شكلت نتائج استطلاع رأي أخيراً أعلن فيه 56 في المئة من الإسرائيليين أنهم لا يثقون في رئيس وزرائهم محور نقاش حول انعكاسات استمرار تولي بنيامين نتنياهو رئاسة الحكومة والكابينت الحربي.
يأتي ذلك بينما الأوضاع الأمنية آخذة بالتدهور مع مخاوف من اندلاع حرب إقليمية باتت أقرب من أي وقت مضى، في أعقاب تعنت الكابينت الحربي الإسرائيلي بموقفه الرافض لتوسيع المساعدات الإنسانية للفلسطينيين وتكثيف قصف غزة وقتل المدنيين وممارسة عقوبات جماعية، وكذلك عدم التجاوب حتى مع مطالب واشنطن بالتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وبلورة موقف حول اليوم الذي يلي نهاية الحرب ومستقبل غزة.
نتائج استطلاع الرأي جاءت في وقت يشهد أجواءً مشحونة وخلافات بين وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ونتنياهو وأعضاء الكابينت الحربي بسبب عدم التجاوب مع أي من المطالب الثلاثة المهمة التي ناقشها بلينكن، وهي هدنة موقتة وتوسيع المساعدات الإنسانية لغزة والأهم بحث ترتيبات اليوم الأول لما بعد الحرب.
الرفض الإسرائيلي جاء في وقت تتسع فيه احتجاجات عائلات الأسرى والمفقودين في معظم بلدات إسرائيل وتطالب بالتقدم الفوري نحو صفقة تبادل، واتخاذ خطوات جدية والتجاوب مع مطالب واشنطن للتوصل إلى وقف لإطلاق النار لدعم عملية الإفراج عن المخطوفين الإسرائيليين في غزة.
المسؤول الأكبر
لكن نتنياهو، الذي يعد الرافض الأول لأية صفقة أو بلورة تفاهمات تساعد في الإفراج عن الأسرى، بدأ يواجه حقيقة التدهور المستمر لشعبيته، بل وتحميله المسؤولية عن أحداث السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، وبحسب استطلاع الرأي يرى 44 في المئة من الإسرائيليين أن نتنياهو المسؤول الأكبر عن فشل هذا اليوم.
وتبين أن الإسرائيليين لا يثقون في تحقيق أهداف الحرب، مما يعني أن بقاء "حماس" سيؤدي إلى عدم عودة سكان الجنوب إلى بلداتهم، حيث اعتبر 55 في المئة أنه في حالة عدم تفكيك الحركة لن يعود سكان الجنوب إلى بيوتهم، وبمثل هذا المعطى تكون إسرائيل قد فقدت قدرتها على حماية أمن سكانها، وفي المقابل، وفق ما يعتقد البعض فإن هذه الوضعية تفشل المشروع الاستيطاني، الذي يشكل عنصراً مركزياً في ضمان دولة إسرائيل الكبرى.
هذه الأوضاع مجتمعة إلى جانب ما تم تسريبه من مطلب الرئيس الأميركي جو بايدن من نتنياهو الاستقالة بعد أشهر وتحضير وريثه لتحضير الوضع الذي ستؤول إليه إسرائيل في ظل حرب غزة والفشل الإسرائيلي الذي أدى إلى وقوعها، تجعل إقالة نتنياهو، حتى قبل انتهاء الحرب حاجة ضرورية لمستقبل إسرائيل.
طوفان خارجي
"سيدي رئيس الحكومة، لن تستطيع التملص لفترة طويلة من محاكمة الجمهور، ولا نستطيع البقاء وأنت على رأس الدولة"، هكذا قال أوري مسغاف أحد قادة الاحتجاجات الشعبية "مجموعة الأعلام السوداء"، الذي يبرز في المجموعات التي تطمح إلى وصول عدد التوقيعات التي يتم جمعها إلى مليون إسرائيلي على عريضة تدعو نتنياهو إلى الاستقالة إزاء تدهور إسرائيل بسبب سياسته.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ووفق مسغاف "لا يمكن لإسرائيل أن تسمح لنفسها بمواصلة السير مع هذه القيادة الفاشلة وعديمة المسؤولية، كثير من كل شرائح الشعب يريدون قيادة مختلفة، قيادة لا تغير نهجها بحسب حاجات بقائها".
موقف مسغاف باتت تتبناه غالبية إسرائيلية ترفض بقاء نتنياهو في سدة الحكم، من اليمين واليسار، وفي مساعيه إلى تجنيد أوسع قادة رافضة لنتنياهو يحذر من استمرار الوضع الحالي ويقول "تعرضنا لهجوم وحشي من الجنوب وتهديد وجودي من الشمال، في إطار عملية إقليمية تدار من قبل إيران، تزداد وتتراكم الإشارات المثيرة للاشتباه حول التدخل الروسي، في حين أن الصين أرسلت إلى المنطقة سفناً حربية، نحن ببساطة لا يمكننا البقاء في ظل هذا الطوفان في الوقت الذي فيه نتنياهو يترأس قيادة الدولة".
الأمل في حل الدولتين
على مدار الأسبوعين الأخيرين، ظهرت شخصيات سياسية في أكثر من منبر ومنصة تدعو إلى إقالة نتنياهو فوراً، وترى أن استمراريته لن تتيح لإسرائيل إدارة الحرب، ومن جهة أخرى تؤدي إلى تدهور العلاقات مع الدول الصديقة والحليفة لتل أبيب، والتي من شأنها أن تخرج إسرائيل من الوضعية التي آلت إليها منذ تولي نتنياهو رئاسة الحكومة ومن ثم الإخفاقات الكبيرة والمتشعبة التي كشف عنها السابع من أكتوبر.
أبرز تلك الشخصيات يائير لبيد زعيم المعارضة الذي رفض الدخول إلى حكومة الطوارئ التي انضم إليها حليفه بيني غانتس، بعد اندلاع الحرب، إلى جانب إيهود باراك الرئيس الأسبق للحكومة الإسرائيلية، والذي يعد أبرز أعداء نتنياهو.
كل منه لبيد وبراك طرح مواقف مناقضة لنتنياهو بما يتعلق بحل القضية الفلسطينية، وطالبا بتقوية السلطة الفلسطينية والتعامل معها كحليف مستقبلي، في وقت تحدث فيه الإسرائيليون بأن الوضع بعد حرب غزة لن يكون كما كان قبل الحرب، ليس فقط في غزة ومصير حركة "حماس" ولا في إسرائيل ومستقبل الحكومة اليمينية المتطرفة، وإنما في المنطقة، وأيضاً في كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
المتخصصة في شؤون السياسة الإسرائيلية نحما دفاك انضمت أيضاً في انتقاداتها لنتنياهو مشددة على ضرورة السعي من أجل تحقيق السلام، وقالت "على مدى سنين، من اليمين ومن اليسار، طلبوا السلام، وهذا ما حصل مع مصر ومع الأردن، سلام بارد، لكنه سلام، في اتفاقات أبراهام أيضاً انتصر السلام على العداء". وأضافت "على مدى السنين كان اليسار الإسرائيلي يتطلع إلى العيش بسلام إلى جانب دولة فلسطينية محبة للسلام، دولتان لشعبين كان النداء، الرغبة والتطلع للوصول إلى وضع تعيش فيه إسرائيل بسلام في منطقتنا الإشكالية، لم تأتِ الدعوة إلى السلام انطلاقاً من انهزامية، بل انطلاقاً من المعرفة، الفهم والنظرة إلى أماكن أخرى في العالم، حيث على مدى الزمن لا يمكن التحكم بشعب آخر، بأماني الملايين". وترى أن "فك الارتباط عن غزة الذي فعله اليمين انطوى في داخله على وعد تحطم تماماً في السابع من أكتوبر 2023، إلى جانبه مع كل الأسف وخيبة الأمل تحطمت الفكرة في أنه يمكن الوصول إلى حل الدولتين في المدى المنظور، وهناك حاجة لأن نجتاز فترة زمنية لا بأس بها، ربما لجيل كامل، من الهدوء المطلق والمتابعة لما يحصل في الضفة والقطاع غزة".
وتربط نحما بين إقامة دولة إسرائيل والسابع من أكتوبر فتقول "في الخامس من مايو (أيار) من السنة العبرية أعلن ديفيد بن غوريون عن إقامة دولة إسرائيل، وفي الغداة نشبت حرب الاستقلال. مرت 75 سنة، وفي السابع من أكتوبر عاد وتبين لنا أننا لا نزال في ذروة الحرب على حياتنا، لكن السلام لا بد سيأتي".
وبمثل رأي نحما هناك من يتوقع أن تكون الحرب ليست فاصلة في حياة نتنياهو فحسب، إنما في مستقبل إسرائيل والمنطقة، حيث تداعياتها على وضع إسرائيل ترفع من جديد حاجة التقدم نحو بديل عن السياسة الحالية لعلها توصل إلى طريق مختلف.
ويؤكد المتخصص في الشأن السياسي بن كسبيت ضرورة التقدم نحو وضع آخر "نتنياهو غير مؤهل لإدارة شؤون الدولة، ويمكن استبدال رئيس الحكومة في لحظات الأزمة، هكذا حصل عندما غرق رئيس الحكومة الأسبق أرئيل شارون، في عجزه كان إيهود أولمرت جاهزاً على الرف، أما اليوم فنتنياهو لم يعين أبداً قائمقام، والآن نحن عالقون معه، لكن يمكن التغلب على هذا، في اللحظة التي يعرف فيه أنه إذا لم يعتزل فسينحى".