثناء التصوير. ويتبع كلا الرجلين أيضاً المسار المهني الذي سلكه المخرج الهوليوودي الشديد هال نيدهام الذي اشتهر في فترة السبعينيات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كانت السيرة الذاتية التنويرية التي أصدرها نيدهام عام 2011 بعنوان "مجازف! حياتي في هوليوود التي أمضيتها في تصادم السيارات والقفز من الطائرات وتحطيم العظام وتحدي الموت". قبل أن يبدأ في إخراج أفلام مثل "سموكي وقطاع الطرق" Smokey and the Bandit الصادر عام 1977 مع صديقه المقرب بيرت رينولدز، كان نيدهام واحداً من أكثر محترفي المجازفة ديمومة وأعلاهم أجراً في هوليوود. لقد كان ابن مزارع من أركنساس نشأ في فقر مدقع في عصر الكساد، قبل أن يصبح ثرياً من خلال تعريض حياته للخطر في الأفلام الواحد تلو الآخر. بحسب أنه خلال مسيرته المهنية كمحترف مجازفة بديل، تعرض لكسر "56 عظمة، وظهري مرتين، وثقب في الرئة، وتم استبدال كتفي وخلعت بعض أسناني". كان أيضاً على وشك الغرق مرات عدة وأن يحترق حياً.
علم نيدهام جون وين كيفية توجيه اللكمات وقام بأعمال المجازفة في بعض الأفلام الاستثنائية، بما في ذلك فيلم "روح سانت لويس" The Spirit of St Louis عام 1957 للمخرج بيلي وايلدر، وفيلم "رجل كبير صغير" Little Big Man لآرثر بن عام 1970، و"الرابط الفرنسي" The French Connection عام 1971 للمخرج ويليام فريدكين، وفيلم رومان بولانسكي "الحي الصيني" Chinatown عام 1974. على كل حال، لم يكن أحد خارج هوليوود يعرف اسمه إلى أن تدرج نحو الإخراج. صنع سلسلة من أفلام الأكشن الكوميدية غير المبتكرة في الغالب ولم تحظ بإعجاب النقاد على نحو عام. مع ذلك، فقد حصل كمخرج على احترام أكبر بكثير مما حصل عليه لما كان يصطدم بالسيارات من أجل لقمة العيش، أو عندما كانت الخيول تجره عبر الصحراء.
مقدار التقدير الذي سرق من فناني المجازفة على مر السنين صادم. بمجرد ذكر فيلم "بن هور" الصادر عام 1959 لعشاقه وسيكون المشهد الذي يتبادر إلى الذهن على الفور هو سباق العربات. غالباً ما يتم الاحتفاء به كواحد من أعظم تسلسلات مشاهد الأكشن في تاريخ السينما، فضلاً عن كونه أحد أبرز الأحداث في مسيرة المخرج ويليام وايلر. على كل حال، وكما يشهد وايلر في كتابه الصادر حديثاً "هوليوود: التاريخ الشفهي" Hollywood: The Oral History (قام بوضعه المؤلفان سام واسون وجانين باسنجر)، لم يكن له فضل كبير في التسلسل في الواقع. يوضح: "لقد كان حقاً جهد [مخرج مشاهد المجازفة والأكشن] ياكيما كانات و[المخرج المشارك الثاني] أندرو مارتون... لقد عملا لمدة أربعة أشهر على تصوير تسع دقائق فقط من الفيلم".
يكشف فيلم "هوبر" Hooper الصادر سنة 1978 لنيدهام، من بطولة بيرت رينولدز في دور منسق حركات مجازفة في فيلم أكشن ساخر من هوليوود، عن الازدراء المطلق الذي شعر به الفنانون محترفو المجازفة تجاه المخرجين الذين ينفذون اللقطات - وكان عديد منهم أيضاً غافلين عن الأخطار التي يخوضونها. يصور "هوبر" بطله محترف المجازفة بطريقة متناقضة على نحو غريب. يبدأ الفيلم بمشهد يقوم خلاله رينولدز بلف جسده المغطى بالجروح بالضمادات بينما يستعد للانطلاق "لأداء" حادثة أخرى على دراجة نارية. يشرب رشفات عدة من الويسكي أيضاً. ويسير تسلسل المشاهد على أفضل نحو. ينهض رينولدز بعد الحادثة، ويلقي بعض النكات مع البطل الذي ينفذ المشاهد الخطرة بدلاً منه ويغازل نجمات العمل. مع ذلك، فإن الجمهور يدرك على نحو غير مريح مدى سهولة حدوث الخطأ في تلك المجازفة. بمجرد انتهاء المشهد الخطر، يطلب هوبر مزيداً من "بيركس" (مسكنات ألم موصوفة طبياً تسبب إدماناً شديداً، يقوم بابتلاعها وكأنها حبات سكاكر)، هذا عمل كوميدي، لكن بطله الذي يبدو أنه لا يكترث لسلامته يعاني آلاماً في ظهره ويعرج أثناء مشيه ومن الواضح أنه تحت سيطرة صدمات الماضي النفسية.
لا تزال فكرة الجمهور ضئيلة عن الأخطار التي يتعرض لها فنانو المجازفة. حتى في يومنا هذا، عصر المؤثرات البصرية الرقمية ومع وجود إرشادات شاملة للصحة والسلامة معمول بها، لا يزال كثير من الناس يموتون. أثناء صناعة فيلم "xXx" الصادر عام 2002، اصطدم الممثل هاري أوكونور، بديل فين ديزل، بجسر أثناء قفزة مجازفة بالمظلات ومات. وفي وقت سابق من هذا الصيف، ذكرت مجلة فيرايتي أن منتجي الجزء التاسع من ملحمة "سريع وغاضب" الصادر عام 2021 اعترفوا بمسؤوليتهم عن حادثة أدت إلى إصابة محترف المجازفة جو واتس بإصابات أثرت في حياته. تم إلقاؤه من على شرفة وسقط "على أرضية خرسانية من ارتفاع يزيد على 20 قدماً (ما يزيد على ستة أمتار)". توفي الفنان محترف المجازفة باولو ريغوني بعد تعرضه لحادثة إطلاق نار أثناء مطاردة على الثلج في فيلم جيمس بوند "من أجل عينيك فقط" For Your Eyes Only الصادر عام 1981. كانت أوليفيا جاكسون تقود دراجة نارية اصطدمت مقدمتها بإحدى الكاميرات أثناء تصوير فيلم "ريزيدنت إيفل: الفصل الأخير" Resident Evil: The Final Chapter الصادر عام 2015، مما أدى إلى دخولها في غيبوبة لمدة 17 يوماً - كما اضطر الأطباء إلى بتر ذراعها اليسرى. وأثناء تصوير فيلم الأبطال الخارقين "ديدبول 2" الصادر عام 2018 ضمن أفلام عالم مارفل السينمائي، قتلت المجازفة جوي هاريس عندما لم تسر الأمور كما كان مخططاً لها في تسلسل مشاهد على دراجة نارية.
هناك ميل في كثير من الأحيان إلى التغافل عن هذه الأحداث الكارثية. عندما يتم إصدار الأفلام ويتبختر النجوم على السجادة الحمراء في العرض الأول، لا يوجد عادة أي ذكر للمآسي التي وقعت، لكن حتى عندما لا تحدث أي مشكلات متعلقة بأعمال المجازفة، تبدو هوليوود مترددة في تسليط الضوء على فنانيها.
قال كوينتين تارانتينو في عام 2012، أثناء تقديم جائزة الأوسكار الفخرية لنيدهام: "لم يكن هناك سوى محترف مجازفة أسطوري آخر واحد، إلى جانب هال، يحصل على جائزة الأوسكار... هذه الحرفة برمتها التي قدمت كثيراً للسينما، وكانت في بعض الأحيان على حساب حياة مزاوليها، لم يبرز فيها إلا شخص آخر واحد يحصل على هذا التمثال الذهبي الصغير". كان هذا الشخص هو ياكيما كانات المذكور آنفاً، الذي حصل على جائزة أوسكار فخرية عام 1967.
محترفو المجازفة هم "المنقذون" من نواح عدة. لقد كانوا وراء كثير من اللحظات الأكثر إثارة في تاريخ السينما، لكن الجماهير والنقاد يظلون غافلين عن وجودهم. من غير المرجح أن يغير فيلم غوسلينغ الجديد هذا الوضع بين عشية وضحاها، لكنه في الأقل يجب أن ينبه الناس إلى جزء أساس من صناعة الأفلام: هؤلاء الأبطال المجهولون الذين يخاطرون بحياتهم وأطرافهم فقط لإبهارنا.
سيكون وثائقي "ديفيد هولمز: الصبي الذي عاش" متاحاً للمشاهدة عبر منصتي سكاي الوثائقية وناو اعتباراً من 18 نوفمبر (تشرين الثاني). يصل فيلم "المنقذ" إلى دور السينما في 1 مارس (آذار) المقبل.
© The Independent