Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل بدأت "حماس" الجنوح نحو الواقعية السياسية؟

إسرائيل لا تستبعد تخوف قيادات الحركة من السيناريو الصفري وإنهاء حكمها في غزة

متظاهرون يرفعون صورا للمتحدث باسم "كتائب القسام" الجناح العسكري لحركة حماس (أ ف ب)

ملخص

لا تستبعد التصورات الإسرائيلية الراهنة تجاه "حماس" وجود تخوف لدى قيادات الحركة من السيناريو الصفري وإنهاء حكمها في القطاع.

مع إعلان رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية قبول الحركة العمل على أرضية واقعية جديدة من خلال الاعتراف بحدود يونيو (حزيران) 1967 والتوافق في شأن الدولة الفلسطينية الجديدة، تكون الحركة سلمت بالقبول بالمشروع الفلسطيني الذي بدأته السلطة رسمياً، أي الصيغة المعلومة بإنشاء الدولة على جزء من الأراضي الفلسطينية التاريخية وانتهاء صيغة "من النهر إلى البحر"، مما يشير إلى واقعية حقيقية باتت تعلن عن نفسها. والسؤال ماذا يعني إطلاق هنية هذا الأمر في الوقت الراهن وما دلالاته؟

لا يحمل ما أطلقه إسماعيل هنية أي جديد في الوقت الراهن، فالحركة سلمت بنظام أوسلو أصلاً ودخلت الانتخابات التشريعية وقبلت باستحقاقه الذي أنشأ السلطة الفلسطينية أصلاً، مما يؤكد أن "حماس" قبلت ضمنياً الانتقال منذ أعوام طويلة بالنظام القائم بصرف النظر عن عدم الاعتراف بواقع السلطة ممثلة بحركة "فتح" ومناكفتها.

هذا التسليم وما تلاه من أمور انتهى بفوز "حماس" بغالبية المجلس التشريعي قبل الانقلاب لاحقاً عليه، مما يؤكد أن الحركة مضت في مسار أوسلو من دون الاعتراف بالنظام الأساس المنشئ للسلطة وإن دخلت في استحقاقه، مما يعني قبولاً ضمنياً بالاعتراف بإسرائيل لكنه لم يحدث بصورة واضحة أو لافتة وعملت وفق النظام الفلسطيني الحالي أي لم تستبعد نفسها من أي استحقاق على عكس حركة "الجهاد الإسلامي" وفصائل أخرى لم تقبل بالعمل وفق هذا الاستحقاق، ورفضت الدخول في مؤسسات العمل الفلسطيني، أو كيان السلطة الأوسع على رغم ما طرح من مقترحات حقيقية تعمل في إطار من الشراكة الفلسطينية - الفلسطينية عبر التعامل مع إسرائيل ومؤسساتها على الجانب الآخر.

في سياق متصل، طرحت بعض الصيغ الخاصة بضرورة مشاركة الحركة من خلال منظمة التحرير الفلسطينية، مما يعني اعترافاً واقعياً بإسرائيل، خصوصاً أن التحاق "حماس" و"الجهاد الإسلامي" سيرتب اعترافاً بإسرائيل ويرفع الحرج عن الخطاب الإعلامي والسياسي للحركة، تحديداً أن الواقعية السياسية تطلبت ذلك الأمر في توقيتات معينة.

كل هذا يشير إلى أن حركة "حماس" انتقلت إلى مرحلة أخرى من الرشادة السياسية والتسليم بتجربة "حزب الله" التي تحول من خلالها إلى حزب سياسي، مما يعني أن الحركة أرادت أن تلعب السياسة من خلال دور تكتيكي ومباشر والعمل على خيارات متسعة من التحولات الحقيقية التي تشهدها إسرائيل، وتعمل على المضي من خلالها وعدم التزام ما كان يطرح لاحقاً من مقررات تقر بالبقاء في دائرة الأيديولوجيا التي لم يعد لها دور أو حضور بل الانطلاق من أرضية مصلحية ونفعية بحتة وبصورة مباشرة وعدم البقاء في الموقع نفسه.

يشار إلى أن ميثاق حركة "حماس" الذي أصدرته عام 1988، بعد أشهر عدة من تأسيسها في ديسمبر (كانون الأول) 1987، يتضمن في بابه الأول تأكيدات على أنها جزء من جماعة الإخوان المسلمين وأنها جناحها السياسي في فلسطين.

ارتباطات هيكلية

يشير ميثاق الحركة إلى أن جماعة الإخوان المسلمين تنظيم عالمي وهي كبرى الحركات الإسلامية في العصر الحديث وتمتاز بالفهم العميق والتصور الدقيق والشمولية التامة لكل المفاهيم الإسلامية في  كل مجالات الحياة في التصور والاعتقاد وفي السياسة والاقتصاد، وفي التربية والاجتماع وفي القضاء والحكم وفي الدعوة والتعليم وفي الفن والإعلام وفي الغيب والشهادة وفي بقية مجالات الحياة.

وبحسب الميثاق، لا تعترف حركة "حماس" بوجود إسرائيل وتطالب بإزالتها وإقامة دولة فلسطينية على كامل الأراضي الفلسطينية وتتبنى مبدأ المقاومة المسلحة وتعتبره الطريق الوحيد لتحرير البلاد، وكذلك ترفض مبدأ التفاوض مع تل أبيب.

ومنذ أعوام أعلنت الحركة وثيقة جديدة نظمت عملها وحددت مهماتها وأولوياتها وبدء مرحلة جديدة وحقيقية من العمل الوطني في الساحة الفلسطينية، وجاء ذلك استكمالاً للتعديلات التي سبق وأجرتها الحركة في نظامها الأساسي ونجاحها في إجراء انتخابات داخلية، وصعد وقتها جيل من القيادات العسكرية من أمثال يحيي السنوار ومروان عيسى وخليل الحية ومحمد ضيف في مقابل جيل السياسيين الذين حكموا سنوات طويلة من أمثال إسماعيل هنية وموسي أبو مرزوق وخالد مشعل، مما أنذر مبكراً بتغيير هيكلي في السياسات والتوجهات للحركة في المرحلة المقبلة، بخاصة في إطار ترتيب الأولويات داخلها.

وتطالب قيادات من "حماس" في الداخل والخارج بتطوير النظام الأساسي للحركة وتفعيل نظام تولي المواقع الإدارية والسياسية وشكل الانتخاب ولجان الحسم، ووضع آليات عمل ومتابعة لتفعيل مؤسساتها على الأرض، وإقرار نظام الشورى في كل قطاعات الحركة وعدم الاعتماد على قرارات التكليف فقط.

أسباب محددة

يمكن رصد جملة من الأسباب التي دفعت إسماعيل هنية إلى إطلاق تصريحاته برغبة القيادات السياسية في حسم بعض التوجهات الحالية والمتوقعة للحركة في المديين القصير والبعيد بعد المخاوف الأخيرة التي أثيرت في أعقاب وصول جيل من العسكريين إلى المناصب القيادية في الحركة واحتمالات التوجه إلى خيارات المواجهة، وهو ما جرى في مواجهات غزة الراهنة وتصدر الجناح العسكري صدارة المشهد مع العمل على حسم بعض الملفات المتعلقة بالأولويات والمهمات التي يجب عليها اتخاذها في المرحلة المقبلة، ومنها الاستمرار في رفض تقديم تنازلات كاملة وإعادة التذكير بمبدأ فلسطين التاريخية وحدود الرابع من يونيو 1967 ومحاولة طمأنة جيل القيادات السياسية، خصوصاً بعض الشخصيات التاريخية بسبب مخاوفهم من إقدام القيادات العسكرية الحالية على تنحية دور الجيل السياسي في المرحلة المقبلة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وهناك تحفظات لدى بعض القيادات الوسيطة التي ترى أن الحركة لم تبارح خياراتها التاريخية وسيطرة جيل القيادات التاريخية سواء السياسية أو العسكرية وعدم السماح بتصعيد جيل ثانٍ على أرض الواقع وتوجيه رسائل وتطمينات إلى دول الإقليم بأن الحركة حريصة على تطوير قرارها السياسي وإجراء مراجعات في المواقف وسط استمرار المواجهات العسكرية حتى الآن في قطاع غزة.

ولعل الحديث عن مرحلة ما بعد "حماس" يرتبط بتخوف الحركة من الطرح الدولي المتكرر في شأن التعامل على أرضية محددة بعد انتهاء العمليات العسكرية الراهنة، ما بين تقطيع أوصال القطاع إلى كانتونات أو إقامة منطقة عازلة، أو إنهاء حكمها بالقوة العسكرية حتى لو طال الوقت.

لذا جاءت تصريحات إسماعيل هنية في إطار مسعى قيادات الحركة من السياسيين، بخاصة خالد مشعل وإسماعيل هنية وموسى أبو مرزوق لنقل رسائل مباشرة بالحضور السياسي في مركزية صنع القرار وإصداره، وأن جيل العسكريين الذي يدير المواجهة الراهنة مع إسرائيل ويسعى إلى تغيير قواعد الاشتباك على الأرض لن يكون بالضرورة مهيمناً على صدارة المشهد السياسي المقبل، إذ ستكون الأخطار واضحة والتحديات قائمة.

تحديات حقيقية

سيواجه تمرير التوجه الجديد لـ"حماس" كرسالة أولى جملة من التحديات، يمكن إيضاح أهمها برغبة بعض القيادات العسكرية في عدم الاقتراب من برنامج المقاومة والمشروع الإسلامي في أي تعامل، وأنه ليس على الحركة، كما يرون، ما يدفعها إلى الاقتراب من الثوابت والأفكار التاريخية لها تحت أي مستوى.

ويضاف إلى هذا تخوف بعضهم داخل "حماس" من أن يكون هذا الموقف الجديد بديلاً عن الميثاق الرئيس الحاكم للحركة، وهو النظام الذي عملت بمقتضاه أعواماً طويلة ولم يتغير لسنوات وتخوف بعض الشخصيات السياسية من تأثير ما قد يأتي في المواقف الجديدة المطروحة كرد فعل على ما يجري في إطار المواجهات الراهنة في قطاع غزة، والتخوف من إنهاء حكم غزة بالقوة من خلال تدخل دولي باعتبار أن ما يجري في الوقت الراهن لم يعد مقصوراً على الجانبين (أي حركة "حماس" وإسرائيل) فقط، إضافة إلى تخوف بعض القيادات الراهنة من أن يشكل البدء بالإعلان عن صياغة مواقف جديدة وإسقاط مبدأ فلسطين من النهر إلى البحر في هذا التوقيت ضغطاً عليها وقياداتها لصياغة خطاب سياسي جديد بصرف النظر عن التمسك بالثوابت والمعطيات التاريخية وأن يكون ذلك تحويلاً للحركة من كونها حركة مقاومة إلى حركة سياسية.

ويتزامن كل ذلك مع وجود مطالب جماهيرية في قطاع غزة تدعو إلى ذلك مع ضرورة الدخول في خيارات توافقية وإفساح المجال أمام استيعاب الجيل الصاعد داخل "حماس"، إضافة إلى مطالبة بعض القيادات العسكرية في الحركة بألا تكون المواقف الجديدة في سياقها السياسي مثلما أطلق إسماعيل هنية تصريحاته أخيراً مجرد إطار نظري، وأن تحاول تقديم حلول عملية لمشكلات قطاع غزة ومستقبل الهدنة مع إسرائيل والعلاقات مع دول الإقليم، وهو إجراء من شأنه أن يتوصل إلى صيغة حاسمة مع القيادات السياسية التي قد تناور في إطار علاقاتها الإقليمية لتوظيف ملف تبادل الأسرى، أو التوصل إلى تهدئة كاملة أو صياغة مرحلية لاتفاق هدنة طويلة الأجل، مما تتحسب له القيادات العسكرية وقد تتحمل تبعاته من دون أن تكون شاركت في تمريره أو التوافق حوله.

في المجمل ستكون حدود الدولة الفلسطينية وفق إقرار حركة "حماس" فقط على حدود 1967 من دون تحديد الأراضي أو الحدود، مما يشير إلى أن الحركة قد ترى أن الدولة الفلسطينية يمكن أن تقوم في غزة فقط أو على أي جزء من أراضي 1967، وهذا يعني تنازل "حماس" عن 82 في المئة من أراضي فلسطين التاريخية، إذ لم تتبنَّ أية مبادرات جديدة تؤدي إلى دولة فلسطينية مستقلة.

وسبق أن طرح الشيخ الراحل أحمد ياسين مؤسس حركة "حماس" موافقتهم على هدنة مدتها 10 أعوام وإقامة دولة فلسطينية على الأراضي التي احتلتها إسرائيل في حرب 67.

وعلى رغم كل ما يطرح وجاء على لسان إسماعيل هنية ومن موقعه القيادي في الحركة، فإن "حماس" سترفض المس بالمقاومة وسلاحها مع بقاء دائرة المقاومة من حيث التصعيد، أو التهدئة، أو من حيث تنوع الوسائل والأساليب، يندرج كله ضمن عملية إدارة الصراع، وليس على حساب مبدأ المقاومة، ومن قبل كان خالد مشعل دعا الإدارة الأميركية بعد صدور وثيقة "حماس" إلى اعتماد مقاربة جديدة للصراع العربي- الإسرائيلي بعد فشل مقاربتها السابقة، ونبه من جهة أخرى إلى أن "حماس" حركة تحرر وطني فلسطينية وليست مرتبطة بأي تنظيم آخر.

الخلاصات الأخيرة

تعبر المواقف والتصريحات السياسية الأخيرة لاسماعيل هنية عن تأهب حركة "حماس" لتغيير حقيقي في التوجهات والرؤى السياسية خلال الفترة المقبلة إن مضت الخيارات العسكرية الراهنة في اتجاهات محددة وقبلت إسرائيل بوقف إطلاق النار وبدء مرحلة تفاوضية جديدة، مع التوقع أن المواقف الجديدة للحركة لن تقترب من الإطار الأيديولوجي الحاكم للحركة المتمثل في ميثاقها والذي يؤكد أنها حركة مقاومة وليس حركة سياسية بالمعنى المعروف.

ومن الواضح أن رئيس المكتب السياسي السابق خالد مشعل ما زال يمثل مركز ثقل حقيقي داخل الحركة، إلا أن هذا الأمر لا يعني أنه سيكون وحده في دائرة صنع القرار، إذ من المرتقب أن يكون لموسى أبو مرزوق تحديداً دور موازٍ وموازن لمشعل، كما سيكون إسماعيل هنية في صدارة المشهد السياسي والإعلامي، وإن كانت هناك مخاوف من داخل "حماس"، بخاصة من رموز القيادات التاريخية في هيمنة الجانب القطري على قرار الحركة خلال المرحلة المقبلة جنباً إلى جنب مع احتمالات تنامي دور إيران في المعادلة الداخلية لها أيضاً بدعم جيل القيادات العسكرية بالأساس، والسعي إلى تمكينه للسيطرة على مقاليد الأوضاع بالكامل داخل الحركة في المرحلة المقبلة بصرف النظر عما ستنتهي إليه الأوضاع العسكرية الراهنة في قطاع غزة.

ختاماً لا تستبعد التصورات الإسرائيلية الراهنة تجاه "حماس" أن يكون إصدار مثل هذه التصريحات على لسان قادة الحركة، خصوصاً إسماعيل هنية، وفي هذا التوقيت تحديداً بسبب تخوف قيادات الحركة من السيناريو الصفري وإنهاء حكمها في القطاع بهدف الضغط على السلطة الفلسطينية لكي تكون "حماس" طرفاً غير مباشر في المعادلة السياسية الفلسطينية الراهنة، والتخوف من انفراد الرئيس محمود عباس بإدارة المشهد السياسي بأكمله.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل